حزم الحماية الاجتماعية.. جهود لتخفيف الأعباء وعلاج جذري للمشاكل الاقتصادية
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
دائمًا ما تصحب الحلول الاقتصادية الجذرية الكثير من الألم والتداعيات السلبية ليس فقط على الفئات الأكثر احتياجًا، بل على جميع مواطني الدولة، فأزمة ارتفاع الأسعار الأخيرة كانت تلتهم أجور غالبية المواطنين، فبات أنين الجميع باختلاف مستوياتهم الاجتماعية مسموع لدى القاصي والداني، ومع نية الدولة لشق وتنفيذ الاجراء الأصعب وتنفيذ حلول جذرية للاقتصاد المصري الذي يعاني مع بعض التشوهات الهيكلية، اتخذت الدولة وعلى رأسها القيادة السياسية عدد من الإجراءات الحمائية الاستباقية للتخفيف عن كاهل المواطنين أعباء الأزمة الاقتصادية العالمية، ومحاولة احتواء أكبر قدر ممكن من التداعيات السلبية، وذلك ضمن إصلاحات اقتصادية هيكلية.
ففي انحياز كامل للمواطن، وتقدير تام لحجم التحدي والضغوط المعيشية التي تواجه المواطنين، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، في الأسبوع الأول من فبراير الماضي، للحكومة بتنفيذ أكبر حزمة اجتماعية عاجلة للحماية الاجتماعية، بقيمة 180 مليار جنيه، وذلك اعتباراً من الأول من شهر مارس الجاري، بحيث تتمّ زيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية، بحد أدنى يتراوح بين 1000 إلى 1200 جنيه بحسب الدرجة الوظيفية (1000 جنيه للدرجات من السادسة إلى الرابعة، و1100 جنيه للدرجات من الثالثة للأولى، و1200 جنيه للدرجات من مدير عام إلى وكيل أول وزارة)، وذلك من خلال تبكير صرف العلاوة الدورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 10% من الأجر الوظيفي، و15% من الأجر الأساسي لغير المخاطبين، وبحد أدنى 150 جنيهاً وتكلفة إجمالية 11 مليار جنيه، وصرف حافز إضافي، يبدأ من 500 جنيه للدرجة السادسة، ويزيد بقيمة 50 جنيهاً لكل درجة، ليصل إلى 900 جنيه للدرجة الممتازة، بتكلفة 37,5 مليار جنيه، وذلك بتكلفة إجمالية نحو 65 مليار جنيه، بما ينعكس في رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50% ليصل إلى 6 آلاف جنيه.
شهدت هذه الحزمة استهدافًا لفئات بعينها، فتم تخصيص 15 مليار جنيه زيادات إضافية للأطباء والتمريض والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، منها 8.1 مليار جنيه لإقرار زيادة إضافية في أجور المعلمين بالتعليم قبل الجامعي، تتراوح بين 325 جنيهاً إلى 475 جنيهاً، و1.6 مليار جنيه لإقرار زيادة إضافية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات والمعاهد والمراكز البحثية، و4.5 مليار جنيه لإقرار زيادة إضافية لأعضاء المهن الطبية وهيئات التمريض تتراوح من 250 إلى 300 جنيه في بدل المخاطر للمهن الطبية، وزيادة تصل إلى 100% في بدل السهر والمبيت. كما وجه الرئيس بتخصيص 6 مليارات جنيه لتعيين 120 ألفاً من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين بالجهات الإدارية الأخرى.
وشملت الحزمة الاجتماعية التي وجه بها الرئيس 15% زيادة في المعاشات لـ 13 مليون مواطن، بتكلفة إجمالية 74 مليار جنيه، و15% زيادة في معاشات “تكافل وكرامة” بتكلفة 5,5 مليار جنيه، لتصبح الزيادة خلال عام 55% من قيمة المعاش. على أن يتم تخصيص 41 مليار جنيه لمعاشات “تكافل وكرامة” في العام المالي 2024-2025.
