أوقاف الفيوم تفتتح مسجد العتيق بعد إحلاله وتجديده
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
افتتحت مديرية الأوقاف بالفيوم برئاسة الدكتور محمود الشيمي وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم، اليوم الجمعة مسجد العتيق التابع لإدارة أوقاف يوسف الصديق، بعد إعادة الإحلال والتجديد، جاء ذلك بحضور فضيلة الشيخ محمد عبدالمنعم مدير إدارة أوقاف يوسف الصديق، ومديري إدارات الأوقاف، والعلماء والأئمة وعدد من القيادات التنفيذية والشعبية وأهالي القرية الثانية.
يأتي هذا فى إطار اهتمام وزارة الأوقاف ببيوت الله تعالى مبنى ومعنى، ونشر الفكر الوسطي المستنير، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وذلك ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله، لإقامة الصلاة وتنفيذ الأنشطة التي تنظمها مديرية الأوقاف بالفيوم خلال أعمال افتتاح المساجد بكافة إدارات الأوقاف الفرعية بالقرى والمراكز.
وخلال خطبة الجمعة أكد مدير أوقاف مركز يوسف الصديق أن ديننا الحنيف حثَّنا على العلم والفكر، وفتح للعقل البشري آفاق البحث والمعرفة، والمتأمل في القرآن الكريم يجده حافلًا بالدعوة إلى البحث والتفكر والتأمل، حيث يقول الحق سبحانه: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، ويقول سبحانه: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}، ويقول تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.
وأضاف أنه لا أدل على أهمية البحث العلمي من أن أول قضية تناولها القرآن الكريم هي قضية العلم، وأول أمرٍ سماوي نزل به الوحي هو الأمر بالقراءة، حيث يقول تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، كما سُميت سورة كاملة في القرآن الكريم باسم "القلم"، وبدأها الحق (سبحانه وتعالى) بقوله: {ن * وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}؛ تأكيدًا على أهمية أدوات العلم ووسائله، واستهلَّ سبحانه سورة الرحمن بقوله: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، وفي هذا تنبيه للناس كافة على بيان فضل العلم وأهمية التعلم.
وأشار فضيلته إلى أننا نؤكد أن البحث العلمي الذي رغَّب فيه الإسلام ليس مقتصرًا على البحث في ميدان العلم الشرعي فحسب، وإنما يشمل البحث في كل علم ينفع الناس في شئون دينهم، وشئون دنياهم؛ ولذلك فقد جاء قول الله (عز وجل): {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} في معرض الحديث عن العلوم الكونية، حيث يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}، وفي ذلك دلالة على اهتمام الإسلام وعنايته بالبحث في العلوم الكونية كاهتمامه وعنايته بالبحث في العلوم الشرعية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أوقاف العلم البحث العلمي يوسف الصديق الأوقاف بوابة الوفد جريدة الوفد البحث فی
إقرأ أيضاً:
حين يغـضب المنـتــقم
#سواليف
حين يغـضب المنـتــقم
#الشيخ_كمال_الخطيب
في ظلّ ومع استمرار المجـ.ـازر والظلم والجوع والقهر النازل بأهلنا في غز.ـة قريبًا من عامين، ومع حالة #العجز والشعور بالضعف و #الخذلان، فإن العيون تشخص والألسن تلهج والأكف ترفع إِلى #الله سبحانه بأن يتولى أمرهم وأن يدافع عنهم وأن ينتقم ممن ظلمهم، ولسان حال كثيرين يقول: “يا منـ.ـتقم يا الله”.
كيف يمكن أن نصف الله سبحانه بالمنتقم وندعو به وهو الذي وصف أسماءه بأنها الحسنى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا} [180 سورة الأعراف]، فكيف يجتمع الحُسن مع الانتقام؟
إذا وُصف إنسان بالانتـ.ـقام فسرعان ما يخطر في بالنا الحقد وسواد القلب والغلظة والثأر، أما ربنا سبحانه الذي وصف ذاته الجليل بالمنتقم {وَٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍۢ} [4 سورة آل عمران ]. فانتقامه سبحانه وتعالى تأديب، فهو ينتقم من #الظالم ليردعه ويوقفه عند حدّه ويمنعه من الاستمرار بإيذاء وظلم وقهر الآخرين والأبرياء. وقيل في معنى المنتقم: [هو الذي يقصم ظهور العتاة وينكّل بالجناة ويشدد العقاب على الطغاة]، ولذلك فقد وصف العلماء اسم المنتقم بأنه من أسماء القهر والجلال.
