أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم التجارة في الملابس النسائية؟ فأنا أتاجر في الملابس النسائية (بناطيل جينز)، واعترض عليّ بعض الناس أنَّ ما أتاجر فيه حرامٌ شرعًا، فهل المتاجرة في الملابس النسائية كلها حرامٌ شرعًا أو لا؟".

لترد دار الإفتاء موضحة: أن التجارة في الملابس النسائية جائزة شرعًا؛ لثبوت تحقق المنفعة فيها، ولأن السلعة ما دامت صالحة للاستعمال على الوجهين: وجه الحل والحرمة، فليس البائع مكلَّفًا أن يسأل المشتري فيم يستخدمها، وإذا استُعمِلَتْ في محرَّمٍ فإثم الحُرمة إنما يلحق مستعملها وحدَه، وليس على الصانع ولا على البائع ولا على المؤجِّر مِن حرج.

لو خايف من حد.. ردّد 8 كلمات وآية قرآنية يطمئن قلبك ويشرح صدرك دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه

بيان أن الأصل في المعاملات الحل إلا ما نص الشرع على حرمته

التجارة من الأمور المُجمع على مشروعيتها؛ حيث دعت حاجة الناس إليها؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في "الأم" (3/ 3، ط. دار المعرفة): [فأصل البيوع كلها مباحٌ إذا كانت برضا المتبايعين الجَائِزَي الأمر فيما تبايعا، إلا ما نَهَى عنه صلى الله عليه وآله وسلم منها، وما كان في معنى ما نهى عنه صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
قال العلامة شيخي زاده الحنفي في "مجمع الأنهر" (2/ 3، ط. دار إحياء التراث العربي): [ومشروعية البيع بقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾، وبالسنة وهي كثيرة، وبإجماع الأمة، وبالمعقول] اهـ.
قال العلامة علي حيدر الحنفي في "درر الحكام" (1/101، ط. دار الجليل): [أجمع الأئمة على مشروعية البيع، وأنه أحد أسباب التملك، وقيل: إن أفضل الكسب التجارة] اهـ.

كيف أفتح صفحة جديدة مع الله بعد رمضان؟ 15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها بيان أن الغرض من البيع والشراء هو تحقيق المنفعة

الغرض من البيع والشراء هو تحقيق المنفعة؛ فكل ما كان في جنسه مباحًا ويحتمل المنفعة جاز بيعه وشراؤه؛ ولذلك فقد أجاز الفقهاء بيع الأجناس الطاهرة ولو كانت غير محترمة إذا اشتملت على منفعة.
قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (1/ 164، ط. دار الكتب العلمية): [ومعلومٌ أن ما جاز الانتفاع به جاز شراؤه وبيعه إلا ما خُص بدليل] اهـ.
وقال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (5/ 499، ط. دار المنهاج): [فليكن التعويل في الفرق بين ما يتمول وما لا يُتَمَوَّل على المنفعة في الأجناس الطاهرة غير المحترمة، فلو أجدَّ الرجلُ صخرةً وكان فيها منفعةٌ ظاهرة، فيجوز أن يبيعها بآلاف ممن يشتريها] اهـ.
وقد نص الفقهاء على جواز بيع كل ما ليس محرمًا في عينه وإن احتمل استعماله فيما هو محرم.
قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (3/ 297، ط. المطبعة الأميرية): [والخشب الذي يُتخَذُ منه المعازفُ لا يُكرَه بيعُه؛ لأنه لا معصيةَ في عينها، وكذا لا يُكرَه بيعُ الجارية المغنِّيَة، والكبش النَّطُوح، والدِّيك المقاتل، والحمَامة الطيّارة؛ لأنه ليس عينُها منكرًا، وإنما المنكَر في استعماله المحظور] اهـ.

