تهريب الذهب من ليبيا.. قضية هزت البلاد وحكومة الدبيبة تصمت عنها
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
سيطرت قضية تهريب أطنان من الذهب على المشهد العام في ليبيا، وتحول الأمر إلى رأي عام، خاصة بعد قرار النائب العام حبس مسؤولين في مصلحة الجمارك والمطارات، وآخرين مقربين من الحكومة الليبية في العاصمة طرابلس.
وفي كانون أول/ديسمبر من العام الماضي تفاجأ الليبيون بأنباء عن تهريب 26 طنا من الذهب عبر مطار مصراتة الدولي (غرب ليبيا) إلى تركيا عبر مسؤولين بالمطار وتحت حماية القوة الأمنية المشتركة التابعة لحكومة الدبيبة والمسيطرة على أغلب المطارات في ليبيا.
وتسبب الأمر في صدام مسلح بين القوة الأمنية المشتركة وجهاز الأمن الداخلي بالمطار الذي كشف عملية التهريب وقامت هذه القوة بإخراج قوات الأمن الداخلي وطردتهم خارج المطار وأوقفت الملاحة الجوية داخل المطار وعطلت جميع الرحلات لمدة يوم كامل.
"نفي وتسجيلات مسربة"
وبعد انتشار الخبر ووقوع الصدام المسلح سارع مدير مديرية جمارك مصراتة العميد عثمان حسين بن زاهية إلى نفي تهريب كميات من الذهب عن طريق مركز جمرك مطار مصراتة الدولي مشيرا إلى أن الخبر هدفه التضليل الإعلامي وتبرير عمليات الخطف والابتزاز، مؤكدا أن الذهب ليس من البضائع المحظور تصديرها وأن التصدير يجرى وفق الإجراءات القانونية من قبل وزير الاقتصاد والتجارة بموافقة كتابية وخطية من مدير عام مصلحة الجمارك"، وفق قوله.
لكن لم تمر أيام قليلة على نفي المسؤول الليبي إلا ويتم نشر تسجيلات صوتية تحتوي على مكالمات بين كل من رئيس جمرك مطار مصراتة العميد فتحي مخلوف والقيادي في قوة العمليات المشتركة أبوالقاسم الصمدي تشير إلى تورط الطرفين في واقعة تهريب الذهب، والتنسيق فيما بينهما في ترتيب عمليات التهريب، وتواطؤ هيئة الرقابة الإدارية فيما يتعلق بالواقعة، وفق التسجيلات.
وأظهرت التسجيلات اتفاق المسؤولين بالجمرك على إمكانية تهريب أي كميات من الذهب وأنه يمكن تمرير "حتى ألف كيلو" من المطار إلى الخارج دون محاسبة أو رقابة، وهو ما دفع مكتب النائب العام إلى فتح تحقيق في القضية.
وبعد انتشار التسجيلات الصوتية، التي أكدت عدة مصادر أن من قام بتسريبها هو جهاز الأمن الداخلي، ساد الصمت من قبل حكومة الدبيبة التي يقع المطار والقوة الأمنية تحت تبعيتها وكذلك صمت كل المسؤولين في مطار مصراتة والجمارك والقوة المشتركة، ولم يتحرك في القضية إلا مكتب النائب العام.
"فوضى سوق الذهب"
وتعليقا على هذه القضية التي هزت أرجاء ليبيا غربا وشرقا، قال نقيب الذهب والمعادن الثمينة في ليبيا، نوري الشهاوي إن "أسواق الذهب في ليبيا تعاني فوضى ولا يوجد ضوابط لها مع الهشاشة الأمنية السائدة في البلاد، موضحا أن "الاستيراد والتصدير يجري عبر مختبر الذهب التابع للنقابة من أجل الفحص والتدقيق ومعرفة ما إذ كان أصليا أو مغشوشا، وأن المختبر يعد الجهة الوحيدة المعتمدة لدى المحاكم الليبية، ومصرف ليبيا المركزي منذ ثمانينيات القرن الماضي، للفصل في المنازعات التي تحدث بين تجار الذهب والحرفيين".
