كيف تحول قماش ارتداه العمال الهنود إلى رمز الفخامة بأمريكا؟
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أصبح قماش "مِدراس" مرادفًا للفخامة الأمريكية.
واستُخدِم القماش القطني المنقوش والملون من قِبَل علامات تجارية مثل "رالف لورين" و"بروكس براذرز" لعقود، مع تزيينه للفساتين، والقمصان، والسراويل القصيرة الصيفية الخفيفة التي يتم ارتداؤها في النوادي الريفية، أو أثناء العطلات في جزر البهاما.
ويتمتع هذا العنصر الأساسي في الموضة الأمريكية بأصول متواضعة، إذ يأتي من مدينة تشيناي الهندية.
وأخذ القماش اسمه من المدينة أيضًا، حيث كانت تشيناي تُعرف باسم مِدراس في ظل الاستعمار البريطاني.
كان هذا القماش يرتديه في الأصل عمال هنود، وكاد أن يثير فضيحة مؤسسية لمستورد المنسوجات الأمريكي ويليام جاكوبسون في عام 1958 بسبب تداخل الألوان واختلاطها عند تنظيفه بمنظف قوي في الغسالات عالية الطاقة.
وفي مقابلةٍ عبر الفيديو مع CNN، قالت مؤلفة كتاب "Capture the Dream: The Many Lives of Captain C.P. Krishnan Nair"، باتشي كاركاريا: "شكل تداخل الألوان مع بعضها البعض بعد كل غسلة أمرًا مذهلاً. ولم يتم الأمر بشكلٍ سيئ، بل اختلطت الألوان بطريقة تصميمية للغاية".
وأضافت: "هذا ما جذب جاكوبسون بالتأكيد".
والكتاب عبارة عن سيرة ذاتية لتاجر الأنسجة الهندي، وصاحب الفنادق، كريشنان ناير، الذي باع جاكوبسون قماش "مِدراس" لأول مرة.
وفي كتابها، سردت كاركاريا قصة لقاء جاكوبسون وناير.
وبحلول خمسينيات القرن العشرين، شكل القماش نجاحًا كبيرًا في غرب إفريقيا، حيث استُخدِم لصنع فساتين مبهجة لحفلات الزفاف، والاحتفالات الأخرى.
ميزة جذابةكانت الميزة الأكثر إثارة، والتي عرضها ناير على جاكوبسون، وفقًا لما ذكرته كاركاريا، هي تداخل الألوان مع كل غسلة، ما يخلق نوعًا جديدًا من الأنماط المربعة.
وأبرم الثنائي صفقة بقيمة دولار لليارد الواحد (حوالي 10 دولارات لكل ياردة بقيمة اليوم)، مع إرسال شحنة فورية بلغت 10 آلاف ياردة جمعتها بالكامل علامة "بروكس براذرز"، التي حولت القماش إلى سترات، وقمصان، وسراويل رياضية قصيرة.
وبسبب حماسه، نسي جاكوبسون أن يخبر علامة "بروكس براذرز" أنّ لون القماش سيتداخل، بحسب ما أوضحته المؤلفة.
وعندما فشلت العلامة التجارية في تزويد المشترين بتعليمات العناية المناسبة، بدأت الشكاوى والدعاوى القضائية بالظهور.
وتم استدعاء أحد "رجال ماد" الأصليين في مدينة نيويورك الأمريكية لإنقاذ الموقف، أي كبير الإعلانات البريطاني، ديفيد أوجيلفي، الذي صاغ شعار: "تداخل الألوان مضمون".
وأدّى ذلك إلى تحويل عيب القماش إلى ميزةٍ فريدة من نوعها.
تحويل القماش إلى أيقونةرُغم إطلاق أوجيلفي، وناير، وجاكوبسون قماش "مدارس" نحو النجومية في الولايات المتحدة خلال ستينيات القرن العشرين، إلا أنّ علاقة النسيج برابطة "أيفي ليج" بدأت قبل قرون مع إليهو ييل، المدير الاستعماري لموقع شركة الهند الشرقية في حصن سانت جورج بتشيناي، والمستفيد الرئيسي لكلية ييل (جامعة ييل الآن).
