محور الشهداء ـ نتساريم يسكن ذاكرة وهوية الفلسطينيين في غزة.. لماذا؟
تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT
أدركت الدولة العبرية منذ زمن بعيد الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لما يعرف باسم (محور الشهداء ـ نتساريم) الواقع جنوب مدينة غزة على شارع صلاح الدين الرئيس، وأثره في الهوية والذاكرة الفلسطينية، لذلك كانت دائما تحرص على السيطرة عليه سواء في أوقات الحرب أو السلم.
ارتبط اسم هذا المحور الاستراتيجي والتاريخي (الشهداء ـ نتساريم) بذاكرة الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة، فهو امتداد لواحدة من أهم المعارك التاريخية للمسلمين (معركة داثن) قبل أكثر من 1400 سنة كانت والتي كانت سببا في فتح بلاد الشام، وكذلك العمليات الفدائية في عهد الإدارة المصرية في ستينيات القرن الماضي، حيث كان يعرف باسم "البوليس الحربي"، كما أنه شهد تفجير أول دبابة إسرائيلية من نوع مركافا مطلع عام 2001 عقب اندلاع انتفاضة الأقصى.
وعلى مدى أجيال كثيرة كان لهذا المحور أثر كبير في هوية وذاكرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فلا تزال صرخات والد الشهيد محمد الدرة أيقونة شهداء انتفاضة الأقصى ترن منذ قرابة ربع قرن في أذن كل فلسطيني وعربي وحر من أحرار العالم وهو يصرخ بأعلى صوته (مات الولد.. مات الولد) لحث جنود الاحتلال وقف إطلاق النار عليهم في ذلك المحور الذي قضى عليه الدرة ومئات الشهداء ليطلق عليه اسم محور الشهداء.
كلمات الدرة والتي أصبح عمرها بعمر شبان المقاومة الذين امتشقوا السلاح لاحقا لتلبية نداء والد الدرة وتحديدا قبل 24 عاما في العاشر من أيلول/ سبتمبر 2000 لتزيدهم هذه الصرخة إصرارا لدفع كل غال ونفيس لتحرير الأوطان.
وشدد المؤرخ الفلسطيني الدكتور غسان وشاح رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة على الأهمية التاريخية والاستراتيجية لهذا المحور الحيوي (الشهداء ـ نتساريم) والذي كان ممرا للغزاة لغزة عبر التاريخ، وتحول لاحقا إلى ما يعرف باسم طريق الموت بعد أن فقد فيه عددا كبيرا من جنوده وضباطه بفعل ضربات المقاومة.
وقال وشاح لـ "عربي21": "محور (الشهداء ـ نتساريم) الواقع جنوب مدينة غزة على طريق صلاح الدين هو امتداد لمنطقة استراتيجية تاريخية في قطاع غزة وهي منطقة الدثة التاريخية التي خاض المسلمون عليها قبل أكثر من 1400 سنة (معركة داثن) التاريخية والتي انتصر فيها المسلمون على الرومان وكانت باكورة الفتوحات الاسلامية لبلاد الشام".
وأضاف: "لذلك يسعى الاحتلال سواء في أوقات الحرب أو السلم للسيطرة على هذا المحور بأي ثمن، حيث تقدمت الدبابات الإسرائيلية في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي في توغلها البري لغزة من خلاله وسيطرت عليه وقطعت شارع صلاح الدين الرئيس الذي يقع عليه".
غسان وشاح رئيس قسم التاريخ والاثار في الجامعة الاسلامية بغزة.
وشدد وشاح على أن معركة داثن وقعت إلى الشرق من هذا المحور بقليل في منطقة تعتبر عمقا وامتدادا لمحور (الشهداء ـ نتساريم) وتحديدا في منطقة تسمى داثنة.
وقال المؤرخ الفلسطيني: "يعتقد سكان المنطقة أنها منطقة مباركة ويعتقدون أيضًا أن فيها مدافن عدد من الأولياء الصالحين، والحقيقة أن هذه المنطقة رويت بدماء الصحابة العظام وشهدت المعركة التي تعتبر أولى وباكورة الفتوحات الإسلامية لفلسطين وبلاد الشام، إنها معركة داثن".
وأضاف: "بعد معركة داثن فتحت غزة وتحررت ودخل أهل غزة الإسلام، لتنال غزة شرف بأن تكون أول مدينة بكل فلسطين وبلاد الشام يدخل أهلها للإسلام، وأنها أول مدينة تحررت من الاحتلال الروماني".
