دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أصبح قماش "مِدراس" مرادفًا للفخامة الأمريكية. 

واستُخدِم القماش القطني المنقوش والملون من قِبَل علامات تجارية مثل "رالف لورين" و"بروكس براذرز" لعقود، مع تزيينه للفساتين، والقمصان، والسراويل القصيرة الصيفية الخفيفة التي يتم ارتداؤها في النوادي الريفية، أو أثناء العطلات في جزر البهاما.

ويتمتع هذا العنصر الأساسي في الموضة الأمريكية بأصول متواضعة، إذ يأتي من مدينة تشيناي الهندية.

وأخذ القماش اسمه من المدينة أيضًا، حيث كانت تشيناي تُعرف باسم مِدراس في ظل الاستعمار البريطاني.

صورة للممثل فنسنت كارثيزر (الثاني من جهة اليمين) أثناء ارتداء سترة مصنوعة من قماش "مِدراس" في إحدى حلقات مسلسل "Mad Men" من عام 2012. Credit: AMC/Everett Collection

كان هذا القماش يرتديه في الأصل عمال هنود، وكاد أن يثير فضيحة مؤسسية لمستورد المنسوجات الأمريكي ويليام جاكوبسون في عام 1958 بسبب تداخل الألوان واختلاطها عند تنظيفه بمنظف قوي في الغسالات عالية الطاقة.

وفي مقابلةٍ عبر الفيديو مع CNN، قالت مؤلفة كتاب "Capture the Dream: The Many Lives of Captain C.P. Krishnan Nair"، باتشي كاركاريا: "شكل تداخل الألوان مع بعضها البعض بعد كل غسلة أمرًا مذهلاً. ولم يتم الأمر بشكلٍ سيئ، بل اختلطت الألوان بطريقة تصميمية للغاية". 

وأضافت: "هذا ما جذب جاكوبسون بالتأكيد".

والكتاب عبارة عن سيرة ذاتية لتاجر الأنسجة الهندي، وصاحب الفنادق، كريشنان ناير، الذي باع جاكوبسون قماش "مِدراس" لأول مرة.

وفي كتابها، سردت كاركاريا قصة لقاء جاكوبسون وناير.

وبحلول خمسينيات القرن العشرين، شكل القماش نجاحًا كبيرًا في غرب إفريقيا، حيث استُخدِم لصنع فساتين مبهجة لحفلات الزفاف، والاحتفالات الأخرى.

ميزة جذابة طلاب يرتدون سترات مصنوعة من قماش "مِدراس" في حرم أكاديمية ميلتون في أمريكا بعام 1966. Credit: Leonard McCombe/The LIFE Picture Collection/Shutterstock

كانت الميزة الأكثر إثارة، والتي عرضها ناير على جاكوبسون، وفقًا لما ذكرته كاركاريا، هي تداخل الألوان مع كل غسلة، ما يخلق نوعًا جديدًا من الأنماط المربعة.

وأبرم الثنائي صفقة بقيمة دولار لليارد الواحد (حوالي 10 دولارات لكل ياردة بقيمة اليوم)، مع إرسال شحنة فورية بلغت 10 آلاف ياردة جمعتها بالكامل علامة "بروكس براذرز"، التي حولت القماش إلى سترات، وقمصان، وسراويل رياضية قصيرة.

وبسبب حماسه، نسي جاكوبسون أن يخبر علامة "بروكس براذرز" أنّ لون القماش سيتداخل، بحسب ما أوضحته المؤلفة.

وعندما فشلت العلامة التجارية في تزويد المشترين بتعليمات العناية المناسبة، بدأت الشكاوى والدعاوى القضائية بالظهور.

وتم استدعاء أحد "رجال ماد" الأصليين في مدينة نيويورك الأمريكية لإنقاذ الموقف، أي كبير الإعلانات البريطاني، ديفيد أوجيلفي، الذي صاغ شعار: "تداخل الألوان مضمون".

وأدّى ذلك إلى تحويل عيب القماش إلى ميزةٍ فريدة من نوعها.

تحويل القماش إلى أيقونة

رُغم إطلاق أوجيلفي، وناير، وجاكوبسون قماش "مدارس" نحو النجومية في الولايات المتحدة خلال ستينيات القرن العشرين، إلا أنّ علاقة النسيج برابطة "أيفي ليج" بدأت قبل قرون مع إليهو ييل، المدير الاستعماري لموقع شركة الهند الشرقية في حصن سانت جورج بتشيناي، والمستفيد الرئيسي لكلية ييل (جامعة ييل الآن).

وادّعى إعلان من عام 1961، وأنشأه أوجيلفي للعلامة التجارية الأمريكية الخاصة للقمصان الرجالية "Hathaway"، أنّ الجامعة تأسست بفضل "ثلاثة صناديق من قماش مدراس الهندي" كان قد تبرّع بها ييل. 

إعلان عن قميص من علامة "Hathaway" يتحدث عن ندرة القماش. Credit: Hathaway

وجاء في الإعلان أنّ ييل، الذي جمع الكثير من ثروته من خلال شركة الهند الشرقية في أواخر القرن السابع عشر، أرسل "أقمشة قطنية استثنائية صنعها سكان الأكواخ من الهنود" لبيعها أو "تحسينها" لصالح الكلية.

ويُعتبر ييل شخصية مثيرة للجدل، وقد بنى ثروته من التجارة الاستغلالية للماس والمنسوجات.

وبينما تقول جامعته التي تحمل الاسم ذاته إنّه "لا يوجد دليل مباشر" على أنّه "امتلك العبيد بشكلٍ شخصي"، إلا أنّه متهم بالاتجار بهم، والاستفادة منهم.

من تشيناي إلى البحر الكاريبي ورشة لنسج قماش "مِدراس" في مدينة تشيناي الهندية في عام 1990 تقريبًا. Credit: Patrick Horvais/Gamma-Rapho/Getty Images

شيُِّد حصن سان جورج في ثلاثينيات القرن السابع عشر، وساعد ذلك البريطانيين على ترسيخ احتكارهم لصناعة النسيج الهندية المربِحة للغاية. 

وفي وقتٍ لاحق، قام الهولنديون والفرنسيون أيضًا بالتجارة بالقطن، وقماش "مِدراس"، إلى جانب الأفارقة المستعبدين، وجلبوا الأقمشة على متن سفن متجهة إلى جُزُر الإنديز الغربية.

وفي القرن الـ18، أدّت حركة حمائية لدعم منتجي المنسوجات المحليين إلى قيام إنجلترا وفرنسا بحظر بيع قماش "مدارس" في البلدين، والسماح بالتجارة به في مستعمرات البحر الكاريبي فحسب.

ومن هناك، أصبح قماش "مدارس" عنصرًا "أساسيًا لكل من السود الأحرار والمستعبدين.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: أزياء موضة م دراس

إقرأ أيضاً:

القوزاق.. مقاتلو الإمبراطورية الروسية الشرسون وحماة حدودها

القوزاق جماعة عرقية عسكرية نشأت في القرنين الـ15 والـ16 الميلاديين على الأطراف الجنوبية والجنوبية الشرقية لروسيا، ولعبوا دورا كبيرا في توسيع حدودها والدفاع عنها.

مع مرور الوقت ازداد عددهم باطراد بسبب تزايد اللاجئين إلى هذه الأراضي هربا من بعض القوانين أو الضرائب.

وهي مجموعة عرقية فرعية أو إثنوغرافية داخل الشعب الروسي، لديها قواسم مشتركة كثيرة مع غيرها من الروس.

وقد شكّل االقوزاق طبقة ذات تقاليد عسكرية وثقافة خاصة ونمط فريد في الحياة، إذ يحرسون الحدود ويؤدون الخدمة العسكرية، وينتمون لشعوب مختلفة (الروس والأوكرانيين والتتار والأوسيتيين).

شاركوا في حروب عديدة واستكشفوا مناطق جديدة (سيبيريا، والشرق الأقصى، والقوقاز)، ونظير إخلاصهم للدولة مُنحوا أراضي وامتيازات، وأصبحوا طبقة عسكرية مميزة في الإمبراطورية الروسية.

أصل التسمية

ظهرت كلمة "قوزاق" لأول مرة في مصدر مكتوب باللغة الروسية عام 1395م، وتعني "الرجل الحر" أو "العامل المستقل".

ويعتقد بعض المؤرخين أن أصل الكلمة يعود إلى اللغة التركية، وأن لها تفسيرات متعددة مثل "الرجل الحر" و"المتشرد" وحتى "السارق".

وتقول روايات أخرى إن للكلمة أصلا منغوليا، وإنها من تتشكل من مقطعين: "كو" (ويعني درع) و"زاخ" (ويعني حدود)، ومن ثم يرى أصحاب هذا التفسير أن كلمة "قوزاق" تعني حرفيا "حارس الحدود".

لوحة القوزاق الزابوروجيون للرسام برانت جوزيف (غيتي)دورهم في الأمبراطورية الروسية

عاش القوزاق على حدود البلاد الخطرة، وكانت لديهم تقاليدهم وملابسهم وأغانيهم وأسلوب حياتهم الخاص، المختلف عن تقاليد الفلاحين، مع تركيز كبير على الشجاعة العسكرية والولاء للأرثوذكسية والقيصر.

حتى القرن الرابع عشر مارسوا النهب والسلب، لكن تغير الوضع في عام 1549م، عندما بدأ إيفان الرهيب بتجنيدهم في الخدمة الحكومية، وأصبحوا جزءا من القوات غير النظامية، ومنذ القرن السابع عشر أصبحوا طبقة عسكرية متميزة، وكانت مهمتهم الرئيسية هي الخدمة العسكرية والصيد وحراسة الحدود.

إعلان

وصفتهم الوثائق التاريخية بـ"حماة الأرض الروسية، وشاركوا في كل معارك وحروب روسيا تقريبا منذ عهد إيفان الرهيب.

كما ساهموا بشكل كبير في اكتشاف وتطوير أراض جديدة وراء جبال الأورال وفي سيبيريا والشرق الأقصى (كوليما، وكامتشاتكا، وترانسبايكاليا، ومنطقة أمور).

حماية الحدود

من القرن الـ15 إلى القرن الـ17 وما بعده، كان القوزاق بمثابة "درع بشري" على الحدود الجنوبية والشرقية المضطربة لروسيا، وحموا البلاد من غارات جحافل السهوب وغيرها من التهديدات الخارجية، كما ساهموا في جباية ضرائبها وتسيير "جماركها".

وشارك القوزاق رسميا لأول مرة (ضمن الجيش القيصري) في غزو قازان عام 1552، ولم يكتفوا باقتحام المدينة، بل نفذوا عمليات حفر تحت قلعة المدينة ووضعوا فيها براميل بارود، وأشعلوا فيها النيران، فدمرت الأسوار جزئيا، ودخل جيش القوزاق المدينة.

شاركت قوات القوزاق في جميع الحروب الكبرى التي خاضتها روسيا تقريبا: ضد نابليون وفي القوقاز وشبه جزيرة القرم وفي الحروب الروسية التركية والحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.

وإضافة إلى الخدمة العسكرية انخرط القوزاق في تنمية وإصلاح الأراضي، وفي خدمات البريد والحجر الصحي وحماية البيئة، وساهموا في تطوير البنية التحتية في المناطق النائية.

قوزاق أمام مقرّ البريكس في خرابروفو بروسيا عام 2024 (غيتي)الحقبة السوفياتية

بعد الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، تعرض القوزاق للقمع وصادرت السلطات ممتلكاتهم ونفذت ضدهم عمليات ترحيل جماعي، وفي تلك الفترة، حصل انقسام داخلهم، إذ أيد جزء منهم الثورة بينما حاربها الجزء الآخر.

ومُنع القوزاق من الخدمة في الجيش الأحمر حتى عام 1939، إذ رُفعت عنهم القيود تقديرا لولائهم واستعدادهم للدفاع.

وفي الحرب العالمية الثانية أعيد إحياء وحدات القوزاق في الجيش الأحمر لكنهم واجهوا أيضًا معضلة الانقسام، عندما وجد بعضهم أنفسهم في تشكيلات معادية تقاتل ضد الاتحاد السوفياتي إلى جانب ألمانيا، في تشكيلات أنشأها الألمان، لكن الكثيرين منهم مع ذلك انشقوا وانضموا إلى الجيش الأحمر.

القوزاق بعد انهيار الاتحاد السوفياتي

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 شهدت المجموعة انتعاشا، وأصبحت ظاهرة اجتماعية ثقافية وحركة اجتماعية وسياسية في روسيا.

وبالنسبة للقوزاق الذين يعيشون في المناطق الحدودية أدى انهيار الاتحاد السوفياتي إلى انقسامات على طول حدود الدولة، فعلى سبيل المثال وجد قوزاق سيميرتشيا أنفسهم منقسمين بين كازاخستان وقيرغيزستان.

علاوة على ذلك شهدت حقبة التسعينيات من القرن العشرين نزوحا جماعيا للسلاف، بمن فيهم القوزاق، من بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة (مثل كازاخستان) إلى روسيا.

في تلك الفترة برزت فكرة إحياء القوزاق من الظل مع بداية البيريسترويكا، وبدأت جمعيات واتحادات القوزاق بالتشكل بنشاط، مثل اتحاد القوزاق الروس وجيش القوزاق السيبيري.

وفي عام 1992 اعتمد البرلمان الروسي قرارا بـ"إعادة تأهيل القوزاق"، بهدف استعادة العدالة التاريخية بعد القمع وسياسات "نزع الصفة القوزاقية" في الحقبة السوفياتية.

إحياء دور

تشارك جمعيات القوزاق في روسيا المعاصرة في الحفاظ على النظام العام وحماية الغابات والاستجابة لحالات الطوارئ وحراسة حدود الدولة، كما تشارك في التثقيف العسكري للشباب والحفاظ على التقاليد.

إعلان

وتحول القوزاق من مجتمع تم قمعه في الحقبة السوفياتية إلى عنصر معترف به رسميا في المجتمع الروسي مع وظائف حكومية محددة ومشاركة نشطة في الحياة الثقافية والعامة.

مقالات مشابهة

  • الفرو يسيطر على إطلالات النجمات العربيات هذا الشتاء
  • لحظة هبوط طائرة فوق سيارة على الطريق السريع بأمريكا.. فيديو
  • أجمل ألوان مناكير تناسب مختلف أنواع الحفلات والسهرات
  • حرب غزة تدفع بأمريكا لمضاعفة مساعدتها العسكرية للاحتلال لـ 32 مليار دولار
  • رحلة في عالم الفخامة .. شاهد| اسطول سيارات الاعب محمد صلاح
  • صودا الخبز لإعادة مصابيح السيارة جديدة.. حقيقة أم خدعة؟
  • مشاورات مصرية صينية حول القرن الأفريقي
  • خبير: تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية يضع قيودًا على نشاطها بأمريكا وخارجها
  • القوزاق.. مقاتلو الإمبراطورية الروسية الشرسون وحماة حدودها
  • خفايا موضة شتاء 2026..من الأقمشة والألوان إلى الإكسسوارات الأساسية