الصراع الأمريكي على الإخلاص لإسرائيل
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
نجح كل من بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب في «نقل النقاش» إلى مكان آخر ليس هو الواقع العسكري لما هو متاح، ولما هو مرتبط بسقوف زمنية، واحتمالات تمدّدية للنزاع، واختلاطية بسواه من النزاعات.
ففي كل من الحديث المبثوث لرئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أسابيع، والذي اتهم فيه إدارة الرئيس جو بايدن بحجب الإمداد العسكري عن إسرائيل، وكان مدخلاً لأزمة مع البيت الأبيض، جرى فيها تقاذف تهمة الجحود، ومن ثم في الجولة الأولى من المناظرة الرئاسية الأمريكية، وقد وجّه فيها دونالد ترامب لعرّاب حرب الإبادة الإسرائيلية بايدن التهمة أنّه «فلسطينيّ بائس» يحول دون تمكين إسرائيل من النصر المطلق على حركة حماس، ويعطّل عملية حسم الحرب بشكل ناجز، أيّ بالشكل الذي ترتئيه إسرائيل، ما عدنا نعرف إن كان يقصد إسرائيل – الحكومة أو إسرائيل – الجيش، فقد جرى في الحالتين، أي في كلّ من فيديو نتنياهو وسجالية ترامب، ابتداع خرافة أن الإدارة الأمريكية الحالية تبخل على إسرائيل بالسلاح وبالذخيرة، وتظلمها، وتحرمها من انتزاع النصر الكامل، الثأر النهائي الذي يشفي الغليل، ويلقّن الدرس للشعوب والجماعات العنيفة معاً، ولأجيال عديدة.
والشيء بالشيء إذ يُقاس، رغم الاختلاف في الموازين والسياقات، فقد سبق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كل من نتنياهو وترامب إلى اعتماد هذه الحيلة الخطابية.
فبعد كل الدعم العسكري والمالي السخيّ الذي قدمته منظومة الغرب الأطلسية للأوكران في مواجهة قوات الغزو الروسية، وبعد أن رفض الأوكران الاستماع للنصائح الغربية لهم قبل عام بالتريّث واحتساب عواقب الأمور قبل الشروع في هجوم واسع مضاد على طول الجبهة من الدونباس حتى خرسون، باتت التهمة الأوكرانية الموجهة للغرب بأنه لا يسهّل الأمور لكييف كي تُركّع الموسكوب.
طبعاً، القياس هنا بما يتعلّق بالحيلة الخطابية. أما من حيث ميزان القوى والأحجام فالهوة واسعة بين الحالتين. أوكرانيا تواجه دولة نووية كروسيا، وتحارب عن الغرب كلّه، وهي حرب حقها في الاستمرار كدولة أمة، مقروناً بالحق الإمبراطوري، «حقّ حلف شمالي الأطلسي» في التوسع شرقاً. أمريكا والأطلسي يدعمان أوكرانيا ضد روسيا، وفي الوقت نفسه يدركان أنّ خطر أن ينتهي هذا النزاع إلى استخدام السلاح النووي ليس خزعبلاتياً، وأنهم لا يستطيعون على أية حال أن يشاركوا بالجنود الأمريكيين والأوروبيين بشكل رسمي ومباشر في المعارك.
ومع ذلك، فالرئاسة الأوكرانية تجد أن الدعم الغربي أقل مما هي تطلب وتحتاج للظفر على روسيا، وربما تراه الآن أقل من الإنجاد المطلوب لعدم انقلاب الآية تماماً على طول الجبهة لصالح تقدّم الروس.
أما إسرائيل، فهي الممتلكة الوحيدة للسلاح النووي في الشرق الأوسط، وهي تحاصر قطاع غزة منذ سنين طويلة، بل أن انسحابها منه عام 2005 بقي، بموجب القانون الدولي، انسحاباً في إطار استدامة الاحتلال، بما أن القطاع لم يسلّم لطرف سياديّ فلسطيني.
وهي الآن تستخدم الحيلة الخطابية الزيلنسكوية نفسها، لكن بمحمول آخر: تنادي بتكريس كامل «لحقها» في المماهاة العملية الكاملة بين سكان قطاع غزة وبين حركة حماس، وتعتبر كل من يسعى لتمييز السكان عن حماس بأنهم يسدّدون لجيشها الطعنات في الظهر.
المفارقة هنا، أن مسارعة إدارة بايدن لتبني منظار نتنياهو بالكامل في الخريف الماضي وتمويل وتجهيز حرب الإبادة على قطاع غزة أدت عملياً إلى عدم استقرار في دعم الأطالسة المالي والعسكري المقدّم لكييف، في الوقت نفسه الذي نجح فيه نظام فلاديمير بوتين في إعادة شحن بطاريته الأمنية – السياسية في الداخل الروسي، وفي التخفيف حتى الآن من تداعيات العقوبات الغربية على روسيا، وفي تطوير علاقاته مع الصين وبلدان أساسية من الجنوب العالمي، وفي توسيع النفوذ الروسي «البلطجي» في عدد من البلدان الأفريقية، وبالتقاطع والتواشج مع كل هذا في تحسين الأداء على الجبهة في الدونباس، وعودة الروح للتواطؤ بين فلاديمير بوتين وبين اليمين الشعبوي، من المجر حتى «التجمع القومي» في فرنسا، مروراً بجيورجيا ميلوني الإيطالية، ووصولاً إلى دونالد ترامب.
يبدو ترامب بالمناسبة، وفي أقل الإيمان أكثر حيوية وثقة بالفوز من غريمه بايدن على الرئاسة، وقد نجح في فرض الانطباع بأنه في موقع الهجوم والاتهام وبايدن في موقع الدفاع وردّ التهم. وقد شمل ترامب في هجماته على بايدن زيلنيسكي بالسلبية والغطرسة تجاهه، لكنه استعار الحيلة الخطابية إياها: فكما يدّعي زيلنسكي بأن الغرب يحرم بلاده من النصر على روسيا طالما لا يقدّم لها هذا الغرب الدعم بالشكل الذي تحتاجه، كذلك ترامب، من بعد نتنياهو، يصوّران المسائل كما لو كان بإمكان إسرائيل أن تحقق نصراً كاملاً أزيد من التدمير الشامل للعمران وقتل خمسين ألفا من السكان، وأن إدارة بايدن تحرمها من النصر الكامل، بمجرّد أنّها تحاول استفهام نتنياهو عن التصور الذي يتبناه لليوم التالي بعد العمليات الحربية والتدميرية.
التهمة الرئيسية التي يكيلها الزوج ترامب ـ نتنياهو لبايدن أنّه يعكّر صفو إسرائيل ويلهيها «نفسياً» وليس فقط «لوجستيّاً» عن النصر.
ما يحاول بايدن قوله في المقابل – لكن هذا يجعله حكماً في موقع أضعف، سواء بحكم طبيعة الانتخابات من جهة أو بحكم ضعف حيويته مقارنة بصخب ترامب وجموحه – هو أنّه أكثر قلقاً على إسرائيل والكيفية التي ستتدبّر بها أمورها من الآن فصاعداً من كل قيادات وكوادر حزب الليكود.
أي أنه «صهيوني بعيد النظر» يواجه «صهيونيين قصيري النظر» يأخذون إسرائيل إلى استنزاف لا يمكن للدعم الأمريكي ولو تواصل أن يحول دون تداعياته إن هو استمرّ على هذه الوتيرة.
ما ينتبه له بايدن، بعكس نتنياهو وترامب، هو أن الحرب الحالية، بالأفق الذي اختاره حكام إسرائيل لها، هي من النوع الذي قد يؤدي، في حال لم يرتبط أمدها بتصور لما بعدها، إلى تحجيم وزن إسرائيل في الإقليم، لصالح اتساع نفوذ إيران، وتخبط الدول العربية «المعتدلة» وكل هذا يرفع بشكل نوعي وباهظ الثمن، من حاجة إسرائيل للدعم الغربي لها، في مقابل تراجع المردود الذي ينتظر أن يؤمنه هذا الدعم المتضاعف لأمريكا والغرب، وفي الوقت نفسه تتزايد في هكذا وضع نغمة «الجحود الإسرائيلي» تجاه كل ما يقدّمه الغرب للدولة العبرية، فيكابر هذا الجحود على ما يراه بعض الغرب على الأقل،
وهو أن الحرب، في فاتورتها الحالية، هي، ولو في بعد من أبعادها، حرب بمحمول تصادمي بين ديانتين يتجاوز الفارق في أعداد أتباع كل منهما بنسبة واحد (اليهودية) إلى مئة (الإسلام).
والحال أن التعبئة العامة الشاملة للمسلمين ككل، وإن كانت وهماً بلا أساس فعليّ، إلا أن الشكل الحالي للحرب – الإبادة لا يمكن أن يمرّ من دون انعكاس مزمن على العلاقة بين اليهود كيهود والمسلمين كمسلمين. ليس هذا مباشرة المنظار المعتمد في إدارة بايدن وقد كانت البادئة في تسويغ الحرب الذي أخذت منحى إبادياً. إنما تقترب هذه الإدارة جزئياً من هذا المنظار، في النقطة التي ترى فيها أنه لا يمكن النظر إلى الحرب الحالية على أنها تجري في قطاع غزة فقط، وأن جلّ ما على الإدارة الأمريكية القيام به هو عزل ما سوى ذلك من الساحات، اللبنانية والعراقية واليمنية، كي تتمكن إسرائيل من انجاز المهمة في القطاع بالكامل.
مصلحة الإدارة «الديمقراطية» في واشنطن الآن انتهاء الحرب الحالية قبل الانتخابات، وعدم ظهورها في الوقت نفسه في مظهر أنّها عرقلت إسرائيل في حربها. لكن انتهاء الحرب إنما تثقل عليها في الوقت نفسه دينامية الانتخابات الأمريكية نفسها. واجتماع ترامب ونتنياهو على توجيه تهمة عرقلة النصر لبايدن ليس في صالح الأخير. كل هذا لم يعد يرتبط بجبهة غزة. بل كذلك بجبهة لبنان. وهنا، نتنياهو وليس بايدن، أمام مشكلة. فكي يدخل نتنياهو في تصعيد كبير على هذه الجبهة لا بدّ له من غطاء أمريكي. وإلا، بات عليه انتظار وصول ترامب إلى الرئاسة لينال مثل هذا الغطاء. وهذا، يجعل السيناريو الآخر مفتوحاً: أن يوضع «حزب الله» وإيران في خانة أن التصعيد ضدهم مباشرة، آت لا محالة مع وصول ترامب، ألا يجرّهم هذا لاستباق الأوضاع؟ من قال أن «7 أكتوبر» محكوم باللاتكرار المطلق؟!
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال امريكا غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الوقت نفسه قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
ترامب يهاتف نتنياهو وسط مساع للتهدئة بين إسرائيل وسوريا
تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هاتفيا مساء الاثنين، على خلفية مساعي واشنطن لتهدئة التوترات بين تل أبيب ودمشق، وفق إعلام عبري.
وقال مكتب نتنياهو في بيان: “رئيس الوزراء تحدث قبل وقت قصير مع الرئيس الأمريكي ترامب”.
وأضاف: “أكد الزعيمان في حديثهما على أهمية والالتزام بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية وتجريد قطاع غزة من السلاح، وبحثا توسيع اتفاقيات السلام (دون مزيد من التفاصيل)”.
ودعا ترامب نتنياهو إلى “لقاء في البيت الأبيض في المستقبل القريب”، وفق المصدر ذاته.
وفي حين خلا بيان نتنياهو من الإشارة إلى سوريا، قالت هيئة البث العبرية الرسمية إن المكالمة بين نتنياهو وترامب جاءت على خلفية مساعٍ أمريكية لتهدئة التوترات بين تل أبيب ودمشق بعد عملية التوغل الإسرائيلية في بلدة بيت جن جنوبي سوريا.
وأضافت الهيئة: “تسعى الولايات المتحدة إلى تهدئة التوترات بين إسرائيل وسوريا بعد الحادث الذي وقع نهاية الأسبوع الماضي، والذي أصيب فيه 6 جنود إسرائيليين بنيران أُطلقت عليهم في قرية بيت جن جنوب سوريا”.
والجمعة، توغلت دورية إسرائيلية في بلدة بيت جن بريف دمشق جنوبي سوريا، ما أدى إلى وقوع اشتباك مسلح مع الأهالي، أسفر عن إصابة 6 عسكريين إسرائيليين بينهم 3 ضباط.
عقب ذلك، ارتكبت تل أبيب مجزرة انتقاما من أهالي البلدة الذين حاولوا الدفاع عن أرضهم، عبر عدوان جوي أسفر عن مقتل 13 شخصا، بينهم نساء وأطفال، وإصابة نحو 25 آخرين.
وجدد الجيش الإسرائيلي، امس الاثنين، انتهاكه سيادة سوريا بتوغل قوة وآليات عسكرية في ريف القنيطرة جنوب غربي البلد العربي.
ورغم أن الحكومة السورية لم تشكل أي تهديد لتل أبيب، يواصل الجيش الإسرائيلي توغلاته، ويشن غارات جوية قتلت مدنيين ودمرت مواقع وآليات عسكرية وأسلحة وذخائر تابعة للجيش السوري.
وتأتي المكالمة مع نتنياهو بعد وقت قصير من تصريحات لترامب مساء الاثنين، على منصته “تروث سوشال”، قال فيها: “من المهم جدا أن تحافظ إسرائيل على حوار قوي وحقيقي مع سوريا، وألا يحدث أي شيء من شأنه أن يتعارض مع تطور سوريا إلى دولة مزدهرة”.
وأضاف: “يعمل الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، بجد لضمان حدوث أمور جيدة (بخصوص الحوار مع إسرائيل)، وأن تتمتع كل من سوريا وإسرائيل بعلاقة طويلة ومزدهرة معا”.
بدورها، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إن مكالمة نتنياهو- ترامب “جاءت بعد يوم واحد من تقديمه (نتنياهو) طلب العفو إلى الرئيس إسحاق هرتسوغ، وبعد وقت قصير من إرسال واشنطن رسالة واضحة إلى إسرائيل على خلفية التوتر مع سوريا”
وأكثر من مرة، طالب ترامب هرتسوغ، منح نتنياهو العفو الرئاسي لإنهاء محاكمته بقضايا الفساد الموجهة ضده بإسرائيل.
والأحد، قدم نتنياهو الذي يحاكم في 3 قضايا فساد، طلبا رسميا للرئيس للعفو عنه ووقف محاكمته، بينما يتوقع مراقبون أن يبت هرتسوغ في الطلب خلال مدة قد تستغرق أسابيع.
ويواجه نتنياهو اتهامات بالفساد والرشوة وإساءة الأمانة في 3 ملفات تستلزم سجنه بحال إدانته، بينما يرفض الاعتراف في أي منها.
ووسط ضغوط سياسية داخلية وخارجية، يقف الرئيس الإسرائيلي أمام 3 سيناريوهات معقدة في تعامله مع طلب نتنياهو بالعفو، إما بالرفض أو القبول، أو تسوية مشروطة بترك الحياة السياسية مؤقتا أو وقف مسار تعديلات قضائية مثيرة للجدل، وفق مراقبين.
الأناضول