تسمع في بعض الأحيان عن إنسان شرير غارق في المعاصي والذنوب والاعتداء على حرمات الناس وإفساد أبنائهم، حتى أنه لكثرة ما هو عليه، يتساءل الناس كيف سيصلح حال هذا الإنسان أو أنه لن يصلح ولن يستقيم لكثرة ما هو عليه، وفجأة وإذا بهذا الإنسان يتغيّر تغيّرًا جذريًا ويرتدع ويعود إِلى الاستقامة، لأن الله قد عاقبه بعقوبة وأنزل به شدّة ومحنة كانت سببًا في ارتداعه وتوبته، فالله تعالى عاقبه ليؤدّبه ويربيه.
وكذلك نسمع عن شرير ومفسد ومجرم ومعتدٍ على أموال الناس وأعراضهم وحرماتهم، فإذا سمع الناس أن الشرطة قد اعتقلته وقيّدت حريته بالسجن، فيشعر الناس الذين تأذوا منه بالراحة والسعادة، بل إنهم إذا سمعوا بموته فإنهم يسعدون أكثر لأنه كان يؤذي خلق الله. ولله المثل الأعلى، فإن الله سبحانه لما ينتقم من ظالم فإنه يحجزه ويحول بينه وبين استمرار أذى وظلم الناس.
وقد قال الشيخ محمد راتب النابلسي في بيان وتقريب معنى المنتقم سبحانه: “هو الذي عرفت عظمته فخشي العباد نقمته”. وتقريبًا للمعنى، فإن دولة ما لديها سلاح نووي قد لا تستخدم هذا السلاح إطلاقًا، لكنها مرهوبة الجانب، فلا يفكّر أحد أن يعتدي عليها، وإذا حصل واعتُدي على شعبها وحدودها فإن ردّها سيكون رهيبًا وانتقاميًا. فالله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يعاقب عاقب ولا رادّ لإرادته {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [12 سورة البروج].
جرثومة مشرّفة
كثيرة هي الكلمات التي يكون لها معنى سامٍ وجميل ولكن ومع تغيّر الظروف يصبح لها معنى آخر يتناقض ويتعارض مع المعنى الأول.
فكلمة جرثومة في اللغة معناها [أصل الشيء]، فكانت العرب إذا أراد أحدهم أن يمدح أحدًا وصفه بالجرثومة كما وصف أبو تمام الخليفة المعتصم بعد انتصاراته في معركة عمّورية، فقال له في قصيدته الشهيرة:
خليفه الله جازى الله سعيك عن جرثومة الدين والإسلام والحسب
فبين أيامك التي نصرت بها وبين أيام بدر أقرب النسب
أبقيت بني الأصفر الممراض كاسمهم صُفر الوجوه وجلّت أوجه العرب
بينما أصبحت كلمة جرثومة في زماننا تقال للذمّ والانتقاص وأنها سبب الشرور والأمراض والدمار، فإذا أراد أحدهم الانتقاص من غيره أو ذمّه قال له: أنت جرثومة. وهكذا قال الهارب بشار عن شعبه السوري العظيم في بداية ثورته المباركة عام 2011 يوم شبههم بالجراثيم.
أيّة مفارقة هذه أن يكون بطل عمّورية المعتصم جرثومة الدين والإسلام، وبنصره جلّت وأشرقت وجوه العرب بعد الانتصار للمرأة المسلمة التي نادت وااامعتصماه، بينما الذي وصف شعبه بالجراثيم ففي زمان أبيه المقبور حافظ، كانت الهزيمة والنكسة وذلّ وخزي العرب بضياع الجولان وسيناء والضفة وغزة والقدس والأقصى. فمن يكون الجرثومة في المعنى الحديث لها إن لم يكن بشار والسيسي وبن زايد وبن سلمان وأشباههم؟
وكلمة “استعمار” تعني إعمار الأرض وإصلاحها وبناء الأبنية والجسور والشوارع والمشافي والمطارات والجامعات والنهوض بأهل البلاد، لكنها نفس الكلمة “استعمار” باتت تطلق على من خرّبوا البلاد بعد أن احتلوها ونهبوها وسرقوا خيراتها وأذلّوا أهلها، فأصبحت كلمة استعمار ذات وقع سيء على النفوس. هكذا كان الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، وهكذا هو الاستعمار “الاستخراب” الإسرائيلي.
وكلمة “عصابة” فهي تعني الجماعة. فقد كان رسول الله ﷺ قبيل معركة بدر يدعو الله ويقول: “اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم” يقصد بذلك جماعة المسلمين من أصحابه رضي الله عنهم، بينما تُفهم اليوم كلمة “عصابة” بالمفهوم السيء وأنها تعني عصابة المجرمين وعصابة الخاوة والابتزاز والسرقة وقطع الطريق وتهريب المخدرات وهكذا.
