قلب إيران النووي ومقاتلات أميركية.. أصفهان في مرمى النيران
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
تصدرت مدينة أصفهان بإيران، عناوين الأخبار، صباح الجمعة، في أعقاب تقارير عن تعرضها لضربة إسرائيلية، بعد سماع دوي انفجارات فجرا، بالمدينة الواقعة وسط البلاد وتضم "قلب إيران النووي" وقاعدة جوية فيها مقاتلات أميركية قديمة.
وتُعد محافظة أصفهان مدينة استراتيجية بالنسبة لإيران، حيث أنها موطن لعدد من المنشآت العسكرية المهمة، بما في ذلك مرافق نووية وقاعدة جوية رئيسية ومصانع متخصصة في إنتاج وتجميع الصواريخ وغيرها من الأسلحة.
وذكرت التقارير الأولية لوكالة أنباء "فارس" الإيرانية بشأن الهجمات الإسرائيلية المزعومة، أن "ثلاثة انفجارات" سُمعت بالقرب من منطقة قهجافارستان، القريبة من مطار أصفهان وقاعدة شكاري الجوية العسكرية.
وذكر المتحدث باسم وكالة الفضاء الإيرانية، حسين دليريان، أنه تم "إسقاط عدة طائرات مسيّرة بنجاح".
وشدّد مسؤولون إيرانيون على أن منشآتهم النووية "آمنة"، ولم تتعرض لأي هجوم. وهذا ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي أشارت إلى عدم وقوع أي ضرر في المواقع النووية الإيرانية في الهجوم الذي، يُعتقد أن إسرائيل شنته على إيران.
مركز نطنز النوويوأصفهان ثالث أكبر مدينة في إيران بعد طهران ومشهد، ويبلغ عدد سكانها حوالي 2 مليون نسمة، وتقع على بعد 406 كيلومترا، جنوب العاصمة، وهي المدينة الرئيسية بمحافظة تحمل نفس اسمها، بحسب موقع جامعة أصفهان للتكنولوجيا.
وتشكل أصفهان "قلب إيران النووي" حيث تقع فيها أشهر منشأة نووية إيرانية لتخصيب اليورانيوم، وتحديدا بمدينة نطنز، بينما تتم عملية تحويل اليورانيوم في منطقة زردنجان، جنوب شرق المدينة، وفقا لصحيفة الغارديان.
وبدأ تشييد منشأة نطنز عام 1999، وتشغّل ثلاثة مفاعلات بحثية صغيرة مزودة من الصين، بالإضافة إلى إنتاج الوقود وأنشطة أخرى للبرنامج النووي الإيراني.
وسبق أن استُهدف الموقع بهجمات نسبت إلى إسرائيل. كما تعرض لانفجار في نوفمبر 2011، وفقا لصحيفة الغارديان.
وتضم منشأة تخصيب اليورانيوم الرئيسية في إيران، كلا من محطة تخصيب الوقود التجاري، ومحطة لتخصيب الوقود التجريبي، وفقا لموقع مبادرة "التهديد النووي"، هي منظمة أمنية عالمية غير حكومية، تركز على الحد من التهديدات النووية والبيولوجية التي تعرض البشرية للخطر.
وتتكون المنشأة من ثلاثة مبان تحت أرضية، اثنان منها مصممان لاستيعاب 50 ألف جهاز طرد مركزي، و6 مبان فوق الأرض، اثنين منها، عبارة عن قاعات بمساحة 2.500 متر مربع تستخدم لتجميع أجهزة الطرد المركزي الغازية، وفقا للمصدر ذاته.
وتضم المدينة أيضا مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية، والذي تم بناؤه بمساعدة صينية وافتتح في عام 1984، وهو أكبر مجمع للأبحاث النووية في إيران ويعمل به حوالي 3000 عالم، بحسب المبادرة.
وتعتبر أصفهان أيضا موطنا لقاعدة جوية إيرانية رئيسية وهي قاعدة "شكاري عباس بابايي".
ويقول مراد ويسي، عضو هيئة تحرير موقع ""إيران إنترناشنال"، إن قاعدة بابايي الجوية هي واحدة من أهم القواعد الجوية في إيران.
وتضم القاعدة، وهي واحدة من أصل 17 قاعدة إيرانية، أسطول إيران القديم من مقاتلات "أف ـ 14 تومكات" الأميركية الصنع، والتي تم شراؤها قبل الثورة الإسلامية عام 1979.
