يدخل السودان عامه الثاني منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع بلا بارقة أمل لإنهاء الحرب التي تهدد وحدته ونسيجه الاجتماعي، وصار نحو ربع عدد مواطنيه بين نازح ولاجئ.

ومع غياب أي حل للأزمة وعدم قدرة أي طرف على حسم المعركة عسكريا واتساع نطاق المواجهات العسكرية، يعتقد خبراء ومراقبون أن البلاد أمام سيناريوهات قاتمة.

فإلى أين تتجه الحرب في السودان وما تداعياتها، وهل صار العامل الخارجي الأكثر تأثيرا على مسارها، وهل تسبب الانقسام الداخلي في تأجيجها، وما سيناريوهات مستقبل هذه الأزمة. الجزيرة نت طرحت 11 سؤالا على 3 من المفكرين والخبراء السودانيين.

يرى المفكر السوداني محمد محجوب هارون أنه مع استمرار استنزاف الحرب للمقدرات البشرية والماديّة للدولة والمجتمع، فإن الأداء العسكري للجيش الوطني والقوى الأهلية المساندة له التي تقاتل إلى جانبه يتحسّن في مقابل تراجع أداء الدعم السريع والجماعات الأهلية المتحالفة معه، خاصة فيما يلي العمل العسكري المنظّم تحت قيادة موحّدة.

وفيما يعتقد أن فُرص الجيش الوطني في السيطرة على نطاق واسع من العاصمة هي الأكبر، لكنه يرى أن تحقيق سيطرة واسعة للجيش على أقاليم السودان، لا سيما غربي البلاد، لن يكون في أمد قصير، حسب هارون.

ما تأثير العوامل الخارجية على مسار الحرب؟

من ناحية العوامل الخارجية، إقليميا ودوليا، يعتقد هارون أن الأساس الذي ينبغي الانطلاق منه هو أن الموقف الخارجي يتنازعه عاملان متكافئان إلى حد كبير، أولهما تزايد الحرج من الانتهاكات الواسعة التي يرتكبها متمردو الدعم السريع، على نحو خاص، على حد وصفه.

والثاني يرتبط بمخاوف قوى في الإقليم، وفي الساحة الدولية الأوسع من تأثّر الأمن الإقليمي والدولي (البحر الأحمر كممر مائي شديد الأهمية، والهجرة عبر المتوسط، وأن ترشح الفوضى في السودان في دول جواره) بحرب سودانية بلا نهاية في الأُفق.

لكن هامشية السودان وتراجع أهميته في أولويات السياسة الخارجية لهذه القوى، كما يقول هارون، عاملان يقللان من احتمال ارتقاء الدور الإقليمي والدولي إلى مستوى الانخراط الإيجابي المطلوب.

هل العامل الخارجي أكثر تأثيرا من الداخلي على الأوضاع بالسودان؟ ولماذا تراجع دور القوى السياسية والمدنية؟

بحسب هارون، لن يكون العامل الخارجي، بأيّ حال، أكثر تأثيرا من العامل الداخلي. ويقول “أنظر مثلا حالة المقاومة الفلسطينية في حرب طوفان الأقصى الجارية. سيبقى العامل الخارجي مؤثّرا ومهما، لكن الذي على الأرض هو الذي يمثل الأهمية الكبرى، ويمتلك القدرة الأفضل على التأثير. والقوى السياسية والمدنية السودانية تعيش أحوال وهن معروفة أسبابها، وهي بذلك ليست القوى الرئيسية في المشهد الوطني بالداخل. القوى الرئيسية، في حالتنا الراهنة، هي القوى التي تقاتل، نظامية وأهلية”.

ووفق هارون، يتراجع دور القوى السياسية والمدنية لأسباب ذاتية منها افتقارها للقدرة على التطوير الذاتي والمواكبة، ولتأثرها بسنوات الحكم العسكري-الإنقاذي الطويلة، وبسبب تشظيها، ولنشوء حركات الاحتجاج المسلح في أطراف البلاد، وعدم توفر الاستقرار المطلوب لتوفير البيئة المواتية لنشوء مجتمع مدني قوي، فضلا عن تضعضُع الدولة السودانية، مما ينعكس سلبا على مجمل الأوضاع.

