جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-01@16:11:14 GMT

إيران ما بعد رئيسي

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

إيران ما بعد رئيسي

 

علي بن مسعود المعشني

[email protected]

في كلامٍ منسوب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقول فيه إنه حين تولى السلطة في بلاده كان كل همِّه محصورًا في شؤون روسيا، وكيفية وضع علاجات لمشاكلها بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي، لكنه تبيَّن له أنَّ أمريكا والغرب قد أقاموا منظومة فساد كبرى حول العالم، لفرض هيمنتهم وتكريس التبعية لهم، وهذا ما دفع بوتين إلى التفكير بضرورة وجود تحالف عالمي يحمل مشروعا إصلاحيا مُضادا للمشروع الغربي الفاسد.

لا يختلف اثنان اليوم على أنَّ كلام بوتين قد تجسَّد على أرض الواقع وبحذافيره بعد تفجُّر الوضع في أوكرانيا، حين حشد الغرب كل قواه ونفوذه لدعم أوكرانيا ضد روسيا، رغم أن أوكرانيا ليست عضوة في الاتحاد الأوروبي، ولا تتمتع بأي صفة في حلف الناتو، لكنها كشفت السعار والهوس الغربي بتفكيك وإخضاع كل قوة لا تدور في فلكهم.

الأزمة الأوكرانية برهنتْ على أنَّ الغرب لا يُحارب من أجل ترسيخ قيم حريات ولا ديمقراطية ولا سوق حرة، كما كان يتشدق ويدعي في زمن ما عُرف بـ"الحرب الباردة"؛ فالغرب يعلم وأكثر العالم قبله أنَّ روسيا اليوم هي دولة بقيم غربية؛ حيث الحزبية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية والسوق الحرة المفتوحة، لكنها أدوات تم توطينها روسيًّا ووفق حاجات روسيا؛ لهذا يُصِرُّ الغرب على وضع لمساته الخاصة عادة على هذه القيم الإنسانية أصلًا ونسبها لنفسه، وتفصيلها على المقاس الذي يسمح له بإدارتها عن بُعد، والتحكُّم في الدولة وتقرير مصيرها وِفق هَوَى الغرب ومصالحه.

الغرب بقيادة أمريكا أصبح يُعاني من مجمل منظومة التفكير الأمريكي وأعراضها؛ والمتمثلة في تحكيم القوة العارية منزوعة العقل والمُعادية له، لهذا يسهل على الآخر -مهما كانت قوته وحجمه- أن يُواجه أمريكا ويهزمها بقليل من العقل وكثير من الإرادة، وكما قال الزعيم الفيتنامي مخاطبًا الأمريكان: "ستقتلون منا عشرة أشخاص مقابل كل جندي نقتله، ولكننا سننتصر".

قصة أمريكا مع "إيران الثورة" مثال آخر على الغطرسة المنزوعة من العقل. فمنذ انتصار الثورة في إيران عام 1979، ولا يزال العقل الأمريكي يتعامل مع إيران بعقلية هيمنته ونفوذه أيام الشاة، ورغم مرور 45 عامًا على انتصار الثورة ورسوخ هوية الدولة، وتخطي عشرات المؤامرات لكسر الدولة وإضعافها، ما زال الأمريكي وأتباعه الغرب يُجرِّبون حتى يفشلون، ويُعيدون إنتاج الفشل في كل مرة.

كان يُمكن للأمريكي أن يتسلَّح بالواقعية لمرة واحدة في حياته ويعترف بالثورة كخيار شعبي، ويعترف للدولة الإيرانية بحقها المشروع في خياراتها وسياساتها، وهذا سيوفر لأمريكا -في تقديري- إيران نصف عدو أو ربع عدو، ولكنَّ العنتريات الأمريكية جعلت من إيران عدوا كاملا؛ بل وجعلت كل خطاب سياسي بداخل إيران يدعو للانفتاح على الغرب خطابًا كالخيانة ما لم يكن الخيانة بعينها.

مُشكلة أمريكا الحقيقية مع التيار المُحافظ، ولها قبول بعض الشيء لدى التيارين الإصلاحي والفارسي، لكنها بحماقتها تجاه إيران، تهدي التيار المُحافظ في كل مرة نجاحًا مجانيًّا وورقة سياسية كبيرة تكون سببًا عادة في اتساع الحاضن الشعبي للمحافظين، وتزيد من عدد مناصريهم.

كان الوضعُ المثاليُّ لأمريكا والغرب في فترات رئاسة الرئيسين محمد خاتمي وحسن روحاني، والمحسوبين على التيار الإصلاحي، وكان من الممكن جدًّا تراجع المحافظين لو حافظت أمريكا على اتفاق الملف النووي عام 2015، ولكن بوصول دونالد ترامب إلى السلطة والانسحاب من الاتفاق لإرضاء اللوبي الصهيوني، فَقَد الإصلاحيون أكبرَ ورقة سياسية، وفقدت أمريكا أكبر فرصة لرفع منسوب الإصلاحيين في الشارع الإيراني، وتراجع التيار المُحافظ "المتشدد".

لم يتوقَّف مسلسل حماقات أمريكا عند هذا؛ بل أتت عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني لتشكل الشعرة التي قصمت ظهر الإصلاحيين، وأعلت من شأن المحافظين مجددًا، وأتت بالدكتور إبراهيم رئيسي للرئاسة بعد خسارته في الانتخابات التي سبقتها أمام الإصلاحي حسن روحاني.

تميَّز عهد رئيسي بالبرامج والحلول العملية والقرب الكبير من الشارع، بعد سنوات الترقب والوعود الفردوسية التي تعلق بها الشارع الإيراني ترقبًا لنتيجة الاتفاق النووي في العهد الإصلاحي؛ حيث نجح رئيسي في ترميم الكثير من هذه الفجوة الحلم بفعل حيويته وحلوله الاقتصادية البديلة، والتي لمسها الشارع والدولة في إيران، حيث اتَّسَمَ عهده بالتجوال الدائم بين المحافظات وملامسة احتياجات الناس مباشرة.

يأتي اليوم حادث وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي لتتجه أصابع الاتهام مجددًا إلى أمريكا، وبهذا تكون أمريكا أطلقت رصاصة الرحمة على نجاح أي تيار يُراهن على العلاقات معها؛ حيث إنَّ الوعي الجمعي الإيراني اليوم أصبح يمتلك كشوفًا ثقيلة من الحسابات مع أمريكا، وزادها الملف الأوكراني والذي كشف حقيقة نوايا أمريكا ومَنْ خَلْفَهَا لتطويع مخالفيها وجعلهم أدوات رخيصة لها، كما أن تجربة الصين وروسيا مع أمريكا تشهد بأن الأمريكي لا يعرف النِّدية في العلاقات، ولا يُقيم وزنًا للحلفاء؛ فشعارُ الأمريكي في علاقته بالآخر هو نظرية "السيد والخادم".

قبل اللقاء.. يقول الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال ضياء الحق في وصف التعامل مع أمريكا: "من يَتَعَامل مع أمريكا، كمَن يُتاجر بالفحم، ليس له من تجارته سوى سواد الوجه والكفين".

وبالشكر تدوم النعم...،

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رغم التحديات الجيوسياسية.. دعم القطاع السياحي سبب رئيسي في حجم الإقبال على مصر

أكد عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية حسام هزاع، أن الإقبال الكبير على مصر خلال الفترة الأخيرة يعود إلى الجهود المبذولة لدعم القطاع السياحي عبر العديد من الإجراءات منها المحافظة على الأمن والأمان والاستقرار على رغم جميع الظروف الجيوسياسية في المنطقة.

وقال هزاع في تصريح «إن الدولة تدعم القطاع السياحي بشكل كبير عبر عدة عوامل من أهمها المحافظة على مكانة مصر كوجهة آمنة وجاذبة للسياح على رغم جميع الأزمات الجيوسياسية في المنطقة».

وأشار إلى أن الحملات الإعلامية والتسويق السياحي في المعارض الدولية أسهمت في زيادة أعداد السائحين القادمين إلى مصر فضلا عن جهود تعزيز الاعتماد على أسواق مختلفة وعديدة لجذب السياح من الخارج عقب الحرب الروسية الأوكرانية خاصة من دول أمريكا اللاتينية والصين والهند.

وأوضح هزاع أن خطط التوسعات بالمطارات المصرية ورقمنة الخدمات السياحية وتبسيط إجراءات الدخول والخروج ساهمت أيضا في تحسين تجربة السائح منذ لحظة وصوله وحتى مغادرته البلاد.

ويأتي هذا في الوقت الذي أعلن فيه وزير السياحة والآثار شريف فتحي عن ارتفاع إيرادات القطاع السياحي بنسبة 22% على أساس سنوي لتصل إلى 8 مليارات دولار في إنجاز يعكس قدرة مصر على تحويل تنوعها الثقافي والبيئي إلى رافد اقتصادي قوي.

ويتميز المقصد السياحي المصري بتنوعه الفريد حيث يجمع بين السياحة الثقافية في مواقع مثل الأهرامات ومعابد الأقصر وأسوان والسياحة الشاطئية في الغردقة وشرم الشيخ بالإضافة إلى السياحة الرياضية والترفيهية وهذا التنوع جعل مصر وجهة جاذبة لمختلف شرائح السياح مما عزز من قدرتها على استقطاب أعداد متزايدة من الزوار.

اقرأ أيضاًأزمة انتخابات الغرف السياحية القادمة بين عوار القانون ونصوص اللائحة

قبل نتائج انتخابات الغرف السياحية.. ماذا ينتظر الأعضاء من المنتخبين الجدد؟

فتح باب اعتراضات المرشحين في انتخابات «الغرف السياحية».. الجمعة

مقالات مشابهة

  • إيران ترفض اتهامات الغرب لها بانتهاج سياسة الاغتيالات والخطف بالخارج
  • باكستان تكرّم قائد الهجوم الأمريكي على إيران بالتزامن مع زيارة بزشكيان
  • قوات الاحتلال تغلق الشارع الرئيس في "حوسان"
  • بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. أسعار الذهب والدولار اليوم
  • رغم التحديات الجيوسياسية.. دعم القطاع السياحي سبب رئيسي في حجم الإقبال على مصر
  • إيران تطالب أمريكا بتعويضات عن خسائرها خلال الحرب مع جيش الإحتلال
  • جرائم العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي في مثل هذا اليوم 31 يوليو
  • للمرة الخامسة في 2025.. «الفيدرالي الأمريكي» يحدد سعر الفائدة اليوم
  • «تحاول إبعاد مسئوليتها عن الإبادة».. إيران ترفض مزاعم أمريكا حول التدخل في مفاوضات غزة
  • «خامنئي»: الغرب يستغل الملف النووي كذريعة للاصطدام مع إيران