يدخل السودان عامه الثاني منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع بلا بارقة أمل لإنهاء الحرب التي تهدد وحدته ونسيجه الاجتماعي، وصار نحو ربع عدد مواطنيه بين نازح ولاجئ.

ومع غياب أي حل للأزمة وعدم قدرة أي طرف على حسم المعركة عسكريا واتساع نطاق المواجهات العسكرية، يعتقد خبراء ومراقبون أن البلاد أمام سيناريوهات قاتمة.

فإلى أين تتجه الحرب في السودان وما تداعياتها، وهل صار العامل الخارجي الأكثر تأثيرا على مسارها، وهل تسبب الانقسام الداخلي في تأجيجها، وما سيناريوهات مستقبل هذه الأزمة. الجزيرة نت طرحت 11 سؤالا على 3 من المفكرين والخبراء السودانيين.

يرى المفكر السوداني محمد محجوب هارون أنه مع استمرار استنزاف الحرب للمقدرات البشرية والماديّة للدولة والمجتمع، فإن الأداء العسكري للجيش الوطني والقوى الأهلية المساندة له التي تقاتل إلى جانبه يتحسّن في مقابل تراجع أداء الدعم السريع والجماعات الأهلية المتحالفة معه، خاصة فيما يلي العمل العسكري المنظّم تحت قيادة موحّدة.

وفيما يعتقد أن فُرص الجيش الوطني في السيطرة على نطاق واسع من العاصمة هي الأكبر، لكنه يرى أن تحقيق سيطرة واسعة للجيش على أقاليم السودان، لا سيما غربي البلاد، لن يكون في أمد قصير، حسب هارون.

ما تأثير العوامل الخارجية على مسار الحرب؟

من ناحية العوامل الخارجية، إقليميا ودوليا، يعتقد هارون أن الأساس الذي ينبغي الانطلاق منه هو أن الموقف الخارجي يتنازعه عاملان متكافئان إلى حد كبير، أولهما تزايد الحرج من الانتهاكات الواسعة التي يرتكبها متمردو الدعم السريع، على نحو خاص، على حد وصفه.

والثاني يرتبط بمخاوف قوى في الإقليم، وفي الساحة الدولية الأوسع من تأثّر الأمن الإقليمي والدولي (البحر الأحمر كممر مائي شديد الأهمية، والهجرة عبر المتوسط، وأن ترشح الفوضى في السودان في دول جواره) بحرب سودانية بلا نهاية في الأُفق.

لكن هامشية السودان وتراجع أهميته في أولويات السياسة الخارجية لهذه القوى، كما يقول هارون، عاملان يقللان من احتمال ارتقاء الدور الإقليمي والدولي إلى مستوى الانخراط الإيجابي المطلوب.

هل العامل الخارجي أكثر تأثيرا من الداخلي على الأوضاع بالسودان؟ ولماذا تراجع دور القوى السياسية والمدنية؟

بحسب هارون، لن يكون العامل الخارجي، بأيّ حال، أكثر تأثيرا من العامل الداخلي. ويقول “أنظر مثلا حالة المقاومة الفلسطينية في حرب طوفان الأقصى الجارية. سيبقى العامل الخارجي مؤثّرا ومهما، لكن الذي على الأرض هو الذي يمثل الأهمية الكبرى، ويمتلك القدرة الأفضل على التأثير. والقوى السياسية والمدنية السودانية تعيش أحوال وهن معروفة أسبابها، وهي بذلك ليست القوى الرئيسية في المشهد الوطني بالداخل. القوى الرئيسية، في حالتنا الراهنة، هي القوى التي تقاتل، نظامية وأهلية”.

