غزة- "هل نجوت حقا؟"، سؤال يلازم أحمد حماد منذ انتشاله -قبل أكثر من شهرين- من تحت منزل ابتلعت أنقاضه زوجته ونصف أطفاله، جراء غارة جوية إسرائيلية على مدينة دير البلح في وسط قطاع غزة.

يجيب أحمد نفسه بنفسه وهو يسترجع تلك الليلة الدامية في 6 مارس/آذار الماضي "لقد نجوت بنصف حياة"، ويكمل حديثه للجزيرة نت ويغلب عليه كثرة التساؤل "خرجت حيا من تحت الأنقاض، ولا يزال طفلي هادي مفقودا.

. انتشلنا زوجتي آمنة وابني محمد وابنتي رهف، فأي نجاة وأي حياة ستكون بدونهم؟".

ونزح أحمد (47 عاما) بأسرته المكونة من 6 أفراد من مدينة خان يونس في يناير/كانون الثاني الماضي، عقب الاجتياح البري الإسرائيلي للمدينة، ولجأ إلى منزل شقيقة زوجته في مدينة دير البلح، المكون من طبقتين، ويستضيف 5 أسر نازحة (32 فردا)، وقد حولته الغارة الجوية إلى كومة من الركام، أسفرت عن 23 شهيدا، بينهم 13 طفلا.

مفقودون بالآلاف تحت أنقاض غزة بينهم أطفال (الجزيرة) قبور تحت الأنقاض

بعد نحو ساعة، تمكنت فرق الإسعاف والدفاع المدني من إنقاذ حماد، وأعقب ذلك انتشال زوجته وابنته رهف (17 عاما) وابنه محمد (15 عاما) وهو توأم محمود، الذي كتبت له النجاة مع شقيقته رغد (10 أعوام) بإنقاذها من تحت الأنقاض بعد نحو 12 ساعة.

يقول حماد "حزني على زوجتي وأطفالي الشهداء في كفة، وحزني على هادي في كفة لوحده، هو الوحيد الذي لم ننتشله من تحت الركام من بين كل شهداء تلك الليلة الدامية، ولا أعلم هل بقى شيء من جسده الصغير لأدفنه أم تبخر من قوة الانفجار والنيران؟".

ولا يتجاوز عمر هادي 5 أعوام، وهو أحد آلاف الأطفال المفقودين سواء تحت أنقاض منازلهم التي دمرتها نيران قوات الاحتلال، أو أولئك الأطفال الذين لم يبلغوا الـ18 من أعمارهم واعتقلتهم قوات الاحتلال من مناطق متفرقة في القطاع اجتاحتها بريا عقب اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وآخرين لا يزال مصيرهم مجهولا، بحسب جهات رسمية وأهلية.

كان حماد وأسرته يساقون إلى القدر بحسب وصفه، وهم الذين أجبروا على النزوح 4 مرات منذ اندلاع الحرب، ابتداء من منزله في منطقة السطر الغربي بمدينة خان يونس مرورا بمنزلي عائلته وأنسبائه في غرب المدينة، يقول "عندما بدأ الاحتلال باجتياح خان يونس قررنا مغادرتها تحت النيران ومن خلال الحلابات (الحواجز الأمنية الإسرائيلية) ولجأنا إلى دير البلح وكان الموت بانتظارنا".

نجا حماد بإصابة في الأعصاب وفقرات الظهر، فيما أصيب ابنه محمود بجروح، وتعاني ابنته رغد من إصابات بليغة في الأطراف وتحتاج للعلاج في الخارج لتتمكن من العودة للسير بشكل طبيعي.

يمتلك حماد تحويلة طبية لمرافقة رغد للعلاج بالخارج، غير أن اقتحام معبر رفح البري واحتلاله، وهو المنفذ الوحيد للغزيين على العالم الخارجي عبر مصر، يحول دون تمكنهما وآلاف الجرحى والمرضى من السفر.

وبحسب بيانات رسمية للمكتب الإعلامي الحكومي فإن 11 ألف جريح، و10 آلاف مريض بالسرطان، ومن بين الجرحى والمرضى آلاف الأطفال بحاجة ماسة للسفر والعلاج بالخارج.

حرب على الأطفال

وفي اليوم العالمي للأطفال المفقودين الذي يصادف 25 مايو/أيار من كل عام، يقول مدير عام "المكتب الإعلامي الحكومي" إسماعيل الثوابتة للجزيرة نت "نريد أن نذكر العالم أن في غزة -ويوميا منذ 8 أشهر- أكثر من 10 آلاف مفقود، جلهم من الأطفال، وبينهم نساء ورجال".

وأضاف "في هذا اليوم يتجدد الألم والحزن في نفوس أبناء شعبنا الكريم ممن فقدوا فردا أو أكثر من الأسرة الواحدة خلال الشهور الماضية من حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة".

"وراح ضحية هذه الحرب أكثر من 35 ألف شهيد، غالبيتهم من الأطفال، وأكثر من 80 ألف جريح وأيضا غالبيتهم من الأطفال، وإضافة لذلك لدينا ما يزيد عن 10 آلاف مفقود إما أنهم تحت الأنقاض وهم في عداد الشهداء، أو مفقودون ومجهولو المصير"، بحسب الثوابتة.

ووفقا للمسؤول الحكومي، فإن من بين إجمالي المفقودين آلاف الأطفال، منهم الذين فقدوا حياتهم نتيجة قصف المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ولا يزالون تحت أنقاضها منذ شهور ولم تتمكن الطواقم المختصة من انتشالهم، ومنهم من قطعت الاتصالات مع ذويهم ولا يعرف مصيرهم إن كانوا شهداء أو معتقلين أو تائهين، مضيفا أن لديهم الكثير من البلاغات من عائلات عن مفقودين جلهم من الأطفال.

وبالنسبة للثوابتة، فإن "قضية المفقودين من بين القضايا المؤرقة والمؤلمة بالنسبة للأهالي وأبناء شعبنا"، إضافة إلى أن "الحرب خلفت 17 ألف طفل يعيشون حاليا بدون والديهم أو أحدهما، وهذا عدد كبير جدا، فالحرب ضاعفت من أعداد الأيتام في مجتمعنا الفلسطيني، وهي مأساة كبيرة من مآسي الحرب التي لا تحصى ولا تزال مستمرة، ويدفع الأطفال الثمن الأكبر وواقع الحال يشير إلى أنهم ليسوا بخير وهم الشريحة الأضعف والأكثر تضررا نتيجة حرب الإبادة".

انتهاك قوانين الطفل

يقدر رئيس "الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني" صلاح عبد العاطي أن من بين شهداء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة هناك 15 ألف طفل شهيد، إلى جانب 25 ألف طفل جريح، ويقول للجزيرة نت "الاحتلال ينتهك على نحو صارخ كل المواثيق والاتفاقيات الخاصة بالطفل، ويشن حربا على أطفالنا".

ومن بين 10 إلى 15 ألف مفقود منذ اندلاع الحرب، بحسب توثيق الهيئة الدولية، فإن أكثر من 40% منهم هم من الأطفال، إضافة إلى المعتقلين والمختفين قسريا، حيث تشير التقديرات إلى أن الاحتلال اعتقل 11 ألفا من بينهم ألف طفل، ولا يزال يعتقل 6 آلاف منهم ومن بينهم 600 طفل. ويؤكد عبد العاطي "لا نعلم أي شي عن ظروف احتجازهم واعتقالهم".

ويحث عبد العاطي العالم على ضرورة الضغط من أجل انتشال جثامين الشهداء والمفقودين من تحت الأنقاض، وزيارة الأطفال المعتقلين والاطلاع على حقيقة أوضاعهم وتحريرهم، ووقف استهداف المدنيين عموما، وخاصة الأطفال منهم.

ويقول إن "آلام الفقد لدى الآباء والأمهات تسهم في تكريس واقع إنساني خطير يتجاوز كل الأعراف والمواثيق الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة واتفاقية الطفل التي كفلت حماية خاصة للأطفال أثناء النزاعات المسلحة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تحت الأنقاض من الأطفال ألف طفل أکثر من من تحت من بین

إقرأ أيضاً:

الجوع ينهش بطون الأطفال في غزة.. عربي21 ترصد شهادات مروعة

لم يهدأ أمير ذو الثلاثة أعوام عن البكاء طوال ساعات الليل المظلم في غزة، بسبب عدم تناوله أي وجبة من الطعام منذ ما يزيد عن 24 ساعة.

تقول "فاطمة" المصدومة بجوع أبنائها الأربعة، وأصغرهم أمير، إنها جابت شوارع منطقة نزوحها قرب ميناء غزة، لساعات طويلة بحثا عن وجبة طعام، أو كسرة خبز تسد رمق أطفالها الجوعي، لكنها لم تجد، لتعود إلى خيمتها المهترئة، مكسورة حزينة أمام دموع أطفالها.

نزوح تحت القصف
نزحت "فاطمة" من منطقة السكة شرق مخيم جباليا الخميس الماضي، وتوجهت غربا نحو مدينة غزة بحثا عن الأمن، وهربا من لهيب القصف الوحشي، حيث اضطرت خلال هذه الرحلة لدفع 150 شيكلا (42 دولارا) كانت آخر ما تمتلكه، مقابل نقلها بسيارة مع أطفالها وبعض ما تيسر من الملابس والأغطية، لتجد نفسها لاحقا دون نقود أو طعام، إلا من بعض الماء الشحيح الذي توزعه بعض المبادرات على النازحين في المنطقة.

تقول الأم في شهادتها لـ"عربي21"، إن بطون أولادها الأربعة تقرقر من الجوع طول الليل المظلم في خيمتهم التي لا يوجد فيها سوى زجاجة من الماء، ورغم أنها بحثت مطولا عن كيلو من الطحين لصناعة الخبز، أو بعض المعلبات، لكنها لم تجد، إذ إن الأسعار التي تباع فيها المواد الغذائية الشحيحة أصلا، أصبحت باهظة ولا يطيق النازحون شراءها.

وبينما تخشى فاطمة على أطفالها ونفسها من الهلاك جوعا، تزداد المجاعة استفحالا، مع إغلاق أبواب العديد من "التكيات" والمبادرات الخيرية، والتي كان النازحون يعتمدون عليها في وجباتهم اليومية.


"تعيش على شرب الماء"
ولا تقوى الحاجة المسنة "هاجر" على المشي بحثا عن الطعام الشحيح أصلا، فهي مريضة وليس لديها المال لشراء حاجياتها من الأسواق الفارغة، إلا من النذر القليل من الغذاء.

تقول المسنة "هاجر" لمراسل "عربي21" إنها باتت وحيدة داخل خيمتها في منطقة مواصي خانيونس، ولا تقوى على المشي أو البحث عن الغذاء والطعام، بسبب أمراضها المزمنة، وحياتها التي انقلبت جحيما منذ أن قضى ابنيها الوحيدين مع أطفالهم شهداء في قصف سابق استهدف بيت عائلتهم شرق المدينة.

وبينما تعيش الحاجة فاطمة يومها على شرب الماء فقط، تكشف أن بعض المتطوعين يجيئون إلى خيمتها بين الفينة والأخرى، ليعطونها ما تيسر من الطعام لتسد رمقها به، مؤكدة أن لم تتناول أدويتها منذ فترة كبيرة بسبب نفاذها من عيادات التوزيع المجانية، والصيدليات الخاصة على حدا سواء.

ولم يكن الحال أفضل عند عبد العزيز زيدان الذي نزح رفقة أطفاله وزوجته وأمه من جحيم القصف في حي الشجاعية شرق غزة، قبل نحو 10 أيام، فالحال متشابه بين كل النازحين، وجريمة التجويع والقتل إسرائيلية واضحة، وتجري وسط صمت عربي ودولي مطبق.

كان زيدان محظوظا بعض الشئ بعد أن تمكن من جلب نصف كيس من الطحين، وبعض المعلبات خلال رحلة نزوحه التي قضى معظمها مشيا على الأقدام نحو منطقة السرايا وسط غزة، حيث حط هناك رحالة ونصب خيمته، لكنه أكد لـ"عربي21" أن تلك الكميات شارفت على النفاذ، رغم محاولاته الاقتصاد في تناولها مع أطفاله وعائلته.

يذكر زيدان أن الكميات التي تتناولها عائلته تمثل الحد الأدنى، ما يجعل أطفاله في حالة جوع دائم وبكاء لا ينقطع، أملا في الحصول على نصيب أكبر من الطعام يسد حاجتهم اليومية.

يكشف زيدان عند حديثنا معه السبت، أن ما تبقى في جعبته من الطعام علبيتن صغيريتين من الفول والفاصوليا فقط، سيوزعها عند المساء مع كسرة من الخبز، على أطفاله وزوجته وأمه، ما يعني أنه أصبح اليوم الأحد دون طعام أو مأكل.


سياسة التجويع
قال المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، السبت، إن جيش الاحتلال يعمق سياسة التجويع في قطاع غزة، باستخدام وسائل مختلفة، منها استهداف مبادرات وبنوك الطعام.

وكشف المكتب في بيان لها أن 68 مركزا لتوزيع المساعدات والطعام، جرى قصفه ضمن سياسة "التجويع الممنهجة" التي تتبعها دولة الاحتلال ضد المدنيين بالقطاع، منها 39 مركزا لتوزيع الغذاء والمساعدات، و29 تكية طعام تقدم وجبات يومية للفقراء والمحتاجين.

وأكد البيان أن "السلوك الإجرامي الممنهج الذي يستهدف منشآت الإغاثة والتكافل الاجتماعي يثبت بوضوح استخدام الاحتلال الغذاء كسلاح في حربه، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني".

بدوره، قال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، السبت، إن النساء والأطفال في قطاع غزة من أكثر الفئات تضررا جراء سياسة التجويع التي تمعن دولة الاحتلال في تنفيذها منذ 2 آذار/ مارس الماضي.

وأوضح أن الظروف الإنسانية في قطاع غزة تدهورت إلى "مستويات كارثية" جراء إغلاق الاحتلال للمعابر منذ أكثر من شهرين.

وأكد أن أكثر من 65 ألف طفل باتوا "مهددين بالموت بسبب سوء التغذية وانعدام الغذاء"، لافتا إلى وفاة أكثر من 50 طفلا نتيجة لذلك منذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

مقالات مشابهة

  • 300 حالة إجهاض.. أرقام صادمة بسبب “التجويع”
  • وزير خارجية قطر: اعتقدنا أن الإفراج عن عيدان سينهي مأساة غزة.. جهودنا مستمرة
  • شهادات صادمة لأسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال
  • مأساة إنسانية جديدة.. استشهاد فلسطينية وأطفالها الستة في قطاع غزة
  • حملة اختطافات صادمة تطال أطفالاً قُصّر في عدن وسط إدانات حقوقية واسعة
  • زيارة ترامب للإمارات.. نقاط مفصلية وأرقام ترسم ملامح المستقبل
  • جيش الاحتلال: لا تغيير في صورة الوضع والعمليات العسكرية مستمرة
  • مراسل عسكري: فرار الآلاف من شواطئ تل أبيب بعد صواريخ الحوثيين صورة انتصار مضاعفة
  • شهادات مروعة .. الجوع ينهش بطون الأطفال في غزة
  • الجوع ينهش بطون الأطفال في غزة.. عربي21 ترصد شهادات مروعة