هل يمكن حسم الحرب عسكريا؟

بالطبع لن تحسم الحرب، شأن أي حرب، عسكريا، فحسب هارون من الطبيعي أن تكون نقطة رجحان ميزان القوة العسكرية لصالح الجيش الوطني هي اللحظة المطلوبة للبناء على أولوية الحل السياسي عبر تفاوض يمكن السودانيين والسودانيات من استرداد دولتهم المهددة، وتعزيز وحدة بلادهم بتفاهمات تبنى على الاتفاق على ماهية الأسباب الجذرية التي أنشأت الحرب، وبتوافق على ماهية المصلحة العمومية الوطنية التي تؤسس لفكرة المواطنة التي يجتمع تحت مظلتها الجميع.

ما السيناريوهات المحتملة لنهاية الأزمة السودانية؟
التوصل لاتفاق سياسي عبر تفاوض طويل وصعب يمكن أن يساعد في حدوثه اتفاق إقليمي ودولي ينطلق من أهمية المحافظة على كيان الدولة ووحدة السودان واستقرار البلاد.
الخضوع لأمر واقع، بسبب بلوغ حالة الإنهاك من الحرب، وهذا ملمحه الرئيس سيادة حالة لا دولة.
أو فرض حل من الخارج، بسبب عجز الداخل عن بلوغ الاستقرار كما يعتقد المفكر السوداني محمد محجوب هارون.

بعد عام من الحرب ثمة مؤشرات على بروز شروخ في البنية الاجتماعية.. فكيف يمكن معالجتها؟

يوافق الدكتور منزول عسل، أستاذ الأنثروبولوجيا والمدير العام السابق لمركز دراسات السلام بجامعة الخرطوم، على أن الحرب الحالية عمّقت شروخا اجتماعية ظهرت من حرب دارفور التي انفجرت في عام 2003، ويعكس الخطاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحوّل هذه الشروخ إلى انقسام اجتماعي، واعتبرها خطيرة وينبغي عدم التقليل من أثرها.

كما يجب عدم التقليل، بحسب عسل، من شأن الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع، لأنها موجودة وفاعلة. ويرى أن المطلوب التفكير في تخطي الأزمة الاجتماعية، وأول خطوة لمعالجة ذلك إسكات البنادق ثم بناء الثقة.

تطالب كتل سياسية ومدنية بإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، فهل هناك حاجة لإصلاح سياسي لضمان الاستقرار في البلاد؟

يقر مدير مركز دراسات السلام السابق أن الأحزاب تعاني من مشكلات، وتوجد ضرورة للإصلاح السياسي، لكن لا يمكن أن يحدث قبل تحقيق استقرار أمني، ولن يتحقق ذلك قبل إصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، لأنها ولغت في السياسة منذ استقلال البلاد.

كيف يبدو مستقبل السودان في ظل الأوضاع التي يعيشها؟

مستقبل السودان مظلم جدا، ولا مؤشرات على أن الحرب ستتوقف قريبا، وكلما استمرت تعقدت الأزمة وزادت الدماء والقتل والدمار، ولا يوجد مبرر للمواقف المتشددة لقيادة الجيش، ولا تقاطع بين مواصلة القتال والانخراط في مفاوضات لإنهاء الحرب، وكل تجارب السودان انتهت حروبها بتسويات، حسب المدير العام السابق لمركز دراسات السلام بجامعة الخرطوم.

هل أسهم الاستقطاب والانقسام السياسي في تأجيج الأزمة السودانية؟

يرى السياسي السوداني الدكتور الواثق كمير أن الاستقطاب والانقسام السياسي لم يسهم في تأجيج الأزمة فسحب، بل له السهم الأكبر في إفشال الفترة الانتقالية، وتوفير البيئة لتعقيد الأزمة، وانقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، واندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023.