وأوضح المؤرخ الفلسطيني أن هذا المحور شهد في التاريخ الحديث أحداثا تاريخية مهمة تدلل على مدى ارتباط هذا المحور بهوية وذاكرة الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن هذا المحور كان يطلق عليه في ستينيات القرن الماضي اسم البوليس الحربي نظرا لوجود نقطة للبوليس الحربي المصري وإنه نفذت عبر عدة عمليات فدائية للجيش المصري ضد قوات الاحتلال.
وأشار إلى أنه وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى شهد هذا المحور إعدام الطفل محمد الدرة وهو في حضن والده وهو يصرخ عبر الهواء مباشرة مات الولد.
وقال: "نفذت على هذا الطريق أول عملية فدائية كبرى في الانتفاضة الأولى عام 1992 وما عرف باسم عملية الشجاعية التي قتل فيها 3 جنود إسرائيليين، ثم شهد تفجير أول دبابة مركافاة عام 2001، حيث فجر فيه 4 دبابات، ليتحول إلى طريق الموت بالنسبة للاحتلال".
وأضاف: "عشرات الشهداء ومئات الجرحى قضوا في هذا المحور مع اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول/ سبتمبر 2000م لذلك أطلق عليه اسم محور الشهداء".
ومن جهته شدد الدكتور إبراهيم حبيب الخبير الأمني والاستراتيجي على أن محور (الشهداء ـ نتساريم) هو المحور الأهم في قطاع غزة حيث يقسم القطاع إلى منطقتين: جنوب قطاع غزة وشمال القطاع، وأن السيطرة عليه يعني السيطرة على مفاصل الأمور في ضبط التحركات بغزة.
إبراهيم حبيب.. خبير أمني واستراتيجي فلسطيني
وقال حبيب لـ "عربي21": "يمتد هذا المحور من السياج الفاصل شرقا وحتى شاطئ بحر غزة غربا بطول 7 كم".
وأضاف: "هذه المنطقة هي خاصرة رخوة لغزة حيث كان بها مستوطنة نتساريم التي انسحبت منها قوات الاحتلال عام 2005م بفعل ضربات المقاومة".
وأوضح أنه بعد الانسحاب من هذه المستوطنة تم شق شارع كبير بعرض 52 مترا وهو شارع الحرية، وتم بناء مجمعات حكومية وجامعات مثل قصر العدل، وكذلك بنيت المدينة المصرية في محاولة لتعميره لإدراك الحكومة الفلسطينية أهميته.
وقال حبيب: "استحدث الاحتلال فيه مجددا ممر يقسم قطاع غزة إلى قسمين، وفي كل الحروب كانت تستخدمه إسرائيل لفصل جنوب القطاع عن شماله، وهو الآن امتداد لخط نقل البضائع من الميناء الذي تقيمه الولايات المتحدة على نهايته من الناحية الغربية".
وأضاف: "تم إقامة منطقة عازلة بعرض 7 كم لحماية هذا المحور تم تدمير مناطق واسعة من حي الزيتون، ومدينة الزهراء، وبلدة المغراقة، والمخيم الغربي في البريح، وبلدة وجحر الديك بالكامل كي تكون عمقا لهذا الخط".
وشدد حبيب على أنه في ظل الوقائع الميدانية الموجودة فإن البقاء في هذا المحور صعب لقوات الاحتلال رغم التجهيزات العسكرية التي تمت فيه من أجل حمايته نظرا لوقوعه بين فكي كماشة من الشمال والجنوب بالنسبة للمقاومة.
وقال: "من السهل على رجال المقاومة الفلسطينية رصد ومتابعة كل تحرك لجيش الاحتلال على هذا المحور استهدافه".
واستبعد أن يبقى الاحتلال في هذا المحور لفترة طويلة مؤكدا أنه قريبا سيرحل عنه لأنه سيكون استنزافه ويكلفه خسائر بشرية كبيرة.
وأكد الكاتب والباحث ناهض زقوت على أن عودة قوات الاحتلال لمحور الشهداء ـ نتساريم بعد عشرين سنة من انسحابها منه وتركها مستوطنة نتساريم هو لإدراكها الأهمية الاستراتيجية لهذا المحور والسيطرة عليه.
ناهض زقوت.. كاتب وباحث فلسطيني
وقال زقوت لـ "عربي21": "إن قوات الاحتلال قامت بتجريف 400 دونم في محيط هذا المحور للسيطرة عليه وبناء قواعد عسكرية عليه".