ووفق هارون، يتراجع دور القوى السياسية والمدنية لأسباب ذاتية منها افتقارها للقدرة على التطوير الذاتي والمواكبة، ولتأثرها بسنوات الحكم العسكري-الإنقاذي الطويلة، وبسبب تشظيها، ولنشوء حركات الاحتجاج المسلح في أطراف البلاد، وعدم توفر الاستقرار المطلوب لتوفير البيئة المواتية لنشوء مجتمع مدني قوي، فضلا عن تضعضُع الدولة السودانية، مما ينعكس سلبا على مجمل الأوضاع.

هل يمكن حسم الحرب عسكريا؟

بالطبع لن تحسم الحرب، شأن أي حرب، عسكريا، فحسب هارون من الطبيعي أن تكون نقطة رجحان ميزان القوة العسكرية لصالح الجيش الوطني هي اللحظة المطلوبة للبناء على أولوية الحل السياسي عبر تفاوض يمكن السودانيين والسودانيات من استرداد دولتهم المهددة، وتعزيز وحدة بلادهم بتفاهمات تبنى على الاتفاق على ماهية الأسباب الجذرية التي أنشأت الحرب، وبتوافق على ماهية المصلحة العمومية الوطنية التي تؤسس لفكرة المواطنة التي يجتمع تحت مظلتها الجميع.

ما السيناريوهات المحتملة لنهاية الأزمة السودانية؟
التوصل لاتفاق سياسي عبر تفاوض طويل وصعب يمكن أن يساعد في حدوثه اتفاق إقليمي ودولي ينطلق من أهمية المحافظة على كيان الدولة ووحدة السودان واستقرار البلاد.
الخضوع لأمر واقع، بسبب بلوغ حالة الإنهاك من الحرب، وهذا ملمحه الرئيس سيادة حالة لا دولة.
أو فرض حل من الخارج، بسبب عجز الداخل عن بلوغ الاستقرار كما يعتقد المفكر السوداني محمد محجوب هارون.

بعد عام من الحرب ثمة مؤشرات على بروز شروخ في البنية الاجتماعية.. فكيف يمكن معالجتها؟

يوافق الدكتور منزول عسل، أستاذ الأنثروبولوجيا والمدير العام السابق لمركز دراسات السلام بجامعة الخرطوم، على أن الحرب الحالية عمّقت شروخا اجتماعية ظهرت من حرب دارفور التي انفجرت في عام 2003، ويعكس الخطاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحوّل هذه الشروخ إلى انقسام اجتماعي، واعتبرها خطيرة وينبغي عدم التقليل من أثرها.

كما يجب عدم التقليل، بحسب عسل، من شأن الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع، لأنها موجودة وفاعلة. ويرى أن المطلوب التفكير في تخطي الأزمة الاجتماعية، وأول خطوة لمعالجة ذلك إسكات البنادق ثم بناء الثقة.

تطالب كتل سياسية ومدنية بإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، فهل هناك حاجة لإصلاح سياسي لضمان الاستقرار في البلاد؟

يقر مدير مركز دراسات السلام السابق أن الأحزاب تعاني من مشكلات، وتوجد ضرورة للإصلاح السياسي، لكن لا يمكن أن يحدث قبل تحقيق استقرار أمني، ولن يتحقق ذلك قبل إصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، لأنها ولغت في السياسة منذ استقلال البلاد.

كيف يبدو مستقبل السودان في ظل الأوضاع التي يعيشها؟

مستقبل السودان مظلم جدا، ولا مؤشرات على أن الحرب ستتوقف قريبا، وكلما استمرت تعقدت الأزمة وزادت الدماء والقتل والدمار، ولا يوجد مبرر للمواقف المتشددة لقيادة الجيش، ولا تقاطع بين مواصلة القتال والانخراط في مفاوضات لإنهاء الحرب، وكل تجارب السودان انتهت حروبها بتسويات، حسب المدير العام السابق لمركز دراسات السلام بجامعة الخرطوم.

