على ميدان أوسع: الحرب القادمة بين إيران وإسرائيل لن تُخاض في مكان واحد
تاريخ النشر: 3rd, July 2025 GMT
صورة تعبيرية (وكالات)
في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة، والتطورات المتسارعة في الملف النووي الإيراني، تزداد التوقعات بقرب اندلاع جولة جديدة من المواجهة بين إسرائيل وإيران، لكن هذه المرة قد تكون مختلفة جذريًا عن أي صدامات سابقة.
كل المؤشرات تشير إلى أن الحرب القادمة لن تكون تقليدية، بل ستجمع بين الضربات الجوية المكثفة، والهجمات السيبرانية، وحروب الوكالة عبر أطراف متعددة في المنطقة، وهو ما يجعلها أخطر وأوسع من مجرد تبادل ضربات محدود.
من جهة إسرائيل، يبدو أن الهدف الرئيسي لن يتغير: ضرب البرنامج النووي الإيراني قبل وصوله إلى مرحلة إنتاج قنبلة نووية، وفي الوقت نفسه توجيه رسائل ردع قوية لحلفاء طهران في لبنان وسوريا واليمن.
لكن هذه المرة، قد يكون الرد الإيراني أكثر شراسة وتنظيمًا، مستندًا إلى شبكة حلفائه المنتشرين في مناطق استراتيجية، ما يهدد بتوسيع رقعة المواجهة إلى حدود غير مسبوقة. حزب الله في لبنان، التشكيلات العراقية، وحتى الحوثيين في اليمن قد يدخلون على الخط.
أما إيران، فهي تدرك أن الحرب مع إسرائيل ليست خيارًا بسيطًا، لكنها في المقابل ترى فيها فرصة لإعادة رسم موقعها في المعادلة الإقليمية، وكسب أوراق ضغط قوية في أي مفاوضات مستقبلية. الرد الإيراني المتوقع لن يكون محصورًا داخل الأراضي الإسرائيلية، بل قد يشمل هجمات على القواعد الأمريكية في الخليج، وتهديد الملاحة في مضيق هرمز، ما يعني دخول قوى دولية على خط الأزمة بشكل مباشر أو غير مباشر.
المجتمع الدولي سيجد نفسه أمام معادلة معقدة: دعم إسرائيل في سعيها لوقف الخطر النووي الإيراني من جهة، ومحاولة كبح التصعيد الإقليمي من جهة أخرى. الولايات المتحدة قد تقدم دعمًا لوجستيًا وعسكريًا محدودًا، لكنها لن تسعى لحرب شاملة. في المقابل، روسيا والصين ستوظف الأزمة لتعزيز نفوذها عبر دعم طهران دبلوماسيًا أو تقنيًا، وهو ما يزيد من خطورة انفجار الوضع إلى مواجهة أوسع تشمل أطرافًا دولية.
الجولة القادمة، إن وقعت، ستكون على الأرجح محدودة زمنًا لكنها عالية التدمير والتأثير، وقد تفتح الباب إما لتسويات تاريخية أو لانهيار أمني شامل في الشرق الأوسط. ما سيحدد مسار الحرب هو حجم الضربة الأولى، ومدى جاهزية الأطراف للذهاب إلى النهاية، أو الاكتفاء باستعراض القوة. السؤال الحاسم: هل نحن أمام مواجهة حتمية، أم ما زال هناك وقت للردع والتهدئة؟.
المصدر: مساحة نت
إقرأ أيضاً:
إيران وإسرائيل في سباق نحو الهاوية
حاول ترامب الترويج لفكرة "النجاح الساحق" لضربته على المنشآت النووية الإيرانية، فيما رددت طهران رواية معاكسة مفادها أن منشآتها الرئيسة بقيت بمنأى عن التدمير، وأن المشروع النووي سيعود للعمل بكامل طاقته خلال أشهر قليلة.
لكن خلف هذه التصريحات الصاخبة، تتخفّى حقائق أكثر تعقيدا تضعنا أمام أزمة كبرى قد تشعل حربا إقليمية طويلة لا تبقي ولا تذر.
