أشعر بندم شديد عندما يرحل أحد عمالقة هذا البلد دون أن تتاح لى الفرصة للالتقاء معه والاستماع إليه مباشرة. هؤلاء يمتلكون ثروة من قصص النجاح والكفاح التى تستحق أن نحكيها للأجيال القادمة ليكونوا لهم القدوة الحسنة التى نحتاجها ليس فقط على مستوى النجاح المهنى بل, وهو الأهم, النجاح على المستوى الإنسانى والأخلاقى والوطنى.
من هؤلاء العمالقة المهندس عبدالخالق عياد أحد أهم رواد صناعة البترول والطاقة ومعلم أجيال تلو أجيال, والذى رحل عن دنيانا منذ أيام قليلة مضت تاركًا خلفه ثروة كبيرة من حب الناس وتقديرهم, كيف لا وهذا المصرى الوطنى الأصيل كان عالما حقيقيًا تجسدت فيه كل صور الشهامة وقمة العطاء وحب اسرته وأصدقائه وزملائه وحتى أهل دائرته وجيرانه، حيث انتخب نائبًا فى مجلس الشيوخ عن دائرة الغربية وتولى عن جدارة واستحقاق رئاسة لجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة. كان الفقيد فارسًا فى علمه ونبل أخلاقه, انسانًا فى تعاملاته وشهد له بذلك كل من عرفه أو تعامل مع عن قرب.
تستحق حياة العملاق الراحل بما فيها من دروس وعبر ومحطات كفاح أن تقدم لشبابنا الذين يفتقد أغلبهم مع الأسف فى أيامنا هذه القدوة والمثل الأعلى فى مجالات الصناعة والإنتاج والذين اقتصرت غالبية طموحاتهم على لعب الكرة والتمثيل والغناء باعتبارهم الطريق الأسرع للشهرة والمال والنفوذ. فمنذ أن شب الرجل عن الطوق وهو يعرف هدفه جيدًا ويخطو كل خطواته المحسوبة بدقة فى سبيل تحقيق هدفه بأن يكون رجلًا منتجًا يقدم لبلده قيمة مضافة ويحقق فى مجال البترول والطاقة الذى كان حلم حياته منذ الصغر، ما يستحق أن يروى للناس من بعده كنموذج حى لرجل صاحب ارادة حقيقية لم يتكاسل ولم يفتر يومًا فى أن يجعل لحياته معنى وقيمة تكون مدعاة للفخر على مر الزمان.
تخرج الفقيد الراحل فى كلية هندسة القاهرة عام 1974 وحصل على الماجستير فى إدارة الأعمال من جامعة جنوب كاليفورنيا ولنبوغه الكبير فى مجاله لفت الأنظار فى كل خطوة عملية يخطوها فتولى قيادة العديد من الشركات مثل شركة الحفر المصرية وشركة حاويات شرق بورسعيد كما تولى رئاسة هيئة البترول المصرية من عام 1995 إلى عام 2000 وكان من أوائل الخبراء المصريين الذين ساهموا فى تأسيس شركة البترول الوطنية فى أبو ظبى من 1977 إلى 1985 حيث جمع بين الخبرة البترولية والاقتصادية فى قالب مصرى وطنى. وعمل فى مختلف مجالات صناعة البترول والغاز بما فى ذلك الاستكشاف والإنتاج والتكرير والتسويق,كما شغل عضوية الهيئة العليا بحزب الإصلاح والتنمية وترأس لجنة الطاقة والبيئة بمجلس الشيوخ منذ بداية الفصل التشريعى الأول لمجلس الشيوخ والذى انطلق فى نهاية 2020.
تميز عبدالخالق عياد بمسيرة حافلة بالإنجازات، حيث ساهم بشكل كبير فى تطوير قطاع الطاقة فى مصر ونال احتراما وتقديرا واسعين من زملائه وجميع من عرفه كما لعب خلال حياته البرلمانية والنيابية دورا هاما فى صياغة التشريعات المتعلقة بقطاع الطاقة والبيئة وساهم فى العديد من المشروعات القومية المتعلقة بالطاقة, ونال العديد من الجوائز والتكريمات تقديرا لانجازاته، منها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الإمارات العربية المتحدة وجائزة التميز من الهيئة العامة للبترول وجائزة أفضل رئيس تنفيذى لشركة بترول من مجلة بترول الشرق الأوسط. وعلى الرغم من تخصصه الذى عشقه منذ الصغر وهو البترول ومشتقاته إلا أن ذلك لم يمنعه من الاهتمام بالحياة العامة وبخاصة بقضايا التعليم والشباب وريادة الأعمال. وحرص على المساهمة بالرأى والمشورة والأبحاث فى عدد كبير من مجتمعات التجارة والصناعة التى كانت تتنافس على الاستفادة من خبراته الكبيرة فى العمل والحياة.