بيان أن الأصل في اللباس الحل إلا ما نص الشرع على حرمته
كما أنه من المقرر شرعًا أن الأصل في الأشياء الإباحة، ومنها الملبس؛ فالأصل في اللباس الحلّ، إلا ما جاء نص على حرمته؛ كالحرير المحرم على الرجال، وبعض الجلود التي لا تطهر بالدباغ؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ» متفق عليه.
واللباس الحسن من الزينة التي حث الشرع الشريف عليها؛ قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾: الثياب" أخرجه عبد بن حميد، والطبري في "التفسير"، وكذلك قال عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، وطاوس، فيما أخرجه الإمام الطبري في "تفسيره" عنهم.
وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياءَ أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنزلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ [يونس: 59]، وهو هذا، فأنزل الله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾" أخرجه الطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم في "التفسير".
والأمر باتخاذ الزينة كما يشمل أصل الثياب، يشمل أيضًا اختيار الحسَن منها، ويشمل غير ذلك مما يتزين به الإنسان أمام الناس، وكل ذلك داخل في الاستحباب ما لم يُنْهَ عنه شرعًا، ولم يكن فيه إسراف ولا مخيلة؛ فروى الإمام أحمد في "مسنده"، واللفظ له، ومسلم في "صحيحه"، وأبو داود والترمذي في "السنن" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، أنه قال رجلٌ: يا رسول الله، إني ليُعْجبني أن يكون ثوبي غَسيلًا، ورأسي دَهينًا، وشِرَاك نعلي جديدًا -وذكر أشياء، حتى ذكر علاَقة سوطَه- أَفَمِن الكِبْرِ ذَاكَ يا رسولِ الله؟ قال: «لَا، ذاكَ الجَمَالُ، إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ».

حث الشرع الشريف الزوجة على التزين والتجمل لزوجها

قد جُبلت طبيعة النساء على حب التزين، كما أنها مأمورةٌ به شرعًا لزوجها.
فعن بكرة بنت عقبة أنها دخلت على السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي جالسة في معصفرة، فسألتها عن الحناء، فقالت: "شجرة طيبة وماء طهور"، وسألتها عن الحِفَافِ (أي: الأخذ من الحاجبين) فقالت لها: "إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنَّ تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ فتضعيهما أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي" أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى".
وعن ابن ضمرة بن سعيد، عن جدته، عن امرأة من نسائهم، وكانت قد صلَّت القبلتين مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «اخْتَضِبِي، تَتْرُكُ إِحْدَاكُنَّ الْخِضَابَ حَتَّى تَكُونَ يَدُهَا كَيَدِ الرَّجُلِ»، قالت: فما تركت الخضاب حتى لقيت الله تعالى، وإن كانت لتختضب وهي بنت ثمانين. أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
فإذا ما شرع لهنَّ التزين لأزواجهنَّ، شُرِع لهن شراءُ كلِّ ما يتزينَّ به، من ملابس وغيرها، وإثمُ استغلال بعض النساء الزينةَ فيما هو منهيٌّ عنه -كالتزيُّنِ بها خارجَ بيوتهنَّ- إنما يلحقهنَّ وحدَهنَّ دون غيرهنَّ، وليس على التاجر أو الصانع لهذه الملابس أو غيرها من الحرمة شيء.
فحاصل الأمر: أن هذه الملابس قد تستعمله النساء فيما هو مشروع ومندوب إليه، وهو: التزيُّن داخل بيوتهن، وقد يستعملْنَهُ فيما هو منهيٌّ عنه شرعًا؛ من التبرج وإبداء الزينة لغير الأزواج، وهذا يعني أنَّ الحرمة فيه لم تتعيَّنْ.
وقد تقرر شرعًا أن الحرمة إذا لم تتعين حلَّت، وأن الشيءَ إذا كان ذا استعمالين: أحدهما حرامٌ، والآخرُ حلالٌ، جاز بيعُه وشراؤه، وتقع مسؤولية استعماله على المستعمِل؛ إن حلالًا فحلالٌ، وإن حرامًا فحرامٌ، وليس على الصانع أو البائع أو المؤجِّر إثمٌ في ذلك.
ولم يوجب الشرع على البائع أن يسأل المشتري عن غرض استخدامه السلعة التي يشتريها منه، وهذا يقتضي جواز بيع السلع التي تحتمل الوجهين.
ومن المتفق عليه أن الحرمة والحل إنما يتعلقان بأفعال المكلفين؛ فالأشياء والاعيان لا يوصف شيء منهما بالحل أو بالحرمة إلا بتعلق فعل المكلف بها.
قال الإمام الغزالي في حديثه عن الأحكام التكليفية في "المستصفى" (ص: 23، ط. دار الكتب العلمية): [وهذه الألفاظ لا شك أنها لا تطلق على جوهرٍ بل على عرض، ولا على كل عرض بل من جملتها على الأفعال فقط، ومن الأفعال على أفعال المكلفين لا على أفعال البهائم] اهـ.
وقال الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (1/ 161، ط. دار الكتبي): [وقولنا: "الخمر محرمة" تَجَوُّزٌ؛ فإنه جمادٌ لا يتعلَّق به خطابٌ، وإنما المحرَّمُ تناوُلُها] اهـ.
كما أن من المقرر شرعًا أن الإثم يقع على من اجترحه، ولا يتجاوزه إلى غيره؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]، وقوله سبحانه: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39].