المشكلة الأساسية لا تتعلق بمجرد ضربة جوية على منشآت نووية، بل تكمن في السؤال الأخطر: كيف سيواجه الشرق الأوسط تداعيات فشل الضربة الأمريكية الإسرائيلية في تحييد القدرة النووية الإيرانية، بينما تتهاوى أسس الردع التقليدية التي بنت عليها واشنطن وتل أبيب أمنهما القومي لعقود؟
ولعل تقرير نيويورك تايمز الصادر يوم 22 حزيران/ يونيو 2025 كشف جانبا من هذه المشكلة، حين أشار إلى أن منشأة فوردو النووية تقع على عمق يقارب 80 مترا، ما يجعل تدميرها مستحيلا تقريبا بالقنابل التقليدية، بينما أكد مسؤولون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لوكالة رويترز أن إيران ما تزال تمتلك مخزونا يقارب 400 كجم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، وهو ما يكفي لصناعة عدة قنابل نووية بعد رفع النسبة إلى 90 في المئة.
كيف سيواجه الشرق الأوسط تداعيات فشل الضربة الأمريكية الإسرائيلية في تحييد القدرة النووية الإيرانية، بينما تتهاوى أسس الردع التقليدية التي بنت عليها واشنطن وتل أبيب أمنهما القومي لعقود؟
تتشابك أسباب الأزمة في ثلاثة محاور جوهرية:
1- التحوّل البنيوي للبرنامج النووي الإيراني
لم يعد الأمر مجرد طموح نووي، بل تحول إلى عنصر سيادة وطنية. فتقارير غربية رصينة أوضحت أن الهجوم لم ينجح سوى في تدمير المداخل السطحية أو بعض المنشآت الثانوية، بينما بقيت أجهزة الطرد المركزي الرئيسية في أمان.
أحد مسؤولي الطاقة الذرية صرّح بأن "إيران قادرة على إعادة تشغيل بنيتها النووية خلال أشهر قليلة"، بحسب ما نشرته رويترز. بل إنّ تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 2025، قال أن إيران استحدثت شبكة منشآت صغيرة موزعة تحت الأرض، وبعمق يتجاوز 80 مترا في بعض المواقع مثل مجمع فوردو ومواقع في محافظة يزد وكرمان، هذا الانتشار قلل من أثر الضربات الجوية، ورفع تكلفة العملية العسكرية.
2- الأزمة السياسية الإسرائيلية
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه ثلاث قضايا فساد خطيرة، وقد أدلى ترامب نفسه بتصريح غريب لموقع أكسيوس دعا فيه علنا إلى وقف محاكمته قائلا: "بيبي بطل عظيم، يجب العفو عنه فورا"، وهو تصريح يفضح الطابع الشخصي للأزمة.
3- تراجع الهيبة الأمريكية
واشنطن لم تعد قادرة على خوض حروب شاملة دون كلفة باهظة، وقد أشار تقرير فايننشال تايمز إلى أن بكين تعتبر انشغال أمريكا بالشرق الأوسط فرصة لتسريع استراتيجيتها في بحر الصين الجنوبي، فيما اعتبرت مركز ستراتفور أن روسيا تستعد للاستفادة من الفوضى لمضاعفة ضغوطها في أوكرانيا.
علاقة الأطراف واللاعبين
لفهم الصورة الاستراتيجية، يجب تبيان شبكة العلاقات:
إيران وإسرائيل: علاقة عداء وجودي، حيث أطلقت طهران نحو 400 صاروخ باليستي على إسرائيل خلال المواجهة الأخيرة وفق تقارير رسمية إسرائيلية، ما أثار ذعرا واسعا ودفع الكثيرين للمطالبة بوقف النار.
إيران والولايات المتحدة: علاقة خصومة تاريخية، تدهورت بعد "الضغط الأقصى" وسياسة العقوبات.
روسيا والصين: تستغلان المواجهة لتعميق نفوذهما الجيوسياسي، وتعتبران استنزاف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فرصة لا تعوض لزيادة نفوذهما في أوروبا أو بحر الصين الجنوبي.
دول الخليج: تقف في قلب العاصفة، بسبب انتشار القواعد العسكرية الأمريكية مما يجعل استقرارها في خطر.
وبناء عليه، فمعطيات اللحظة تُرجح سيناريو حرب استنزاف طويلة بين الطرفين؛ لأن تل أبيب التي لا تقبل بوجود مقاومة ضعيفة في غزة ولبنان وسورية وتقاتل هناك بشراسة بحثا عن الأمن المفقود، هل ستتسامح مع ترسانة من الصواريخ الباليستية وقنبلة نووية منتظرة؟!
لذلك السيناريوهات المحتلة في قابل الأيام:
السيناريو الأول: الضربة الاستباقية الكبرى
قد يختار نتنياهو شن ضربة استباقية كبرى ضد إيران، مستغلا المعلومات الاستخباراتية حول مواقع اليورانيوم "المفقود". هذه الضربة ستكون أكبر وأشمل من الضربة الأمريكية السابقة، وستستهدف ليس فقط المنشآت النووية، بل أيضا البنية التحتية العسكرية والاقتصادية الإيرانية.
هذا السيناريو أكثر خطورة لأنه قد يؤدي إلى رد إيراني واسع النطاق يشمل إغلاق مضيق هرمز واستهداف منشآت النفط الخليجية، مما يجر المنطقة بأكملها إلى حرب إقليمية شاملة.
السيناريو الثاني: الحرب بالوكالة المكثفة
قد تختار إسرائيل تكثيف الحرب بالوكالة ضد إيران من خلال توسيع عملياتها ضد حزب الله في لبنان والفصائل الموالية لإيران في اليمن والعراق. هذا السيناريو يتيح لنتنياهو الحفاظ على حالة الحرب دون التورط في مواجهة مباشرة مع إيران قد تؤدي إلى خسائر كبيرة، لكنه لن يكون له تأثير يذكر على إيران النووية.
العامل الأمريكي: ترامب بين المطرقة والسندان
يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معضلة صعبة في التعامل مع رغبة نتنياهو في إشعال حرب جديدة. فمن جهة، يريد ترامب تجنب التورط في حرب إقليمية قد تضر بشعبيته الداخلية وتستنزف الموارد الأمريكية. ومن جهة أخرى، لا يستطيع ترامب التخلي عن إسرائيل في مواجهة إيران، خاصة بعد فشل الضربة الأمريكية السابقة.
تصريحات ترامب الأخيرة التي وصف فيها نتنياهو بـ"بطل الحرب" ودعا إلى إلغاء محاكمته؛ تشير إلى أن الإدارة الأمريكية قد تدعم نتنياهو في مغامرته الجديدة، خاصة إذا تم تصويرها كـ"دفاع عن النفس" ضد التهديد النووي الإيراني.
التداعيات الإقليمية والدولية
دول الخليج في دائرة الخطر
فشل الضربة الأمريكية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، مقترنا بالأزمة القانونية المتفاقمة لنتنياهو، يخلق ديناميكية خطيرة تدفع نحو التصعيد. نتنياهو، الذي يواجه احتمال السجن في قضايا الفساد، لن يتردد في إشعال المنطقة بأكملها إذا كان ذلك سيضمن بقاءه في السلطة
ستكون دول الخليج العربية أول المتضررين من أي حرب جديدة بين إيران وإسرائيل، فإيران لن تتردد في استهداف منشآت النفط الخليجية والممرات المائية الحيوية كرد على أي عدوان إسرائيلي جديد. إغلاق مضيق هرمز لأسابيع قليلة سيكلف الاقتصاد العالمي مئات المليارات من الدولارات ويضع دول الخليج في أزمة اقتصادية حادة.
المحور الشرقي يستعد للاستفادة
ستستفيد روسيا والصين من أي حرب جديدة في الشرق الأوسط، حيث ستؤدي إلى تشتيت الانتباه الأمريكي وإضعاف قدرة واشنطن على التركيز على التحديات الاستراتيجية في أوروبا والمحيط الهادئ. كما ستؤدي الحرب إلى ارتفاع أسعار النفط، مما يعود بالنفع على الاقتصادين الروسي والإيراني.
الخاتمة: حرب حتمية أم قابلة للتجنب؟
فشل الضربة الأمريكية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، مقترنا بالأزمة القانونية المتفاقمة لنتنياهو، يخلق ديناميكية خطيرة تدفع نحو التصعيد. نتنياهو، الذي يواجه احتمال السجن في قضايا الفساد، لن يتردد في إشعال المنطقة بأكملها إذا كان ذلك سيضمن بقاءه في السلطة.
لذلك تشير جميع المؤشرات إلى أن المنطقة تتجه نحو حرب جديدة بين إيران وإسرائيل، لكن هذه المرة بدوافع إضافية. فبينما كانت الضربة الأولى تهدف إلى "تدمير" البرنامج النووي الإيراني، فإن الحرب القادمة ستكون لإسقاط النظام الإيراني والقضاء على البرنامج النووي للأبد، في ظل محاولة يائسة من نتنياهو للهروب من المحاكمة والبقاء في السلطة.
للتواصل عبر الفيسبوك: facebook.com/almuneir