كما شوهدت فيها، بطارية دفاع جوي روسية الصنع من طراز "أس 300"، وفقا لتقييم للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وتضم هذه القاعدة حاليا كتيبتين من طائرات F-14 وF7 الاعتراضية، إلى جانب كتيبة تدريب من طائرات FT7، وفقا للموقع الإيراني.
وتكهنت تقارير أولية، بأن منشأة "رادار" في القاعدة، ربما كانت الهدف المقصود للهجوم الإسرائيلي المزعوم، وفقا للغارديان.
يتشكّل أسطول القوات الجوية الإيرانية نحو 300 طائرة من طرازات مختلفة، منها إلى جانب طائرات أميركية الصنع من طراز "أف-4" و"أف-14"، روسية "ميغ 29 وأس يو 25"، وصينية من طراز "أف-7". كذلك، يضم، إضافة الى طائرات فرنسية من طراز "ميراج"، وفقا لفرانس برس.
وتضم أصفهان التي تعد أيضا واحدة من المراكز السياحية في إيران، منشآت لإنتاج الأسلحة بداخل المدينة وحولها، بحسب الغارديان.
وأشار تقرير صدر عام 2001 إلى منشأتين للبحث والتطوير بالقرب من أصفهان وطهران ، حيث كان العلماء يعملون باستخدام تكنولوجيا الصواريخ الروسية "SS-4"، والتي اعتمدتها إيران لتطوير "شهاب 4"، هو صاروخ باليستي بعيد المدی يصل مداه إلی أکثر من 3 آلاف کم، وفقا لمعطيات أوردتها المبادرة.
ومن بين هذه المنشآت "مجمع الصواريخ في أصفهان"، الذي يعد أكبر موقع لتجميع وإنتاج الصواريخ في إيران.
وتم بناء المجمع بمساعدة كوريا الشمالية والصين في أواخر الثمانينات، ويقوم بتصنيع الوقود الدفعي الصلب والسائل ومكونات الصواريخ، وتقوم بتجميع صواريخ من طراز "شهاب" والصواريخ الصينية HY-2 Silkworm وM-Class، وفقا المصدر ذاته.
وفي أوائل العام الماضي، تم شن هجوم على ما يُزعم أنه منشأة إنتاج أسلحة متطورة في المدينة، نسبته السلطات الإيرانية إلى إسرائيل.
وكما هو الحال في الهجوم المزعوم الحالي، تم استهدافها بـ3 مسّيرات، بحسب الغارديان.
وفي أعقاب هجوم العام الماضي، تضيف الغارديان، أن روايات المسؤولين الإيرانيين، كانت أيضا متضاربة، وزعموا أنه تم إسقاط طائرتين مسيّرتين، بينما ألحقت الثالثة، أضرارا طفيفة بسقف المصنع، فقط.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: مقاتلات أمیرکیة قاعدة جویة فی إیران من طراز
إقرأ أيضاً:
من صنع القنبلة النووية هو «الخوف».. والثقة فقط هي التي تضمن عدم استخدامها ثانية
ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -
شهد العالم دخول «العصر النووي» قبل 80 عاما، وتحديدا في 6 أغسطس من عام 1945، حين ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتها الذرية على المدينة الشهيرة «هيروشيما» في اليابان، مما خلف عددا من القتلى المدنيين يتراوح ما بين 70 ألفا و140 ألف قتلوا أغلبهم بشكل مباشر والباقي كانوا ضحايا الإصابات حتى نهاية ذلك العام.
ومرة أخرى عاد الحديث عن هذه الذكرى المدوية والقوة التدميرية الكبيرة، حينما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأول من أغسطس الحالي عن نية بلاده نشر غواصتين، وغالبا من طراز «أوهايو» التي تحمل صواريخ باليستية، وذلك ردا على ما وصفه «بالتصريحات الاستفزازية كثيرا» للرئيس الروسي السابق «دميتري ميدفيديف».
ومن المحتمل جدا أن يكون تصريح دونالد ترامب تصريحا فارغا، ولكن بحديث عن غواصات «أوهايو» فالولايات المتحدة الأمريكية تضم في أسطولها الحربي 14 وحدة منها، والواحدة قادرة على حمل ما يصل إلى 90 رأسا حربيا، وكل واحدة من تلك الرؤوس قادرة على التسبب بأضرار تفوق بعشرة أضعاف القنبلة التي ألقيت على هيروشيما، وبعدها بثلاثة أيام على مدينة «ناجازاكي».
