النموذج المتفرد في الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
اتجاهات مستقبلية
النموذج المتفرد في الذكاء الاصطناعي
مركز تريندز للبحوث والاستشارات
تتفرد الإمارات في مقدمة الدول العربية في الاهتمام والمساهمة في تطوير الذكاء الاصطناعي، ما جعل دولًا أخرى في المنطقة تتسابق للحاق بركب التكنولوجيا المتقدمة، ويتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات في 2030، إذ ترمي الإمارات إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتحقيق ريادتها في تقدم نموذج يعزز التنمية المستدامة.
وبينما يتقدم الذكاء الاصطناعي سريعًا، يبدو أننا نحتاج إلى معايير لتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي بما لا يضر، ومن أجل ذلك، أطلقت “مجموعة السبع” خلال قمة هيروشيما في اليابان “عملية هيروشيما للذكاء الاصطناعي”، للعمل من أجل ذكاء اصطناعي “آمن وتحييد المخاطر المحتملة الناتجة عن التطوير.
الإمارات، الدولة الوحيدة العربية وفي منطقة الشرق الأوسط، التي انضمت إلى مجموعة “هيروشيما للذكاء الاصطناعي”، بجانب الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وكندا وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، ليصبح العدد 49 دولة تمتاز بالتقدم على الساحة العالمية في هذا المجال، إذ إنها تحدد المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتضع القواعد وتطورها لتفادي العالم أزمات يمكن تجنبها ويمكن التقاعس عنها لتنفجر في وجوه الجميع ويحصل ما لم يحمد عقباه.
وبالنظر إلى مخاطر الذكاء الاصطناعي فإنها عديدة؛ من التضليل المعلوماتي، وخرق حقوق الملكية الفكرية والبيانات الشخصية، والاختراقات السيبرانية، إلى المخاطر الأمنية والعسكرية، خاصة إذا استغلت من فاعلين غير الدول أو ميليشيات إرهابية في تطوير واستخدام أسلحة مدمرة، وبالرغم من ذلك قد يكون احترام مبادئ وقواعد “هيروشيما” ليس إلزاميًا للجميع، لكنه يمكن أن يكون محفزًا للدول والشركات في الحد من المخاطر والاستفادة من القدرات الهائلة والمتطورة للذكاء الاصطناعي.
لا ينبغي رؤية الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن أي مجال حياتي في الوقت الحالي والمستقبلي، إذ إنه قادر على المعاونة في تقديم التحليلات والتنبؤات، مما يعطي الإنسان المساحة للتخطيط الاستباقي، وفهم اتجاهات السوق وسلوك المستهلك والمؤشرات الاقتصادية، ولإدراك دولة الإمارات بأهمية الذكاء الاصطناعي، عقدت شراكات دولية مع شركات التكنولوجية العالمية لخلق بيئةٍ مواتية لتبني الذكاء الاصطناعي التوليدي وتقليل المخاطر، وبالفعل يُدمج الذكاء الاصطناعي في الإمارات في قطاعات متعددة، خاصةً الصحة والتعليم وخدمات الحكومة.
إن قدرات الذكاء الاصطناعي للاقتصاد هائلة اعتمادًا على تحليل البيانات، خاصة في زيادة الإنتاجية وتحسين كفاءة العمليات وتحسين اتّخاذ القرارات، ولذا تراهن الإمارات على الذكاء الاصطناعي وتسعى إلى الاستفادة من هذه التكنولوجيا لتحقيق أهدافها التنموية، بعقد شراكات مع جامعة “أكسفورد” بهدف تدريب المسؤولين الحكوميين على التعامل مع التكنولوجيا المُستقبلية، وكذلك تأسيس شركة “إم جي إكس” التكنولوجية الجديدة، للاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وشراكة “G42″القابضة الإماراتية مع شركة “مايكروسوفت”، لاستثمار استراتيجي بقيمة 1.5 مليار دولار، لإدخال أحدث تقنيات مايكروسوفت الخاصة بالذكاء الاصطناعي إلى دولة الإمارات ودول العالم.
وبفضل الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تنتقل الإمارات من دولة مستوردة للذكاء الاصطناعي إلى دولة منتجة، لكن أمام الدولة والعالم تحديات تتعلق بالجانب الأخلاقي في استخدامات الذكاء الاصطناعي، مما يتطلب وضع إطار أخلاقي واضح لتنظيم استخدام هذه التكنولوجيا، وهو ما تعمل عليه “عملية هيروشيما”، وإن كانت مبادئ إرشادية عامة، فهي مقدمة تحتاج إلى عمل أكبر بشراكة الإمارات لضمان تطور المعايير التحقق من الالتزام بها حول العالم.
إن اختيار الإمارات للانضمام إلى “عملية هيروشيما للذكاء الاصطناعي” يعد تقديرًا إيجابيًا لاستثمار الإمارات في التكنولوجيا المتقدمة، في إطار التنوع الاقتصادي، والمكانة الإقليمية والدولية في مجال الذكاء الاصطناعي، بفضل القيادة الرشيدة، الساعية إلى تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات واستثمار الذكاء الاصطناعي بالقطاعات الحيوية، لتعظيم اقتصاد البلاد والتنمية المستدامة ومواكبة التقدم العالمي ليس كمستهلك فقط، بل كشريك في الإنتاج.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: للذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.
إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.
تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».
انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.
طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».
أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!
حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».
ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».
لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».
الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.
كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.
وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.
في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.