صرخات غزة.. مرآة تعكس أزمة الإنسانية
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
ليس واضح تماما إلى أي درجة صعق العالم الغربي من مشهد الجثث التي كانت تحترق في مدينة رفح جراء القصف الإسرائيلي المتوحش عليها فيما عرفت بـ«مجزرة الخيام»، لكن الواضح جدا أن تلك المجزرة هي أحد تمظهرات الحقد التاريخي الذي تربى عليه الصهاينة في إسرائيل وهذا واضح في كل حروبهم السابقة، وما يحدث في غزة منذ ثمانية أشهر ليس إلا دليلًا جديدًا وواضحًا على ذلك الحقد وتلك التربية الإجرامية.
لكن المشهد في رمته بأصواته التي ترتفع من أفواه الأطفال ونظرات النساء الثكالى وكبار السن العاجزين عن الدفاع عن أطفالهم ونسائهم وهم يُحرقون أمامهم بنيران العدو المتوحش، وتلك الجثث المتفحمة ورائحة الموت التي تفوح في كل مكان في قطاع غزة من شماله إلى أقصى جنوبه حيث تحول الملاذ إلى مكان للاستدراج.. هذا المشهد بكل تفاصيله هو إدانة صارخة لكل العالم الذي أدار ظهره للقوانين والمبادئ والأخلاق الإنسانية التي يشترك فيها جميع البشر قبل أن يدير ظهره للفلسطينيين.
كان العالم يعتقد أن قرارات محكمة العدل الدولية أو الجنائية الدولية يمكن أن تسهم في عودة إسرائيل إلى وعيها وتتراجع عن المجازر التي ترتكبها، لكن المؤكد أنها لا تعير أدنى اهتمام لأحد: دول كبرى، اتفاقيات دولية، مجتمع دولي، ضغوطات للحفاظ على آخر رمق لليبرالية العالمية أو ما يمكن أن يكون شبهة لحقوق الإنسان.. ولكن كل هذا لا قيمة له أمام فكرة التوحش، والتعطش للدماء والقتل إلى حد التطابق مع ما كانت تفعله «داعش» خلال العقد الماضي من تاريخ المنطقة.
ورغم بعض البوادر التي لا يمكن أن يهضم حقها إلا أن استجابة المجتمع الدولي ما زالت تشكل أكبر عار يمكن أن يلحق البشرية في عصورها الحديثة.. شعب يُحرَق نصفه ونصفه الآخر يُقتل جوعًا فيما العالم عاجز عن فعل شيء بل إنه ما زال يغذي القاتل بالأسلحة، ويناور من أجل إثبات «أنه يدافع عن نفسه.. وهذا حقه».. ولكن هل سيبقى هذا الحق مفتوحًا لكل من يُعتَدى عليه ليدافع عن حقه خاصة وأن كل هذه الندوب التي تصنع في غزة، وتشكل في العالم العربي ستكون -مع الأسف- نواة لحروب وانتقامات قادمة ليس في منطقة الشرق الأوسط ولكن في العالم أجمع، العالم الذي لم يخذل الشعب الفلسطيني فقط بل خذل الإنسانية وخذل قيمها ومبادئها.
الملايين في العالم الإسلامي والعالم كله يشعرون بخيبة أمل وبأبشع لحظات اليأس وهو يأس يقود إلى إشعال المنطقة وفتح جبهات مواجهة في كل مكان.. وستجد الدول الداعمة لإسرائيل أنها تواجه أحقادًا كبيرة في كل مكان، وأمام شعوبها على وجه الخصوص وعليها أن تستعد لمواجهة كل تلك الأحقاد وكل تلك الندوب.
في هذه اللحظة التي يشم العالم فيها رائحة أجساد أطفال غزة وهي تحترق تحت خيامهم أو تلك التي تخرج من المقابر الجماعية عليهم أن يقفوا لحظة ويسألوا أنفسهم: ماذا يعني أن تكون إنسانًا؟ كيف يمكن لنا التوفيق بين قيمنا المعلنة للرحمة والعدالة مع الواقع الحقيقي الذي ظهر في لحظة وضع كل تلك القيم على المحك. مأساة غزة لا يمكن أن تكون معزولة تخصهم وحدهم، بل هي، أو هكذا يجب أن ننظر إليها، مرآة تعكس الفشل الكبير للمجتمع الدولي أو المجتمع الإنساني.. ولحظة تاريخية تفضح نفاق العالم الذي يدعو للسلام ولكنه يقتات على الحروب، ويؤيد حقوق الإنسان ولكنه يغض الطرف عن انتهاكها.
قال المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي ذات يوم: إن «مسؤولية المثقفين هي قول الحقيقة وكشف الأكاذيب»، وفي هذه اللحظة على كل المثقفين الأحرار في العالم أن يستجيبوا لنداء تشومسكي ويكشفوا زيف العالم ونفاقه وأكاذيبه قبل حتى أن يكشفوا جرائم إسرائيل التي باتت أوضح من أن تحتاج إلى من يظهرها للعالم.
إن الكارثة الإنسانية في غزة ليست مجرد قضية فلسطينية؛ إنها قضية إنسانية، وهي تضع كل إنسانية العالم على محك الحقيقة وإذا بقي العالم ومثقفوه بشكل خاص في حالة صمت وغياب عن الفعل، فسيكونوا جميعًا في دائرة التواطؤ ويكونوا معاول هدم للإنسانية.