وأكد تحقيق استقصائي أجرته منظمة "ذا سنتري" الأمريكية المتخصصة في مكافحة الفساد أن "ليبيا لم تنتج الذهب تاريخيا، وعمل السوق السوداء كمنصة غير رسمية لتجارة الذهب، وأنه منذ العام 2014، جرى استخدام ليبيا كنقطة للعبور للذهب غير المشروع إلى دول مثل الإمارات وتركيا.
وأوضح التقرير أن "نقاط العبور الرئيسية التي تستخدم في صادرات الذهب غير المشروعة من ليبيا: ميناء ومطارات منطقة مصراتة - زليتن - الخمس، وميناء بنغازي، ويأتي الذهب بشكل رئيسي من تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي.
"القضاء يحسم القضية"
وحسم مكتب النائب العام الجدل حول قضية تهريب 26 طنا من الذهب من مطار مصراتة، وقرر حبس مدير عام مصلحة الجمارك؛ ورؤساء مركز جمرك مطار مصراتة، والمراجعة، ولجنة التصدير المؤقت للذهب، وذلك لـ"تآمرهم مع آخرين على إخراج نحو 26 ألف كيلوغرام من سبائك الذهب بالمخالفة للتشريعات الناظمة"، وفق قرار نيابي.
ولاقى القرار ردود فعل كبيرة ولغطا داخل الساحة الليبية بين مرحب به واعتباره خطوة جريئة من النائب العام، وآخر مستهجن، وسط تساؤلات من مراقبين وساسة ومواطنون عن حجم الفساد الذي ضرب كل مؤسسات الدولة وصمت الحكومة عن هذا الأمر ما يعني تورط بعض مسؤوليها أو حتى رئيسها في القضية.
ولم يصدر أي تعليق حتى الآن من قبل حكومة الدبيبة التي تتبعها جمارك مصراتة والقوة الأمنية المشتركة سواء على التهمة أو على قرار النائب العام حبس أكبر مسؤول في مطار مصراتة الدولي.
وبحسب موقع "بيزنس إنسايدر أفريكا"، فإن ليبيا تحتل المرتبة الثالثة في احتياطي الذهب بامتلاكها 117 طنا خلال عام 2023، في حين تبلغ القيمة المالية للذهب المضبوط 1.8 مليار دولار، بحسب الأسعار الحالية عالميا.
وخلال الفترة الماضية، تم رصد عمليات تنقيب غير مشروعة عن الذهب في جنوب ليبيا، وقامت النيابة العامة بضبط تشكيل عصابي، من أربعة أجانب وليبي، نقبوا عن المعدن الأصفر في أربعة أحواض سطحية بالجنوب الليبي.
"استنزاف وتحرك قضائي هام"
من جهته، أكد رئيس لجنة الأجهزة الرقابية بمجلس النواب الليبي، زايد هدية أن "النائب العام يسير وفق ما يخوّله له القانون وأنه يعمل بقوة ومهنية رغم الظروف الصعبة التى تمر بيها البلاد، أما عمليات التهريب بشكل عام فهي جريمة يعاقب عليها القانون وما حدث في قضية تهريب الذهب هو استنزاف للاقتصاد الليبي، وحكومة الدبيبة هي المسؤولة عن هذه الموانيء التي وقعت فيها الحادثة".
وأشار في تصريحات خاصة لـ"عربي21" إلى أن "هناك تواصل مباشر بين لجنة الأجهزة الرقابية وبين مكتب النائب العام لمتابعة القضايا المحالة للمكتب ومتابعتها بما يخوّله لنا القانون وبدأ التنسيق مع جميع الأجهزة الرقابية شرقا وغربا كونها المسؤولة عن متابعة المال العام وأنها تحقق نتائج في التحقيق وكشف المخالفات والتجاوزات والاختلاسات بالمال العام"، وفق قوله.
