قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي إن الاحتلال الإسرائيلي استمع لنصائح الولايات المتحدة بشأن عملية رفح جنوبي قطاع غزة، وسيعتمد التجربة الأميركية في أفغانستان والعراق، ولن ينفذ مناورات عسكرية كبيرة على غرار ما جرى بالمناطق السابقة.

وأوضح الفلاحي -في تحليل عسكري لقناة الجزيرة- أن تمركزات جيش الاحتلال في محور نتساريم لا تزال تحت مطرقة فصائل المقاومة عبر استهدافها المستمر بالهاونات الثقيلة والصواريخ قصيرة المدى المختلفة، لافتا إلى أن هذه الاستهدافات باتت من الفعاليات الطبيعية والمستمرة ما استمر وجود قوات الاحتلال في هذا المحور.

ويرى الخبير العسكري أن ذلك يأتي في إطار إستراتيجية المقاومة باستمرار الضغط على قوات الاحتلال الموجودة بالمنطقة حتى إجبارها على الانسحاب، لأن بقاءها يعني استمرار وجودها فترات طويلة، وهو ما ترفضه قوى المقاومة في غزة.

ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي يحاول -في المقابل- التوسع في المنطقة لغرض تأمين الحماية لقواته، لكنه يتكلف خسائر إذا ما حدثت مواجهة مباشرة كما حدث أمس بتفجير حقل ألغام بعد استدراج إحدى مجموعاته، كما يتم استهدافه بالهاونات حال توقف المواجهة المباشرة، ومن ثم لن يشعر بالأمان والحماية.

وبشأن عملية رفح، قال الفلاحي إن الإسرائيليين بدؤوا بالاستماع لنصائح الأميركان التي تعد ثمرة لتجربتهم المريرة في العراق وأفغانستان، وتقضي بأنه لن تكون هناك مناورة عسكرية موسعة على غرار ما جرى في المناطق السابقة بالقطاع.

وتابع بأنه من الممكن أن يستخدم جيش الاحتلال ما استخدمه الأميركان في الفلوجة بالعراق الفترة ما بين 2003 و2005 عندما استخدموا القصف المستمر حتى بعد إعلان الاتفاق بين الجانبين على وقف القتال.

وتوقع الخبير الإستراتيجي أن تستمر عمليات القصف لأهداف في رفح كعمليات تجريد جوي، ومن ثم فلن يكون هناك داع لإعلان بدء عملية عسكرية كبيرة وإنما يمكن تنفيذ عمليات محدودة لمناطق معينة في رفح.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات

إقرأ أيضاً:

المقاومة ليست خيارا ديمقراطيا

في زمن خُلطت فيه المفاهيم، وغُيّبت فيه المعايير، باتت المقاومة تُساءل كما تُساءل الحكومات، ويُحاكم المقاوم كما يُحاكم الفاسد، ويُطلب منه ما لا يُطلب حتى من المحتل. وهي مفارقة أخلاقية قبل أن تكون سياسية.

المقاومة، في جوهرها، ليست خيارا ديمقراطيا، ولا خاضعة لمعادلات التصويت وصناديق الاقتراع، ولا ينتظر أصحابها نتائج استطلاع رأي ليقرروا ما إذا كان من "اللائق" أن يقاوموا أم لا. هذا المنطق، في ذاته، يحمل كارثة فكرية وإنسانية؛ لأنك ببساطة تساوي بين شعب واقع تحت الاحتلال، ومحتلٍ غاصبٍ يستبيح الأرض والإنسان.

من قرر أن يقاوم لا يحتاج إلى تفويض من أحد، ولا يستأذن المقهورين في الدفاع عنهم.. لا ينتظر أن يُنصَّب رسميّا على مشروع الدفاع، فالمقاومة ليست وظيفة تُرشَّح لها، بل هي فعل ينبثق من أعماق الروح الحرة التي ترفض الذل. حتى لو قرر الناس كلهم أن يرضخوا، فمن حق الفرد أن يتمرد، ولو خضع الملايين تحت نير الاستعمار، فصوت واحد يصرخ في وجه الباطل كافٍ ليبدأ التغيير.

يُساءل المقاوم عن مصير المدنيين، بينما يُعفى المحتل من أي مساءلة وهو يقصف البيوت، ويدفن العائلات تحت الأنقاض، ويهدم المدارس والمساجد والمستشفيات
تاريخ الأمم يعلّمنا أن التحرر لا يُنتزع بتوقيع العرائض، ولا يُنال ببلاغات الشجب وحدها.. لم يُقم ثوار الجزائر استفتاء عاما قبل أن يبدأوا ثورتهم ضد المستعمر الفرنسي، ولم ينظّم الفيتناميون مؤتمرات حوار قبل أن يخرجوا لمواجهة المحتل الأمريكي، ولم يكن الجيش الجمهوري الأيرلندي بحاجة إلى أغلبية برلمانية لكي يدافع عن حقوق شعبه. هذه النماذج وغيرها لم تفكر بمفردات "التوافق الوطني" تحت وطأة الاحتلال؛ لأنها ببساطة كانت تعرف أن الحرية لا تأتي على طبق من فضة، ولا تهبط عبر البريد السياسي.

في المقابل، نحن نعيش اليوم حالة غريبة من "الترف السياسي"، حيث يُطلب من المقاوم أن يقدم تقريرا شاملا عن جدوى فعله، وتكلفته، وتداعياته الاقتصادية والدبلوماسية. يُساءل المقاوم عن مصير المدنيين، بينما يُعفى المحتل من أي مساءلة وهو يقصف البيوت، ويدفن العائلات تحت الأنقاض، ويهدم المدارس والمساجد والمستشفيات. يُطلب من المقاوم أن "يُراعي"، وأن "يتأنى"، وأن "يفكر بعقل الدولة"، مع أنه لا يملك دولة أصلا، ولا أرضا آمنة، ولا سيادة على شبر واحد من بلاده.

صحيح أننا نحب أن يُراعي المقاوم شعبه، وأن يحفظ ما استطاع من الأرواح، ولكن لا يمكن أن نحمّله وحده مسؤولية جرائم عدوه، ولا يجوز أن نخضعه لمقاييس الدولة المستقرة وهو يواجه كيانا عدوانيّا مسلحا مدعوما من أقوى القوى على وجه الأرض. من الظلم أن يُساءل من يدافع، بينما يُترك من يعتدي.

ليست القضية هنا أن نقدّس المقاومة أو نمنع انتقادها، ولكن أن نُعيد الأمور إلى نصابها، أن نفهم أن الاحتلال هو أصل الجريمة، وأن كل ما يتبعه من دم ودمار، هو نتيجة مباشرة له. ومن الظلم أن تُلقى الفاتورة على من يقاوم بدل أن تُحاسب من يحتل
ثم ما البديل؟ هل يُطلب من الناس أن ينتظروا رحمة المحتل؟ أم أن يقيموا مؤتمرات "سلام داخلي" وهو يذبح أبناءهم؟ هل المطلوب أن يُجروا انتخابات تحت الحراب ليقرروا إن كانوا يحبون المقاومة أم لا؟! وهل يفترض بالمقاوم أن يختبر شعبيته تحت القصف؟ هذا العبث لا يُقال في سياق الاحتلال، بل في أروقة دول تعيش استقرارا نسبيّا وتملِك قرارها السيادي، أما نحن، فالمعادلة مختلفة تماما.

أحيانا، حين تكثر الأصوات التي تُسائل المقاومة، أشعر أن البعض يتمنى لو لم تكن هناك مقاومة أصلا، كي لا يُحرَج أمام العالم، أو كي لا يضطر لتبرير موقفه. وهنا يصبح الخطاب الإنساني أداة للهروب من المعركة، بدل أن يكون حافزا لها. نريد مقاوما بلا معركة، ونضالا بلا ثمن، وتحررا بلا مواجهة. وهذا لا يحدث إلا في الخيال أو في كتب الأطفال.

إن المقاومة، بطبيعتها، مكلفة، وكل مقاومة حقيقية تحمل في طياتها ثمنا باهظا. هذا لا يعني أن نستسلم للفجائع، ولا أن نحتفي بالألم، ولكن أن نُدرك أن الصراع مع المحتل ليس مباراة متكافئة، بل هو معركة وجود، ومن يطالب المقاوم بأن يتصرف كما لو أنه يعيش في دولة ذات سيادة فإنه ببساطة لا يفهم معنى الاحتلال.

ليست القضية هنا أن نقدّس المقاومة أو نمنع انتقادها، ولكن أن نُعيد الأمور إلى نصابها، أن نفهم أن الاحتلال هو أصل الجريمة، وأن كل ما يتبعه من دم ودمار، هو نتيجة مباشرة له. ومن الظلم أن تُلقى الفاتورة على من يقاوم بدل أن تُحاسب من يحتل.

إن من حق كل شعب واقع تحت الاحتلال أن يختار طريقه نحو الحرية، ومن حقه أن يخطئ، وأن يتعلم، ولكن لا أحد يملك الحق أن يسلبه هذا الخيار باسم الديمقراطية أو الواقعية السياسية؛ لأن الحرية لا تُقاس بحسابات صندوق، ولا تُمنح بإجماع النخب، بل تنتزع بقرار فردٍ يرفض أن يعيش عبدا.

مقالات مشابهة

  • الفلاحي: إسرائيل يمكنها توسيع عملياتها بغزة لكنها ستدفع الثمن
  • إصابة 6 جنود إسرائيليين ومحاولة اختراق خطيرة لموقع عسكري في خان يونس
  • خبير عسكري: محاولة اختراق موقع محصن للواء كفير هدفه أسر قادة إسرائيليين
  • خبير عسكري: الاحتلال في وضع دفاعي هش ولا يمكنه توسيع عملياته بغزة
  • خبير عسكري: عملية خان يونس تكشف قدرات متطورة للمقاومة
  • المقاومة ليست خيارا ديمقراطيا
  • ماذا وراء تهديد إسرائيل بـضغط عسكري حقيقي في غزة؟
  • الاحتلال يفرض رقابة عسكرية مُشددة على المُراسلين الأجانب الراغبين في دخول غزة
  • خبير عسكري: المقاومة بغزة فرضت معادلة قتال لم يعتدْ عليها جيش الاحتلال
  • الاحتلال يعترف بمقتل ضابط وجندي في عملية المقاومة بخان يونس أمس