بين حلم ضائع وترحيل قد ينتهي بالإعدام.. واقع يحاصر اللاجئين السوريين في لبنان
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
حينما أعلنت رئيس المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في مطلع مايو الماضي، عن مساعدات للدولة اللبنانية بقيمة مليار يورو (1.07 مليار دولار)، كان الهدف الأساسي منها هو الحد من الهجرة غير الشرعية للاجئين السوريين إلى قبرص.
وتسببت الزيادة الكبيرة في أعداد السوريين الذين وصولوا إلى قبرص من لبنان على متن قوارب الهجرة، في تعليق نيقوسيا معالجة جميع طلبات اللجوء المقدمة من السوريين مؤقتا في منتصف أبريل.
وقد وصل العدد إلى 3481 شخصًا بين يناير ومايو من هذا العام، وفق تقديرات أممية.
ومع وجود أزمة في الدول الأوروبية بشأن المهاجرين، يواجه السوريون في لبنان "عداء متزايدًا من السكان والحكومة"، وفق تحليل لمجلة فورين بوليسي الأميركية.
واعتبر التحليل أن السوريين الذين فروا من بلادهم منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011، ووصل عددهم حاليًا إلى ما بين 1.5 مليون ومليوني لاجئ على الأراضي اللبنانية، أصبحوا "كبش فداء لمشاكل لبنان الداخلية".
وأوضحت المجلة أن هناك قرابة 800 ألف شخص منهم تسجيلهم بشكل رسمي لدى الوكالات الأممية الخاصة باللاجئين.
وعلى الرغم من أن بعضهم يعمل في قطاعي الزراعة والبناء، فإن 9 من بين كل 10 أشخاص يحتاجون إلى مساعدة إنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وذكرت فورين بوليسي أنه مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان على مدار السنوات الخمس الأخيرة، أصبح اللاجئون "كبش فداء سهل لمشاكل البلاد". وخلال الأشهر الأخيرة، واجهوا "العنف والكراهية من بعض المواطنين اللبنانيين، فضلا عن الاعتقالات والترحيل والتعذيب على يد الحكومة".
وأشار التحليل إلى أنه نتيجة هذه الظروف، "يشعر اللاجئون السوريون بأنهم في حصار بين الحلم البعيد المتمثل في الاستقرار في أوروبا، وبين المناخ العدائي في لبنان، والخوف من الترحيل إلى وطنهم، حيث تمكن أن يواجهوا أحكاما بالإعدام".
ويسعى لبنان منذ عام 2022 إلى تنفيذ عودة طوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، بدعوى أن مناطق كثيرة في سوريا باتت آمنة في الوقت الحالي.
ووفق "فورين بوليسي"، فقد أرجعت السلطات اللبنانية ذلك أيضًا إلى أن هناك أزمة اقتصادية حادة في البلاد، ناجمة عن استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين.
وأشارت المجلة إلى أن أحد أسباب المساعي اللبنانية أيضًا، جاء بعدما عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية، مما عزز جهود إعادة اللاجئين.
وفي سياق متصل، تضغط دول أوروبية مثل قبرص والدنمارك على الاتحاد الأوروبي من أجل اعتبار مناطق معينة في سوريا "آمنة"، لكن منظمات حقوقية دولية مثل "العفو الدولية" تعتبر أن مثل هذه الخطوة "ستمثل انتهاكا لمبدأ عدم العودة القسرية للاجئين"، الذي يحظر إعادة اللاجئين إلى دول يمكن أن يواجهوا فيها التعذيب أو الاضطهاد.
وشهد ملف اللاجئين السوريين في لبنان تصعيداً غير مسبوق في الفترة الأخيرة من قبل الحكومة اللبنانية، التي تسعى لترحيلهم بكل الوسائل الممكنة، على الرغم من تحذيرات المنظمات الحقوقية من مخاطر الإعادة القسرية إلى سوريا، التي "تعتبر بلداً غير آمن حتى الآن".
وخلال الفترة الممتدة بين 25 أبريل و6 يونيو 2024، وصل إلى مرصد السكن موجة من بلاغات الإخلاء والتهديد بالإخلاء التي استهدفت السكان السوريين فقط، حيث بلغ عدد البلاغات 48 بلاغاً.