رحم الله فقيد مصر الكبير المهندس عبدالخالق عياد وألهم أسرته وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان، وستبقى سيرته العطرة لعبدالخالق عياد نبراسًا لكل من يحب البلد حبا حقيقيًا بالعمل والانتاج بعيدا عن الشعارات الجوفاء التى لا تسمن ولا تغنى من جوع.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هشام مبارك عبدالخالق عياد طلة عبدالخالق عیاد
إقرأ أيضاً:
الصعيد الجُوَّانى
تحتاج مصر فى ظروفها الحالية إلى تكاتف الجميع وتلاحم الشعب لكنك تفاجأ أن يأتى أحدهم ليتحدث عن الجنوب والصعيد وكأنهم دولة أخرى فى حاجة إلى «مينا» ابن سوهاج الذى وَحّد القطرين؛ ونسىِ هذا أن ما يوجد فى أبعد قرية فى صعيد مصر هو ما يوجد فى أدنى قرية بالدلتا أو المحافظات الحدودية، وأن القرى لم تعد منغلقة على نفسها بل صارت تعيش العولمة بإيجابياتها وسلبياتها، وأن محاولة التفرقة وبث الفتنة بين الصعيد ووجه بحرى جريمة يجب أن يحاكم مقترفها لأن الوطن لا يحتمل أمثال هؤلاء، ولا يتقدم برؤى انهزامية تقضى على الأخضر واليابس. ولعل مرجع الصورة الذهنية السلبية عن الصعيد يعود إلى بعض المسلسلات والأفلام التى تُرضى بعض المشاهدين الذين تكونت لديهم صورة الصعيد المتخلف الغبى من تجار الآثار والأسلحة وزارعى المخدرات، وكأن كل صعيدى يتعاطى المخدرات ويبيع الآثار ويقتل بالأسلحة أبناء عمومته يومياً؛ هذه الصورة النمطية التى ترسخت فى الذهنية الجمعية عن الصعايدة أسهم فيها- للأسف- بعض الصعايدة أيضاً حتى يسيروا مع الموجة الغالبة، ولعل من الطريف أن 90٪ من النكت على الصعايدة يؤلفها صعايدة! وكم أود أن يتصدى علماء الاجتماع وعلم النفس والإعلام لهذه الظواهر التى أوجدت طبقية ذهنية بين أفراد المجتمع فيلجأ الصعايدة للدفاع عن أنفسهم أمام كل حادثة وأمام كل دَعِى.. حبذا لو قامت الجامعات بدراسة هذا التغييب البحثى عن مشكلات التفرقة والعنصرية بين أفراد المجتمع الواحد أسبابها وكيفية معالجتها، وأن يأخذوا هؤلاء الإعلاميين من ذوى الفتن فى دورات علمية حتى يناقشوا ويستمعوا للوقوف على الحقيقة، وأن يأخذوهم فى رحلات إلى محافظات مصر بالقطار العادى وليس بالطائرات وأن ينزلوهم بعيداً عن المزارات السياحية والفنادق الفخمة بل فى القرى والنجوع ليقفوا على مشكلات الناس الحقيقية وعلى أرض مصر بكل ما فيها من جمال ومن سلبيات، فهم ليسوا فى حاجة إلى مرشد سياحى وإنما مرشد وطنى يعلمهم احترام هذا الشعب بكل محافظاته وبكل ألوانه وأديانه ومذاهبه، إن دور الإعلام مساندة الدولة لكننا أُصبنا ببعض الإعلاميين الذين يحتاجون إلى الدولة لتسندهم، فصار الميزان مختلاً لأن هؤلاء لن ينفعوا الدولة بل يضرونها، لأن المواطن لن يصدقهم حتى لو عرضوا أشياء حقيقية وهناك طفرة إيجابية ملحوظة فى قنواتنا التليفزيونية (ماسبيرو) أداء وصورة لكنها تحتاج إلى وجوه جديدة أو إعلام فى حاجة إلى إعلام.
مختتم الكلام
«الصباح يدقُّ على الباب، ولا باب هنا»
[email protected]