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه قال الإمام فیما هو إلا ما لا على ل الله

إقرأ أيضاً:

هل يستحق البائع العربون إذا لم يتم البيع؟.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم الإسلام في العربون؟ وهل هو من حق البائع شرعًا؟ وهل له أن يتبرع به في وجهٍ من وجوه البر مثلًا إذا لم يكن من حقه؟.

وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن أخذ العربون غير جائز شرعًا؛ لما ورد: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ" رواه أحمد وغيره، ولما فيه من الغرر وأكل أموال الناس بالباطل.

ونوهت بأنه يجب رد العربون إلى المشتري إذا كان على قيد الحياة، أو إلى ورثته إن كان قد توفِّي، فإن لم يستدل عليه ولا على ورثته، فإنه يتصدق بهذا المال في المصالح العامة للمسلمين، ولا يحلُّ للبائع الانتفاع به لنفسه.

قاتل زوجته هل يحق له أن يرثها ؟.. عالم بالأزهر يجيبعند عدم رغبة العميل في السلعة وإرجاعها.. من يتحمل تكلفة الشحن؟دعاء يوم تاسوعاء.. ردد أفضل أدعية الرزق والبركة ومغفرة الذنوبحكم صيام يوم تاسوعاء.. الإفتاء تجيب

تحريم البيع مع العربون

روى مالكٌ في "الموطأ" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: "أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ"، ورواه أيضًا أحمد والنسائي وأبو داود، ورواه الدارقطنيُّ، ورواه البيهقيُّ موصولًا، وقد فسَّر الإمام مالكٌ العربونَ كما أورده أبو داود في "السنن" (283/3) قال: [وَذلِكَ -وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يَقُولُ: أُعْطِيكَ دِينَاراً عَلَى أَنِّي إِنْ تَرَكْتُ السِّلْعَةَ أو الكِرَاءَ فَمَا أَعْطَيْتُكَ لَكَ] اهـ بتصرف.

وهذا الحديث قد ورد من طرقٍ يقوي بعضها بعضًا، وهو يدل على تحريم البيع مع العربون؛ لما فيه من الشرط الفاسد، والغرر، وأكل أموال الناس بالباطل.
وقد نصَّ على بطلان البيع مع العربون وعلى تحريمه فقهاءُ مذاهب الأئمة؛ أبو حنيفة ومالك والشافعي، ورُويَ عن الإمام أحمد إجازتُه.

قال الشوكاني في بيان علة تحريم العربون: [وَالْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ اشْتِمَالُهُ عَلَى شَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: شَرْطُ كَوْنِ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ يَكُونُ مَجَّانًا إنْ اخْتَارَ تَرْكَ السِّلْعَةِ. وَالثَّانِي: شَرْطُ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الرِّضَا بِالْبَيْعِ] اهـ، وأضافَ الشَّوكاني أنه إذا دار الأمر بين الحظر والإباحة ترجَّح الحظر. "نيل الأوطار" (5/ 153، 154)، و"الروضة الندية شرح الدرر البهية" (2/ 9)، و"المجموع للنووي شرح المهذب للشيرازي" (9/ 334، 335).


لمَّا كان ذلك: فإن استيلاءُ البائع على العربون غيرَ جائزٍ شرعًا؛ لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع العربون.

التصرف في مبلغ العربون بعد الحصول عليه

إذا كان ذلك، فما طريق التصرُّف في مبلغ العربون الذي ظهر أنه من المحرَّمات؟

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المسلِم إذا أخذ مالًا حرامًا كان عليه أن يصرفَه إلى مالكه إن كان معروفًا لديه، وعلى قيد الحياة، أو إلى وارثه إن كان قد مات، وإن كان غائبًا كان عليه انتظارُ حضوره وإيصالُه إليه، مع زوائده ومنافعه.

أما إن كان هذا المال الحرام لمالكٍ غير معيَّنٍ، ووقع اليأس من التعرُّف على ذاته، ولا يُدْرَى أمات عن وارثٍ أم لا، كان على حائزِ هذا المال الحرام في هذه الحال التصدُّقُ به؛ كإنفاقه في بناء المساجد والقناطر والمستشفيات.

وذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز التصدُّق بالمال الحرام؛ لأن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا.

وقد استدل جمهرة الفقهاء على ما قالوا من التصدق بالمال الحرام إذا لم يوجد مالكُه أو وارثُه بخبر الشاة الْمَصْلِيَّةِ التي أمر الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتصدُّقِ بها بعد أن قدمت إليه فكلمته بأنها حرامٌ؛ إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى» رواه أحمد، وهو في "الدر المختار"، وحاشية "رد المحتار" لابن عابدين (3 / 498، 499 في كتاب اللقطة)، و"إحياء علوم الدين" للغزالي في (كتاب الحلال والحرام)، وأخرج العراقي الحديث عن أحمد بسندٍ جيد بهامشه.

