حول السلوك الطبقي في ثورة اللواء الأبيض
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
(وقع فصلي لعام من جامعة الخرطوم في 1963 ضمن لجنة اتحاد طلابها التي كنت سكرتيراً لها عن الجبهة الديمقراطية. وهي السنة التي تعرفت فيها على المرحوم التهامي محمد عثمان، العامل بالري المصري، ومن قادة اللواء الأبيض ليقضى سنتين حكماً بالسجن لقيادته مظاهرة لها. وبدأت العلاقة بعد حضوري لمحاضرة له في القاعة 102 بكلية الآداب عن ثورة 1924 رتبت لها جمعية الثقافة الوطنية بإرشاد من فاطمة أحمد إبراهيم التي لا اعرف كيف عرفت عنه.
واتصل الود بيني وبين الأسرة إلى يومنا. بل وفرت لي ملاذاً في السبعينات حين كنت في طي الاختفاء كادراً تحت الأرض بالحزب الشيوعي. وتوثقت العلاقة بزواج صديقي المرحوم محمد عبد الله عجيمي من سعاد. وتكلمت إلى ابنته حفيدة التهامي تونا منذ أيام. ورحم الله ثريا التي ترقت في الاتحاد النسائي حتى صارت في قيادته. فجزاهم الله عني كل خير: أطعموا العقل والقلب والخاطر والفم).
ما يعيب الدراسة التاريخية في بلادنا هو نزوعها الدائم للتعميم الذي يقعد بها عن استبطان الأحداث والتغلغل في أعماقها واستبصار حركتها المتطورة وتحديد اتجاهات وسلوك القوى الاجتماعية المختلفة فيها. هذا العيب فيما اعتقد يرجع إلى أن الحركة الوطنية في كل مراحلها
كانت تنبهر أمام تاريخ بلادنا وانتفاضات شعبنا فتستلهم كل ذلك بروح إثارية تستهدف تذكير الناس بماضيهم لتحرضهم وتستحثهم وتملأهم حماسة ولسان حالها يقول: "فيما الرقاد! انظروا إلى سلفكم العظيم". كان هذا هو أفق الدراسة التاريخية وقد صاحبتها حركة تسجيل للتاريخ لم ترق لمضمون هذا الأفق، بل غاصت في بطون مؤلفات الاستعمار عن تاريخنا ولم تخرج عن هذه الحدود.
كان السؤال الذي يلح على وأنا استمع للعم المجاهد، التهامي محمد عثمان أحد أبطال جمعية اللواء الأبيض، هو: ما علاقة القوى الاجتماعية المختلفة باللواء الأبيض، وما هو سلوكها السياسي خلال هذه الحركة؟ هل عبر مثقفو العشرينيات، طلائع البرجوازية الوطنية، عن سمات السلوك السياسي التقليدي لهذه الطبقة أم أن الأمر غير هذا؟ كان مبعث سؤالي أنني استمع ولأول مرة لوجهة نظر عامل، والعم التهامي ما يزال عاملا بالري المصري، أسهم في ثورة ١٩٢٤ ومكث بكوبر مدة خمس سنوات وطارده الاستعمار من بعد. فقلما كان يبقى مع مقاول أكثر من شهر يتشرد بحجة أن العمل. قد انتهى وكان العم التهامي يدرك حقيقة الأيدي التي تلاحق وتأمر.
حادث صفير ذكره لي العم التهامي فأضاء متاهات التعميم التي غلفت تاريخ اللواء الأبيض وأبان الطريق لتساؤلاتي.