وبعد 80 عاما من ذكرى حادثة هيروشيما وما خلفته من كارثة مدوية، لا يزال العالم إلى اليوم يستعمل السلاح النووي كأداة للتهديد في ظل الحروب.
قبل صنع السلاح النووي في أربعينيات القرن الماضي، كان هناك اعتقاد سائد بأنه من المستحيل أن يتم صنع سلاح نووي، وذلك لأن كمية اليورانيوم والتي ترمز بـ «235» كبيرة جدا ومن الصعب توفرها، ولكن تغيرت هذه النظرية في عام 1940 وتحديدا في شهر مارس، حينما قام العالمان الفيزيائيان اللاجئان «رودولف بيرلز و«أوتو فريش» بالكشف عن سرٍّ عُرف لاحقا باسم «فريش » بيرلز»، وقد كانا يعملان في جامعة برنجهام.
وقد أظهر السر والذي كان بهيئة مذكرة، أنه يمكن صناعة قنبية نووية باستخدام كمية بسيطة من يورانيوم «235»، ولكن ظل الموضوع سرا خوفا من أن تكون ألمانيا النازية بصنع القنبلة النووية قبلهما.
وقد وردت في مذكرتهما: «إذا ما افترضنا أن ألمانيا تمتلك هذا السلاح، أو مجرد أنها ستمتلكه، فسيكون الرد الأكثر فاعلية هو التهديد المضاد بقنبلة مثيلة، واضح جدا أن البدء في إنتاج هذه القنبلة سيكون متأخرا جدا إذا كانت ألمانيا تمتلكه بالفعل، لذلك فإن موضوع صنعه أمر ضروري للغاية».
رفعت مذكرة كل من «رودولف بيرلز و «أوتو فريش» إلى الحكومة البريطانية كوسيلة تحذير، وقد استجاب رئيس الوزراء حينها «ونستون تشرشل» للمذكرة، وقام بإنشاء لجنة «مود» بعد شهر من التحقيقات بشأن الإمكانيات العسكرية للطاقة الذرية.
وقد أصدرت اللجنة تقريرا سريا في يوليو عام 1941 أوصى في البدء بصناعة القنبلة النووية والتعاون بين بريطانيا مع الولايات المتحدة الأمريكية لإنتاج القنبلة، وقد اشتهرت عبارة وردت في هذا التقرير تقول: «لن تخاطر أية دولة في الوقوع في مصيدة الهزيمة، ويجب امتلاك سلاح بهذه الإمكانيات الكبيرة».
فعليا تم استعراض الإمكانيات التدميرية للسلاح النووي في هيروشيما، ثم ناجازاكي، وكان لذلك وقعٌ كبير دفع العديد من الدول إلى تبنّي منطق لجنة «مود».
فقد قام الاتحاد السوفييتي، مدفوعًا بالخوف من احتكارٍ أمريكي للسلاح النووي، باختبار قنبلتها الأولى في عام 1949، وانضمت بريطانيا إلى «النادي النووي» في عام 1952، ثم فرنسا عام 1960، وبعدها الصين عام 1964.
ويُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل قد طورت قدراتها النووية بحلول أوائل السبعينيات، رغم أنها ما تزال تتبع سياسة «الغموض النووي»، أما الهند وباكستان فقد أعلنتا امتلاكهما للسلاح النووي عام 1998، في حين أجرت كوريا الشمالية أول اختبار لها عام 2006.
ورغم أن الدوافع القومية والرغبة في المكانة الدولية ساهمت في انتشار السلاح النووي، إلا أن الخوف ظلّ المحرك الأبرز، سواء الخوف من تفوّق استراتيجي دائم بيد الخصوم، أو، كما في حالة كوريا الشمالية، الخوف من هجوم خارجي.
وهكذا، لم يكن دور «الخوف» في القصة النووية يقتصر فقط على نشر السلاح، بل كان أيضا عنصرا أساسيا في الحد من استخدامه، وأبرز مثال على ذلك ما حدث في أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر عام 1962.
فكما أوضحتُ في مواضع أخرى فإن الخوف المشترك من كارثة نووية هو ما دفع الرئيس الأمريكي آنذاك «جون كينيدي» ونظيره السوفيتي «نيكيتا خروتشوف» إلى تطوير نوع من التعاطف المتبادل والثقة، وهو ما كان سببا محوريا في التوصل إلى حل سلمي لتلك الأزمة.