على صعيد آخر، وجهت الدولة جهود حثيثة لتوفير السلع الغذائية للمواطنين بأسعار مناسبة، كمحاولة للسيطرة على الاثار السلبية الناتجة عن الأزمات الاقتصادية العالمية المتلاحقة، والتي خلفت موجات من التضخم وارتفاع الأسعار في الأسواق المصرية، خاصة مع استغلال بعض التجار هذه الأزمة والبدء في تخزين السلع الأساسية ورفع الأسعار مع اقتراب الموسم الرمضاني، والذي يشهد موجة تضخمية موسمية طبيعية. فتم تدشين منافذ بيع للسلع الغذائية سواء منافذ أهلا رمضان التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، ومبادرة كلنا واحد التابعة لوزارة الداخلية، بأسعار مخفضة لتخفيف العبء على المواطنين.
فبدأت معارض أهلًا رمضان منذ 15فبراير في طرح كافة السلع بتخفيض يتراوح من 15% إلى 30%، فضلًا عن المنافذ التموينية ضمن مشروع جمعيتي والتي يبلغ عددها حوالي 8065 منفذًا في كافة أنحاء الجمهورية، كما تمّ إنشاء ما يقرب من 100 معرض من معارض «أهلا رمضان» حتى الآن في مختلف المحافظات، حيث يتم إنشاء منفذ رئيسي في عاصمة كل محافظة، ثم منافذ أخرى في المراكز الرئيسية، وبعدها شوادر أصغر في القرى والنجوع، إضافة إلى القوافل المتنقلة التي تجوب حول كل المحافظة.
بالإضافة إلى التكامل مع 1200 ركن من السلاسل التجارية المشاركة في مبادرة كلنا واحد والتي تقدم تخفيضات تصل إلى 40%، كما تواصل الحكومة توفير كافة السلع الغذائية وغير الغذائية بأسعار مخفضة من خلال 1026 منفذا ثابتا ومتحرك وسرادقات بالميادين والشوارع الرئيسية وقوافل السيارات الخاصة بمنظومة أمان التابعة للوزارة.
ولضمان انضباط السوق، أخذت وزارة الداخلية على عاتقها رصد الظواهر السلبية المتعلقة بإخفاء وتخزين السلع الأساسية، ويتم تكثيف الحملات الرقابية لمواجهة أي ممارسات غير قانونية. وتم تكثيف الحملات التموينية المكبرة لمراقبة الأسواق للمحافظة على استقرار الأسعار وضبط كافة صور الاحتكار، والتحقق من توافر السلع بالأسواق ومدى صلاحيتها ومطابقتها للمواصفات حفاظًا على الصحة العامة للمواطنين، ولضمان وصول السلع للمواطنين بالأسعار المناسبة والجودة الملائمة.
وفي ضوء حرص الحكومة على توافر السلع الأساسية تم التوجيه بتوفير 2 مليار دولار لسرعة الافراج عن السلع الأساسية من الجمارك، لزيادة المتاح منها في الأسواق ما يسهم في إتاحة مزيد من السلع وحفظ الأسعار خلال الفترة المقبلة. ومن المتوقع أن يشرف غدا رئيس الوزراء على الإفراج عن البضائع من ميناء الإسكندرية، حيث يتابع سير عملية الإفراجات بباقي الموانئ المصرية المختلفة، إذ تشمل البضائع المفرج عنها السلع الغذائية والأعلاف والأدوية ومستلزمات الإنتاج. وذلك تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية وتعبيرا عن نجاح الإجراءات المتخذة من الدولة خلال الفترة السابقة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: اقتصاد مصر كورونا غزة روسيا أوكرانيا الاقتصاد الاستثمار الحكومة السلع الأساسیة ملیار جنیه
إقرأ أيضاً:
لماذا تراجعت أسعار السيارات في مصر رغم زيادة الطلب؟
في وقتٍ لطالما شهدت فيه سوق السيارات المصرية صعوداً متواصلاً في الأسعار وتراجعاً مؤلماً في المبيعات، تلوح اليوم في الأفق مؤشرات تحول غير مسبوق.
فمنذ مطلع عام 2025، أخذت الأسعار مساراً هبوطياً مفاجئاً، بالتوازي مع ارتفاع ملحوظ في الطلب على الشراء، وزيادة أعداد السيارات الجديدة المسجلة لدى إدارات المرور، مما أعاد الحيوية إلى سوق خيم عليه الركود لأكثر من ثلاث سنوات.
وهذا التحول اللافت في حركة السوق، لا يعكس فقط تحسناً مرحلياً، بل يدل على تغيرات هيكلية تقودها عوامل محلية وإقليمية، مدفوعة بتوسع الإنتاج المحلي، وعودة الانسيابية إلى حركة الاستيراد.
شهد شهرا أبريل ومايو 2025، بداية مرحلة انتعاش حقيقي في سوق السيارات المصرية، تمثلت في تراجع أسعار السيارات لأول مرة منذ ثلاث سنوات، تراجعت خلالها المبيعات إلى ما دون 50% من مستوياتها عام 2022، وجميع العلامات التجارية للسيارات – الحديثة منها والمستعملة – سجلت تراجعًا في الأسعار تراوح بين 10% و25%.
وسجلت بيانات كبار وكلاء السيارات بعض الطرازات تخفيضات غير مسبوقة، إذ انخفض سعر طراز "ستروين C5" بنسبة 25%، بواقع 240 ألف جنيه، بينما شهدت طرازات تويوتا كورولا ورينو تاليانت تخفيضات تراوحت بين 100 و220 ألف جنيه. وسارت على نفس النهج سيارات هافال وشانجان، بتخفيضات بين 35 و120 ألف جنيه.
عزا موزعون محليون هذا الانخفاض إلى عدة عوامل تراكمت على مدار العامين الماضيين، أبرزها عزوف المستهلكين عن الشراء بسبب تراجع القدرة الشرائية وارتفاع تكلفة المعيشة، ما أدى إلى تراكم مخزون ضخم من السيارات لدى الوكلاء. اليوم، وفي ظل استمرار الإنتاج وتيسير الاستيراد، أصبح من الضروري خفض الأسعار وتصريف المخزون، مدعومين بأنظمة تقسيط ميسرة، وتمديد فترات السداد، وتقليل نسب الفائدة من قبل البنوك.
فتح باب الاستيراد وعودة تدفق المعروضأكد محللون أن قرار الحكومة بفتح باب الاستيراد التجاري أمام الأفراد والشركات، إلى جانب السماح بدخول آلاف السيارات والشاحنات المحتجزة في الموانئ منذ عام 2024 مقابل غرامات مقبولة، كان له أثر مباشر في تزايد المعروض.
كما ساهمت هذه الخطوة في تقليص فجوة الطلب، ما دفع الوكلاء إلى إطلاق حملات ترويجية واسعة بدأت منذ عيد الفطر وامتدت إلى عيد الأضحى، مستهدفة المشترين المحليين والعائدين من الخارج.
ويضيف المحللون أن تحسن سعر الصرف، وتوفر الدولار في البنوك، ساهما بشكل كبير في تيسير استيراد السيارات وقطع الغيار، وهو ما أزال العقبة الأهم التي كانت تحول دون توفر السيارات بالسوق.
سوق متجدد ومؤشرات مبشرة
تشهد سوق السيارات المصرية اليوم نقطة تحوّل فارقة، تؤسس لمرحلة جديدة من التوازن بعد سنوات من الاضطراب السعري والركود.
ومع استمرار الانخفاض في الأسعار، وتوسع التصنيع المحلي، وعودة قنوات الاستيراد، يجد المستهلك نفسه أمام فرصة تاريخية لاتخاذ قرار شراء مدروس، بعيدًا عن موجات الغلاء المتسارعة التي سيطرت على السوق في السنوات الماضية.
وهذا الحراك، وإن كان مرتبطًا بمستجدات اقتصادية داخلية، إلا أنه يحمل في طياته دلالات أوسع، تشير إلى نضج السوق المحلي، وقدرته على التكيف مع المتغيرات، والاستفادة من أدوات العرض والطلب في مصلحة الجميع.