منذ اندلاع الحرب على الأراضى الفلسطينية، تيقنت أن «طوفان الأقصى» لم تكن مجرد عملية من عمليات المقاومة التى اعتدنا عليها بين الفينة والأخرى، لأن المعطيات أصّلت إلى أن التحرك الحمساوى جسّد ضربة شرقية موجعة فى عقر دار المعسكر الغربى، ما استدعى حالة اصطفاف أوروبى أمريكى مع الكيان المحتل فى بداية الحرب، إلا أن إقدام نتنياهو على ارتكاب مجازر بشعة وسط صمت المجتمع الدولى أماط اللثام عن المواقف المخزية للدول التى اكتفت كعادتها بالتحذير والشجب والإدانة رغم يقينها أن ما أقدمت عليه دولة الاحتلال يمثل بداية لانفراط العقد الدولى وتهديد النظام العالمى.

لقد جسّدت الممارسات الإسرائيلية فى غزة جريمة إنسانية لا تقل فى بشاعتها عما أقدمت النازية على فعله وفقاً لآلة الدعاية الصهيونية، ودفعت الكثير من النظم إلى تغيير منهجها فى التعاطى مع تطورات الحرب، نتيجة لضغط الشعوب، من خلال الاحتجاجات والمظاهرات، لينتهى الأمر بالتعاطى الإيجابى مع مقترح إعلان الدولة الفلسطينية، وذلك لم يكن نتاج الضغوط الداخلية فقط وإنما كرد فعل على سياسات هوجاء باتت تمثل خطراً على الأمن والسلم الدوليين، وسط تحركات صينية روسية محمومة لإعادة حالة الرشد للنظام العالمى الذى بات مهدداً بفعل السياسات الأمريكية الإسرائيلية الخرقاء.

تعمُّد نتنياهو تجاهل القرارات الأممية الصادرة عن مؤسسات تمثل عماد النظام الدولى يؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلى لا يأبه بالنظام العالمى الذى تتحكم فيه الصهيونية، ووسط استمرار جرائمه اضطرت دول الغرب إلى تغيير منهجها فى التعامل مع الحرب وتداعياتها.

ووصل الأمر إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية من بعض الدول وإقامة علاقات دبلوماسية معها، الأمر الذى سيترتب عليه خلق واقع فعلى على الأرض قد يتغلب فى يوم ما على حق الفيتو الأمريكى الرافض لكل حقوق الفلسطينيين والمؤيد دائماً للعربدة الصهيونية، خاصة بعد تعمُّد نتنياهو عدم الاكتراث للقرارات الأممية وتحقير هذه المؤسسات ليصل الأمر إلى تهديد قضاة المحكمة الجنائية الدولية وابتزازهم حين طالب المدعى العام بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزرائه، ومن ثم فإن تهديد شرعية النظام الدولى بدأت من البيت الأبيض وتل أبيب اللتين تمثلان الرقم الأول فى معادلة هذا النظام المبنى على القوة.

المعطيات الراهنة على الصعيد الدولى تؤشر إلى ضمور عهد الأحادية، بعد ظهور الصين كلاعب قوى على الصعيد العسكرى والاقتصادى، فضلاً عن استعادة روسيا مجد الاتحاد السوفيتى وعودتها لصدارة المشهد الدولى كند قوى للمعسكر الغربى الذى فقد الكثير من أوراق الهيمنة، بعد تراجع دور المؤسسات فى الدولة الأمريكية العميقة وحتى على الصعيد الإسرائيلى.

وهو ما يتأكد من خلال رصد المنهج الأمريكى فى التعاطى مع الحرب على قطاع غزة، حيث تتحكم فيه أهداف شخصية متعلقة بانتخابات الرئاسة التى تشهد منافسة بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، فدعم بايدن لنتنياهو لم يكن نتاج توافق بين مؤسسات صناعة القرار الأمريكى بدليل غضّ الطرف عن تحركات نتنياهو الساعية لتحقيق هدف شخصى يتمثل فى ضمان استمراره فى الحكم، وهو ما أكدته التحركات الداخلية الإسرائيلية والأمريكية على الصعيدين السياسى والمجتمعى والتى ظهرت فى اختلاف المواقف وتقديم بعض المسئولين استقالاتهم احتجاجاً على هذه السياسات، فضلاً عن المظاهرات المطالبة بإنهاء الحرب، ومن ثم فإن إقدام بايدن ونتنياهو على التعاطى مع الحرب وفق منهج يحقق أهدافاً شخصية يمثل بداية لانهيار النظام العالمى على يد الإسرائيليين والأمريكان.

مع نجاح الدول العربية فى حشد المجتمع الدولى للاعتراف بجرائم الحرب البشعة فى القطاع المنهك من احتلال دام لعقود طويلة، بدأت تل أبيب المناورة كعادتها بتنفيذ خطط ترتكز على الاستهداف العسكرى المباشر خارج الأراضى الفلسطينية (قنصلية إيران بدمشق) إلى جانب الحرب النفسية والدعاية الكاذبة مستغلة عناصرها الموالية، سواء فى مراكز صنع القرار الأمريكى أو فى بعض وسائل الإعلام الدولية، لتشويه صورة مصر وتحميلها مسئولية الأزمة الإنسانية فى قطاع غزة، إلا أنها لم تنجح فى خطة تحويل الأنظار بعيداً عن جرائمها، وسط استمرار الحرب واستنزافها اقتصادياً وعسكرياً، وربما تنتهى الأزمة بتداعيات خطيرة على الاحتلال، إلا أن التداعيات الأخطر تتمثل فى انهيار شرعية النظام العالمى لتكون بداية ظهور نظام جديد قائم على العدالة واحترام المؤسسات الأممية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: غزة الاحتلال فلسطين إسرائيل النظام العالمى

إقرأ أيضاً:

عائلات الأسرى الإسرائيليين: نتنياهو يعرقل الصفقة لأسباب سياسية .. وأملنا الوحيد ترامب

واصلت عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة ضغوطها على حكومة الاحتلال الإسرائيلية، متهمة بنيامين نتنياهو بعرقلة التوصل إلى اتفاق شامل للإفراج عن أبنائهم، ورفضه إيقاف الحرب على غزة لأهداف "سياسية بحتة".

وسائل إعلام إسرائيلية: حكومة نتنياهو ترفض أي التزام بإنهاء حرب غزةوزير الخارجية: نضغط بكل قوتنا لإنهاء الحرب على غزةبرنامج الأغذية العالمي: الوضع الإنساني في غزة يخرج عن السيطرةالسيطرة على 80 % من القطاع.. الجيش الإسرائيلي يلاحق المدنيين ويقصف باقي غزة

وفي بيان صدر عن ممثلي العائلات اليوم السبت، قالوا: "المخطوفون الأحياء لن يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة في ظل استمرار الحرب، ونحن نعمل ما نستطيع لتحرير جميعهم من خلال اتفاق شامل، إلا أن نتنياهو يسعى لتحويل الصفقة إلى اتفاق جزئي ويصر على المضي بالحرب".

وأضاف البيان: "بعد 603 أيام على بدء الحرب، لم تفعل دولة إسرائيل شيئاً حقيقياً لتحرير أبنائنا. أملنا الوحيد هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونطالبه بالتدخل لمنع نتنياهو من تعطيل الصفقة".

ووجهت العائلات نداءً مباشراً لوزير الحرب يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير، وكذلك للمسؤول الأمني البارز رونين بار، بالقول: "نقول لويتكوف: لا تدع نتنياهو يفعل ما يريد. حياة المخطوفين أمانة في أعناقكم".

وأكد البيان أن "رفض نتنياهو إنهاء الحرب في هذا التوقيت يعود لمصلحة سياسية ضيقة، لا تمت بصلة لمصلحة الدولة أو العائلات".

طباعة شارك عائلات الأسرى الإسرائيليين قطاع غزة حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الحرب على غزة

مقالات مشابهة

  • الحرب تُطيل عُمر نتنياهو
  • الهباش: نتنياهو وحماس هدفهما استمرار الحرب للبقاء في الحكم
  • والد أسير إسرائيلي يطالب ترامب بإجبار نتنياهو على إنهاء الحرب
  • والد أسير إسرائيلي بغزة يطلب من ترامب إجبار نتنياهو على إنهاء الحرب
  • أرجوكم أجبروا نتنياهو .. والد أسير إسرائيلي يدعو ترامب للإفراج عن ابنه
  • عائلات أسرى الاحتلال بغزة: نطالب ترامب بمنع نتنياهو من تعطيل الاتفاق
  • لوين رايحين؟.. مستقبل نتنياهو والاحتلال على طاولة أثير المستديرة
  • صحيفة تتحدث عن وهم انهيار حزب الله اللبناني.. تكتيكات مختلفة
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين: نتنياهو يعرقل الصفقة لأسباب سياسية .. وأملنا الوحيد ترامب
  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