بعد جرب الطوفان: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟
تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT
نكتب ساخرين رغم آلام غزة، وحُق لنا أن نسخر من النظام الرسمي العربي وخاصة ما كان يسمى بالدول المؤثرة أو ذات الثقل، ولا نظنه بعد الطوفان إلا ثقل شحوم ودهون (ونحفظ للمقال رائحة طيبة). سقطت إلى الأبد مؤسسة كانت تسمى الجامعة العربية، وتلك الجملة التي تليها في نشرات الأخبار مؤسسات العمل العربي المشترك.
يحق لنا طرح السؤال، فقد عشنا طيلة أكثر من نصف قرن بوهم تحرير فلسطين عبر العمل العربي المشترك، فإذا الأنظمة العربية تشترك كل بما استطاعت من وسائل في تأبيد احتلال فلسطين، وفوق ذلك لا يستحون أن يفضح العدو تحريضهم إياه على تدمير المقاومة.
بماذا سيحكمون شعوبهم الآن وقد انفضح تآمرهم على المقاومة وعلى من يناصرها ولو بالكلمة؟ ستكسب المقاومة الكثير من حربها وهي الآن فاعل مركزي في المنطقة، فكيف ستفعل الأنظمة التي تكلمت ذات يوم باسم فلسطين وتحرير المقدسات؟
عشنا طيلة أكثر من نصف قرن بوهم تحرير فلسطين عبر العمل العربي المشترك، فإذا الأنظمة العربية تشترك كل بما استطاعت من وسائل في تأبيد احتلال فلسطين، وفوق ذلك لا يستحون أن يفضح العدو تحريضهم إياه على تدمير المقاومة. بماذا سيحكمون شعوبهم الآن وقد انفضح تآمرهم على المقاومة وعلى من يناصرها ولو بالكلمة؟
لم نعد نر إلا أجهزة القمع
منذ أول انقلاب عسكري عربي كان خطاب الشرعية السياسية يقوم على معركة تحرير الأمة، بدءا بتحرير فلسطين، ولا نحصي كم حج خطباء الانقلابات إلى القدس الشريف. لكن بعد حرب الطوفان والتآمر على المقاومة هل مازال يمكن تسويق هذا الخطاب للجمهور الذي عاش المعركة ومُنع بكل السبل من المشاركة فيها أو حتى التبرع لها بالدم؟
هذه الذريعة لبناء الشرعية سقطت بل تعرت ككذبة وفضيحة وصارت مطعنا في الشرعية السابقة، لقد صحح الطوفان إذن الأكاذيب السابقة وسحب الأكاذيب الراهنة ومنع أكاذيب في المستقبل. الأنظمة العربية إلا الاستثناء القطري لم تعد تملك الكذب باسم فلسطين، ولن يمكنها إسناد كراسيها على المعركة القومية التي خذلوها. وما يسرى على الأنظمة يسري على الحركات السياسية القومية واليسارية التي تدافع عن هذه الأطروحة وتبني عليها وجودها، ومن أجلها وقفت مع كل انقلاب حتى صارت مجرد حركات انقلابية.
وإذا أضفنا هذا الخذلان السياسي والعسكري للمقاومة إلى فشل الأنظمة العربية في كل معارك التنمية المعلنة ودفعها بلدانها إلى درجات من التداين التي تكبلها الآن وفي المستقبل، فبماذا ستسند شرعيتها؟ علما أن لا أحد منها وصل الحكم بانتخاب نزيهة أو تقف وراءه كتلة شعبية محترمة أو خاض معركة حقيقة حتى ضد وباء كورونا. لم تبق إلا أجهزة القمع بكل عتادها، ونظنه العتاد الوحيد الصالح للاستعمال في ثكنات الأنظمة.
وتيرة القمع سترتفع
تآكل عناصر الشرعية لم يُبق للأنظمة العربية أسسا تحكم بها غير أن تغتصب إرادة شعوبها لمدة أخرى بوتيرة قمع أشد وأنكي. تقف معها الآن فئات من الطامعين في الفيء، ولكن هذا الفيء نفسه يتقلص باستمرار ولن يكون بالإمكان رشوة أجهزة إعلامية عالمية ذات مصداقية للدفاع عنها. وحتى الصحف الغربية ذات الصيت التي كانت تنشر لها مقالات دعاية مدفوعة الأجر فقدت مصداقيتها في حرب الطوفان، ولن يمكن ترويج المزيد من الأكاذيب عن نجاحات سياسية عربية أمام شعوبها أو أمام العالم. لقد مسح بها نظام جنوب أفريقيا البلاط.
ولقد استعمل الكيانُ الأنظمةَ قبل الطوفان ثم استنزفها حتى العظم في هذه المعركة، وباركت الأنظمة الغربية دور هذه الأنظمة وأسندتها بالمال والسياسة. ولكن الأنظمة الغربية فقدت الكثير من المصداقية أمام شعوبها وستناور في المدة القريبة -بمجرد الوصول إلى وقف إطلاق نار- من أجل ترميم علاقتها بشعوبها الثائرة، ومن أجل إعادة تسليك قنوات العمل لشركاتها التي تضررت بالمقاطعة. ومن أجل ذلك ستتخلى عن كثير من دعم الأنظمة العربية وتمارس تمثيليات دعم الديمقراطية وهي عادة تتقنها، ولهذا ثمن مالي وسياسي في مدى منظور.
استعمل الكيانُ الأنظمةَ قبل الطوفان ثم استنزفها حتى العظم في هذه المعركة، وباركت الأنظمة الغربية دور هذه الأنظمة وأسندتها بالمال والسياسة. ولكن الأنظمة الغربية فقدت الكثير من المصداقية أمام شعوبها وستناور في المدة القريبة -بمجرد الوصول إلى وقف إطلاق نار- من أجل ترميم علاقتها بشعوبها الثائرة، ومن أجل إعادة تسليك قنوات العمل لشركاتها التي تضررت بالمقاطعة. ومن أجل ذلك ستتخلى عن كثير من دعم الأنظمة العربية وتمارس تمثيليات دعم الديمقراطية
سنسمع في منتديات الغرب السياسية حديث دعم الحريات والديمقراطية في مصر وتونس والجزائر وحتى في حقول النفط السعودية، وتترجم هذه الخطابات بابتزاز وضغط قد تفلح نخب مقموعة في الاستفادة منه والخروج إلى الشوارع (وإن كان هذا أمل ضعيف). كل هذا سيدفع الأنظمة إلى المزيد من القمع والفشل الاقتصادي، بما يجعلها في مواجهة شوارع مفقرة ومقهورة ترى في يحيى سريع بطلا قوميا وتسخر من السيسي وتبون وسعيد.
شرعية المقاومة تعود وتوجه الشارع العربي
هذه نتيجة مباشرة وسريعة لمعركة الطوفان، لقد اتضحت الصفوف وتعمق الفرز حتى لم يعد هناك مجال للتراجع. توقعاتنا وهي متفائلة أن لن تطير الطائرات فوق غزة وترجمها، لقد استقلت غزة وستعاني إعادة الإعمار بنفس الروح التي قاومت بها لتسعة شهور (نرجح تواصل المناوشات حتى نهاية السنة). وستتكلم المقاومة وأنصارها في الشعوب عن مكاسب المقاومة وتبني عليها، وسيكون خطابها القادم القدس محررة دون تدخل الأنظمة المتواطئة.
شرعية أخرى قامت على الأرض وخارج الخطاب القومجي المخادع للأنظمة وللحركات القومية التي تخلفت عن المعركة. لقد خاب ظننا وقت المعركة من درجة التعاطف الشعبي الضعيفة وعدم تثوير الشوارع العربية مع المقاومة، ولكن هبة الأردنيين للتبرع بالدم عندما نادى المنادي بذلك كشفت مقدار الإخلاص للمقاومة، وهذه أرصدة كامنة سيكون لها أثر وفعل في قادم الأيام.
لقد ترك الربيع العربي أثرا في النفوس وطعم الحرية لم يغب عن ألسنة تذوقته، وقد أعقبته مرارة الانقلابات والخيبة ولكن رُب خيبة تعلم. سيخوض التونسيون انتخابات مغشوشة ويزداد وعيهم بالحرية، وستكون لأزمات الكهرباء وانقطاع مياه الشرب وتجميد الرواتب وإغلاق باب التشغيل وحتى انعدام أعلاف الدواب؛ أثر في النفوس. وهذه التراكمات مضافة إلى انتصار غزة واستقلالها لن تكون بلا تأثير، إنما الأمر متعلق بقادح لا يمكن توقعه.
في انتظار هذا القادح المجهول الذي قد يكون صفعة أمنية أخرى على وجه فقير مثل البوعزيزي فإننا يقنّا أن لا نظام من أنظمة الحكم العربية يملك شرعية البقاء وشرعية الحكم، لقد كشفتهم حرب الطوفان فتعرت بقية العورات التنموية والسيادية. نحن الآن محكومون بأجهزة قمعية تحمي أنظمة فاشلة ومعادية لشعوبها، وهذا وضع مؤقت كلما رفع من درجة القمع ليبقى انكشف أكثر مثل ضرس أصابه سوس.
السياسي العربي المعارض الذي سيرتب جمله وأفعاله على نتائج حرب الطوفان سيكون له الحق في قيادة شعبه نحو نصر ديمقراطي عظيم. متى ذلك؟ لقد علمتنا غزة الصبر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة غزة المقاومة العالم العربي طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأنظمة الغربیة الأنظمة العربیة حرب الطوفان ومن أجل من أجل
إقرأ أيضاً:
فصائل المقاومة ترحب بجهود مساندة فلسطين وتشترط لحل قضية الأسرى
قالت فصائل المقاومة الفلسطينية -اليوم الخميس- إن أي جهد يُبذل على المستوى الدولي لإسناد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة هو محل تقدير وترحيب، مشيرة إلى استعدادها لحل قضية الأسرى ضمن اتفاق لوقف إطلاق النار وانسحاب الاحتلال من غزة وفتح المعابر.
وأكدت الفصائل –في بيان مشترك نشرته حركة المقاومة الإسلامية (حماس)- أن الطريق إلى الحل يبدأ بوقف عدوان الاحتلال والإبادة والتجويع على الشعب الفلسطيني وأكدت ضرورةَ الذهاب لمسار برعاية دولية وعربية يؤدي لإنهاء الاحتلال وتحقيق تطلعات الفلسطينيين.
وشددت الفصائل على أن المقاومة بكل أشكالها رد فعل طبيعي ومشروع، وأنها لن تتوقف إلا بزوال الاحتلال، مشيرة إلى أن "الحديث عن دمج الكيان الصهيوني بالمنطقة مكافأةٌ على جرائمه ومحاولةٌ بائسة لإطالة بقائه".
???? في بيان مشترك.. حركتا حماس والجهاد والجبهات الشعبية والديمقراطية والقيادة العامة، وقوات الصاعقة:
– الطريق إلى الحل تبدأ بوقف العدوان على شعبنا، ووقف جريمة الإبادة الجماعية وسياسة التجويع الممنهجة.
– المقاومة الفلسطينية تؤكد استعدادها لحل قضية الأسرى لديها ضمن سياق اتفاق لوقف… pic.twitter.com/18W21mFNiD
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) July 31, 2025
ويأتي بيان الفصائل بعد مؤتمر "حل الدولتين" الذي انعقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك وقاطعته واشنطن وتل أبيب، ودعا في بيانه الختامي الثلاثاء الماضي، إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ومنحها عضوية كاملة بالأمم المتحدة.
وأوضحت الفصائل في بيانها المشترك، أن الشعب الفلسطيني يطالب باعتراف دولي غير مشروط بدولته المستقلة وحقوقه الوطنية الثابتة باعتبارها استحقاقا سياسيا وعدالة تاريخية لا يجوز التفاوض عليه أو تأجيله.
ومن الفصائل الفلسطينية التي وقّعت على البيان: حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي والجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية –القيادة العامة، وطلائع حرب التحرير الشعبية– قوات الصاعقة، وفق وكالة الأناضول.
إعلانواعتبرت الفصائل أن المشهد الفلسطيني شأن داخلي، داعية إلى تنفيذ الاتفاقات الوطنية السابقة المُوقعة، التي نصت على ضرورة إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، و"إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بما يعزز موقعها القانوني والتمثيلي للكلّ الفلسطيني".
وأكدت على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني في الداخل والخارج، على أسس وطنية وديمقراطية ومن دون اشتراطات مسبقة.
وقالت الفصائل، إن اليوم التالي لانتهاء العدوان على غزة هو "يوم فلسطيني بامتياز ويجب أن تتضافر فيه جهود ومكونات شعبنا كافة جنبا إلى جنب مع جهود البناء والإعمار، لاستعادة وحدتنا الوطنية، وترسيخ شراكة حقيقية تليق بتضحيات شعبنا وصموده".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة في غزة خلفّت أكثر من 207 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.