وقد حققت فترتا الانتقال بعد ثورتي أكتوبر/تشرين الأول 1964 وأبريل/نيسان 1985 مبتغاهما ونهايتهما الموضوعية بإجراء الانتخابات بغض النظر عن الفشل اللاحق بالعجز عن استدامة التحول الديمقراطي لبضع سنوات. ولولا تماسك القوى السياسية الرئيسية في تلك المرحلة ومحافظتها على وحدتها التنظيمية وتماسكها ووحدة الهدف، ووحدة القوى المدنية المتمثلة في التنظيمات المهنية المنتخبة، لما تحقق ذلك.

أما التجربة الأخيرة بعد ثورة ديسمبر/كانون الأول 2019، فلم يستطع تحالف قوى الحرية والتغيير التماسك والمحافظة على وحدته، ووقعت انقسامات في صفوفه، ودخل في صراع مع المكون العسكري الذي انقسم هو الآخر، مما أدى إلى وقوع الحرب الحالية بين الجيش والدعم السريع، كما يقول كمير للجزيرة نت.

هل يؤدي استمرار المواجهات العسكرية إلى فتح الباب أمام حرب أهلية او تمزق البلاد وظهور أمراء حرب؟

يعتقد الواثق كمير أن أي حرب إذا طال أمدها سيكون لها عواقب وخيمة ونتائج كارثية. ورغم أن الحرب الحالية تبدو بين طرفين، فإنها أحدثت انقساما سياسيا واجتماعيا واضحا بحكم استنصار “مليشيا الدعم السريع” بحواضن اجتماعية، وادعاء بعض قيادتها بأن قتالهم ضد مؤسسي دولة 1956 “تاريخ استقلال السودان”، وكأنهم يتهمون السودانيين في وسط البلاد وشمالها الذين بدت لديهم روح عدائية لا تفرق بين الدعم السريع وقيادته وحواضنه الاجتماعية، وامتدت لتشمل دارفور والسودان.

ما السيناريوهات المتوقعة في العام الثاني للحرب؟

يقول الواثق كمير إن واقع الصراعات السياسية الحادة والنزاعات المسلحة في السودان، حتى قبل الاستقلال، يدفع إلى التوجس من المستقبل. وزادت المخاوف الحالية من قيادة الوطن نحو التمزق والحرب الأهلية، خصوصا مع الاعتقاد أن تسليح المقاومة الشعبية سيصب مزيدا من الزيت على النار وتفجير الاقتتال الأهلي.

وبحسب كمير، فإن الأوضاع الراهنة وتعقيداتها تجعل المستقبل مفتوحا على كافة الاحتمالات. ولكن تمدد الحرب وتوسع رقعتها وتعدد أطرافها، ودخول المقاومة الشعبية المسلحة، يمكن أن يقود إلى حرب أهلية. ويرى أن سيناريوهات المستقبل رهينة بمسار الحرب وموازين القوة العسكرية وكيفية وقف الحرب والرؤية السياسية لإنهائها.

ومن السيناريوهات توقف الحرب بمفاوضات تنتهي باتفاق بين الجيش والدعم السريع على تشكيل جيش وطني موحد القيادة والعقيدة القتالية، وأن يتداعى السودانيون بكافة أطيافهم السياسية في هيئة للحوار السوداني بلا إقصاء لأي طرف من أجل مناقشة القضايا التأسيسية للدولة. وهذا هو السيناريو المقابل لتفكك البلاد، كما يرى كمير.

النور أحمد النور – الجزيرة نت

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القوى السیاسیة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

أمين حسن عمر لـعربي21: التيار الإسلامي مؤهل لقيادة السودان في مرحلة ما بعد الحرب

قال مستشار الرئيس السوداني السابق والقيادي البارز في "التيار الإسلامي العريض" بالسودان، الدكتور أمين حسن عمر، إن "الإسلاميين لم تمر عليهم أوقات هم أكثر اتفاقا وتعاونا من الوقت الراهن، والتيار الإسلامي في توحده وتنسيقه اليوم مؤهل، ولا ريب، لقيادة مرحلة ما بعد الحرب".

وأكد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "هناك جهات خارجية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تعمل على دفع البلاد لتسوية مرفوضة تضمن وجودا فاعلا للمليشيا (في إشارة لقوات الدعم السريع) في القوة المسلحة، وفي المجال السياسي، وهو أمر يرفضه غالب السودانيين بقوة، وسوف يقاومونه بذات القوة؛ فالمليشيا المجرمة ومرتزقتها من خارج البلاد ليس لهم أي مكان في بلد حر يرفض الانصياع والإذلال".