وادّعى إعلان من عام 1961، وأنشأه أوجيلفي للعلامة التجارية الأمريكية الخاصة للقمصان الرجالية "Hathaway"، أنّ الجامعة تأسست بفضل "ثلاثة صناديق من قماش مدراس الهندي" كان قد تبرّع بها ييل.
وجاء في الإعلان أنّ ييل، الذي جمع الكثير من ثروته من خلال شركة الهند الشرقية في أواخر القرن السابع عشر، أرسل "أقمشة قطنية استثنائية صنعها سكان الأكواخ من الهنود" لبيعها أو "تحسينها" لصالح الكلية.
ويُعتبر ييل شخصية مثيرة للجدل، وقد بنى ثروته من التجارة الاستغلالية للماس والمنسوجات.
وبينما تقول جامعته التي تحمل الاسم ذاته إنّه "لا يوجد دليل مباشر" على أنّه "امتلك العبيد بشكلٍ شخصي"، إلا أنّه متهم بالاتجار بهم، والاستفادة منهم.
من تشيناي إلى البحر الكاريبيشيُِّد حصن سان جورج في ثلاثينيات القرن السابع عشر، وساعد ذلك البريطانيين على ترسيخ احتكارهم لصناعة النسيج الهندية المربِحة للغاية.
وفي وقتٍ لاحق، قام الهولنديون والفرنسيون أيضًا بالتجارة بالقطن، وقماش "مِدراس"، إلى جانب الأفارقة المستعبدين، وجلبوا الأقمشة على متن سفن متجهة إلى جُزُر الإنديز الغربية.
وفي القرن الـ18، أدّت حركة حمائية لدعم منتجي المنسوجات المحليين إلى قيام إنجلترا وفرنسا بحظر بيع قماش "مدارس" في البلدين، والسماح بالتجارة به في مستعمرات البحر الكاريبي فحسب.
ومن هناك، أصبح قماش "مدارس" عنصرًا "أساسيًا لكل من السود الأحرار والمستعبدين.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: أزياء موضة م دراس
إقرأ أيضاً:
سباق القرن في الفضاء بين الصين والولايات المتحدة.. وأوروبا خارج المعادلة
سلط تقرير لموقع "أويل برايس" الأمريكي، الضوء على النمو المتسارع لاقتصاد الفضاء، مع توقّع تجاوز قيمته التريليونات بحلول عام 2035.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن صناعة الفضاء تُعد اليوم من أكثر القطاعات التي يُستهان بقيمتها، خصوصًا في أوروبا، في وقت تُحرز فيه الولايات المتحدة والصين تقدمًا كبيرًا.
وقد أدّت الشركات الخاصة دورًا محوريًا في خفض تكاليف الإطلاق وتعزيز الابتكار في مجال استكشاف الفضاء. ويعتمد مستقبل هذا القطاع بدرجة كبيرة على تقليص العوائق البيروقراطية ومنح القطاع الخاص مزيدا من الحرية للنمو والتوسع.
وذكر الموقع أن صناعة الفضاء تُعد من أكثر الصناعات المُهمَلة عالميًا، وتحديدًا في أوروبا التي تخلّفت بشكل كبير عن الولايات المتحدة والصين. فقد نفّذت الولايات المتحدة 153 عملية إطلاق فضائي العام الماضي، مقابل 68 عملية للصين، وثلاث فقط لأوروبا.
وأشار الموقع إلى ما كتبه الروائي المتخصص في الخيال العلمي آرثر تشارلز كلارك، سنة 1977: "إن تأثير الأقمار الصناعية على البشرية جمعاء سيضاهي على الأقل تأثير اختراع الهاتف فيما يُعرف بالمجتمعات المتقدمة"، وقد كان على حق. فبفضل مجموعاتٍ ضخمة من الأقمار الصناعية، مثل "ستارلينك"، و"تشيانفان"، و"كويبر"، و"سات نت"، سيصبح ثلث سكان العالم غير المتصلين بالإنترنت حاليًا موصولين قريبًا، ما سيؤدي إلى تحولات اقتصادية واسعة.
ووصفت قناة "سي إن بي سي" قطاع الفضاء بأنه "الصناعة التريليونية المقبلة في وول ستريت".