ولما قامر أبو بكر رضي الله عنه المشركين بعد نزول قول الله سبحانه: ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: 1]، وكان هذا بإذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحقَّقَ اللهُ صدقَهُ، وجاء أبو بكر رضي الله عنه بما قامر المشركين به، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هذا سُحْتٌ فتصدَّق به». وكان قد نزل تحريمُ القِمار بعد إذن الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي بكر رضي الله عنه في المخاطرة مع الكفار.


وكذلك أُثر عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنه اشترى جاريةً فلم يظفر بمالكها ليعطيه ثمنها، فطلبه كثيرًا، فلم يظفر به، فتصدَّق بثمنها، وقال: "اللهم هذا عنه إن رضي، وإلا فالأجر لي". "إحياء علوم الدين" للغزالي، وتخريج العراقي بهامشه.

واستدلوا أيضًا بالقياس فقالوا: إن هذا المالَ مُردَّدٌ بين أن يضيع وبين أن يُصرفَ إلى خيرٍ إذ وقع اليأسُ من مَالِكه، وبالضرورة يُعلَم أن صرفه إلى خيرٍ أولى من رميه؛ لأن رميه لا يأتي بفائدةٍ، أما إعطاؤه للفقير أو لجهةٍ خيريةٍ ففيه الفائدة بالانتفاع به، وفيه انتفاعُ مالكه بالأجرِ ولو كان بغير اختياره؛ كما يدل على هذا الخبرُ الصحيحُ: «لَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا كَانَتْ له صدقة» رواه ابن حبان. ولا شك أن ما يأكل الطير من الزرع بغير اختيار الزارع، وقد أثبت له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأجر.


وردَّ الإمامُ الغزاليُّ على القائلين بعدم جواز التصدُّق بالمال الحرام بقوله: [وأما قول القائل لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر، وترددنا بين التضييع وبين التصدق ورجحنا التصدق على التضييع، وقول القائل: لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك، ولكنه علينا حرامٌ؛ لاستغنائنا عنه، وللفقير حلالٌ إذا أحلَّه دليلُ الشرع، وإذا افترضت المصلحةُ التحليلَ وجب التحليلُ] اهـ. "إحياء علوم الدين" في النظر الثاني في المصرف (5/ 882: 890، ط. لجنة نشر الثقافة الإسلامية بالقاهرة سنة 1356هـ).

وأكدت بناء على ذلك، أن مبلغ العربون الذي دفعه المشتري إلى البائع ولم تتم الصفقة محرَّمًا على البائع، ويتعيَّنُ عليه ردُّه إلى المشتري إذا كان معروفًا لديه وعلى قيد الحياة، وإلى ورثته إن كان قد توفي، فإن لم يُعلم بذاته ولا بورثته فعلى البائع التصدُّق بمبلغ العربون في المصالح العامة للمسلمين، كبناء المساجد أو المستشفيات؛ لأنَّ عليه التخلُّص مما حازه من مال مُحرَّمٍ، ولا يحلُّ له الانتفاع به لنفسه؛ لأن كلَّ مسلمٍ مسؤولٌ عن ماله مِن أين اكتسبه وفيم أنفقه كما جاء في الحديث الشريف في "صحيح الترمذي" (9/ 252).

طباعة شارك تحريم البيع مع العربون العربون حكم الإسلام في العربون هل العربون من حق البائع التصرف في مبلغ العربون بعد الحصول عليه

مقالات مشابهة

  • مكة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • حكم صيام يوم عاشوراء فقط .. دار الإفتاء تجيب
  • أكثر من ٧٦ ألف جولة رقابية على المساجد والمصليات النسائية بمنطقة الجوف خلال عام ١٤٤٦هـ
  • فعاليات للهيئة النسائية في حجة بذكرى استشهاد الإمام الحسين
  • الإفتاء توضح حكم الترتيب بين صلاة الفجر وسنته
  • الإفتاء: لا حرج في صيام عاشوراء ولو وافق السبت
  • هل يجوز صوم يوم عاشوراء فقط دون تاسوعاء؟.. الإفتاء توضح
  • ما حكم من فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم؟.. الإفتاء تجيب
  • هل يستحق البائع العربون إذا لم يتم البيع؟.. الإفتاء تجيب
  • فعالية ثقافية في الصافية بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام