حقبة جديدة من الاقتصاد العادل (١)
تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT
يؤكد الواقع أن ثمة اتساعًا بين التقديرات الحكومية، والمؤسسات العالمية، بشأن القطاع الخاص بعدما شهدت الفترة الماضية مواصلة انكماشه ضمن مؤشر مديرى المشتريات.
لمجموعة ستاندرد آند بورز الأمريكية. التصريحات الحكومية بشأن تمكين الكيانات الخاصة تعددت خلال السنوات الماضية، ما بين دعم القطاع الخاص بقوة عبر إصلاحات بلغ عددها 144 إجراء خلال العام الماضى، أو أن نسبة مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد اتسعت وسوف تصل إلى نحو 75% خلال العام المقبل.
وقد جاء تقرير المؤسسة العالمية مخالفًا لذلك، حيث كشف مديرو المشتريات عن تراجعه فى مصر إلى 47.4 نقطة فى أبريل الماضى بعد أن كان 47.6 نقطة فى مارس، وتعرضت الطلبات الجديدة لقيود بسبب ضعف الطلب وزيادة الأسعار وتقلب العملة، مع عدم تفعيل برنامج الطروحات الحكومية بصورته الكاملة. وكما هو معلوم فإن مؤشر مديرى المشتريات الرئيسى هو رقم يتراوح بين صفر و100 فإذا كان أعلى من 50 يمثل توسعا بالمقارنة مع الشهر السابق، لكن إذا تمت قراءته بأقل من 50 فذلك يمثل انكماشًا، والقراءة عند 50 تشير إلى عدم وجود تغيير. ومع ظهور البيانات الحكومية المتعلقة بالتضخم عن شهر أبريل الماضى، والصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إذ كشفت عن تراجعه فى مصر على أساس سنوى إلى 31.8 % من 33.1% خلال مارس الماضي، لذا يدور تساؤل بشأن تأثير ذلك بالإيجاب على القطاع الخاص. ونرى أن ذلك لن يترتب عليه ارتفاع مؤشر مديرى المشتريات فى البلاد، أو وصوله إلى نقطة التعادل بين الهبوط والصعود، كون ذلك يرتبط باستمرار انخفاض التضخم لنحو شهرين أو ثلاثة أشهر على الأقل، لتظهر فعاليته على قرارات الاستثمار لدى القطاع الخاص. ويحتاج القطاع الخاص إلى محفزات كبيرة من أجل التوسع والإنطلاق. ونرى أن القطاع الخاص فى مصر يواجه عقبات تعرقله، ويبقى الأمل فى ضرورة تكاتف جهود التعاون الإقليمى والدولى بشأن تطبيق نظم المشاركة مع القطاع الخاص على النحو الذى يضمن الكفاءة والتركيز على نقاط القوة وتقديم الحلول الاستراتيجية، لتحقيق أهداف التنمية الإقتصادية الشاملة. وبالتالى فإن الهدف الأساسى الذى يجب أن نسعى إليه هو معالجة الإختلالات المالية والخارجية القائمة منذ وقت طويل، والتى تفاقمت بسبب الصدمات العالمية المتعددة. وقد تحول معها الاقتصاد نحو القطاعات غير التجارية ذات القيمة المضافة المنخفضة، ما أدى إلى ضعف أداء الصادرات والإستثمار الأجنبى المباشر. وأدى ارتفاع الدين الحكومى (الذى بلغ 95.2٪ من إجمالى الناتج المحلى فى آخر التقارير فى نهاية السنة المالية 2023)، وبالتالى ارتفاع مدفوعات الفائدة، إلى تقييد الإنفاق على رأس المال البشرى والحماية الاجتماعية. وكان التضخم مرتفعًا بشكل تاريخى، وسجل ارتفاعًا أكبر وصل إلى 33.8٪ فى عام 2023، بعدما كان 13.8٪ فى عام 2022، وقد أدت الصدمات العالمية الحادة، لا سيما الأزمة الروسية الأوكرانية، وتشديد السياسة النقدية العالمية، ومؤخرًا الصراع فى الشرق الأوسط، إلى تفاقم هذه الاختلالات الموجودة من قبل. وبالتالى فإن الخطة الحكومية المستقبلية تدور حول فلسفة الرئيس السيسى من أن الهدف من الاقتصاد الحر والسوق الحرة منح الفرصة للجميع، وهو ما أدى إلى تراجع دور الحكومة. وهو ما سنتناوله فى المقال القادم إن شاء الله.
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د علاء رزق التقديرات الحكومية الفترة الماضية القطاع الخاص
إقرأ أيضاً:
لماذا تسيطر الشركات الأجنبية على قطاع الهايبر ماركت؟
كثيرا ما أتساءل وأنا أرى شركات غير عمانية تتوسع في فروعها في قطاع البيع بالتجزئة أو ما يسمى بالهايبرماركت: هل وجود شركات غير عمانية تستثمر في هذا القطاع يعكس خللا في الاقتصاد؟ ولماذا تستطيع هذه الشركات افتتاح فروع عديدة وكبيرة تجد فيها كل شيء بينما لا نجد مؤسسة عمانية واحدة قادرة على ذلك؟ بل
إن بعض الشركات العمانية التي كانت تعمل في هذا القطاع قبل عدة سنوات وهي مؤسسات قليلة ومحدودة كادت تختفي من السوق في حين أن الشركات غير العمانية المنافسة لها نمت وتوسعت وافتتحت فروعا في معظم المدن الكبرى في سلطنة عُمان.
إن وجود شركات كبيرة قادرة على تلبية احتياجات المجتمع من السلع الغذائية والاستهلاكية والإلكترونيات والكماليات ونحوها من السلع الأخرى أصبح ضروريا في ظل النمو السكاني وتنوع متطلبات الأفراد واحتياجاتهم وتنوع منتجات المصانع العمانية والأجنبية. غير أن سيطرة الشركات الأجنبية على القطاع تعد أمرًا غير صحي سواء للاقتصاد أو للمجتمع؛ وكما نعلم فإن سلاسل الهايبرماركت الموجودة لدينا إنما هي فروع لشركات أجنبية موجودة خارج سلطنة عُمان وبالتالي فإن أي خلل في الشركات الأم سوف ينعكس سلبا على فروعها التي تكاد تسيطر على
القطاع لدينا.
تمتلك الشركات الأجنبية قدرة تسعير قوية وسلاسل إمداد فعالة ومنتشرة في العديد من دول العالم وبالتالي فإنه من الصعب على الشركات المحلية وخاصة محلات البقالة الصغيرة والمتوسطة التنافس معها وهو ما يؤدي إلى إضعاف الشركات المحلية العاملة في هذا القطاع، ولعل ما نشهده حاليا من النمو السريع لفروع الشركات الأجنبية مقابل التراجع في عدد محلات البقالة العمانية أحد مظاهر المنافسة غير المتكافئة في هذا القطاع، ولعل هذا هو أحد أسباب ضعف نمو المنتجات العمانية في الأسواق المحلية؛ في الوقت الذي تحظى فيه منتجات المصانع العمانية باهتمام كبير في العديد من أسواق دول مجلس التعاون والأسواق العربية والأوروبية.
وهناك العديد من التأثيرات السلبية الأخرى على الاقتصاد الوطني نتيجة للنمو الهائل لهذه الشركات في ظل عدم وجود شركات عمانية منافسة لها؛ من أبرزها تحويل الأرباح إلى الخارج حيث توجد المقرات الرئيسية لهذه الشركات، وهذا يعني أن جزءا كبيرا من عائدات هذه المحلات يذهب إلى خارج البلد بدلا من استثماره في الاقتصاد الوطني، أضف إلى هذا أن الشركات الأجنبية تعمد إلى توظيف القوى العاملة الوافدة بدلا من توظيف الشباب العماني باستثناء بعض الوظائف المتعلقة بالمحاسبة ونحوها، في حين تكون المناصب التنفيذية والقيادية للوافدين وهو ما يقلّص مكاسب مثل هذه المحلات في نقل الخبرات إلى الشباب العُماني وتطوير مهارات الكوادر الوطنية.
عندما نقوم بتحليل أسباب نمو هذه الشركات نجد أن النمو السكاني وارتفاع أعداد بعض الجنسيات التي تركز هذه الشركات على استقطابها، وتحول نمط الاستهلاك اعتمادا على التسوق الشامل من محل واحد بدلا من التسوق من محلات متباعدة تعد من أبرز أسباب هذا النمو، كما أن استثمار هذه الشركات في فروعها من حيث الرحابة والسعة ووسائل الراحة وتوفر مواقف السيارات أثر إيجابا على تجارب المستهلكين وشجعهم على الإقبال عليها، كما أن التسهيلات الحكومية للاستثمار الأجنبي، وتطور البنية الأساسية في سلطنة عُمان من حيث الموانئ والمطارات والطرق الفسيحة أسهما في تسهيل عمليات الاستيراد والتوزيع وتعزيز أداء الفروع.
وفي ظل وجود العديد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد الوطني نتيجة لسيطرة محلات الهايبرماركت الأجنبية على هذا القطاع وعدم وجود بدائل محلية منافسة لها فإنه من المهم أن تنظر جهات الاختصاص إلى هذه التأثيرات وتسعى إلى تقليصها؛ فالنمو المستمر لهذه الفروع ليس في مصلحة اقتصادنا الوطني وعلينا الحد من ذلك عبر تشجيع الشراكة بين الشركات الأجنبية والعمانية، والاهتمام بتعزيز وجود المنتجات العمانية في هذه المحلات والترويج لها، ومتابعة نسب التعمين خاصة في المناصب القيادية والتنفيذية، كما أن قيام صناديق الاستثمار المحلية والشركات الكبرى ورجال الأعمال بتأسيس علامة تجارية عمانية تستثمر في هذا القطاع أصبح أمرا ضروريا لتعزيز الأمن الغذائي ودعم المنتجات العمانية مع الاهتمام بتسهيل تمويل مثل هذه المشروعات بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد العُماني.