هذا الحادث هو اجتماع قيادة فيما بين مظاهرة ٢٣ يونيو و٢٦ يونيو. أعقب مظاهرة ۲۳ یونیو ١٩٢٤ اعتقال قادتها وزج بهم في كوبر. فاجتمعت قيادة اللواء الأبيض لمناقشة الموقف ولاتخاذ ما تراه مناسباً في تلك الظروف. برز في ذلك الاجتماع اتجاه يقوده المثقفون، طلائع البرجوازية الوطنية، لفرملة العمل السياسي وإيقاف المظاهرات بحجة التريث لمعرفة مصير قادة مظاهرة ٢٣ يونيو، ولأن اللواء الأبيض قد عبرت عن الشعور العام وهذا يكفي حتى تلتقط أصداء هذا التعبير في مصر وفي حكومة السودان. وكاد هذا الاتجاه أن يسود حيث رحبت به الأغلبية حتى وقف العم التهامي محمد عثمان وشن حملة مركزة على هذا الاتجاه. وذكّر قادة اللواء بقسم المنظمة القائل بأن أعضاء اللواء ملزمون بإدراك زملائهم مهما كلف ذلك، وأن الانتظار تقاعس ما بعده تقاعس. هنا تغير الموقف لصالح الاتجاه الذي تبناه التهامي ووقف أحمد "أقف؟" المهندس بالري المصري، وشد على يد العم التهامي الذي تطوع بقيادة المظاهرة القادمة التي حدد لها يوم ٢٦ يونيو رغم أن دوره في القيادة لم يأت بحكم وضعه في القيادة الرابعة. بارك الاجتماع هذا الاتجاه وطلب منهم العم التهامي أن يذيعوا وسط الناس أن مظاهرة مسلحة ستندلع من غابة بحر أبيض. وشاع ذلك بين الناس وسارعت الحكومة وحشدت كل قوى البوليس بالعاصمة في الغابة وزودتها بالسلاح. وخابت تقديراتها حين اندلعت المظاهرة في السوق ووفرت لها تلك الظروف الاستمرار لمدة أطول.
ما أثارني من جديد هو تغيب الذين باركوا ذلك الاتجاه في الاجتماع بعد أن تنازلوا عن حجج التريث والانتظار من قيادة المظاهرة حيث لم يكن في قيادتها سوى العم التهامي وعبد الكريم السيد (عامل ). وما أثارني أكثر هو اتجاه المظاهرة نحو الأحياء الشعبية حيث فُرقت في مكان موقف باصات الحلة الجديدة الآن بالسوق العربي. واعتقل العم التهامي وحُمل إلى كوبر وهو يحتضن علم اللواء الأبيض حتى دخل السجن وقدمه (أي العلم) لمأمور السجن المصري الجنسية كأمانة ترد إليه عند خروجه من السجن. والمؤلم أن العلم ما يزل في أمانات كوبر لم تجد محاولات العم التهامي لاسترداده ذكرى لأيام مضت.
إن هذا الطور من أحداث اللواء الأبيض ليلقي أكثر من ضوء على السؤال الذي افتتحت به الحديث.
لقد كشف مثقفو العشرينيات، طلائع البرجوازية الوطنية، عن الجوانب السلبية التقليدية في طبقتهم الاجتماعية وهي التردد وأعمال الفرامل في الحركة السياسية حين تصطدم بالسلطة اصطداماً مباشراً. وانبثقت تبعا لذلك نغمة التريث والانتظار والتي كادت أن تسود لولا أن برز عنصر عمالي حمل الراية، وقاد المظاهرة، وتمرد على ضيق حلقات المثقفين. فانبرى ليلتصق بقاعدة شعبية عريضة وذلك حين تحرك بمظاهرته نحو الأحياء الشعبية. فوضع ذلك العنصر بذرة صغيرة لدور اضطلعت به الطبقة العاملة في نضال الأربعينيات. ولم يكن اتجاه مظاهرة ٢٦ يونيو ١٩٢٤ سوى الرمز لواجب تهيأت له الظروف فيما بعد.
على الدراسة التاريخية الجادة أن تثري وجدان الناس لا بالتعميم، أو بتقديس العمل السياسي الوطني وأخذه بالإجلال. ليست دراسة للتاريخ تلك تملأ الناس حماسا أجوفًا بإغفالها سلبيات العمل الوطني. إن الدراسة التاريخية الرشيدة هي التي تبصر الناس أكثر وتضيف لحركة الحياة حيوية النمو، لا التي تدفعنا إلى أن نبكي على تعاسة الأحياء حين تبهرنا قداسة السلف الصالح.
عبد الله علي إبراهيم
مدرسة الجمهورية الوسطى (1963)
التهامي محمد عثمان
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: اللواء الأبیض
إقرأ أيضاً:
الفرق بين الورم والسرطان.. ما الذي يجب معرفته؟
يمكن أن يظهر الورم في أماكن متعددة مثل الدهون والعضلات والعظام والأعصاب والغدد. لكن ليس كل ورم سرطاني، ولا كل سرطان يظهر على شكل ورم.
غالبًا ما يختلط على كثيرين، وحتى على بعض العاملين في المجال الطبي، الفرق بين "الورم" و"السرطان"، ما يؤدي إلى ارتباك في فهم الحالة الصحية للمرضى. ففي بعض الأحيان يستخدم الأطباء مصطلحات مثل ورم، كتلة، آفة أو بقعة للتخفيف من وقع الخبر، بينما يقصدون السرطان فعليًا.
ما هو الورم؟يعرف قاموس أكسفورد الورم بأنه "أي انتفاخ غير طبيعي في أي جزء من الجسم أو عليه".
ويمكن أن يظهر الورم في أماكن متعددة مثل الدهون والعضلات والعظام والأعصاب والغدد. لكن ليس كل ورم سرطاني، ولا كل سرطان يظهر على شكل ورم. فهناك أورام حميدة لا تشكل خطورة عادة، مثل: الدهون تحت الجلد (Lipomas)، والأورام الدموية (Hemangiomas)، التي تظهر غالبًا كبقع حمراء أو أرجوانية على الجلد.
وفي المقابل، بعض الأورام الحميدة قد تسبب مشاكل بسبب موقعها، مثل:الألياف الرحمية (Uterine fibroids) التي تؤدي إلى نزيف حاد أثناء الدورة الشهرية، وأورام الغدة النخامية الحميدة (Pituitary adenomas) التي قد تفرز هرمونات بكميات مفرطة.
ورغم أنها ليست سرطانية، قد تكون هذه الأورام خطيرة أحيانًا ويُنصح بإزالتها جراحيًا.
ما هو السرطان؟ينشأ السرطان عندما تطرأ تغييرات جينية على الخلايا الطبيعية، تُعرف بالتحولات أو الطفرات، مما يسمح لها بالانفلات من الرقابة الطبيعية للجسم.
Related نتائج واعدة.. هل تغيّر الجسيمات المعدنية مسار علاجات السرطان؟قفزة علمية: تقنية تُحوِّل دواءً عادياً إلى قاتلٍ خارق للخلايا السرطانيةاكتشاف طبي جديد.. تجارب تُظهر إمكانية دفع الخلايا السرطانية إلى الموت الذاتيوتتميز الخلايا السرطانية بعدة خصائص، أبرزها: النمو غير المنضبط، ومقاومة جهاز المناعة، والقدرة على غزو الأنسجة المحيطة (الانتشار الموضعي) ،والانتقال إلى أجزاء أخرى من الجسم (النقائل أو Metastasis).
وبهذا، يُميز السرطان عن الورم الحميد، فالخلايا السرطانية خبيثة وقد تشكل تهديدًا لحياة المريض. وتجدر الإشارة إلى أن بعض أنواع السرطان، مثل سرطان الدم (Leukemia)، لا تتشكل على هيئة كتلة صلبة.
كيف يتم اكتشافهما؟قد يلاحظ المريض وجود كتلة أو تورم، أو يظهر أثناء الفحوصات الطبية لأعراض معينة مثل صعوبة البلع. تختلف الأعراض بحسب مكان الورم أو نوع الخلايا المكونة له، فمثلاً أورام الجهاز الهضمي قد تسبب انسدادًا يؤدي إلى مشاكل في الهضم.
ويُستخدم التصوير الطبي مثل الموجات فوق الصوتية، الأشعة المقطعية (CT)، أو الرنين المغناطيسي (MRI) لتقييم الورم. كما يمكن أخذ عينة من النسيج للفحص المجهري لتحديد ما إذا كان الورم حميدًا أم خبيثًا.
كيف يُعالج الورم والسرطان؟ ولماذا يجب استخدام المصطلحات الصحيحة؟يمكن أن يكون العلاج متشابهًا في بعض الحالات، مثل إزالة الورم السحائي في المخ أو سرطان الجلد القاعدي. لكن السرطان غالبًا ما يتطلب علاجًا أكثر تعقيدًا وسرعة، لأنه قد ينتشر ويشكل خطرًا على الحياة.
وتشمل خيارات العلاج أحيانًا: الجراحة، العلاج الإشعاعي، والعلاج الكيميائي أو العلاجات الجهازية الأخرى التي تؤثر على الجسم بأكمله.
ويسبب استخدام الكلمات بشكل خاطئ ارتباكًا لدى المرضى. فكلمة "سرطان" قد تحمل دلالات سلبية مرتبطة بالمرض والموت، بينما بعض أنواع السرطان لها فرص شفاء جيدة.
وقد أظهرت الدراسات أن أقل من نصف المرضى يفهمون أن مصطلح "ورم" قد يشير إلى السرطان إذا استخدمه الطبيب كطريقة للتلطيف.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة