هذا الأمر وحده يلجم الغطرسة الإسرائيلية
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
ذكرّتني المناوشات الحامية بين مقاتلي "حزب الله" ومسلحي الجيش الإسرائيلي على طول الحدود الجنوبية بحرب خطوط التماس بين اللبنانيين، والتي قسّمت بيروت إلى بيروتين، شرقية وغربية، وأدّت إلى خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات على طول جانبي خطوط النار، والتي لم تؤدّ إلى أي خرق لها لا من هذه الجهة ولا من تلك، وأقتصر أذاها على المقاتلين الذين سقطوا على جبهات المتاريس المتقابلة، والتي انتهت في نهاية الأمر إلى معادلة "لا غالب ولا مغلوب"، وإلى وثيقة وطنية كان من أهمّ ما فيها أنها أوقفت الحرب، وأدخلت لبنان في مرحلة سياسية جديدة لم تخلُ من مناوشات غير عسكرية، وإن كان البعض يرى في امتلاك "حزب الله" سلاحًا غير شرعي مخالفة واضحة وتجاوزًا لما ورد في وثيقة اتفاق الطائف لجهة حصرية السلاح بيد القوى الشرعية دون غيرها من قوى الأمر الواقع.
ويلاحظ المراقبون في هذا الإطار أن ما ينتج عن الحرب الدائرة في الجنوب هو المزيد من الشهداء، سواء أكانوا من بين مقاتلي "حزب الله"، الذي يتولى المسؤولية الرئيسية للجبهات على طول الخطّ الأزرق أو من بين المدنيين، الذين يسقطون يوميًا جرّاء الغارات، التي تشنّها مسيرّات العدو، مع ما ينتج عن هذه الاعتداءات من تدمير شامل للقرى الحدودية وإحراق أراضٍ شاسعة من حقول الزيتون وكروم العنب والزراعات الموسمية.
صحيح أن الوضع في شمال إسرائيل، على رغم التكتم الكبير، ليس أفضل مما هو عليه الوضع في جنوب لبنان، إن لم يكن أسوأ. وهذا ما يعترف به بعض سكّان المستوطنات الشمالية، الذين لم يغادروها كحال كثيرين من أهالي القرى الجنوبية، ولكن هذا الوضع المأسوي في المقلب الآخر لم يردع إسرائيل عن مواصلة حرب الابادة ضد فلسطينيي غزة، وقد سقط لهم آلاف الشهداء، ودُمرّت المنازل، ودُكّت المستشفيات والمدارس ومأوي العجزة ودور العبادة.
فإذا ما قيست قيمة الخسائر البشرية والمادية، سواء في قطاع غزة أو في جنوب لبنان، بالنتائج النهائية لهذه الحرب الضروس، فإن ميزان المعادلات القائمة لن تتساوى دفتاه مع ما يمكن أن يسفر عن هذه الحرب من نتائج ميدانية وسياسية. فلا إسرائيل قادرة على كسر حركة "حماس" و"حزب الله" بالقوة الصاروخية، ولا هذا ولا تلك قادرتان أيضًا على أن تلجما الغطرسة الإسرائيلية، أو أن تحدّا من أطماعها التوسعية، إلا في حال نجحت الولايات المتحدة الأميركية في وضع حدّ للحال الهستيرية، التي تطبع حكومة نتنياهو وتصرفاتها، والتي ستؤدّي في نهاية المطاف إلى اعتراف تل أبيب بـ "حلّ الدولتين" في فلسطين، وإلى التسليم بمبدأ تثبيت ترسيم الحدود البرّية مع لبنان بما يضمن حالًا من الاستقرار النسبي، سواء في القطاع أو على الحدود اللبنانية الجنوبية.
وحيال كل هذه المعطيات ثمة رأيان داخل البيئة السياسية اللبنانية: الأول خاص بمحور "الممانعة"، ويقول بأن إسرائيل لا تفهم إلا بلغة النار والحديد، وهي ستضطّر في نهاية الأمر إلى الاعتراف بما حققته حركة "حماس" في القطاع، وما أنجزته "المقاومة الإسلامية" انطلاقًا من الجنوب، وستكون مجبرة نتيجة ما يلحق بها من هزائم على كل المستويات، المادية والمعنوية، على التنازل بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني.
ويضيف أصحاب هذا الرأي أنه لولا تضحيات المقاومين في قطاع غزة وجنوب لبنان لما أمكن التوصّل إلى الأهداف المرجوة، والتي ستتبلور معطياتها في ضوء ما يمكن أن تفرضه واشنطن على تل أبيب من شروط لقبولها بالسير بالتسوية، التي سبق أن طرحها الرئيس الأميركي.
أمّا أصحاب الرأي الآخر المتمثّل بقوى "المعارضة" فيرون أن فتح جبهة الجنوب لمساندة أهالي غزة لم تؤدِّ سوى إلى تدمير القرى الحدودية وخسارة "حزب الله" خيرة شبابه، من دون التوصّل إلى النتائج المتوخاة، وهي تخفيف الضغط العسكري عن غزة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
حزب الله ... والانفتاح المشروط على الحوار
بات مؤكدًا وفق السياسة الاميركية تجاه لبنان أن صدقية الحكومة تعتمد على قدرتها على فرض احتكار الدولة للسلاح، ولا تكفي التصريحات ما دام حزب الله يحتفظ بسلاحه خارج إطار الدولة، ورغم ذلك يعيد حزب الله طرح موقفه من موقع المقاومة في المعادلة الوطنية، عبر تأكيد مزدوج على التمسك بخيارها كقوة دفاع عن لبنان، والانفتاح المشروط على حوار داخلي بشأن الاستراتيجية الدفاعية.ينطلق حزب الله في مقاربته من اعتبار أن ما يهدد لبنان يتجاوز الانقسامات الداخلية إلى مشروع خارجي واسع يستهدف الكيان والصيغة اللبنانية. فبحسب قراءته، يتعرض لبنان لضغوط دولية تهدف إلى إخضاعه أو إعادة دمجه في صراعات إقليمية، وسط دعوات متكررة إلى نزع سلاحه أو فرض وصايات جديدة عليه. في هذا السياق، يطرح الحزب أن التمسك بالسلاح شمال الليطاني ليس مجرد خيار حزبي أو فئوي، بل ضرورة وطنية ووجودية لحماية لبنان من مشاريع التقسيم والتدويل، مع تشديده أيضا على أن طرح ملف السلاح قد يؤدي إلى ترك الشعب مكشوفا أمام أي عدوان، في ظل غياب ضمانات حقيقية لردع إسرائيل التي لم تلتزم بالاتفاقات.
وفي وجه الأصوات المطالبة بحصرية السلاح بيد الدولة، يقدم حزب الله مقاربة تفصيلية، يميز فيها بين سلاحه الذي كان هدفه الاساس مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وصد الاعتداءات، وبين السلاح المتفلت الذي يشكل تهديداً فعلياً للأمن الداخلي. ووفق هذا المنطق، فإن الدعوة إلى ضبط السلاح يجب أن تستهدف أولاً السلاح غير الشرعي الذي ينتشر بين المجموعات الخارجة عن القانون أو يستخدم في النزاعات المناطقية والطائفية أو سلاح المخيمات. أما المقاومة، فيرى الحزب أنها جزء لا يتجزأ من معادلة الأمن القومي.
في المقابل، لا يغلق حزب الله باب الحوار، بل يعرب عن استعداده للدخول في نقاش وطني حول الاستراتيجية الدفاعية الشاملة، شرط أن يتم هذا الحوار انطلاقا من الاعتراف بدوره في حماية لبنان. بهذا، يسعى الحزب إلى تثبيت موقفه كجزء من منظومة الدفاع الوطني، لا كجسم معزول أو خارجي عنها. وهو يرفض في الوقت نفسه أي محاولة لعملها تحت شعار الحصرية، معتبراً أن مثل هذا الطرح يخدم، بشكل مباشر أو غير مباشر، المشاريع التي تستهدف لبنان من الخارج.
وهنا يبرز التباين مع القوات اللبنانية كواحد من أوضح وجوه الانقسام الوطني حول هذا الملف. فالقوات تتبنى موقفا مبدئيا يدعو إلى حصرية السلاح بيد الدولة فقط، وتعتبر سلاح حزب الله تعديا مباشرا على السيادة وتفريغا لمفهوم الدولة من مضمونها. وفي نظرها، لم يعد لسلاح الحزب أي مبرر منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2000، بل تحول إلى أداة إقليمية استخدم في سياقات تجاوزت لبنان، وخدمت مصالح إيران أكثر مما خدمت الأمن اللبناني.
وتطالب القوات بأن تكون الاستراتيجية الدفاعية مدخلاً لتوحيد القرار العسكري والأمني تحت سلطة الجيش من دون شراكة أو ازدواجية. من هذا المنظور، فإن كل تسوية تبقي على سلاح الحزب، تعد في نظرها تنازلاً عن السيادة الوطنية ومصدراً دائماً للاختلال الداخلي والتدخلات الخارجية.
في خطابه السياسي، يحمل حزب الله مسؤولية تأزيم الواقع اللبناني إلى من يتبنون خطاب التخوين والكراهية، ويرى أن ضرب الوحدة الوطنية هو أكبر خدمة تقدم لإسرائيل وللمشروع الأميركي في المنطقة. ولذلك يدعو إلى العودة إلى مفهوم الوحدة في وجه الخطر، وهي المعادلة التي لطالما أكد عليها منذ ما بعد عام 2006.
من جهة أخرى، يلاحظ مصدر سياسي وسطي أن الحزب يستخدم خطابا سياديا في الشكل، لكنه يخفي خلفه رغبة في إعادة تثبيت المعادلة الثلاثية كصيغة دفاعية دائمة،علما أن هذه المعادلة بالنسبة للبنان الرسمي أصبحت من الماضي ولا يمكن إعادة تبنيها، ولذلك فإن خطاب الحزب، وإن حمل في طياته دعوة إلى الحوار، يبقى منضبطا ضمن حدود لا تسمح بالتخلي عن جوهر السلاح أو استقلالية قراره، ما يعكس حذرا سياسيا من مواقفه.
من هنا، تبدو الحاجة ملحة إلى رؤية سياسية تقوم على التدرج في بناء الثقة، وإعادة تعريف الأدوار ضمن إطار وطني جامع. وهذا لا يتحقق، بحسب مصدر سياسي بارز، إلا من خلال حوار جدي، مسؤول ومحصن عن الاستغلال الإقليمي والدولي، تشارك فيه القوى السياسية الرئيسية، ويقوم على مبادئ ثلاثة وهي: الاعتراف المتبادل بالمخاوف والحقوق، بدلاً من تخوين الخصم أو تسفيه روايته، ربط السلاح بالشرعية الوطنية تدريجياً ضمن آلية واضحة متفق عليها وترتكز على حماية لبنان بعيدا عن محاور الخارج، تحصين الجيش اللبناني سياسياً وتسليحياً ليكون المرجعية النهائية في الدفاع، مع صيغة تفاهم مرحلية تراعي الواقع ولا تتجاهله.
المصدر: خاص لبنان24 مواضيع ذات صلة بو صعب: موضوع سلاح حزب الله على الطاولة وجزء أساسي من الحوار Lebanon 24 بو صعب: موضوع سلاح حزب الله على الطاولة وجزء أساسي من الحوار