وإذا كان الناس اليوم يفهمون معنى كلمة “المنتقم” بأنها تعني الحاقد والذي يريد أن يتشفى والذي لا يسامح ويتربص بغيره للثأر منه، فإنها في حقّ الله تعالى تعني الذي يعاقب الباغي والظالم والطاغية ليوقفه عند حدّه. فالله تعالى لا يبطش ولا يهلك ولا ينتقم إلا بعد أن يعذر وينذر، وبعدها يكون الإمهال، فإن لم يرتدع الظالم فيكون عندها الانتقام. وقال أحد العلماء: “المنتقم هو الذي يرسل رسله بالآيات والإنذارات فإن لم ينتفع بها الإنسان سلّط عليه العقوبات والانتقامات”.
إن الطبيب يحذّر المريض بعد نوبة قلبية خفيفة أو جلطة دماغية نجى منها فإنه يحذّره قائلًا له: لا تدخن لأن التدخين يسبب الأمراض الخبيثة ويسبب أمراض القلب، وقد تكون النوبة القادمة حتمية، فإذا عاد المريض لصحته وعافيته فإنه سرعان ما يعود للتدخين، ولا تمر فترة إلا ويصاب بنوبة أو جلطة تقعده أو تقتله. ولله المثل الأعلى، فإن الله جلّ جلاله ينذر الظالم والطاغية ويمهله، فإذا لم يرتدع فإنه ينتقم منه {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [95سورة المائدة.].
لما غرق الإلٰه
لقد وصف الله ذاته العليّ الجليل بالانتقام ونسبها إِلى نفسه في قصة فرعون الظالم والطاغية والمتألّه الذي قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} [24 سورة النازعات]، {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي} [38 سورة القصص].
ولأن الله سبحانه قد أعذر فرعون وأنذره وأرسل له التحذيرات والإنذارات في تسع آيات من الطوفان والضفادع والدم والجراد والقمّل، ولمّا أنه لم يعتبر ولم يرتدع، فكان لا بد من الانتقام {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [136 سورة الأعراف]. وكيف لا يكون الانتقام الرباني وفرعون لا يرى في موسى عليه السلام ومن معه إلا مجرد شرذمة من الناس لا يساوون شيئًا في عينه {إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ*وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [54-55 سورة الشعراء].
وإن من عظيم مشاهد انتقام الله تعالى لفرعون أنه بعد أن أطبق عليه البحر فإنه ولحكمة بالغة منه سبحانه، فإنه أمر البحر أن يقذف جسد فرعون إلى الشاطئ لأنه لو لم يصل جسد فرعون الغريق إلى الشاطئ لما صدق الناس أن فرعون الإلٰه قد غرق، ولما صدق الطواغيت والمتألّهون أمثاله أن الله يمكنه أن ينتقم منهم {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [92 سورة يونس].
لقد كان ذلك الانتقام الإلٰهي من فرعون يومها ومن كل فرعون وطاغية وظالم وقاتل لمّا أنه لا يفهم الإشارات ولا الإنذارات، أو أنه يتغافل عنها ويزيد في طغيانه فيغضب الله تعالى بعد تجاوزه كل الحدود فيكون الانتقام {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [55 سورة الزخرف] .
حين يغضب الحليم
ما أكثرها الآيات في القرآن الكريم التي يذكّر الله بها عباده وأنبياءه أنه عزيز ذو انتقام حتى يطمئن هؤلاء أنهم في كنف قويّ عزيز منتقم. قال سبحانه لحبيبه محمد ﷺ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [47 سورة الروم].
ويوم وقف النبي ﷺ بعد معركة بدر يخاطب قتلى قريش يسميهم بأسمائهم واحدًا واحدًا وكأنهم أحياء: “هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا، فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا، لقد كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس”. فسأله الصحابة: يا رسول الله تخاطب قومًا جيّفوا؟ أي أصبحوا جيفًا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يجيبونني، ثم تلا قول الله تعالى: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [25 سورة الزخرف].
وإنه الله سبحانه يطمئن رسوله ﷺ بأنه سنده وظهره وأنه سينتقم من كل من سيعاديه، فقال في مطلع سورة آل عمران: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ*مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [3-4 سورة آل عمران]. وأنه سبحانه في سورة إبراهيم عاد ليطمئن رسوله ﷺ وأنه معه وأنه لن يخلف وعده له بالانتقام من الظالمين جزاء وفاقًا بما فعلوا، فبعد أن قال سبحانه: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [42]سورة إبراهيم، فإنه طمأنه بالقول: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [47 سورة إبراهيم].
إنه سبحانه يرخي الحبل للطاغية والظالم، فيظنّ أن لا أحد يستطيع أن يتحداه أو يوقفه عند حدّه فيزيد في القتل والظلم والتجويع، وإذا بالله المنتقم يشدّ الحبل الذي أرخاه حتى إذا أخذه لم يفلته فإذا هو في قبضة الله تعالى. قال ﷺ: “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته”.
يقول فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي في كتابه الرائع -موسوعة أسماء الله الحسنى: “وإن البحر جميل جدًا إذا كان هادئًا، فإذا هاج الموج فهو يمثّل اسم الجبّار، والله عزّ وجلّ يتجلى على شيء باسم الجمال “البديع” فإذا هو يأخذ الألباب، ويتجلى على شيء آخر باسم القهر “القهار والمنتقم”، فانظر إِلى الزلازل إذا وقعت {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [74-75 سورة الحجر].
إنه الله الذي يذكّر من نسي من يكون سبحانه {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [37 سورة الزمر]
شكوى وحساب مؤجل
ما أشقاهم وما أتعسهم أولئك الظالمون قساة القلوب الذين يهزؤون بمن يرفعون أيديهم إِلى السماء يقولون لمن ظلمهم وبغى عليهم: “نشكوكم إلى الله ولن نسامحكم” أو يقولون: “يا منتقم خذ لنا حقنا ممن ظلمنا”. إنهم ولشقاوتهم لو علموا حقيقة هذه الكلمة لاقشعرّ لها شعر أبدانهم ولارتعدت لها فرائصهم.
وإذا كان الفاروق عمر رضي الله عنه قد اقشعرّ بدنه وارتعدت فرائصه لما سمع امرأة في الصحراء تقول: أشكو عمر إلى الله، أيلي أمرنا ويغفل عنا؟ فاشترى منها مظلمتها عن تقصيره، وكتبت له براءة عن تقصيره وأوصى أن تودع معه في قبره تكون شاهدًا له عند الله أنه قد أبرأ ذمته من تقصيره بحقها.
ولا تُنسى قصة المرحوم الاستاذ عمر التلمساني مع الرئيس المصري أنور السادات لما تطاول عليه وأهانه في جمع من الناس، فقال له عمر التلمساني: “إذا ظلمني أحد من الناس فإنني أشكوه إليك لأنك أنت الحاكم، ولما كنت أنت الذي ظلمتني فإنني أشكوك إِلى الله أحكم الحاكمين. فارتعدت فرائص السادات وارتجفت شفتاه وراح يقول: اسحبها يا عمر اسحبها يا عمر. فردّ عليه التلمساني رحمه الله: لماذا أسحبها؟ فأنا شكوتك إِلى عادل وليس إلى ظالم”.
كم هم الذين شكاهم المظلومون والمقهورون والمغيبون إِلى الله في سجون الطواغيت والظلمة، سجون بشار والسيسي وبن سلمان وبن زايد وكل الطواغيت أصحاب الجلالة والفخامة؟
وكم هم الذين شكاهم أهل غزة، الجوعى والعطاش والمشرّدون إلى الله يقولون لهم: لن نسامحكم يوم القيامة، إنكم لم تفعلوا شيئًا لرفع الحصار والجوع عنا ونحن إخوانكم وجيرانكم”.
أما الظالمون والجبابرة والمحتلون الذين يتعالون ويتغطرسون ويبطشون، عليهم أن يتذكروا أن الله سينتقم وأن الله سيري الدنيا فيهم يومًا وقد قال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [22 سورة السجدة] .أما أنت أيها المظلوم، فإذا رأيت الله يملي للظالم رغم شكواك ومظلوميتك فلا تظنن أن الله سينساه ويغفل عنه {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [ 42 سورة إبراهيم]، فإن زمان ومكان عقوبة الله وانتقامه هي من أمره سبحانه، فالله لا يتحرك بأوامرنا ولا نحن نأمره بكبسة زر، وإنما هو صاحب الأمر والتدبير {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [54 سورة الأعراف].
فيمكن أن ترحل أنت أيها المظلوم من هذه الدنيا ولا ترى انتقام الله من الظالم لحكمة يريدها الله، إلا أن هذا لا يعني أن شكواك لم تُسمع، وأن الظالم قد نجا، أو أن الله جلّ جلاله قد غفل عنه معاذ الله، وإنما هو الذي سينفذ فيه وعده وقد قال: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [41 سورة الزخرف]، {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [16 سورة الدخان]. فاطمئن أيها المظلوم والمجوّع والمقهور فأنت في كنف المنتقم وعنايته وحتمًا سيأخذ لك حقك ممن ظلمك. وأما أنت أيها الظالم المتجبّر فالويل كل الويل يوم يجلس الحكم العدل فتُفتح ملفاتك ومظالمك وأنت فاغر الفاه تقول {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [49 سورة الكهف].
اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس. اللهم انتقم ممن جوّع أبناء شعبنا وعطّشهم وشردهم. اللهم أرنا في الظالمين عجائب قدرتك وعظيم انتقامك.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.