ومرصد السكن "منصة إلكترونية تهدف إلى جمع البحوث وبناء المناصرة وطرح البدائل، من أجل تعزيز الحق في السكن في لبنان"، وفق التعريف على موقعه الإلكتروني الرسمي.
واعتبر المرصد أن "هذه البلاغات تأتي نتيجة سلسلة من التعاميم التمييزية التي أصدرتها السلطات المحلية في لبنان ضد اللاجئين السوريين، مما أثر على 2500 شخص على الأقل".
وأشار مرصد السكن إلى أن "هذه العائلات تعيش في لبنان منذ سنوات، حيث استقرت 35 بالمئة منها في المنزل ذاته لأكثر من 5 سنوات، وتدفع جميعها قيمة إيجار مساكنها. وتتكلف النسبة الأكبر منها، حوالي 60 بالمئة، ما بين 100 إلى 200 دولار شهرياً، رغم أن ظروف السكن غالباً ما تكون غير صالحة".
من جانبها، أشارت "فورين بوليسي" إلى أن رأفت فالح (33 عاما) وهو أحد المنشقين عن الجيش السوري الذي لجأ إلى لبنان عام 2022، اعتقلته السلطات اللبنانية في يناير، ثم اختفى بعد ذلك.
وتواصلت المجلة مع أسرته في سوريا هاتفيًا، وقالوا إنهم اكتشفوا أنه معتقل في سجن صيدنايا العسكري قرب دمشق، وهو سيئ السمعة معروف بأنه "مسلخ بشري".
وأشارت الأسرة إلى أنهم تمكنوا من زيارة فالح وكانت حالته الصحية سيئة للغاية، بسبب سوء التغذية والتعذيب.
وفي مارس الماضي، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بمقتل شابين اثنين تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي في سجن صيدنايا.
وبذلك، يرتفع إلى 14 عدد الذين وثق المرصد مقتلهم تحت وطأة التعذيب داخل المعتقلات الأمنية التابعة للنظام السوري منذ مطلع عام 2024، من بينهم ناشط سياسي وطالب جامعي وكاتب ومهندس.
ولم يعد سجن صيدنايا العسكري في سوريا "ثقبا أسودا" كما كان لسنوات طويلة منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي، إذ كشف تحقيق مطول بالتفاصيل الدقيقة ما يجري خارج أسواره وداخلها، وهيكليته وعلاقاته التنظيمية مع بقية المؤسسات الأمنية التابعة للنظام السوري.
والتحقيق الذي عملت عليه "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" لعام كامل ونشرته في أكتوبر 2022، خطوة هي الأولى في نوعها بشأن هذا المعسكر الأمني، الذي أطلقت عليه "منظمة العفو الدولية" قبل سنوات وصف "المسلخ البشري"، والسجن الذي "تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء".
ويعتبر "صيدنايا" واحدا من "أكثر الأماكن سرية في العالم"، وطالما بث اسمه "الرعب في قلوب السوريين". وهؤلاء ارتبط ذكر هذا المكان عندهم بفقدان الأحبة وغيابهم، بينما حفر في ذاكرة المجتمع الكثير من الأسى، وفق الرابطة الحقوقية.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فورین بولیسی فی لبنان فی سوریا إلى أن
إقرأ أيضاً:
متى ينتهي الرد الإيراني على إسرائيل؟
طهران- على وقع تصاعد وتيرة الضربات المتبادلة بين تل أبيب وطهران لليوم الخامس على التوالي تتواصل الدعوات الإقليمية والدولية لاحتواء التصعيد وفتح مسارات للحوار تمهيدا لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، لكن إيران أبلغت الوسطاء عدم استعدادها لخوض مفاوضات في وقت تتعرض فيه لهجوم إسرائيلي مستمر.