وأضاف: "قام جيش الاحتلال لشق هذا المحور بتجريف معظم القرى والمدن المحيطة به وهي: مدينة الزهراء، بلدة المغراقة، بلدة جحر الديك، ومساحات من احياء غزة الجنوبية الغربي مثل: الزيتون، تل الهوا، والشيخ عجلين، وذلك بتوسيع ممر الشهداء- نتساريم الواصل من معبر المنطار ـ كارني شرقا وحتى شارع الرشيد غربا، مرورا بمستوطنة نتساريم سابقا وصولا إلى الميناء الأمريكي الذي يجري إقامته قبالة شواطئ جنوب مدينة غزة".
وتابع: "هذا يدلل على وجود أهداف غير معلنة للحرب على غزة بخلاف المعلنة من القضاء على المقاومة والإفراج عن الأسرى، وهي إعادة احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه وإنهاء القضية الفلسطينية".
ودلل زقوت على ذلك إقامة جيش الاحتلال الأعياد اليهودية في تلك المنطقة التي سيطر عليها بالقوة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير محور غزة الهوية الفلسطينية التاريخية فلسطين غزة تاريخ هوية محور تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة انتفاضة الأقصى قوات الاحتلال محور الشهداء هذا المحور قطاع غزة على أن
إقرأ أيضاً:
لماذا لم تنتصر إسرائيل رغم تفوقها؟
بعد ما يقرب من العامَين من الحرب على غزة والمنطقة، أظهرت "إسرائيل" تفوقًا ملحوظًا في المجالَين: العسكري، والأمني، مع دعم شبه مطلق من الولايات المتحدة، ما مكّنها من إنزال خسائر كبيرة بكل أعدائها، لكن ذلك لم يمنحها فرصة إعلان نصر واضح أو حاسم.
التفوق الساحقمنذ اللحظة الأولى، قررت دولة الاحتلال طي صفحة عملية طوفان الأقصى بكل تأثيراتها السلبية عليها والإيجابية لأعدائها، ضمن سياسة "كيّ الوعي" وفرض نسيان ما حصل يومها من انتكاسة كبيرة لها على كافة المستويات.
كما ترسخت القناعة بالخطر الوجودي على دولة الاحتلال، ما فرض عليها تغيير تعاملها مع التهديدات التي تواجهها في المنطقة، إضافة إلى الرغبة في استعادة ثقة الجبهة الداخلية بالدولة والمؤسسة العسكرية والحكومة، فضلًا عن كون ما حصل فرصة غير مسبوقة لفرض وقائع ومسارات جديدة على المنطقة في إطار "تغيير خرائط الشرق الأوسط"، والتي كانت خطة معدة مسبقًا وُضعت في إطار التنفيذ.
تفاعل كل ما سبق ليولّد "إسرائيل" جديدة، في ذروة العدوان والوحشية والدموية، بنظرية أمنية مختلفة، لا تنتظر حصول التهديد لتتعامل معه احتواءً أو إدارةً أو إفناءً، وإنما تسعى لمنع نشوئه، ومواجهة هذا الاحتمال/ الإمكانية بالقوة الغاشمة وبأقصى دموية ممكنة، بشكل متعمد، كبديل عن معادلة الردع التي تداعت يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
تبلور ذلك إبادةً جماعيةً في غزة، ذهب ضحيتها عشرات آلاف الشهداء، وأكثر منهم من الجرحى والمصابين، ونزوح معظم سكان القطاع، وتدمير شبه كامل لمؤسساته وبنيته التحتية، وخسائر كبيرة للمقاومة الفلسطينية في العتاد والرجال، وفي القطاعات العسكرية والسياسية والحكومية.
وسعيًا للضغط بالقوة القصوى على المقاومة في المفاوضات، فرض الاحتلال حصارًا مطبقًا، وتجويعًا غير مسبوق، وتهجيرًا مستمرًّا لسكان القطاع؛ تمهيدًا لمشروع تهجير شامل إن استطاع. كل ذلك بغطاء أميركي كامل ساهم في قدرة "إسرائيل" على التعامل مع الضغوط الدولية.
إعلانوفي لبنان، شنّت دولة الاحتلال حربًا ساحقة على حزب الله؛ بغية تدميره واجتثاثه، من خلال عمليات "البيجر" والاتصالات، ثم سلسلة الاغتيالات التي طالت قيادات عسكرية وأمنية وسياسية وازنة، على رأسها أمينه العام السابق حسن نصر الله، بكل ما يمثله من ثقل ورمزية وقدرات قيادية.
