مجزرة النصيرات وترميم ذاكرتنا وتاريخنا
تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT
التطورات التي سبقت مجزرة النصيرات في غزة، المتمثلة بمبادرة للرئيس بايدن بشأن إتمام صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة والاختلال وربط بحثها بجولة جديدة لوزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن إلى المنطقة، تخللها تضليل إسرائيلي مستمر للتغطية على جرائم الحرب وضد الإنسانية والتطهير العرقي في غزة. فسقوط 300 شهيد في مجزرة النصيرات مع مئات الجرحى، لتنفيذ عملية تحرير أربعة محتجزين إسرائيليين من قبضة المقاومة، بعد ثمانية أشهر من الفشل الإسرائيلي في تحقيق معظم أهداف العدوان على قطاع غزة، وفشل حكومة نتنياهو ومجلس حربه في تسجيل صورة نصر واحدة، ما هو إلا تراكم المذابح التي يتغاضى عنها المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية المتواطئة مع كل ما يجري.
كل ذلك لم يكن يبشر بالخير، ولا بإمكانية الحديث عن أية بارقة أمل إيجابية تضغط لوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة، فالأحداث التي سبقت آخر جريمة إبادة في النصيرات، هي مذابح جماعية وجرائم حرب وضد الإنسانية وتطهير عرقي، لكن الموقف الأمريكي منها يقطع الشك باليقين بأن التحالف الأمريكي مع المؤسسة الصهيونية ومشروعها الاستعماري؛ يدفع بإسرائيل لمزيد من الصلف والغرور والتشدد بالمضي نحو توسيع جرائم الإبادة الجماعية في غزة، وأن الإدارة الأمريكية المتورطة بشكل مباشر بمجزرة النصيرات وببقية المجازر في غزة منذ ثمانية أشهر؛ ليست بوارد الضغط على حليفتها، ولا حتى الخروج عن الصيغ الصهيونية المقترحة لغزة خصوصا وللقضية الفلسطينية بشكل عام.
فاللقاءات المتكررة بين الوزير بلينكن مع مضيفيه الإسرائيليين ودول المنطقة "الوسيطة" في صفقة وقف إطلاق النار؛ لم تؤد لشيء يذكر بما يخص وقف المجازر وإنهاء معاناة السكان المدنيين، ولا تحقيق أي مطلب دولي يدعو إسرائيل لوقف العدوان، ولا تنفيذ أي مذكرات اعتقال بعد اتهام إسرائيل بجرائم الحرب والإبادة الجماعية من قبل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
حاولت إسرائيل لساعات عقب ارتكابها مجزرة النصيرات، التلاعب بورقة إنجاز تحرير الرهائن الأربعة، وتضخيم صورة العملية وتصويرها بالإنجاز الضخم الذي يغطي على المجزرة، والإيحاء بأن التماسك الصهيوني الذي يقوده نتنياهو في مجلس حربه سيستمر للنهاية، من خلال تأجيل بيني غانتس لاستقالته من مجلس الحرب ثم إعلانها في اليوم التالي مع غادي آيزنكوت، وهو ما لخصه أمس يوسي فرتر، محرر الشؤون السياسية في صحيفة "هآرتس "العبرية، في تشبيهه اليأس الصهيوني من تحقيق أي نصر حين قال: "حتى لو ارتدى بنيامين نتنياهو بذلته العسكرية والتقط الصور مع الأسرى الأربعة فهذا لا يخرج إسرائيل من وحل مأزقها في غزة".
فبعد أكثر من ثمانية أشهر وبمشاركة استخبارية بريطانية ولوجستية أمريكية؛ الإنجاز يكون تحرير أربعة أسرى وارتكاب مذبحة يقتل فيها مئات المدنيين وتباد حواضرهم، ثم تكشف المقاومة أن الاحتلال قتل ثلاثة من أسراه في العملية ذاتها، فهذا ليس إنجازا لجيوش ثلاث دول "عظمى"، بل هذا تعبير مباشر عن تجسيد مفهوم الإبادة الجماعية التي يستند إليها العقل الصهيوني والغربي والأمريكي المتباكي على فرص السلام الضائعة. ومن الملاحظ أن أكثر من مسؤول أمريكي وغربي أبدوا الحبور والسعادة لعملية النصيرات من وجهة النظر الصهيونية لتحرير الرهائن، دون الالتفات للضحايا الفلسطينيين.
وبالعودة لزيارة الوزير الأمريكي بلينكن للمنطقة لبحث ما يسمى مبادرة الرئيس بايدن لوقف إطلاق النار في غزة وانجاز صفقة مع المقاومة، هناك أسئلة تنطلق من قاعدة اليأس من أدوار عربية فاعلة لمنع الإبادة الجماعية في غزة، خصوصا أن البيئة السياسية الإسرائيلية اليوم تتمحور حول فاشية واضحة في غزة وفي الضفة والقدس. وعلى ضوء موت المواقف العربية واحتضار الباقي منها أمام مشهد العدوان الواسع وجرائم الإبادة الجماعية، هناك حاجة لوقف التدهور المرعب لموقف النظام الرسمي العربي، وقد حان وقت فتح صندوق الإمكانيات الذاتية المغلقة على تاريخ وحضارة وإمكانيات، وسد فجوة نزيفها في فوضى خيارات بائسة ويائسة من قضيتها المركزية.
والتاريخ لا يرحم، ومفارقاته الحزينة والمؤلمة في فلسطين توحي بانهيار الصورة النموذجية "للتطبيع والسلام" وسقوط أقنعة التزييف الغربي والأمريكي في مجزرة النصيرات وفي كل جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين، تدعو العرب للعودة للتاريخ؛ لا الخروج منه لترميم ذاتنا وذاكرتنا التي يحاول البعض سوقها لساحة الإعدام بمحاولة فصل رأس القضية عن جسدها العربي والإنساني.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المجازر الفلسطينية الاحتلال فلسطين غزة الاحتلال مجازر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جرائم الإبادة الجماعیة الإبادة الجماعیة فی مجزرة النصیرات فی غزة
إقرأ أيضاً:
الفصائل الفلسطينية تطالب بوقف الإبادة والتجويع بغزة
غزة - صفا
تابعت الفصائل الفلسطينية، مجريات المؤتمر الدولي رفيع المستوى للأمم المتحدة، الذي اختُتم مؤخراً في نيويورك، والذي جاء في مرحلةٍ خطيرةٍ وحساسة من تاريخ شعبنا، حيث يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب حرب إبادة في قطاع غزة، ويمارس واحدة من أبشع عمليات التجويع في تاريخ البشرية، في وقت تطالب فيه المحكمة الجنائية الدولية بمثول قادته لمساءلتهم ومحاكمتهم، وسط صمت دولي مطبق.
وقالت الفصائل، في بيان وصل وكالة "صفا"، يوم الخميس، إن المؤتمر نتج عنه إعلانٍ سياسي، حاملاً مضامين مهمة تتعلق بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة.
وأضافت الفصائل: "نحيي صمود شعبنا في غزة، الذي يواجه بصبرٍ وثباتٍ واحدةً من أبشع الحروب التي عرفها العصر الحديث، حرب الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج التي يشنها الاحتلال بلا هوادة".
وشددت على أن هذا الصمود العظيم، في وجه آلة القتل والدمار، يشكّل الركيزة الأساسية التي أفشلت أهداف العدوان، ورسّخت حق شعبنا في الحياة والمقاومة.
وأشادت بالدور البطولي الذي تؤديه المقاومة في الدفاع عن شعبنا، وتثبيت إرادته الوطنية في ظل حربٍ غير متكافئة وظروف إنسانية كارثية.
وأكدت الفصائل، أن أيّ جهدٍ يُبذل على المستوى الدولي لإسناد شعبنا الفلسطيني وحقوقه المشروعة هو محلّ تقدير وترحيب، ويُعدّ ثمرةً طبيعية لتضحيات وصمود شعبنا على مدار 77 عاماً منذ النكبة، ونتيجةً مباشرةً لما أحدثته الحرب الإسرائيلية المدمّرة من اتساعٍ في دائرة التضامن الدولي مع شعبنا، وما شكّله ذلك من ضغطٍ متزايد على المجتمع الدولي.
وذكرت الفصائل، أن شعبنا يطالب باعترافٍ دولي غير مشروط بدولته المستقلة وحقوقه الوطنية الثابتة، باعتبارها استحقاقًا سياسيًا وعدالة تاريخية لا يجوز التفاوض عليها أو تأجيلها.
وأوضحت أن الطريق إلى الحل تبدأ أولاً بوقف هذا العدوان الفاشي على شعبنا، ووقف جريمة الإبادة الجماعية وسياسة التجويع الممنهجة التي تمارسها قوات الاحتلال.
وتابعت: "المقاومة الفلسطينية تؤكد استعدادها لحل قضية الأسرى لديها ضمن سياق اتفاق لوقف إطلاق النار، وانسحابٍ كاملٍ لقوات الاحتلال من غزة، وفتح المعابر، والشروع الفوري في إعادة الإعمار".
كما أكدت الفصائل، ضرورة الذهاب إلى مسارٍ سياسي جادّ، برعايةٍ دوليةٍ وعربية، يؤدي إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق تطلعات شعبنا في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس.
وشددت على أن وقف حرب الإبادة والتجويع بحق شعبنا في غزة هو واجب إنساني وأخلاقي لا يقبل التأجيل أو المقايضة، ويجب أن يتم فوراً دون ربطه بأي ملفاتٍ سياسية كحق شعبنا في دولته أو حل قضية الأسرى، إذ لا يجوز أن يُساوَم شعبنا على حقه في الحياة.
وأشارت إلى أن الاحتلال هو المصدر الرئيس للإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة، وما يرتكبه من إبادةٍ جماعية وتجويع ممنهج في غزة يرسّخ طبيعته الإجرامية.
وأردفت: "وبناءً على ذلك، فإن المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها هي ردّ فعل طبيعي ومشروع على هذا الاحتلال، وهي حقٌ أصيل كفلته القوانين الدولية والشرائع السماوية، وأكدته المؤسسات والهيئات الدولية التي اطّلعت على الجرائم المرتكبة بحق شعبنا".
وشددت على أن هذه المقاومة لن تتوقف إلا بزوال الاحتلال، وتحقيق أهداف شعبنا في التحرير، وعودة اللاجئين، وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، حيث يرتبط سلاح المقاومة جوهرياً بهذا المشروع الوطني العادل.
ولفتت الفصائل، إلى أن المشهد الفلسطيني هو شأن الداخلي لأبناء شعبنا في الوطن والشتات.
ودعت إلى تنفيذ الاتفاقات الوطنية السابقة المُوقّعة في القاهرة والجزائر وموسكو وبكين، والتي أكدت جميعها ضرورة إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، بما يشمل إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ويعزز موقعها القانوني والتمثيلي للكلّ الفلسطيني، إلى جانب إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني في الداخل والخارج، على أسسٍ وطنية وديمقراطية، ومن دون أي اشتراطات مسبقة.
وأكدت الفصائل، أنّ اليوم التالي لانتهاء العدوان الإسرائيلي هو يومٌ فلسطيني بامتياز، يجب أن تتضافر فيه جهود ومكونات شعبنا كافة –الوطنية والسياسية والشعبية– جنباً إلى جنب مع جهود البناء والإعمار، لاستعادة وحدتنا الوطنية، وترسيخ شراكة حقيقية تليق بتضحيات شعبنا وصموده الأسطوري.
وبيّنت أن الحديث عن دمج الكيان الإسرائيلي في المنطقة هو مكافأة للعدو على جرائمه، ومحاولةٍ بائسة لإطالة بقائه على أرضنا المسلوبة؛ فلقد أثبتت التطورات الراهنة، خصوصاً خلال الشهور الأخيرة، أن هذا الكيان هو مصدرٌ رئيسي لعدم الاستقرار والشرور والإرهاب، ليس فقط في منطقتنا، بل على مستوى العالم بأسره.
وختمت الفصائل بيانها قائلة: "شعبنا الفلسطيني كغيره من شعوب العالم التي وقعت تحت نير الاحتلال والاستعمار، سينال حريته واستقلاله، مهما طال الزمن وكبرت التحديات، مستنداً إلى عدالة قضيته، وصمود ومقاومة أبنائه، ووقوف كل أحرار العالم إلى جانبه في نضاله المشروع من أجل التحرّر والعودة والاستقلال".