فيلم مرعي البريمو.. هل تعلم هنيدي من أخطاء الماضي؟
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
اعترف الممثل الكوميدي محمد هنيدي بعدم التوفيق في أعماله السابقة مؤكداً أنه سيعوض جمهوره من خلال فيلمه الجديد "مرعي البريمو" مما رفع من مستوى توقعات الجمهور للفيلم الذي بدأ عرضه مؤخرا منافسا لأفلام الموسم السينمائي الحالي، وحقق 4 ملايين جنيه مصري (الدولار الأميركي 30.72 جنيها) أيام عرضه الأولى.
خلال السنوات الماضية، لم تحقق أفلام هنيدي النجاح المتوقع لنجوميته التي حظي بها في بداياته أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، لكنها ضمنت وجوده السينمائي بأفلام مثل "نبيل التجميل أخصائي تجميل، الإنس والنمس، يوم مالوش لزمة".
وبعد إعادة حساباته، قرر هنيدي أن يستعيد رونقه السينمائي بالاستعانة بالعناصر التي ساهمت في إنجاح تجاربه بمرحلة النجومية، وبالفعل عاد مجددا إلى المخرج سعيد حامد بعد 18 عاما من الغياب، والذي قدم معه في "صعيدي في الجامعة الأميركية، همام في أمستردام، جاءنا البيان التالي" وغيرها من الأفلام التي حجزت لهنيدي مكانة في السوق السينمائي.
وكان رهان آخر لهنيدي في اختيار الممثلة التي ستشاركه البطولة، وهي غادة عادل، ليعودا معا بعد 23 عاما منذ قدما فيلم "صعيدي في الجامعة الأميركية" وأيضا موسيقى خالد حماد تميمة الحظ بأفلامه الأولى، والعودة لتقديم شخصية الصعيدي التي حقق من خلالها شعبية كبيرة في "خلف الدهشوري، رمضان مبروك أبو العلمين".
استعانة هنيدي بعوامل نجاح أفلامه السابقة ورهانه على المخرج من أجل العودة لم يكن كافيا على ما يبدو، فرغم اعترافه بعدم نجاح تجاربه الأخيرة لكنه وقع في أخطاء متشابهة، ولم تقدم عودة الشراكة مع سعيد حامد أي جديد لهنيدي، بل على العكس جاء الإخراج تقليديا ولم يكن به إضافة فنية، حتى اللقطات جاءت عادية غير مناسبة لصنع فيلم كوميدي.
كما أضر السيناريو المفكك بالإخراج، خاصة أن كثيرا من الأحداث تبدو غير منطقية، رغم استعانة صناع الفيلم بالسيناريست إيهاب بليبل الذي قدم أفلاما مثل "حامل اللقب، جروب الماميز" وهى نماذج توحي بأنه قادر على صناعة فيلم كوميدي ناجح، إلا أنه في "مرعي البريمو" لم يوفق في تقديم حبكة درامية كوميدية، بل اعتمد على إفيهات مستهلكة لهنيدي وبقية الأبطال، إلى جانب عدم بناء الشخصيات دراميا بشكل كاف مما أعاب السيناريو، فاستهل الفيلم في النصف ساعة الأولى بتقديم البطل الذي أطلق عليه "ملك البطيخ" أو "مرعي البريمو" من خلال إفيهات مكررة لهنيدي من أفلامه السابقة، وقيامه بضرب بعض الأشخاص من دون أي مبرر درامي في سياق الأحداث، وأيضا ترحيب النساء بمعاكساته، وهي أيضا مشاهد ليس لها مبرر درامي وإذا تم حذفها فلن تؤثر في الأحداث.
وتدور الأحداث حول شخصية "مرعي البريمو" الذي يجد نفسه فجأة في قرية بالصعيد ليقابل جده الذي يعطيه ثروة من الماس تقدر بالملايين، ومن ثم يدعي قتل الجد ليحميه من طمع زوج شقيقة مرعي الذي يقرر فور عودة لمنزله إخفاء الثروة في البطيخ الذي تبيعه زوجته، ويبدأ في رحلة البحث عنها مجددا، ورغم الاعتماد على دراما الطريق والتي كانت كفيلة بصناعة فيلم جيد، فإنه لم يتم استغلال ذلك في السيناريو فخرجت المشاهد مفككة، كما عاب البعض الإطالة والرتابة في المشاهد، فلم ينجح المونتاج في تقديم إيقاع مناسب للأحداث التي بدت بطيئة ومكررة.
أما الموسيقى التصويرية لخالد حماد، فكانت من العناصر المؤثرة وإن عابها الاستسهال، فالتشابه كان واضحا بينها وبين الموسيقى التي سبق وقدمها حماد في تجارب سابقة في أفلام هنيدي.
نقاط إيجابيةرغم أن الفيلم خيب توقعات جمهور هنيدي، فإنه لم يخل من بعض العناصر الإيجابية مثل اختيار النجوم الشباب وتوظيفهم في المكان الصحيح مثل الاستعانة بممثلين كوميديين جدد مثل مصطفى أبو سريع ومحمد محمود وأحمد سلطان ومحسن منصور، وحتى اختيار نانسي صلاح.
كما كان ظهور الممثل أحمد بدير ضيف شرف إضافة مميزة للفيلم، وذلك من خلال تقديمه شخصية الجد، وظهور الممثل علاء مرسي ولطفي لبيب، وجميعها نقاط تحسب للمخرج سعيد حامد، وكذلك الدويتو بين هنيدي وغادة عادل جاء موفقا إلى حد كبير، رغم عدم اهتمام الأخيرة بتفاصيل الشخصية الخارجية فحافظت على مظهرها الخارجي الذي لم يكن متناسقا مع شخصية زوجة تاجر البطيخ التي تعمل في حياكة الملابس.
أيضا لا يمكن إنكار أن الفيلم يحمل بعض عناصر التسلية التي تجعله مناسبا للموسم السينمائي الصيفي الحالي مثل الأغنيات التي تم تقديمها ومشاركة هنيدي فريق "شارموفرز" في تقديم أغنية كسرت حالة الملل الموجودة داخل الأحداث، وظهور عبد الباسط حمودة وأحمد شيبة بأغنية "اللي من دمك".
النوايا الطيبة لا تصنع فيلمافيلم "مرعي البريمو" اجتهد بطله في تقديم توليفة تعيد نجاحاته السابقة، إلا أن الاستسهال والاعتماد على كوميديا مستهلكة أضر بالتجربة التي لم تنجح في إعادة هنيدي للمكانة التي صنعها في بداياته، لكنها كأفلامه الأخيرة ضمنت له الحضور السينمائي كى لا يغيب عن جمهوره.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مرعی البریمو فی تقدیم من خلال
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: «يلا بابا!» فيلم يصالح الماضي
في فيلمها «يلا بابا!» (2024)، تمزج المخرجة اللبنانيةإنجي عبيد بين سيرة ذاتية متشظية وسينما الطريق لتصوغ عملًا يتجاوز حدود الوثيقة إلى فضاء التأمل الإنساني والسياسي في آنٍ معًا. يروي الفيلم رحلةً حقيقية بين أب وابنته، بحثًا عن مصالحة بين الماضي والحاضر. وعلى مئة دقيقة، ينطلق من فكرة بسيطة ظاهريًا -رحلة من بروكسل إلى بيروت- لكنه يتحول تدريجيًا إلى مختبر بصري للذاكرة والهوية والعبور.
تنتمي أنجي عبيد إلى جيل لبناني عاش خارج الوطن، لكنه ظل مشدودًا إليه عبر الذكريات والصور. فمنذ اللقطة الأولى، يتبدى أن الفيلم لا يسعى إلى استعادة الماضي بقدر ما يسعى إلى تفكيك الذاكرة وإعادة كتابتها على الطريق. حين تعيد أنجي المسار الذي قطعه والدها منصور قبل نحو أربعين عامًا، لا تعيد فقط خطوط الجغرافيا لكنها تستدعي خرائط عاطفية وتاريخية.
تتحول السيارة إلى كبسولة زمنية تُعلق الزمن بين لحظتين، ماض محفور في الذهن وحاضر يسعى إلى المصالحة. وبأسلوب بصري يعتمد على كاميرا داخلية متأملة، يصوغ المصور Thomas Szacka-Marier إطارًا حميمًا يكشف رهافة العلاقة بين الأب والابنة، حيث تصبح العدسة وسيطًا بين البوح والسكوت. في كثير من المشاهد، تترك أنجي الكاميرا تسجل صمت والدها وهو يحدق عبر الزجاج الأمامي، فيتحول هذا الصمت إلى لحظات مواجهة غير منطوقة.
يعتمد توماس سزاكا-مارييه على إضاءة طبيعية وزوايا منخفضة تُحاكي نظرة الرفيق لا المراقب، فيما يوظف داني أبو لوح إيقاعَ المونتاج لتكثيف الصمت وتحويله إلى زمن سردي بديل.
العلاقة بين الأب والابنة – بين التوثيق والعلاج الذاتي
ينتمي «يلا بابا!» إلى تيار الوثائقي الذاتي (Autobiographical Documentary) لكنه يستعير من سينما الطريق هيكلها المفتوح ومساحتها الوجودية ليصوغ رحلة داخلية بقدر ما هي جغرافية.
في السيارة، تُرغم المسافة القريبة الجسدين على مواجهة رمزية ومباشرة...منصور، حامل ذاكرة المنفى والرحيل؛ وأنجي، ابنة الغربة، الساعية إلى جذور في زمن العولمة.
الحوار بينهما يتأرجح بين الحميمي والوجودي، بين النبرة الأبوية والبحث عن الندية.
هنا تبرز عبيد في إدارتها للمسافة البصرية والعاطفية؛ فالكاميرا، وإن كانت شاهدة، إلا أنها تتحول في لحظات إلى مرآة داخلية تُعيد تشكيل السلطة بين الأب والابنة.
يذكر هذا التكوين بأعمال في الوثائقي الذاتي مثل Stories We Tell لسارة بولي، وNobody’s Business لِـآلان برلينر، حيث يتحول التوثيق إلى فعل اعتراف ومصالحة مع الذات والآخر.
جغرافيا الطريق – سرد بصري بين أوروبا والشرق الأوسط
تتخذ أنجي الطريق كخريطة سردية للهوية. فكل محطة من الرحلة -من بلجيكا إلى ألمانيا، من البلقان إلى تركيا فسوريا ولبنان- تفتح طبقة من المعنى.
تلتقي تحولات أوروبا السياسية (الهجرة، الحدود، الحرب) مع التحولات المكانية والوجدانية للمنطقة العربية.
من خلال هذا التوازي، يقدم الفيلم نقدًا ضمنيًا للعلاقة بين الذاكرة الفردية والتاريخ الجمعي؛ فذاكرة الأب ليست معزولة عن سرديات المنفى اللبناني، وذاكرة الابنة تنفتح على سؤال الانتماء الهجين في أوروبا المعاصرة.
هكذا يصبح الطريق أرشيفًا متحركًا، يحمل آثار الزمن وصدى الحروب وصور المهاجرين العابرين الذين يعيدون صياغة الجغرافيا الإنسانية المعاصرة.
أسلوب التصوير والمونتاج – بين التأمل والإيقاع الداخلي
اختارت المخرجة أسلوب تصوير مقتصد، حيث الكاميرا داخل السيارة هي عين الرقيب والمشارك في آن واحد. هذا التقييد المكاني يولد توترًا بصريًا ولغويًا، فكل نظرة وكل صمت يصبح حدثًا دراميًا. وفي بعض المشاهد، كانت سيارة أخرى ترافق الرحلة لتلتقط اللقطات الخارجية، مما أضفى بعدًا بصريًا إضافيًا يُكمل العزلة الداخلية للمقصورة بلقطات من الخارج تُراقب الرحلة من مسافة.
يستثمر المونتير Dani Abo Louh هذا التوتر بإيقاع غير خطي، يتيح للزمن النفسي أن يسبق الجغرافي.
تُستخدم لحظات الصمت كأداة سردية توازي الحوار، فتتجلى المشاعر عبر اللقطات العابرة للمدن والطرقات أكثر مما تتجلى في الكلمات.
هنا يتجلى الحس الشعري للفيلم؛ إنه وثائقي الطريق الذي يتحول إلى قصيدة بصرية، حيث الحنين والاغتراب يمتزجان مع ضوء المساء الأوروبي وذاكرة المشرق.
في عروض الفيلم ضمن مهرجانات مثل BRIFF (بروكسل) وصوفيا السينمائي الدولي ومهرجان إسطنبول للأفلام الوثائقية، بدا واضحًا أن العمل يتجاوز خصوصيته الثقافية نحو كونية التجربة الإنسانية.
فـ«يلا بابا» يُقرأ بوصفه رحلة رمزية لأجيال تبحث عن معنى العودة والانتماء في عالم تتبدل حدوده وهوياته باستمرار.
وقد أضاف عرض الفيلم في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط بُعدًا آخر لتلقيه، إذ جاء في فضاء عربي متوسطي يعيد وضع الرحلة في سياق جغرافي وثقافي متقاطع بين الشرق والغرب.
تفاعل الجمهور العربي في الإسكندرية مع الفيلم كان محملًا بالحس الوجداني والنوستالجيا تجاه فكرة العودة، وبالرغبة في قراءة العلاقة بين الأجيال من خلال منظور إنساني وعاطفي قريب من التجربة اليومية.
وهكذا يتبدى أن قوة «يلا بابا» تكمن في قدرته على التحرك بين الحميمي والكوني، بين العائلة والتاريخ، وبين الفردي والجماعي، ليغدو العمل مساحةً مشتركة للتأمل في معنى الهوية والانتماء عبر البحرين -المتوسط والإنساني.
«يلا بابا!» فيلم طريق يتحول إلى فعل مصالحة عبر الصورة، حيث تمتزج الرحلة بالبوح، ويصبح الطريق مساحةً لاستعادة الذات وإعادة بناء العلاقة مع الآخر.
تمزج أنجي عبيد بين التوثيق والبوح الذاتي لتخلق عملًا يُعيد تعريف معنى العودة والرحلة في آن واحد.
وحين تصل الكاميرا إلى بيروت، تبدأ الحكاية من جديد؛ إذ يتحول السفر إلى تأمل هادئ في الذات والعودة، فتغدو الذاكرة صورة نابضة بالحياة، والصورة مساحة مفتوحة للمصالحة والبحث عن الجذور.