وترافق ذلك مع مئات الغارات التي استهدفت أسلحته وصواريخه الإستراتيجية، وتبعها توقيع الاتفاق المجحف لوقف إطلاق النار، وإطلاق يد "إسرائيل" في لبنان قصفًا وتوغّلًا واغتيالًا، مع ضغط الجبهة الداخلية اللبنانية لتسليم سلاح الحزب. كما لا يمكن تجاهل آثار تغيير النظام في سوريا على خطوط إمداد الحزب وقدرته على التعافي.
وفي إيران، وجّهت "إسرائيل" لها خلال "حرب الـ12 يومًا" ضربات موجعة، بالاغتيالات، واستباحة الأجواء، وتدمير منظومات الدفاع الجوي، وصولًا لاستهداف المنشآت النووية بالقصف الأميركي المنسق معها.
كما استهدفت قوات الاحتلال اليمن مرات عديدة، مُوقعة خسائر فادحة في ميناء الحُديدة ذي الأهمية الإستراتيجية، فضلًا عن غارات جوية مستمرة، ومحاولات الاغتيال.
وفي سوريا، ورغم غياب أي تهديد حقيقي لها، أعلنت "إسرائيل" إلغاء اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 من جانب واحد، واحتلت مساحات جديدة، وسيطرت على مصادر المياه، وقصفت قرب القصر الرئاسي، وهددت باغتيال الرئيس أحمد الشرع، وأعلنت جهارًا دعم الأقليات، وهددت بتقسيم البلاد، وفرضت واقعًا جديدًا في السويداء تفاوض دمشق بخصوصه، فضلًا عن تدمير معظم الأسلحة وقدرات الدولة السورية.
لا انتصارَ ساحقًايعطي كل ما سبق انطباعًا بأن "إسرائيل" هزمت كل أعدائها، بل وخصومها المحتملين مستقبلًا، وحقّقت الانتصار الكامل الذي طالما وعد به نتنياهو، وأنها أعادت فعلًا رسم خرائط المنطقة بالقوة والنار، على ما تبجّح به الأخير.
والحقيقة أن هذا ليس مجرد انطباع خاطئ وحسب، بل هو إيحاء تعمل على ترسيخه البروباغندا "الإسرائيلية"، لتخدم أهدافًا داخلية وخارجية على حد سواء.
في غزة، بؤرة الحرب الرئيسة والجبهة التي أذلّت الاحتلال يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وهزّت دعائم نظريته الأمنية وتفوّقه الاستخباري والعسكري، في تلك الجبهة المحاصَرة تمامًا والمفتقدة للدعم الخارجي بالكامل، تكيّفت المقاومة بقيادة كتائب القسام بنيويًا ومؤسسيًا وميدانيًا بحيث ما زالت تُنازل الاحتلال رغم ضخامة الخسائر التي تعرضت لها.
أثبتت الكتائب قدرتها على استنزاف العدو وإيقاع خسائر كبيرة فيه، بل وطوّرت عملها لمحاولة أسر جنود إضافيين في المعركة. وما زالت المقاومة ممسكة بورقة الأسرى، والتي هي ورقتها الأقوى في مسار التفاوض، الذي يؤكد بدوره أنها ما زالت عصية على الهزيمة والانْسحاق، بما يفرض على الطرف الآخر التفاوض معها حتى اللحظة.
وفي لبنان، ورغم الخسائر صعبة التعويض، لم ينكسر حزب الله ولم يستسلم، ورغم مرونته الكبيرة- والمستغرَبة- في موضوع السلاح جنوب نهر الليطاني، حيث تتحدث التقارير عن مصادرة معظم سلاحه هناك، فإنه بعيد جدًّا عن فكرة تسليم السلاح، وما زال الرئيس جوزيف عون مصرًّا على سيناريو الحوار الداخلي بهذا الخصوص وليس المواجهة.
إعلانكما ارتفعت وتيرة تصريحات الحزب مؤخرًا، بما في ذلك تصريح أمينه العام نعيم قاسم، بأنه يتعافى ورمّم الكثير من خسائره، وبات "مستعدًّا للمواجهة" إن اضطر لها.
كما أن إيران استوعبت الصدمة الأولى وخاضت حرب استنزاف لاحقة، مستهدفة- كما كشفت تقارير لاحقة- الجبهة الداخلية "الإسرائيلية"، وبعض المواقع الحساسة بدقة فاقت التوقعات.
كما فرضت صواريخها معادلات ردع جديدة دفعت نتنياهو للدعوة إلى وقف إطلاق النار بعد الضربة الأميركية للمنشآت النووية، وهذا- من البديهي- ليس موقف مَن حقق انتصارًا كاسحًا.