"إضعاف العملة المحلية"
في حين قال مستشار ورئيس فريق الدعم الفني لمصلحة الجمارك في ليبيا والخبير الاقتصادي، علي الصلح إن "الذهب هو مخزن للقيمة بالنسبة للمواطن وللتجار وللدولة ويعد أيضا تجارة مستقرة تطلبها الأسواق المحلية والعالمية، وعلى الرغم من أن هناك سلة عملات دولية إلا أن بقاء الذهب سيد الموقف في تحديدها، وعند اهتزاز الأسواق يلجأ الجميع إليه للحفاظ على قيمة الثروة"
وأكد في تصريح خص به "عربي21" أن "الكشف عن تهريب الذهب في ليبيا هو الكشف عن خروج ثروة لها قيمة تؤثر في الأسواق بشكل مباشر وتورط أطراف بذلك التهريب يبقي مسألة قانونية حول المسؤولية التي يتحملها كل من الأطراف المتهمة"، وفق تقديره.
وتابع: "على الجانب الآخر فإن تهريب السلع الاستراتجية في ليبيا هو إضعاف لها وتخفيض لقيمة الدينار، ومسألة الاحتياطي من الذهب في المصرف المركزي هو سياق مختلف لا يتعلق بتصدير أو تهريب الذهب من الموانيء التجارية، لكن في الأخير هناك لوائح وقوانين تنظم حركة وصناعة الذهب في ليبيا يجب تقيد الجميع بها"، وفق تصريحاته لـ"عربي21".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية تهريب الذهب ليبيا الدبيبة ليبيا ذهب تهريب الدبيبة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مکتب النائب العام مطار مصراتة تهریب الذهب من الذهب فی لیبیا الذهب فی
إقرأ أيضاً:
صوان: لن تقوم للصناعة قائمة في ليبيا ما دامت السوق محتكرة لمصلحة تجار أغرقوا البلاد بكل ما هو مستورد ورخيص
ليبيا – أكد رئيس اتحاد الصناعات الليبية رشيد صوان، أنه لن تقوم للصناعة قائمة في ليبيا ما دامت السوق محتكرة لمصلحة قلة من التجار اغتنمت غياب الرسوم الجمركية لإغراق البلاد بكل ما هو مستورد ورخيص، وطالما غاب عن الصناع أي من أوجه الدعم أو البنية التحتية اللازمة للتصنيع.
صوان وفي حوار خاص مع موقع”اندبندنت عربية”، والذي يشغل إلى جانب رئاسة اتحاد الصناعات الليبية مجلس أصحاب الأعمال على واقع الصناعة في ليبيا وأفق النشاط الإنتاجي وفرصه وتحدياته، فيما هو يشير بإصبع اليد الواحدة إلى خمسة أسباب تعطل من فرص التأسيس لنشاط صناعي حقيقي في ليبيا، ويقول إن البلاد ذات طابع تجاري أكثر منها ذات طابع صناعي، في ظل ما تقدمه الدولة للتجارة والتجار من محفزات.
وبشيء من التفصيل،أوضح صوان:” إن ليبيا قدمت للتجار إعفاءً على الواردات من الرسوم الجمركية زيرو جمارك، وهو ما منحهم فرصة التغول أكثر على النشاط الاقتصادي في البلاد”، مضيفاً :”الاقتصاد الليبي أصبح خاضعاً للتجار، وهو ما يجعل من الصعب قيام قائمة للصناعة في البلاد،والمطلوب أن توفر الدعم اللازم، ومعه الاستقرار السياسي والأمني الذي يجلب الاستثمارات ويبعث برسائل الطمأنة.
وأشار صوان إلى أن الصناعة في ليبيا خجولة جداً،وأقرب ما تكون إلى “أي بي سي صناعة”، علاوة على غياب أي من صور الدعم المقدم للنشاط الصناعي، وغياب أيضاً المناطق الصناعية المؤهلة، مردفا:”في المقابل الكلفة التشغيلية مرتفعة، فالكهرباء اليوم على سبيل المثال بدينار، وهي كلفة مرتفعة لا تراعي حاجات الصناعة،ولا يوجد دعم من أي طرف (إشارة للحكومتين شرق وغرب البلاد)، والدولة تكسر في الصناعة”.
ونفى صوان حاجة الصناع في بلاده إلى مصانع جاهزة توفرها الدولة، فيما هو المطلوب أن توفر الدعم اللازم، ومعه الاستقرار السياسي والأمني الذي يجلب الاستثمارات ويبعث برسائل الطمأنة في ظل اتسام رأس المال بالجبن، متحدثاً عن بعض التقدم المحرز في الصناعات الغذائية، على رغم أن الإنتاج المحلي منها لا يمثل في نهاية المطاف سوى خمسة في المئة من المنتجات والسلع المعروضة في السوق، والتي غالبها الأعظم مستورد من الخارج.
ونوه إلى أن نصيب الإنتاج الليبي في مجال الصناعات الكهربائية والمنزلية صفر، فيما الغالب هو الاستيراد من جانب قلة من الشركات المحتكرة.
وعرج على أنشطة صناعية أخرى خلافاً للصناعات الغذائية،قائلا إن نصيب الإنتاج الليبي في مجال الصناعات الكهربائية والمنزلية صفر، فيما الغالب هو الاستيراد من جانب قلة من الشركات المحتكرة، وبأسعار زهيدة هي أرخص في واقع الحال من أسعار تلك المنتجات في بلد المنشأ، وهو ما يجعل السوق الليبية مغرقة بالبضائع المستوردة، متسائلاً:”عن موقف مجلس حماية المنافسة الليبي وغياب دوره في حماية الصناعات؟، واصفاً إياه بـ”الجهاز الميت”.
وتحدث صوان أكثر تخصيصاً عن الصناعة،مبينا إن أي بادرة تؤشر إلى قيام صناعة في ليبيا لم تظهر بعد، فلا توجد مقومات للإنتاج الصناعي من قوانين وسياسات،فيما الصناعة بالأساس في حاجة إلى رؤوس أموال كبيرة للغاية، تكفي لإنشاء سلاسل الإمداد والبنية التحتية وشراء خامات ومستلزمات التصنيع إضافة إلى غطاء الاعتمادات لتكون 100 في المئة، وهو ما يتعين على محافظ مصرف ليبيا المركزي الجديد ناجي عيسى الالتفات إليه وأخذه في الحسبان نظراً إلى أهمية ذلك.
وشدد على ضرورة العمل على توفير الطاقة للنشاط الصناعي، مردفا:” فلا يجدي مع الإنتاج الصناعي أن يتكلف الصانع كلفة التشغيل عبر محول بقوة ميغاواط، ويتكبد عناء مخاطبة الجهات المعنية عاماً وعامين وثلاثة من أجل توصيل التيار الكهربائي، فيما يسدد هو الفواتير الباهظة وكلفة التوصيل”.
وأكمل:”لا توجد اليوم مناطق صناعية توفر الغاز للتشغيل باستثناء مصنع أجنبي في المنطقة الحرة مصراتة، إضافة إلى مصنع الحديد والصلب، بالتالي يتعين توفير الغاز كأحد أهم أوجه الطاقة الرخيصة للتشغيل الصناعي في البلاد”.
وعبر عن شكوى مجتمع الصناع والمستثمرين من كلفة النقل الباهظة، مشيراً إلى غلاء مصروفات النقل، في ظل احتكار هذا النشاط، مردفا: “مصاريف الموانئ مرتفعة للغاية، والاحتكار يؤسس في مجال النقل لرفع الكلفة أيضاً بصورة مبالغ فيها، والشاحنة حين تأتي من ميناء طرابلس إلى أي من المخازن داخل طرابلس تتكلف 1500 دينار، وهي ذات الكلفة تقريباً لنقل الشاحنة من تونس إلى طرابلس، وعليه ينبغي على نقابة النقل أن تراعي ظروف الناس، وأن تقدر الكلفة بصورة معقولة لا يتجاوز نسبة اثنين إلى ثلاثة في المئة من إجمالي الكلفة، إضافة إلى غلاء الوقود، وهو اليوم بدينار ونصف الدينار لليتر الواحد، ولا تدعمه الدولة ولا شركة البريقة لتسويق النفط”.