وأشاد عمر بالتصريحات الأخيرة التي قالها مساعد قائد الجيش السوداني، ياسر العطا، والتي كشفت أن رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، سيلغي الوثيقة الدستورية ويعلن أخرى جديدة، كما سيقوم بتعيين رئيس وزراء مستقلا.

وأضاف عمر، وهو كبير المفاوضين عن الحكومة السودانية في محادثات الدوحة للسلام في دارفور (2009-2011): "تصريحات العطا تتجه ذات الاتجاه الذي يرغب فيه الشعب السوداني، وهذه القرارات تأخرت كثيرا للأسف استرضاءً لجهات لن ترضى إلا بالخضوع الكامل لإملاءاتها"، وفق قوله.

وفيما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف ترى المشهد العام في السودان اليوم بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب؟


واقع الحرب شبيه بأوضاع كل حرب يقع فيها تطاول بسبب تعقيد الظروف الميدانية والسياسية والاقتصادية، وأكبر تعقيدات هذه الحرب هو التدخل الإقليمي والدولي الكثيف لغير صالح الشعب السوداني، والإمداد الذي يزيد ولا يتوقف من الجهات الراعية للمليشيا، والصمت المخزي مما يُسمى بالمجتمع الدولي تجاه جرائم المليشيا في حق المواطنين العزل من المدنيين، وحرب التطهير العرقي التي يشارك فيها آلاف المرتزقة من أنحاء متفرقة من أفريقيا.

الجيش السوداني يحزر تقدما بطيئا في الخرطوم ووسط السودان، كما تصدى لهجمات المليشيا على عاصمة إقليم دارفور وتكبّدت خسائر فادحة في الأنفس والمعدات، لكن الدعم اللوجستي والحربي لا يزال يُصب عليها صبا من الدولة الراعية لها عبر دول مجاورة تورطت بالرشاوى في الحرب، وما تدري لأي منزلق تقود بلادها بهذا السلوك المخزي، خاصة أن هناك محاولات باسم العمل الإنساني من قِبل دولة بعينها لتسهيل إمداد المليشيا بالسلاح، وخاصة من خلال دارفور، استغلالا لإعلان الحكومة السودانية ترحيبها بالعمل الإنساني في كل أنحاء البلاد بكامل الحرية.

وهذه حرب قاسية لا تستهدف فيها المليشيا مؤسسات الدولة، والسيطرة على الحكومة فحسب، وإنما تستهدف الأفراد والأشخاص والمرافق المدنية وتنهب وتقتل وتغتصب، وهذه الأعمال المجرمة أصبحت معلومة للكافة، في حين كانت الاستجابة تجاهها استجابة ضعيفة ولا تزيد عن الألفاظ الكلامية، لكن في الوقت نفسه هناك مساعي ومحاولات جادة من أجل البحث عن نهاية تحفظ للشعب السوداني حريته وإرادته وكرامته.

هل هي حرب جنرالين أم بين مشروعين متناقضين؟

سردية أن الحرب بين جنرالين سردية ينشرها ويقودها إعلام الدولة المتورطة في الحرب عبر رعايتها المليشيا، وإلا فأن ما يُصرّح به جنود المليشيا وقادتها مُخالف لهذه الرواية؛ فهم يتحدثون عن إسقاط الدولة التي عرفها السودان منذ استقلالها، ويعملون على طرد المواطنين من بيوتهم، ونهب الأملاك، ووضع أيدي المرتزقة القادمين من خارج السودان على أملاك السودانيين ومنازلهم وأوطانهم.

هذه الحرب الآثمة هي حرب يقودها الخارج الطامع، ويستخدم فيها مرتزقة من داخل البلاد، ولكن غالبهم من خارجها، حيث جلب مرتزقة من كل أنحاء أفريقيا، لتحقيق سيطرته على موارد البلاد، وفرض نفوذه على قراراتها السيادية، ولكن هيهات لهم أن يُحققوا ذلك على حساب الشعب السوداني.