لكن، رغم أن الخوف النووي، وما نتج عنه من سياسة «الردع»، كانا من أدوات الحماية من الحرب، إلا أن بناء مستقبل آمن للبشرية على أساس الخوف وحده هو أمر هشّ للغاية.
فالعالم ربما تجنّب استخدام السلاح النووي منذ أغسطس 1945، بفضل دبلوماسية حذرة وشيء من الحظ الجيد، ولكن السؤال المطروح: «إلى متى؟ إلى متى سيصمد هذا الحظ الجيد؟ وهل يكفي ليمنع، مرة أخرى، مزيجا كارثيا من الحظ السيئ والمغامرات الطائشة من التسبب في استخدام السلاح النووي مجددًا؟».
لقد شكّلت التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي في حرب أوكرانيا، إضافة إلى الصراع العسكري الذي اندلع في مايو 2025 بين الهند وباكستان، وكلاهما دولتان نوويتان، مؤشرات مقلقة على أن التهديد النووي لا يزال قائما بقوة فوق رؤوس البشرية.
صحيح أن الحرب الباردة اتسمت بجو من الريبة الشديدة والخوف النووي، إلا أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك كان لديهما على الأقل قنوات تواصل موثوقة وبعض آليات الضبط المشترك.
فقد تم توقيع اتفاقيات للحد من التسلح بعد أزمة الصواريخ الكوبية، ونجحت في الحدّ من التنافس النووي بين القوتين خلال الستينيات والسبعينيات، واستمر ذلك حتى بدايات الثمانينيات.
أما اليوم، فقد انهار نظام الحد من التسلح تقريبا بالكامل، كما أن قنوات التواصل الموثوقة بين القوى النووية الكبرى باتت شبه معدومة، وبات من الصعب تصور وجود آفاق جادة لتنظيم التنافس النووي بين روسيا والولايات المتحدة والصين.
وبهذه المناسبة، أي مرور 80 عاما على دخول العالم «العصر النووي»، أصدرت هيئة نوبل، وهي تجمع لعدد من الحائزين على جائزة نوبل وخبراء في الشأن النووي بجامعة شيكاغو، «إعلان 2025 من أجل الوقاية من الحرب النووية»، وجاء فيه: «لا يمكن بناء الأمن في نهاية المطاف على أساس الخوف».
فإذا كانت القنبلة النووية وُلدت من رحم الخوف، فإن ضمان عدم استخدامها مستقبلا يتطلب استبدال الخوف بالثقة.
وبعد مرور عشرة أعوام على بدء العصر النووي، أصدر ألبرت أينشتاين والفيلسوف برتراند راسل بيانًا وقّعه أحد عشر شخصا من الشخصيات البارزة، وكان الهدف من البيان، في جوهره، هو بناء الثقة بين الشرق والغرب، وقد ختم البيان بكلمات شهيرة تقول: «نحن نناشدكم كبشر إلى بشر، تذكروا إنسانيتكم، وتناسوا كل ما عداها،
إن استطعتم فعل ذلك، فقد فتحتم الطريق إلى جنة جديدة، وإن لم تفعلوا، فأنتم تسيرون نحو خطر الموت الجماعي».
واليوم، نجد أنفسنا أمام نفس الخيار الذي طرحه البيان قبل عقود، طريق يؤدي إلى الفناء، وآخر يقود إلى النجاة من خلال الاعتراف بإنسانيتنا المشتركة.
وفي اليابان، نجد تجسيدًا لهذا الحس الإنساني كل عام في أغسطس، حينما تُقام الفعاليات التذكارية للسلام في مدينتي هيروشيما وناغازاكي، ففي هذه الفعاليات، يتم تذكّر الضحايا ومن لا يزال يعاني من آثار القصف النووي، ويُوجَّه الأمل نحو مستقبل خالٍ من السلاح النووي.
قد تكون القنبلة النووية وُلدت من «الخوف»، لكن بناء الثقة، وهو ما يمكن أن ينشأ من هذا الخوف ذاته، هو وحده الكفيل بضمان ألّا تُستخدم هذه القنبلة مجددا.
نيكولاس جون ويلر أستاذ العلاقات الدولية بقسم العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة برنغهام
نقلا عن آسيا تايمز