الضفة ومحاولات تكريس وحدة الساحات في ظل الحرب على غزة
تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT
إلى جانب الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، كانت مناطق الضفة الغربية واحدة من ساحات المواجهة الرئيسية التي كانت تؤرق إسرائيل حتى قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبعد ذلك، كثفت التنظيمات الفلسطينية في الضفة، وخاصة حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، جهودهما لتنفيذ عمليات نوعية، سعيا إلى تكريس "وحدة الساحات".
ونشر معهد الجزيرة للدراسات تقريرا تحت عنوان "مواجهات الضفة الغربية وتداعياتها في سياق الحرب على غزة" للأكاديمي والباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة، تناول فيه السياق الذي تتصاعد فيه المواجهات المتواصلة في الضفة الغربية، وأهداف كل من المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي منها، وصولا إلى تداعياتها والسيناريوهات المتوقعة لها.
ونستعرض تاليا أهم ما جاء في التقرير:
سياق المواجهات في الضفة
تزايدت حدة المواجهة بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي في الضفة، عقب وصول حكومة اليمين المتطرف للحكم في إسرائيل.
وشهدت المقاومة كذلك تطورات كبيرة في بيئتها وطريقة عملها، وبلغت عمليات المقاومة في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المُحتل، ومنها القدس، 592 عملية في شهر مايو/أيار 2021. أما عام 2023، فقد شهد ارتفاعا ملحوظا في أعمال المقاومة والاشتباكات المسلحة في مدن الضفة، وقُتل فيه 37 إسرائيليا غالبيتهم جنود، في حين أصيب أكثر من 400 آخرين جراء تنفيذ أكثر من 8 آلاف عمل مقاوم، تراوحت بين إطلاق نار، وطعن أو محاولة طعن، ودعس أو محاولة دعس، إضافة إلى عمليتي إطلاق صواريخ و9 عمليات إسقاط طائرات استطلاع.
مع تصاعد العمل المقاوم تطورت البنية التحتية العسكرية للمقاومة وتجاوزت الانقسام والخلاف التنظيمي بين حركتي فتح وحماس، وظهرت مجموعات مثل "عرين الأسود" في نابلس، وكتيبة جنين في مخيم جنين، ومخيم نور شمس في طولكرم، ومخيم بلاطة في نابلس، ومخيم عقبة جبر في أريحا، وبلدات أخرى في الشمال مثل طوباس وجبع وغيرهما.
أما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 و"طوفان الأقصى"، فقد صعّدت إسرائيل من عملياتها العسكرية والأمنية في مختلف مناطق الضفة الغربية، خصوصا في جنين ونابلس وطولكرم. كما أسهم تسليح المستوطنين وضمهم إلى الوحدات العسكرية في الجيش في تأجيج التوتر في الضفة.
ومن الناحية العملية، خلال السبعة أشهر الماضية، تقلص الوجود الفلسطيني بشكل كبير في المنطقة (ج)، والتي تشكل حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية. واعتقل جيش الاحتلال آلاف الفلسطينيين، وهدم منازل وبُنى تحتية. كما زاد عدد الحواجز العسكرية في الضفة الغربية، وقطع سبل التواصل بين مدنها وبلداتها، إذ وصل عددها بعد الحرب إلى 649 حاجزا وعائقا، بزيادة 49 حاجزا.
أهداف التصعيد الإسرائيلي في الضفة
بالتزامن مع حربها المستعرة على قطاع غزة، تسعى إسرائيل إلى تحقيق الأهداف التالية من تصعيدها المستمر في الضفة الغربية:
أولا: الاستفادة من أجواء الحرب على القطاع لتنفيذ عمليات واسعة كثيفة باستخدام الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي دون الالتفات للانتقادات أو العواقب في غمرة الانشغال الدولي بالحرب بهدف القضاء على البنية العسكرية المسلحة في الضفة بوسائل أكثر فتكا. ثانيا: تحويل الضفة الغربية لتهديد ثانوي عبر عمليات استباقية لإحباط الخلايا المسلحة ووأد شعار "وحدة الساحات". ثالثا: هذا التصعيد، وفق الرؤية الإسرائيلية، مهم، وهو جزء أساسي من استعادة "الردع الإسرائيلي" بعد ما أصابه في 7 أكتوبر/تشرين الأول. رابعا: استثمار أجواء الحرب التي تعتبر فرصة مواتية بالنسبة للمستوطنين يستغلونها لتسخير الجيش، الذي يتماهى مع رغباتهم ترحيل الفلسطينيين وإيذائهم. خامسا: تطمح إسرائيل أن تؤسس الحملات العسكرية المكثفة التي يقوم به جيشها ضد البنى التحتية التنظيمية لحماس والجهاد الإسلامي في شمال الضفة، بصورة أو بأخرى، لتسهيل مهمة السلطة الفلسطينية في بسط سيطرتها ووضع أسس جيدة لترتيبات اليوم التالي للحرب. سادسا: يهدف التصعيد الإسرائيلي كذلك إلى تعميق التطهير العرقي وإجبار الفلسطينيين على النزوح عن أراضيهم، وبخاصة في مناطق "ج" تمهيدا للسيطرة عليها والاستيطان فيها، عبر خنق الضفة بالحواجز وضرب مقومات البقاء وحرية التنقل، فقد أشارت مصادر إسرائيلية إلى أن المستوطنين استغلوا التصعيد في الضفة لتشييد نحو 15 بؤرة استيطانية جديدة في مناطق "ج"، فضلا عن تهجير السكان الفلسطينيين من 15 تجمعا رَعَويّا. سابعا: تعد الضفة مساحة لمناورة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قوى اليمين الإسرائيلية المتطرفة، التي تهدده بين الفينة والأخرى بالانسحاب من الحكومة إذا ما انسحب من قطاع غزة وأوقف الحرب، وبالتالي يُنظر للفعل الاحتلالي في الضفة على أنه أداة مناورة ومقايضة من نتنياهو يعوض بها شركاءه الذين يتكئ عليهم في استقرار ائتلافه، حيث الضفة بالنسبة لليمين القومي الصهيوني أهم من قطاع غزة سياسيا ودينيا. أهداف المقاومة من التصعيد في الضفةاستطاعت مجموعات المقاومة الفلسطينية، ورغم شدة الهجمة الإسرائيلية على الضفة، أن ترفع مستوى الفعل المقاوم بما يخفف من ضغط الحرب الإسرائيلية على غزة، ويتناسب وحجم التحديات التي تعيشها الضفة الغربية في ظل محاولة إسرائيل الاستفادة من المناخات التي خلقتها الحرب لتنفيذ ما تصبو إليه أمنيا وسياسيا في الضفة.
ورغم أنه يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية في الضفة في حالة تطور، فإن التطور في عملياتها لا يعني إنكار الصعوبات التي تواجهها، وأبرزها التفوق الأمني الكاسح للاحتلال الإسرائيلي.
وقد طوّر الاحتلال منظومة أمنية تخدم أهدافه السياسية والإستراتيجية عبر تقطيع مناطق الضفة، وإحكام قبضته على مفاصلها، وتجهيز أدوات ضبط وسيطرة للتحكم بحركة الفلسطينيين، كالحواجز العسكرية والطرق الالتفافية، وهو ما مكّنه من حصار البلدات الفلسطينية، وحال دون "المقاومين" والتنقل أو الاختفاء الكامل.
ومع كل هذه الصعاب والمخاطر تستمر المقاومة في تصعيد عملياتها للاعتبارات التالية:
أولا: تسعى فصائل المقاومة لتحويل الضفة الغربية إلى جبهة إسناد رئيسية لقطاع غزة، الأمر الذي سيخفف الضغط عن القطاع. ثانيا: تُعمق عمليات المقاومة المتصاعدة أزمة حكومة الاحتلال وتستنزفها في مسارات متعددة، خاصة الاقتصادية والأمنية. ثالثا: تؤكد عمليات المقاومة في الضفة على أن الروح الكفاحية للفلسطينيين ما زالت حاضرة، رغم محاولات وجهود إسرائيل والمتساوقين معها فلسطينيا لكيّ الوعي وفرض سياق اجتماعي سياسي مختلف.لكن ورغم استمرار عمليات المقاومة في الضفة، فإن مساهمتها في المعركة محدودة، بحيث تضطر الاحتلال لوقف الحرب على غزة أو تقصير أمدها قدر المستطاع.
تداعيات المواجهة في الضفةظلت إسرائيل تبني على هدوء الضفة الغربية، خاصة بعد مجيء السلطة، وتراهن على أن هندسة الوعي قد أخذت مكانها في العقل الفلسطيني وترسخت، إلا أن الانتفاضات المتتالية وموجات المواجهة التي تفجرت جعلتها مركز الثقل في المواجهة مع الاحتلال.
بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما قبله، كانت نواة العمل المقاوم تتعاظم في الضفة، عبر التشكيلات العسكرية، مُشكِّلة بذلك حالة جديدة من أنماط "المقاومة" للاحتلال الإسرائيلي، الرافضة لمبدأ التدجين بأي طريقة.
صحيح أن معركة "طوفان الأقصى" كشفت عن عمق حالة السوء والاغتراب التي تمر بها الضفة الغربية، خاصة مع وهْن الحاضنة الشعبية الداعمة للمقاومة وهشاشتها، لكن يبدو أنها كشفت أيضا عن سخط حقيقي ملحوظ في الرأي العام الفلسطيني تجاه نهج "الحياد السلبي" الذي اتخذته السلطة الفلسطينية الحالية.
ورغم تآكل شرعية السلطة الفلسطينية وهيمنتها في ظل المواجهة الحالية، فإن هذا لا يعني بالضرورة زوالها سريعا أو سقوط الخيارات السياسية التي تتبناها، لكونها، أولا، لا تزال الناظم الاقتصادي والاجتماعي الأهم للواقع في الضفة الغربية، إذ ترتبط بأجهزتها ومؤسساتها الحياة اليومية لنحو 170 ألف موظف يُعيلون نحو مليون فلسطيني، بالإضافة إلى حضورها الأمني، وكونها لا تزال مطلبا دوليا وإقليميا.
ستتوقف الحرب على غزة في لحظة ما، وسيبدأ صراع المسارات، وعلى رأسها الاستقرار أو السكون الذي تحاول القوى المختلفة إعادة ضبط الضفة حوله، لكن المؤكد أن تحديد ملامح ما سيجري فيها مرتبط بنتائج الحرب على غزة.
التوقعات والسيناريوهاتيرتبط التصعيد الحالي للعمل المقاوم في الضفة، بصورة أو بأخرى، بالعدوان على القطاع، ومع تصاعد الحرب وتوسع عملية الاحتلال في رفح تتصاعد المقاومة، مع توقع أن تتجه الأمور في الضفة الغربية نحو الهدوء التدريجي لكن البطيء حال التوصل إلى تهدئة في القطاع.
بينما يُرجح على المدى المتوسط والطويل أن تكون الضفة الغربية مقبلة على تصعيد آخر في ظل انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين والتطرف.
ويبدو أن هذه الحرب زرعت في أوساط معينة لدى المستوطنين وقيادتهم فكرة "أننا نعيش في واقع جديد يجب استثماره للحد الأقصى"، بل يؤمن بعضهم أن ما حدث في مستوطنات غلاف غزة هو عقاب على عدم الاستمرار في الاستيطان، وأنه من الممكن التصرف بشكل مستقل دون علم وإذن الجهات الرسمية وفرض حقائق على الأرض بما يفرض مستوى جديدا من السيطرة الاستيطانية.
أما تحول المواجهات إلى انتفاضة عارمة في الضفة في المرحلة المقبلة، فيبقى احتمالا ضعيفا حتى لو اشتدت الحرب أو طالت أكثر، بسبب الملاحقة الإسرائيلية والاستنزاف الذي أصاب المجتمع الفلسطيني هناك.
وختاما، فإن الضفة الغربية تعيش اليوم حرب استنزاف شاملة من قبل إسرائيل التي تدرك -أيضا- أن الضفة تمثل خاصرتها الرخوة، لذلك قد يعتبر المشروع الاستيطاني الصهيوني الضفة هي ساحة الحرب الحقيقية بالنسبة له، ووفق هذا المنطق فإنه يسعى إلى اجتثاث كل محاولة أو نموذج مقاومة قد يظهر هناك.
من هنا، يبدو مستقبل الضفة ومقاومتها متعلقا بشكل كبير بمآلات العدوان على غزة، وطبيعة التحولات التي ستأتي في مرحلة ما بعد الحرب، فإذا نجحت إسرائيل في تحقيق أهداف حربها، فعلى الأرجح أن الضفة ذاهبة إلى حالة من السكون والانصياع أو القبول بالأمر الواقع. أما إذا كانت نتائج الحرب مغايرة، فربما تنكسر هذه المعادلة التي سعت إسرائيل إلى تكريسها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أکتوبر تشرین الأول فی الضفة الغربیة عملیات المقاومة الحرب على غزة المقاومة فی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
تداعيات الحرب الإسرائيلية- الإيرانية
شهد الشرق الأوسط في حزيران/ يونيو 2025، تصعيدا غير مسبوق بين الكيان الإسرائيلي وإيران، حيث نفذت إسرائيل عملية "الأسد الصاعد"، وهي ضربات جوية مكثفة استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية، واغتيال شخصيات ذات ثقل سياسي وعسكري بالإضافة إلى علماء قائمين على المشروع النووي الإيراني، ردا على تقدم طهران نحو امتلاك سلاح نووي ودعمها لجماعات مثل حماس وحزب الله. ردت إيران بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة على مدن إسرائيلية مثل تل أبيب وحيفا، في رد فاق توقعات قيادات الاحتلال وحجم الدمار الذي لحق بمنشآت ذات أهمية عالية للاحتلال مما أدى إلى توتر إقليمي خطير.
كشفت العمليات عن اختراق مخابراتي إسرائيلي عميق البنية السياسية والعسكرية الإيرانية، شمل اغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين، مما أضعف قدرات طهران.
عاش المجتمع في إسرائيل، حالة من الذعر، مع إغلاق المدارس والأعمال وتوقف الحياة اليومية. ارتفعت طلبات السفر إلى الخارج بشكل كبير، لكن قيودا صارمة على الرحلات الجوية عززت شعور الحصار.
أحاول هذا المقال إلى تحليل الصراع، وتداعياته على غزة والمقاومة، والاختراق المخابراتي، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل، مع التركيز على ديناميكيات السفر والتداعيات الجيوسياسية.
القسم الأول: السياق الاستراتيجي للصراع
يعود الصراع الإسرائيلي-الإيراني إلى تحولات عميقة. في عهد الشاه وقبل ثورة 1979، كانت إيران حليفا لإسرائيل، تزودها بالنفط وتتعاون في مشاريع عسكرية. لكن الثورة الإسلامية حولت إيران إلى خصم أيديولوجي، مع دعمها لجماعات المقاومة مثل حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي.
تصاعدت التوترات مع تطور البرنامج النووي الإيراني، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018. بحلول 2024، باتت إيران تمتلك يورانيوم مخصبا بدرجة كافية لإنتاج سلاح نووي خلال أشهر، مما دفع إسرائيل لاعتبار ذلك تهديدا وجوديا.
قصفت إسرائيل في نيسان/ أبريل 2024 القنصلية الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل قادة من في الحرس الثوري، فردت إيران بهجوم صاروخي في 13 نيسان/ أبريل، في عملية "الوعد الصادق"، ممهدة لتصعيد أكبر في حزيران/ يونيو 2025.
استهدفت عملية "الأسد الصاعد" منشآت نووية وعسكرية إيرانية، بهدف تقويض قدرات طهران وإضعاف "محور المقاومة". كانت العملية مدعومة باستخبارات أمريكية، مع تخطيط دقيق لتعطيل البرنامج النووي قبل وصوله إلى نقطة اللاعودة.
القسم الثاني: الضربات الإسرائيلية والرد الإيراني
نفذت إسرائيل في 13 حزيران/ يونيو 2025، عملية "الأسد الصاعد"، استهدفت منشآت نووية في نطنز وفوردو، وقواعد عسكرية في أصفهان وتبريز، باستخدام طائرات وقنابل موجهة، مدعومة بهجمات سيبرانية أعطلت الدفاعات الإيرانيةن مع مقتل قادة بارزين مثل قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان محمد باقري.
ردت إيران خلال ساعات بإطلاق 250 صاروخا باليستيا وطائرة مسيرة على قواعد عسكرية إسرائيلية مثل نيفاتيم ومناطق في تل أبيب وحيفا. اعترضت "القبة الحديدية" معظم الصواريخ بدعم أمريكي، لكن بعضها تسبب في أضرار بمحطة كهرباء في حيفا، وسقوط 25 قتيلا.
أثارت الهجمات قلقا دوليا، حيث دعت الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار، بينما أكدت الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل مع دعوتها لإيران للحاق بها على طاولة المفاوضات في سلطنة عمان.
القسم الثالث: تداعيات الحرب على غزة
امتدت تداعيات الصراع إلى حرب غزة. كانت إيران داعما رئيسيا للمقاومة الفلسطينية، خاصة حماس والجهاد الإسلامي، من خلال تمويل الأسلحة والتدريب. لكن الضربات الإسرائيلية على إيران وأذرعها مثل حزب الله واغتيال قادته، وتدمير منشآت نووية ومصانع صواريخ، أثارت مخاوف في غزة من تراجع الدعم.
نفسيا، كان التأثير على المقاومة معقدا. الهجمات الإيرانية على إسرائيل عززت الروح المعنوية لمقاتلي المقاومة الفلسطينية، الذين رأوا فيها دليلا على قوة "محور المقاومة"، لكن اغتيال قادة إيرانيين، مثل حسين سلامي، وشخصيات مرتبطة بحماس، مثل إسماعيل هنية في 2024، أثار مخاوف من ضعف التنسيق الإقليمي. وصف قادة المقاومة هذه الخسائر بأنها "تحدٍ يعزز الإصرار"، لكن الواقع يشير إلى ضغط نفسي متزايد بسبب نقص الإمدادات وتكثيف إسرائيل لعملياتها في غزة.
استغلت إسرائيل استراتيجيا، التصعيد لتشديد قبضتها على غزة، مع عمليات عسكرية مكثفة تهدف إلى إضعاف المقاومة. هذا الوضع دفع المقاومة للاعتماد أكثر على الموارد المحلية، مثل الصواريخ المصنعة محليا، مما عزز الإبداع في عمليات المقاومة الأكمنة المركبة التي اثخنت في العدو اعداد من القتلى والجرحى لكنه زاد من الإجهاد النفسي.
ورغم التحديات، يظل الدعم الشعبي في غزة قويا، مدفوعا بإحساس مشترك بالصمود.
القسم الرابع: الاختراق المخابراتي الإسرائيلي واغتيال القادة والعلماء
كشفت عملية "الأسد الصاعد" عن اختراق مخابراتي إسرائيلي عميق لإيران، نفذته أجهزة مثل الموساد. استهدفت العملية قادة عسكريين بارزين، بينهم سلامي وباقري، إضافة إلى قائد مقر خاتم الأنبياء غلام علي رشيد. كما استهدفت علماء نوويين، مثل رئيس جامعة آزاد الإسلامية مهدي طهرانجي، وفريدون عباسي، وأحمد رضا ذو الفقاري، الذين كانوا محوريين في البرنامج النووي. كما أصيب علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى، بجروح خطيرة.
اعتمدت إسرائيل على استراتيجية تضليل، شملت تسريبات عن خلافات مع واشنطن لخلق شعور زائف بالأمان في طهران. استخدم الموساد تقنيات متقدمة، مثل المراقبة عبر الأقمار الصناعية واختراق أنظمة الاتصالات، إلى جانب هجمات سيبرانية أعطلت الدفاعات الإيرانية. هذه العمليات تكرر نمطا سابقا، حيث اغتالت إسرائيل علماء مثل مسعود علي محمدي في 2010، بهدف إبطاء البرنامج النووي وبث الرعب.
أثارت الاغتيالات غضبا في إيران، مع انتقادات لفشل الدفاعات الجوية. عززت العمليات سردية إسرائيلية حول تفوقها الاستخباراتي، مما أضعف الثقة في النظام الإيراني. لكن محللون يحذرون من أن هذه الضربات قد تدفع قادة جدد أكثر تطرفا لتسريع البرنامج النووي، مما يزيد من مخاطر التصعيد.
القسم الخامس: الحالة الداخلية في إسرائيل
يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة من الذعر مع الهجمات الإيرانية. أغلقت المدارس والأعمال، وتحولت مدن مثل تل أبيب وحيفا إلى مراكز ملاجئ تحت الأرض. تسببت الصواريخ الإيرانية في أضرار بمحطة كهرباء في حيفا والميناء مما عزز شعور الحصار.
أظهرت استطلاعات رأي تأييد 55 في المئة من الإسرائيليين للضربات على إيران، لكن 70 في المئة عبّروا عن قلقهم من حرب طويلة. تفاقمت الانقسامات السياسية، حيث اتهم معارضو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحكومة باستغلال الصراع لتجنب أزمات داخلية، والافلات من قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو.
تأثرت فئات المجتمع بشكل متفاوت. عانى الشباب، الذين يشكلون 30 في المئة من القوى العاملة، من توقف صناعات التكنولوجيا، بينما نظم المتدينون صلوات جماعية، ودعا العلمانيون إلى حوار وطني. شهدت المدن العربية توترات بسبب المواقف المتباينة تجاه الصراع. نفسيا، سجلت منظمات الصحة النفسية زيادة بنسبة 80 في المئة في حالات القلق واضطراب ما بعد الصدمة، خاصة بين الأطفال في الملاجئ. اقتصاديا، انخفض الشيكل بنسبة 5.1 في المئة، وتراجع مؤشر بورصة تل أبيب بنسبة 7 في المئة، مع توقف السياحة، التي تشكل 3.2 في المئة من الناتج المحلي.
القسم السادس: طلبات السفر والقيود الجوية
شهدت إسرائيل ارتفاعا غير مسبوق في طلبات السفر إلى الخارج، حيث تقدم حوالي 350 ألف مواطن بحجوزات طيران خلال الأسبوع الأول من التصعيد، مفضلين وجهات مثل قبرص واليونان. لكن الحكومة فرضت قيودا صارمة، حيث أغلقت المجال الجوي جزئيا في 14 حزيران/ يونيو 2025، وألغت شركة "العال" 85 في المئة من رحلاتها، بينما علقت شركات دولية رحلاتها حتى أيلول/ سبتمبر 2025.
تسببت القيود في خسائر اقتصادية كبيرة، حيث توقفت السياحة وتكبدت شركات الطيران خسائر يومية بـ10 ملايين دولار. أثر إغلاق المجال الجوي على سلاسل التوريد، مما تسبب في نقص الأدوية والمواد الغذائية. نفسيا، عززت القيود شعور المواطنين بفقدان السيطرة، حيث أبلغ 65 في المئة عن شعور باليأس بسبب الحصار، مما زاد من التوتر الاجتماعي.
القسم السابع: التداعيات الجيوسياسية
يستهدف الحوثيون السفن في البحر الأحمر مما يعني إغلاق مضيقي هرمز من اتجاه إيران وباب المندب من اتجاه الحوثيين في اليمن.
دوليا، أدانت الأمم المتحدة الضربات الإسرائيلية، بينما دعمت الولايات المتحدة إسرائيل بإرسال حاملة طائرات في طريقها للشرق الاوسط. اتخذت السعودية والإمارات موقفا حذرا، بينما دعت مصر وقطر إلى التهدئة.
اقتصاديا، ارتفعت أسعار النفط إلى 95 دولارا للبرميل، مما أثر على الاقتصادات الأوروبية. تراجعت أسواق الأسهم الإقليمية بنسبة 5-7 في المئة، مما عزز الحاجة إلى حل دبلوماسي لتجنب كارثة اقتصادية.
وأخيرا
يمثل الصراع الإسرائيلي-الإيراني في نقطة تحول خطيرة، مع تداعيات على حرب غزة والمجتمع الإسرائيلي. أضعفت الضربات الإسرائيلية إيران، لكنها عززت إصرار المقاتلين في غزة نفسيا عبر الرد الإيراني الموجع في قلب تل أبيب وحيفا. كشف الاختراق المخابراتي واغتيال القادة والعلماء عن تفوق استخباراتي إسرائيلي، لكنه قد يدفع إيران لتسريع برنامجها النووي. في إسرائيل، تفاقمت الانقسامات السياسية والضغوط النفسية، مع شعور بالحصار بسبب القيود.
لتجنب حرب شاملة، يجب تكثيف الوساطة الدولية بقيادة الأمم المتحدة، مع دور لدول مثل قطر وتركيا. إعادة إحياء مفاوضات الاتفاق النووي مع ضمانات أمنية ضرورية.