ياسر العطا مساعد قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أعلن قبل أيام أن رئيس مجلس السيادة سيلغي الوثيقة الدستورية ويعلن أخرى جديدة، كما سيقوم بتعيين رئيس وزراء مستقلا.. كيف تنظرون لهذه الإجراءات المرتقبة؟

تصريحات العطا تتجه ذات الاتجاه الذي يرغب فيه الشعب السوداني أو سواده الأعظم، وهذه القرارات تأخرت كثيرا للأسف استرضاءً لجهات لن ترضى إلا بالخضوع الكامل لإملاءاتها، وبالأمس رفض السودان الطريقة التي وجهت بها الولايات المتحدة طلبا للسودان للذهاب لجدة، ورأى فيها نائب رئيس مجلس السيادة (مالك عقار) استخفافا واحتقارا للسودان، وأكد أن الحكومة لن تستجيب لهذا الطلب الذي جاء وكأنه "أمر" وليس طلبا من دولة ذات سيادة يقطنها شعب سريع الحساسية تجاه كل ما يمس كرامته واستقلال قراره الوطني.

ياسر العطا قال أيضا إن "روسيا طلبت نقطة تزود على البحر الأحمر مقابل إمدادنا بالأسلحة، والبرهان سيوقع على اتفاقيات مع روسيا قريبا".. ما تعقيبكم؟

الاتفاق على نقطة إمداد وإعادة تزود مع روسيا قديم منذ أكثر من خمس سنوات، وهو اتفاق سيادي ويحق لكل دولة أن تقرر ما تراه محققا لمصالحها وخاصة في ظروف مثل الظروف الماثلة، ولذلك فإن تبادل المصالح مع روسيا وغير روسيا لا يجب أن تأخذ فيه القائمين بالأمر لومة لائم.

هل يمكن أن يحدث تقسيم جديد في السودان في ظل احتدام الاشتباكات في الفاشر في إقليم دارفور؟

لن يكون هناك انقسام جديد في السودان، حتى في دارفور التي تتخذها المليشيا منصة للهجوم على كل أنحاء السودان؛ فغالبية المواطنين يرفضون هذه المجموعة، ويقاتلون الآن بكرامة وبقوة ضد محاولات المليشيا للسيطرة على عاصمة الإقليم في الفاشر.

ما موقع الإسلاميين في المشهد الراهن في ظل انقسامهم الذي يلحظه البعض؟ وما أبعاد الخلافات بينهم اليوم؟

أولا لا أدري أين هو المراقب الذي لاحظ انقسام الإسلاميين؛ فهو إما متوهم أو سامع غير شاهد؛ فالإسلاميين لم تمر عليهم أوقات هم أكثر اتفاقا وتعاونا من الوقت الراهن؛ فالجماعات ذات التوجه الإسلامي كلها توحدت في تنسيقية واحدة باسم "التيار الإسلامي العريض"، وهي تعمل بقيادة واحدة في مجالات إسناد القوة المقاتلة بالمال والرجال وكافة المعدات والاحتياجات.

واستهداف الجماعات الإسلامية الذي لم يفرق بين جماعة وأخرى، وكذلك استهداف المؤسسات الإسلامية والمكتسبات الإسلامية، كان من أقوى حوافز جمع كلمة الإسلاميين واصطفافهم للتصدي للاستهداف والعدوان.

هل هناك فرصة لاستعادة المسار السياسي مُجددا في السودان؟

المسار السياسي لم يذهب حتى يُستعاد؛ فما يجري من حوار وسجال بين القوى السياسية داخل وخارج السودان هو مسار سياسي متوافق مع متطلبات المرحلة، ولكن التركيز الآن هو على دحر العدوان وصده ثم جمع الصفوف بلا استثناء، إلا لمَن أبى، وذلك من أجل إعادة البناء السياسي والاقتصادي على رؤى يتوافق عليها سواد الناس أو غالبيتهم المشهودة.

وحتما سيتشاور كل السودانيين يوما ما للتوصل إلى تفاهم سياسي يشمل الجميع ولا يستثني أحدا، ولن يصح إلا الصحيح في نهاية المطاف، ولكل مواطن -مهما كان رأيه- الحق في تقرير مصير بلده من خلال الوسائل الديمقراطية التي اصطلح عليها الجميع.

مع العلم أن المجموعة السابقة التي سيطرت سابقا على البلاد، وتحالفت بصورة أو أخرى مع الطرف المعتدي الآن، تحاول يائسة أن تعيد الأمور إلى الشكل الذي يعيد هذا الحلف من جديد إلى الساحة السودانية، لكنها لم ولن تنجح في ذلك، لأن كل الناس تضرّروا من هذا العدوان، وعزلوا هذه المجموعة السياسية.

ما هو مستقبل التيار الإسلامي في السودان؟

التيار الإسلامي في السودان تيار واسع متنوع الاتجاهات، ولكنه متوحد في الرؤى الدينية الكبرى والمصالح الوطنية التي لا يختلف عليها الأحرار العقلاء. ولذلك فهو في توحده وتنسيقه ومحافظته على ذات الروح التي يتحلى بها في مواجهة العدوان هو مؤهل، ولا ريب، لقيادة مرحلة ما بعد الحرب، ولو كره ذلك كارهون من داخل البلاد ومن خارجها.

ما أبعاد التدخلات الإقليمية والدولية اليوم في السودان؟

جهات خارجية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على دفع البلاد لتسوية مرفوضة تضمن وجودا فاعلا للمليشيا في القوة المسلحة، وفي المجال السياسي، وهو أمر يرفضه غالب السودانيين بقوة، وسوف يقاومونه بذات القوة؛ فالمليشيا المجرمة ومرتزقتها من خارج البلاد ليس لهم أي مكان في بلد حر يرفض الانصياع والإذلال.

وللأسف الشديد التوازنات السياسية الدولية والإقليمية تمنع من أن يكون هناك ضغط دولي أو إقليمي قوي يساهم في إنهاء تلك الحرب، ومؤخرا طلبت الجامعة العربية عدم إمداد هذه الميليشيا بالسلاح الذي تعتدي به على الدولة، وطلبت أن تعترف كل الدول العربية بالجيش السوداني الرسمي، لكن هناك دولة واحدة تحفظت على ذلك. بكل أسف هناك إمداد سياسي وعسكري وإعلامي قوي تحظى به هذه المليشيا من قوى إقليمية معروفة في المقابل هناك سكوت مريب من قِبل قوى دولية أخرى.

لذلك، السبيل هو مواجهة المليشيا ودحرها وهزيمة مقاصدها ومقاصد مَن يدفعونها ويدفعون لها، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت، وقد يتطلب كثيرا من التضحيات، ولكن القاعدة الشرعية هي ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجبنا، ونحن سنقوم بالواجب بإذن الله.

والمطلوب اليوم هو تلاحم الجميع مع بعضهم البعض حتى نجبر هذه المليشيا المجرمة على الانصياع لإرادة الشعب، أما أن نستسلم لها ونقبل بوجودها هكذا، فهذا أمر غير مقبول جملة وتفصيلا، وسنواصل جهادنا ضدها حتى لو طالت هذه الحرب عشر سنوات.

مقالات مشابهة

  • أمين حسن عمر لـعربي21: التيار الإسلامي مؤهل لقيادة السودان في مرحلة ما بعد الحرب
  • السودان.. “رفض” محادثات السلام ينذر بخطر تدخل “خبيث” لإطالة أمد الحرب
  • السودان.. رفض محادثات السلام ينذر بخطر تدخل خبيث لإطالة أمد الحرب
  • “تقدم” تضع رؤية من 9 محاور لوقف الحرب في السودان وتختار حمدوك رئيسًا ..نص البيان الختامي للمؤتمر التأسيسي
  • البيان الختامي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”
  • «التغيير» تنشر نص بيان ختام المؤتمر التأسيسي لـ«تقدم»
  • الفاشر.. معركة مفصلية في حرب السودان
  • الفاشر..معركة مفصلية في حرب السودان
  • ما الذي ذكّر واشنطن بمأساة السودان؟ 4 نقاط تفسر اتصال بلينكن والبرهان
  • بعد توقف صادر النفط .. سلفاكير يُكلف توت قلواك للتواصل مع طرفي الصراع بالسودان