والأصوات التي ترتفع في غزة وفي رفح هي أصوات من أجل العدالة والكرامة ومن أجل الحياة، ولعله جاء يوم تجلس فيه الإنسانية تندب صمتها على ما يحدث في غزة.. لقد حان وقت التحرك، قبل أن تصبح صرخات معاناة الأطفال والنساء لها صدى راسخ في أروقة التاريخ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی العالم یمکن أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
سر جنون اللابوبو.. دمية الوحوش التي غزت العالم وتباع بآلاف الدولارات
لم تعد دمية "لابوبو" حكرا على غرف الأطفال، بل أصبحت قطعة مميزة في إطلالات المشاهير وعالم الموضة. فهذه الدمية الصغيرة ذات الوجه الغريب، التي ظهرت لأول مرة عام 2015 ضمن سلسلة "الوحوش" من إبداع الفنان الهولندي من أصل هونغ كونغي كاسينغ لونغ، تحولت إلى ظاهرة ثقافية وتجارية تخطت الأعمار والحدود، وجذبت اهتمام الإعلام والمشاهير، وجامعي المقتنيات حول العالم.
من قصص الأطفال إلى صناديق الكبارصُممت "لابوبو" بالأساس كشخصية في كتب مصورة مستوحاة من الأساطير الإسكندنافية، لكن تصميمها الذي يمزج بين البراءة والغموض -بأذنين ناعمتين وأسنان حادة- فتح لها بابا نحو جمهور مختلف تماما. إذ لم يكن طريق الشهرة ممهدا عبر حملات تسويقية موجهة للأطفال، بل عبر ظهورها في أيدي نجوم كبار مثل ليسا من فرقة "بلاك بينك" (BLACKPINK) وريانا، اللتين شوهدتا مع دمى لابوبو تتدلى من حقائبهما الفاخرة، مما دفع ملايين المتابعين إلى اقتنائها.
"لابوبو هي طفلي"، قالتها ليسا في مقابلة مع (Teen Vogue)، لتشعل موجة شغف عالمية.
تباع دمى لابوبو في شكل "صناديق عشوائية" (Blind Boxes)، حيث لا يعرف المشتري أي دمية سيحصل عليها حتى يفتح العبوة. تتراوح أسعارها في المتاجر الآسيوية ما بين 13 و16 دولارا، لكنها تُباع حاليا على مواقع مثل "ستوك إكس" (StockX) و"إي باي" (eBay) بأسعار تفوق التصور:
إعلانبعض النماذج الشهيرة تُعرض بسعر 300 دولار، أما الإصدارات النادرة قد تصل إلى 1580 دولارا على موقع "بوب مارت" (Pop Mart).
بينما نموذج "سيكريت" (Secret) النادر جدا، الذي تبلغ احتمالية ظهوره 1.4% فقط، يُعرض في مزادات إلكترونية مقابل 1920 دولارا.
في حين تباع نسخة "بيغ انتو إنيرجي" (Big Into Energy) على متجر أمازون بسعر 167 دولارا للعلبة، أو 101 دولار للدمية الفردية.
وهذا ما يدفع كثيرين للوقوف في طوابير تمتد لساعات -بل أيام- على أمل الفوز بدمية نادرة أو حصرية.
اعتمدت شركة "بوب مارت" على إستراتيجية تسويقية ذكية قائمة على الإصدارات المحدودة والندرة، كما حدث مع دمى "بيني بيبيز" (Beanie Babies) في التسعينيات. كل دفعة جديدة تصدر بعد حملة تشويقية، ثم تُسحب بسرعة من الأسواق، مما يرفع الطلب بشكل كبير ويحوّل سوق المقتنيات إلى جزء أساسي من إستراتيجية الشركة.
لكن اللافت في ظاهرة لابوبو أنها ليست موجهة للأطفال، بل للبالغين. تتصدر صورها حسابات مشاهير الموضة، وتناقشها مجلات الرجال مثل "جي كيو" (GQ) كإكسسوار فاخر في حقائب الرجال. على منصات مثل تيك توك وإنستغرام، وتحصد مقاطع فتح الصناديق ملايين المشاهدات، وتُستخدم وسوم مثل #Labubu لتوثيق مجموعات منسقة بعناية، وغالبا مزودة بأحذية بلاستيكية (تباع بـ22 دولارا) وملابس مصممة خصيصا.
لماذا لابوبو الآن؟تفسّر الأكاديمية الأميركية غوزدي غونكو بيرك لصحيفة الغارديان الأميركية هذه الظواهر بقولها إن الصيحات لا تنشأ من فراغ، بل تعبّر عن قلق ثقافي، وتحولات تكنولوجية، ورغبات مشتركة يصعب التعبير عنها، لكن يسهل التعلق بها. في عالم يعج بعدم اليقين والاستهلاك المفرط، توفر دمية واحدة ذات وجه وحش عزاء عاطفيا ومهربا إلى طفولة مفقودة. "ربما تمثل لابوبو وهم البساطة الذي نحاول أن نتمسك به أمام تعقيدات حياة الكبار".
إعلان