كما أنه ليس من المعروف حتى اللحظة مدى الضرر الذي تعرض له المشروع النووي، بل تشير معظم التقديرات إلى عدم تدميره بالكامل، ما يعني إمكانية استعادته النشاط، وبشكل أسرع ربما، إن توفرت إرادة سياسية لذلك.
ولعل اليمن أقل الجبهات التي تعرضت لضربات "إسرائيلية" كبيرة، وهي- للمفارقة- الجبهة التي ما زالت على نشاطها وفاعليتها، مع سقف خطاب أعلى بكثير اليوم، وبوعيد بتصعيد الاشتباك مع الاحتلال؛ بسبب حرب التجويع لأهل غزة.
والخلاصة..يتيح التفوق العسكري والاستخباري الكبير لدولة الاحتلال، والذي بنته لها الولايات المتحدة الأميركية على مدى عقود، وانخراط الأخيرة بشكل واسع في الحرب دعمًا وغطاءً ومشاركة فعلية (كما حصل في إيران وجبهات أخرى)، يتيح لها توجيه ضربات قاسية لأعدائها، بما يشمل الدمار الكبير، والاغتيالات الوازنة، والاختراقات العميقة، وبما يتسبب بخسائر بشرية كبيرة جدًّا، ولا سيما في غزة.
لكن كل ذلك لم يمكّنها من تحقيق الانتصار، ولا حتى ادعائه.
تحاول دولة الاحتلال أن تُصوّر الخسائر الكبيرة التي تسببت بها على أنها النتيجة النهائية للحرب، ويتساوق معها البعض أحيانًا، إما جهلًا بالوقائع، أو تحت ضغط الأزمة الإنسانية الخانقة، أو بسبب أجندات سياسية معروفة.
لكن ذلك غير دقيق بالمرة، ليس تقليلًا من شأن الإنسان، شهيدًا وأسيرًا ومصابًا ومهجّرًا ومجوَّعًا، ولا تقزيمًا من قدرات "إسرائيل" وأثر الدعم الذي تحظى به، ولكن لأن ذلك جزء من تقييم المعركة/الحرب، وليس نتيجتها النهائية.
لقد فصّلنا في مقالات سابقة العوامل التي تُقيّم نتائج الحروب على أساسها، والتي منها بالتأكيد الخسائر البشرية والمادية، ولكنها ليست الوحيدة، وفي أحيانٍ كثيرة ليست الأولى، فكم من دولة قدّمت خسائر أكبر بكثير من عدوّها ولكن انتصرت عليه في النهاية.
فإذا كان ذلك حال الدول، فحركات التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال أولى وأجدر. فضلًا عن أن المبالغة في الوحشية مع المدنيين مقصودة لذاتها من قبل "إسرائيل"، ما يدفع للحذر من الوقوع في فخ التقييم الذي تنصبه.
كل ذلك في حال وُضعت الحرب أوزارها واتضحت نتائجها بشكل كامل، فما بالنا والحرب مستمرة، وهي- بالمعنى الأشمل- طويلة الأمد، قد تقف مؤقتًا، لكن مسارها ومفاعيلها مرشحة دائمًا للانفجار والتوسع، ولا سيما في ظل النوايا المعلنة لنتنياهو وشركائه؟
والإشارة الأخيرة، أنه كلما أظهر طرف من الأطراف مرونة كبيرة وسعيًا ملحوظًا لوقف الحرب، تَصَلَّب الموقف "الإسرائيلي" أكثر، وبات أكثر عدوانية ودموية. وقد تكرر الأمر في غزة، ولبنان، وسوريا، وإيران.
أخيرًا، ما زالت نتائج عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول قائمة، لم تُمحَ ولم تُنسَ، وسيُبنى عليها.
وأما تفاعلاتها ومآلاتها طويلة الأمد، فما زالت لم تتبلور جميعها بشكل واضح وكامل.
قد نكون اليوم أمام نصف الساعة الأخير من الجولة الحالية من الحرب، وقد نكون أمام جولة ممتدة، لذلك فالمنطق المُجدي تركيزُ كافة الجهود لتعزيز أوراق القوة، وزيادة الضغط على "إسرائيل"، وليس العكس.
فالمطلوب حاليًّا الصمود وتعزيز الموقف، وإلّا تحوّلت الأزمة الإنسانية التي تسبب بها الاحتلال إلى انتصار إستراتيجي له، وهذا ما ينبغي منعه.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline