سر الأعداد في ذكر الله سبحانه وتعالى واحد من المسائل التي تشغل ذهن الكثيرين، خاصة حكم من زاد أو نقص عن العدد المجرب لبعض الصالحين أو ثبت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأمين. 

سر الأعداد في ذكر الله سبحانه وتعالى

يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء في بيانه سر الأعداد في ذكر الله سبحانه وتعالى، إن الحاصل أننا مع ذكر لا إله إلا الله، نتذكر النفي الذي يدل على العدم, ونتذكر النفي الذي يدل على التخلية - تخلية القلب - وننقيه من كل قبيح، ونتذكر النفي الذي يدل على انتفاء النفس في مقابلة الله؛ لأن الله هو الباقي وأنا فانٍ, كل هذه المعاني أتذكرها عند قولي: ( لا إله )؛ لأنني أنفي وأعدم وأخلي قلبي ونفسي وكياني مما سوى الله من العالم.

وتابع: ثم يأتي الإثبات الدال على الوجود، وعلى التحلية، كأنني أقول: ( لا إله ) في قلبي، ثم إني بعد ذلك أستحضر الله في قلبي .. أو: ( لا إله ) في قلبي أي أنني خليته من هذا .. أو: ( لا إله ) في نفسي لأنني خليت نفسي من هذا .. فـ( لا إله ) تدل على العدم الذي كان قبل الخلق فخلق الله ، وتدل على العدم الذي يتلو الخلق بأمر الله، مبينا كل هذا النفي يذكرني بهذه المعاني، ثم بعد ذلك يأتي الإثبات، يأتي التحقق وتأتي التحلية .. يأتي ملء القلب بهذه الأنوار الربانية، والمنح الصمدانية، التي تنير للمؤمن طريقه مع الله - سبحانه وتعالى - ، فكانوا يجعلونها ثلاثين ألفاً، لكنهم لما وجدوا الناس قد انشغلوا جعلوها مائة ألف وزيادة، هذه المائة ترقق قلب الإنسان للذكر، ثم نحن نذكر على قدر الفاقة، نذكر كل يوم خمسمائة، أو ألفا، أو ألفين، أو ثلاثة، أو عشرة، على قدر ما يستطيع الإنسان وحسب ظروفه، فلو ذكرت كل يوم خمسمائة فإنك تنتهي منها في مائتي يوم، وهو ما يعدل ثمانية شهور.

فضل ذكر الله في الصباح .. فوائد عظيمة لا تتركها ذكر يعادل قيام الليل .. 14 كلمة أوصى بها النبي

وأكمل: ولو ذكرت خمسة آلاف مرة في اليوم ستنتهي في عشرين يوما, إذاً هذا حسب الطاقة، إنما أنا أحضر السبحة التي لها عداد - حتى لا ينشغل قلبي بالعدد - ثم أبدأ في الذكر ( لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله ) متتالية حتى أتم المائة.

وبين أن هذه عبادة، فينبغي أن تكون بهدوء وبتدبر، وليس بجريان اللسان مع السهو، وعدم الالتفات والتركيز، لكن حتى لو وقع كذلك، ولو كان بمحض اللسان أيضا فإننا نستمر في الذكر؛ لأن ذكر اللسان عليه ثواب حتى لو انشغل القلب، فما بالكم لو أن القلب لم ينشغل ؟! فأنت توفر بالحضور مراحل كثيرة من حياتك.

وشدد على أن الذكر بأعداد معينة كالمفتاح إذا زدت عليه أو انقصت منه فلن يفتح، يقول الإمام علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه : ما كان الله ليفتح باب الشكر ويخزن باب المزيد، وما كان الله ليفتح باب الدعاء ويخزن باب الإِجابة، وما كان الله ليفتح باب التوبة ويخزن باب المغفرة. أتلو عليكم من كتاب الله. قال الله تعالى: {ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، وقال: {لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ} ، وقال: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }، وقال: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا }.

سر الأعداد في ذكر الله سبحانه وتعالى

وأردف: ورد الحث على الذكر في كتاب الله وسنة النبي ﷺ، فمن القرآن قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) ، ويقول رسول الله ﷺ نصيحة عامة: «لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله». (أحمد والترمذي وابن ماجة)، وكان شأن المسلمين في الذكر الاهتمام بما سموه بـ«الباقيات الصالحات» وهي كلمات علمها لنا رسول الله ﷺ لنواجه بها الحياة كلها وهي «سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله» (وهذه الخمسة سموها الباقيات الصالحات ، لأنها هي التي تبقى للإنسان بعد رحيله من هذا الدكان، فبعد رحيل السكان من الدكان، تبقى الباقيات الصالحات، نورًا في القبر، وضياءً يوم القيامة، وذكرًا في الملأ الأعلى)، هذه الكلمات الخمس جزء من حضارة الإسلام، يُبنى عليها الإنسان المسلم وتكون أساس عقيدته وهويته، فلكل منها فائدة ودور في بناء فكره ومنهجه الحضاري.

فنواجه بـ«سبحان الله» كل عجيب، فالدنيا مليئة بالعجائب، منها عجائب ناجمة عن قدرة الله في الكون، أو في أفعال العباد، وهي كلمة نقولها ننزه الله بها عن كل نقص ونصفه بكل كمال مطلق، كل هذا في كلمة واحدة في أوائل أوقاتنا وأواخرها قال تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم:17] وكذلك بعد الانتهاء من أفضل العبادات وهي الصلاة، فشرع لنا نبينا ﷺ أن ننزه الله سبحانه ونقول: «سبحان الله» ثلاثاً وثلاثين مرة، فـ«سبحان الله» أحد مكونات الذكر الجامع الذي استنبطه أهل الله من أحاديث رسول الله ﷺ.

«الحمد لله»: وهي تعني الثناء على الله لكمال صفاته وعلو شأنه سبحانه وتعالى، فهي تعبر عن شكر الله على نعمته، وتعبر كذلك عن الثناء على الله لغير نعمة، بل لجميل صفاته، فيحمد الله على عظمته وجلاله كما يحمد على إحسانه وإكرامه قال تعالى: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ) [الروم:18].

والكلمة الثالثة هي «لا إله إلا الله» وهذه الكلمة تعد الميثاق بينك وبين الله، وبها دخلت دين الله عز وجل، وهي تعني أنه لا يستحق أن يعبد إلا الله سبحانه وتعالى، فلا حق لأحد في الخلق مهما عظم أن يُعبد، ويُتوجه إليه، وفي الحقيقة بقولك هذه الكلمة تدخل الإسلام، وبترديدها ينجلي قلب المؤمن ويزداد إيماناً.

أفضل ما يقال بعد صلاة الفجر.. هل الذكر أم قراءة القرآن؟ من جوالب حسن الخاتمة .. واظب على هذا الذكر ولو مرة كل يوم

وهذه الكلمة تعني أن نعبد الله لأنه ليس لنا إله غيره سبحانه، وبهذا أرسل الله جميع الرسل قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]، وهي أفضل كلمة قالها أنبياء الله جميعهم عليهم السلام بمن فيهم نبينا المصطفى ﷺ حيث قال: «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له» (مالك في الموطأ، والترمذي في سننه) وهي كلمة تشتمل على أمرين، الأمر الأول: ألا نتوجه بالعبادة والقصد لغير الله، والأمر الثاني: أن نتوجه بالعبادة والقصد لله ولا نقف على المعنى السلبي فحسب، فإن تركك عبادة غير الله لا يكفي، بل ينبغي أن تعبد الله فعلاً بإقامة الفروض والمحافظة عليها، وكذا فعل المندوبات وهذا هو الجانب الإيجابي في التوحيد، وهو عبادة الله عز وجل.

أما الكلمة الرابعة فهي «الله أكبر»، ويستفاد من هذه الكلمة أنه ينبغي أن يكون الله هو أكبر شيء في حياة الإنسان، وأن القضية الأولى لديه هي «رضا الله» فالله، ورضاه أكبر من أي شيء، ولذلك يفتتح الإنسان بها صلاته مذكّراً نفسه بأنه لا ينبغي أن يشغله شيء عن ذكر الله، فإن الله أكبر من أي شيء يشغله، ويجدد العهد في الصلاة كلما انتقل من ركن إلى ركن داخل الصلاة دائماً يقول لنفسه: الله أكبر، من الدنيا وما فيها، فلا ينبغي أن ينشغل بالأصغر عن الأكبر.

والكلمة الخامسة هي «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وتعني أنه لا يحول ولا يمنع بينك وبين كل ضر إلا الله، كما أنه لا تصلك ولا يصل أحداً خير إلا بقوة الله، فبقوة الله وحده تحدث الأشياء، وبحول الله وحده تمتنع الأشياء عن الحدوث، لأنه في الحقيقة لا حول ولا قوة لأحد في هذا الكون إلا بالله سبحانه وتعالى، وهذه الكلمة لما فيها من حقائق عالية ومعان غالية كانت كنزاً من كنوز الجنة.

وشدد: تلك الكلمات الخمس من الكلمات العشر هي التي قال عنها العلماء «الباقيات الصالحات» والتي ذكرها الله في كتابه حيث قال: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف:46]، وقال سبحانه: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً) [مريم:76]، وقال النبي ﷺ: «استكثروا من الباقيات الصالحات. قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الملة. قيل: وما هي؟ قال: التكبير، والتهليل، والتسبيح، والتحميد، ولا حول ولا قوة إلا بالله» (أخرجه الحاكم في المستدرك).

واختتم: هذه هي الباقيات الصالحات التي ينبغي للمسلم أن يذكر الله بها دائماً، وتخالط معانيها قلبه، ويواجه بها دنياه، ويتعامل بها مع من حوله، كما ينبغي أن تظهر في سلوكه حتى تكون منهج حياة يظهر حقيقة الإسلام والمسلمين، ويعود للإسلام مجده الحضاري والأخلاقي.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ذكر رسول الله الله أکبر ینبغی أن الله فی أنه لا

إقرأ أيضاً:

ما حكم الوضوء بماء المطر وفضله؟.. الإفتاء توضح

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: حينما ينزل المطر أحرص على أن أتوضأ منه، فما حكم الوضوء من هذا الماء؟ وهل لهذا الماء فضيلة؟.

وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: ماء المطر ماءٌ مطلق يجوز الوضوء به ما لم يختلط بشيء يغيّره تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليه، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن له فضلًا عظيمًا، فقد وصف في القرآن بالرحمة والبركة والطهورية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَتَعرَّض له عند أول نزوله رجاء بركته، وصورة التعرض المستحب ملاقاة المطر البدن مباشرة أثناء نزوله.

هل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيبهل تقبل صلاة الجمعة في البيت بسبب المطر الشديد؟.. الإفتاء تردحكم إسناد سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء.. الإفتاء تجيبحكم الصلاة في المنزل أثناء الأمطار الشديدة.. دار الإفتاء توضح

حكم الوضوء بماء المطر
من المقرر شرعًا أنَّ الطهارة لا تكون إلَّا بالماء الطهور المطلق، وهو الباقي على أصْلِ خلقته؛ إذ الماء المطلق طاهرٌ في نفسه مُطهِّرٌ لغيره، وهو الذي يُطلق عليه اسم الماء بلا قيدٍ أو إضافة، ومن الماء المطلق: ماء البحار، والأنهار، والعيون، والآبار، وماء المطر، كما في "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني الشافعي (1/ 116، ط. دار الكتب العلمية).

ولا خلاف بين العلماء في أن مياه الأمطار من الماء المطلق، والتي يجوز الطهارة بها، ما لم تختلط بشيء يغيّرها تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليها، كأن تختلط بماء ورد أو مسك، والأصل في جواز الوضوء بماء المطر قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48].

قال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (13/ 41، ط. دار الكتب المصرية): [المياه المنزلة من السماء والمودعة في الأرض طاهرة مطهرة على اختلاف ألوانها وطُعومها وأرياحها حتى يخالطها غيرها] اهـ.

وقال الإمام البغوي في" تفسيره" (3/ 448، ط. إحياء التراث): [﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ والطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره] اهـ.

وقال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 83، ط. دار الكتب العلمية): [الماء المطلق، ولا خلاف في أنه يحصل به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعًا؛ لأن الله تعالى سمى الماء طهورًا بقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وكذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه»، والطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره] اهـ.

وقال الإمام ابن رشد الجد المالكي في "المقدمات الممهدات" (1/ 85-86، ط. دار الغرب الإسلامي): [فالأصل في المياه كلها الطهارة والتطهير، ماء السماء وماء البحر وماء الأنهار وماء العيون وماء الآبار، عذبة كانت أو مالحة] اهـ.

وقال الإمام الرملي في "نهاية المحتاج" (1/ 60، ط. دار الفكر): [قال: (قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48] أي: مطهرًا، ويُعبر عنه بالمطلق، وعدل عن قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11] وإن قيل بأصرحيتها؛ ليفيد بذلك أن الطهور غير الطاهر، إذ قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الفرقان: 48] دل على كونه طاهرًا؛ لأن الآية سيقت في معرض الامتنان وهو سبحانه لا يمتن بنجس] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الزركشي الحنبلي في شرحه على "مختصر الخرقي" (1/ 115، ط. دار العبيكان): [كل طهارة -سواء كانت طهارة حدث أو خبث- تحصل بكل ماء هذه صفته سواء نزل من السماء، أو نبع من الأرض على أي صفة خلق عليها، من بياض وصفرة، وسواد، وحرارة وبرودة، إلى غير ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾] اهـ.

فضل ماء المطر
أما عن فضيلة هذا الماء فتظهر من وصف الله تعالى له بأوصاف متعددة في مواطن كثيرة من القرآن، حيث جاء وصفه مرة بأنه رحمة، ومرة بأنه طهور، ومرة بأنه مباركٌ، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ [ق: 9]، وقال جل شأنه: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وقال تعاظمت أسماؤه: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: 28]، والرحمة المقصودة في هذه الآية هي البركة الناتجة عن المطر، كما قال الإمام النسفي في تفسيره "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 255، ط. دار الكلم الطيب): [﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾: أي بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب] اهـ.

ولذا كان من السنة التعرض للمطر، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يَتَعرَّض له بجسده الشريف، ولما سُئل عن ذلك قال: إنه -أي: ماء المطر- حديث عهد بربه، فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى» رواه مسلم.

فأفاد استحباب التعرض للمطر عند نزوله، قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (6/ 195-196، ط. دار إحياء التراث): [معنى "حسر": كشف، أي: كشف بعض بدنه، ومعنى حديث عهد بربه، أي: بتكوين ربه إياه، ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها، وفي هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر] اهـ.

وعلى هذا النهج سار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فكانوا يتعرضون للمطر؛ لينالوا من بركته، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْمَطَرَ خَلَعَ ثِيَابَهُ وَجَلَسَ، وَيَقُولُ: «حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْعَرْشِ» رواه ابن أبي شيبة.


وأوضحت بناءً على ذلك: أن ماء المطر ماءٌ مطلق يجوز الوضوء به ما لم يختلط بشيء يغيّره تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليه، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن له فضلًا عظيمًا، فقد وصف في القرآن بالرحمة والبركة والطهورية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَتَعرَّض له عند أول نزوله رجاء بركته، وصورة التعرض المستحب ملاقاة المطر البدن مباشرة أثناء هطوله.

طباعة شارك الوضوء المطر حكم الوضوء بماء المطر القرآن فضل ماء المطر ماء المطر

مقالات مشابهة

  • اعتقاد خاطئ عن آية وأما بنعمة ربك فحدث
  • علي جمعة: صلاح القلب مفتاح صلاح العمل وحسن العلاقة مع الله
  • هل تحدث علامات الساعة كلها في يوم واحد؟.. علي جمعة يرد بمفاجأة
  • ما سر قل أعوذ برب الفلق؟.. علي جمعة: تحصنك من 8 شرور مهلكة
  • ما حكم الوضوء بماء المطر وفضله؟.. الإفتاء توضح
  • فتاوى | حكم إسناد سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء .. الإفتاء تجيب .. لو عاوز تحلم بحد مات تعمل إيه؟ داعية إسلامى يوضح الطريقة .. كيف نطفئ نيران ذنوبنا؟ اتبع هذا العلاج النبوي
  • لو عاوز تحلم بحد مات تعمل إيه؟.. داعية إسلامى يوضح الطريقة
  • علي جمعة يوضح الفرق بين القلب والفؤاد..فتعرف عليه
  • علي جمعة: قيام الليل مفتاح السكينة والتقوى في زمن الفتن
  • أتكاسل عن صلاة الفجر لشدة البرد فهل على إثم؟.. علي جمعة يجيب