وبحسب دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي نُشرت في أبريل/ نيسان 2024، من المتوقع أن تبلغ قيمة اقتصاد الفضاء 1.8 تريليون دولار بحلول سنة 2035. كما تتوقع شركة "مورغان ستانلي" أن يُنتج هذا القطاع أول تريليونير في العالم.
وبعد رحلات الهبوط على القمر في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، شهد برنامج الرحلات الفضائية المأهولة في الولايات المتحدة تباطؤًا شبه تام بسبب التدخلات السياسية المتكررة؛ إذ غالبًا ما كان كل رئيس جديد يضع أولويات مغايرة، وكانت العقود تُمنح أو تُلغى لأسباب سياسية بحتة.
وتجدر الإشارة إلى أن برنامج مكوك الفضاء التابع لناسا لم يلبِّ التطلعات، وعلى الرغم من الاستثمارات الضخمة في محطة الفضاء الدولية، لا تزال هناك تساؤلات حول مدى فاعلية تلك النفقات.
كما أن تكلفة الإطلاق، أي تكلفة إرسال كيلوغرام واحد إلى الفضاء، بقيت شبه ثابتة لأكثر من أربعة عقود.
وبيّن الموقع أن الشركات الخاصة كانت صاحبة الاختراق الحاسم في هذا المجال، إذ تمكنت من خفض تكاليف الإطلاق بنحو 80 بالمئة، وهذه ليست سوى البداية.
كما يثبت استكشاف الفضاء من جديد تفوّق النموذج الرأسمالي. فقد حلّ التنافس بين الولايات المتحدة والصين محل سباق الفضاء القديم بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا في ستينيات القرن الماضي، غير أنّ الفرق الجوهري يكمن في أن السباق الأول كانت تقوده الحكومات بالكامل.
وتابع التقرير، "صحيح أن شركات خاصة شاركت في تصنيع صواريخ برنامج "أبولو"، لكنها خضعت لإرشادات صارمة وضيقة من وكالة ناسا، التي كانت تُحدّد بدقة كيفية بناء الصواريخ، ما أدى إلى ارتفاع التكاليف نتيجة الالتزام الحرفي بهذه التعليمات. ومع نظام العقود القائمة على التكاليف المُضافة، لم يكن لدى تلك الشركات أي حافز لتقليل النفقات، بل كانت تُكافأ على زيادتها".
وأشار الموقع إلى أن العلاقة بين "ناسا" والشركات الخاصة شهدت تحولًا جذريًا في السنوات الأخيرة. فقد أصرّ إيلون ماسك على العمل بنظام الأسعار الثابتة، وبدلًا من أن تُملِي "ناسا" على شركة "سبيس إكس" ما يجب تصنيعه، باتت تحدد نوعية الخدمات التي ترغب في شرائها فحسب، والنتيجة: من أصل 261 مهمة فضائية حول العالم في سنة 2024، نفذت "سبيس إكس" وحدها 134 عملية إطلاق. ولو اعتُبرت "سبيس إكس" دولة، لتفوقت بفارق كبير على الصين، ثاني أكبر دولة من حيث عدد الإطلاقات (68 عملية).
وأوضح التقرير، أنه بالرغم من هذا التقدم، لا تزال الرحلات الفضائية الخاصة تُواجه عوائق تنظيمية وتدخلات حكومية، خاصة في أوروبا، وأيضًا في الولايات المتحدة. ويُرجَّح أن أحد دوافع دخول إيلون ماسك عالم السياسة هو رغبته في تخليص شركات الفضاء الخاصة من الأعباء البيروقراطية المتزايدة في أمريكا.
وخلص الموقع إلى أن حسم سباق الفضاء الجديد بين الصين والولايات المتحدة سيتوقف بدرجة كبيرة على مدى الحرية التي يمنحها كل بلد لنمو قطاع الفضاء الخاص، وفي حين تتقدم الولايات المتحدة حاليًا بفارق مريح، من الخطأ التقليل من شأن ما تحققه الصين، التي بدأت بدورها تقليص اعتمادها على القطاع العام وتوسيع المجال أمام الشركات الخاصة.