هل أسهم الاستقطاب والانقسام السياسي في تأجيج الأزمة السودانية؟

يرى السياسي السوداني الدكتور الواثق كمير أن الاستقطاب والانقسام السياسي لم يسهم في تأجيج الأزمة فسحب، بل له السهم الأكبر في إفشال الفترة الانتقالية، وتوفير البيئة لتعقيد الأزمة، وانقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، واندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023.

وقد حققت فترتا الانتقال بعد ثورتي أكتوبر/تشرين الأول 1964 وأبريل/نيسان 1985 مبتغاهما ونهايتهما الموضوعية بإجراء الانتخابات بغض النظر عن الفشل اللاحق بالعجز عن استدامة التحول الديمقراطي لبضع سنوات. ولولا تماسك القوى السياسية الرئيسية في تلك المرحلة ومحافظتها على وحدتها التنظيمية وتماسكها ووحدة الهدف، ووحدة القوى المدنية المتمثلة في التنظيمات المهنية المنتخبة، لما تحقق ذلك.

أما التجربة الأخيرة بعد ثورة ديسمبر/كانون الأول 2019، فلم يستطع تحالف قوى الحرية والتغيير التماسك والمحافظة على وحدته، ووقعت انقسامات في صفوفه، ودخل في صراع مع المكون العسكري الذي انقسم هو الآخر، مما أدى إلى وقوع الحرب الحالية بين الجيش والدعم السريع، كما يقول كمير للجزيرة نت.

هل يؤدي استمرار المواجهات العسكرية إلى فتح الباب أمام حرب أهلية او تمزق البلاد وظهور أمراء حرب؟

يعتقد الواثق كمير أن أي حرب إذا طال أمدها سيكون لها عواقب وخيمة ونتائج كارثية. ورغم أن الحرب الحالية تبدو بين طرفين، فإنها أحدثت انقساما سياسيا واجتماعيا واضحا بحكم استنصار “مليشيا الدعم السريع” بحواضن اجتماعية، وادعاء بعض قيادتها بأن قتالهم ضد مؤسسي دولة 1956 “تاريخ استقلال السودان”، وكأنهم يتهمون السودانيين في وسط البلاد وشمالها الذين بدت لديهم روح عدائية لا تفرق بين الدعم السريع وقيادته وحواضنه الاجتماعية، وامتدت لتشمل دارفور والسودان.

ما السيناريوهات المتوقعة في العام الثاني للحرب؟

يقول الواثق كمير إن واقع الصراعات السياسية الحادة والنزاعات المسلحة في السودان، حتى قبل الاستقلال، يدفع إلى التوجس من المستقبل. وزادت المخاوف الحالية من قيادة الوطن نحو التمزق والحرب الأهلية، خصوصا مع الاعتقاد أن تسليح المقاومة الشعبية سيصب مزيدا من الزيت على النار وتفجير الاقتتال الأهلي.

وبحسب كمير، فإن الأوضاع الراهنة وتعقيداتها تجعل المستقبل مفتوحا على كافة الاحتمالات. ولكن تمدد الحرب وتوسع رقعتها وتعدد أطرافها، ودخول المقاومة الشعبية المسلحة، يمكن أن يقود إلى حرب أهلية. ويرى أن سيناريوهات المستقبل رهينة بمسار الحرب وموازين القوة العسكرية وكيفية وقف الحرب والرؤية السياسية لإنهائها.

ومن السيناريوهات توقف الحرب بمفاوضات تنتهي باتفاق بين الجيش والدعم السريع على تشكيل جيش وطني موحد القيادة والعقيدة القتالية، وأن يتداعى السودانيون بكافة أطيافهم السياسية في هيئة للحوار السوداني بلا إقصاء لأي طرف من أجل مناقشة القضايا التأسيسية للدولة. وهذا هو السيناريو المقابل لتفكك البلاد، كما يرى كمير.

النور أحمد النور – الجزيرة نت

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القوى السیاسیة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تفرض عقوبات على أفراد وكيانات لدورهم في تأجيج الصراع بالسودان

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أربعة أفراد وأربع جهات لدورهم في تأجيج الحرب الأهلية الدائرة في السودان وما خلفته من آثار إنسانية مدمرة.

وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان، اليوم الأربعاء أن هؤلاء الأفراد والجهات ينتمون إلى شبكة عابرة للحدود تضم بشكل رئيسي مواطنين وشركات من كولومبيا، تعمل على تجنيد عسكريين كولومبيين سابقين للقتال ضمن قوات الدعم السريع السودانية، فضلًا عن تدريب مقاتلين، من بينهم أطفال.

وأشار البيان إلى أن العقوبات الجديدة تستهدف وقف أحد مصادر الدعم الخارجي الرئيسة لقوات الدعم السريع، بما يحدّ من قدرتها على الاستعانة بمقاتلين ذوي خبرة لتنفيذ أعمال عنف ضد المدنيين.

وأضاف البيان أن قوات الدعم السريع، مدعومة بمقاتلين كولومبيين، سيطرت في السادس والعشرين من أكتوبر على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، عقب حصار استمر نحو 18 شهرًا، لتقع بعدها عمليات قتل جماعي للمدنيين وتعذيب ذي طابع عرقي، إضافة إلى انتهاكات جنسية.

وأكدت الولايات المتحدة أن هذه العقوبات تستهدف الأطراف التي قدّمت دعمًا لقوات الدعم السريع في تنفيذ تلك الانتهاكات، بما في ذلك تقديم خبرات تكتيكية وفنية وتدريبية.

وشدد البيان على التزام واشنطن بمنع الحرب الأهلية في السودان من زعزعة استقرار المنطقة أو تحويل البلاد إلى مساحة آمنة لمن يشكلون تهديدًا للمصالح الأمريكية، وذلك من خلال تطبيق المبادئ الواردة في البيان المشترك الصادر في 12 سبتمبر بشأن استعادة السلام والأمن في السودان.

ودعا البيان إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر يعقبها وقف دائم لإطلاق النار، ثم الانتقال إلى عملية سياسية شفافة تهدف إلى إقامة حكومة مدنية مستقلة.

كما أكدت الولايات المتحدة أنها ستنسق مع دول الإقليم لوقف هذه الفظائع وتحقيق الاستقرار في السودان، مجددة دعوتها إلى وقف كل أشكال الدعم العسكري والمالي المقدمة للأطراف المتحاربة.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن، في التاسع عشر من نوفمبر، تفاصيل ما وصفه بالفظائع المروّعة التي يشهدها السودان، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستسخّر ما لديها من أدوات ونفوذ لوقف تلك الانتهاكات.

اقرأ أيضاًالخارجية الأمريكية تفرض عقوبات تستهدف الدعم السريع في السودان

الصحة العالمية: مقتل 114 شخصًا في هجمات على روضة أطفال ومستشفى في السودان

الرئيس السيسي: استقرار السودان يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومي لمصر وليبيا

مقالات مشابهة

  • المملكة المتحدة تفرض عقوبات على قيادات من "الدعم السريع" بالسودان
  • ضرورة الحل الشامل للأزمة في السودان
  • بريطانيا تضيف 4 أسماء جديدة لقائمة العقوبات المرتبطة بالسودان
  • السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟
  • الإمارات تؤكد على أولوية التوصل لهدنة إنسانية فورية بالسودان
  • عثمان باونين لـ "الفجر":الشباب أولًا والوحدة أساسًا.. تحالف القوى يحدد خارطة الطريق للسودان
  • مقـ.تل عشرات المتمردين والموالين لهم في حقل نفط بالسودان
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات على أفراد وكيانات لدورهم في تأجيج الصراع بالسودان
  • وفد منظمة الصحة العالمية يقف على نظام توزيع الإمداد الدوائي بالسودان
  • واشنطن تدرس فرض حزمة عقوبات جديدة تستهدف شبكة دولية تُغذّي الحرب بالسودان