وإذ نقلت وكالة رويترز عن مسؤول مطلع على الاتصالات الجارية قوله إن الإيرانيين أوضحوا للوسطاء أنه "لن تكون هناك مفاوضات جدية قبل أن تستكمل إيران ردها على الضربات الاستباقية التي شنتها إسرائيل" رسم موقف طهران علامة استفهام عن سبب إصرارها على ضرورة استيفاء حقها بالرد القوي والموجع لتل أبيب قبل السماح للوساطات بالتحرك.
وبينما يبحث المراقبون بطهران في مواقف المرشد الأعلى علي خامنئي للوقوف على توجهات الجمهورية الإسلامية -ولا سيما على صعيد سياستها الخارجية- نجد أنه توعد إسرائيل بـ"مواجهة تداعيات قاسية جراء هجومها الواسع" على بلاده، مؤكدا أن القوات المسلحة الإيرانية "ستجعل الكيان الصهيوني الخبيث في حالة يرثى لها".
موقف رسميولدى تعليقه على الهجوم الإسرائيلي على بلاده وعد خامنئي الشعب الإيراني بـ"عدم التهاون في الرد"، مشددا -في خطاب تلفزيوني تزامن بثه وانطلاق أولى موجات القصف الصاروخي على إسرائيل- على أن "الكيان الصهيوني لن ينجو بسلام من هذه الجريمة".
وعلى الرغم من أن مقولة "لسنا دعاة حرب وإنما نريد السلام" تكاد تتحول إلى جزء ثابت في خطابات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، لكن مهاجمة طهران في خضم خوضها مفاوضات مع الجانب الأميركي لا تمنع مستشاره السياسي مهدي سنائي من التأسي بالمقولة اللاتينية الشهيرة "إذا أردت السلام فاستعد للحرب".
ونقلت صحيفة "إيران" الحكومية عن سنائي قوله إنه "في اللحظة التي كانت فيها المفاوضات النووية تقترب من أفق واضح اعتدى الكيان الإسرائيلي على بلدنا، وهو ما يخالف ميثاق الأمم المتحدة وينتهك بديهيات القانون الدولي، فكان في الواقع هجوما على الدبلوماسية وإمكانية التوصل إلى اتفاق، بلا شك فإن أي إعادة محتملة للمفاوضات تمر عبر الشجاعة والرد الحازم على المعتدي".
إعلانعسكريا، اعتبر الحرس الثوري الإيراني أن عملية "الوعد الصادق 3″ تمثل انطلاقة فعلية لـ"مسار الانتقام الوطني" من إسرائيل، محذرا إياها -في بيان له- من أن "عصر الجرائم بلا عقاب قد ولى إلى غير رجعة"، وشدد على أن العمليات العسكرية الإيرانية ستدخل مراحل تصعيدية أوسع بناء على ما وصفه بـ"حق الرد المشروع".
المباغتة العسكريةومن أجل "استيفاء الجمهورية الإسلامية حقها المشروع بالرد على الاعتداء الإسرائيلي"، يشير الرئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه إلى أن الكيان الإسرائيلي يعد "طرفا معتديا" بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، مما يلزمه بتسديد تعويضات كاملة عن الأضرار وتلقّي إدانة دولية، مما يبرر لطهران التصدي لمخالفاته المتكررة.
وفي مقال نشره بصحيفة "آرمان ملي" تحت عنوان "الرد علی الاعتداء" يسلط فلاحت بيشه الضوء على مبدأ "المباغتة العسكرية" لتحقيق تفوق سريع في الحروب التي تشنها إسرائيل على محيطها العربي، بدءا من حرب عام 1967 حتى العدوان الأخير على حزب الله، مؤكدا أنه مهما طالت فترة الحرب تتآكل فاعلية هذه المنهجية العسكرية لدى تل أبيب.
وبينما يعتقد الكاتب أن الضربات الصاروخية الإيرانية أضحت تُحدث خسائر "غير مسبوقة" في تاريخ صراعات إسرائيل الإقليمية يرى أن استمرار الحرب التصعيدية سيعزز فاعلية الردع الإيراني، وستزيد الضربات "إيلاما وحسما" مع تحول الصراع إلى معركة استنزاف طويلة المدى.
وفي السياق، تصف افتتاحية صحيفة "سياست روز" الحديث الأوروبي عن ضرورة وقف إطلاق النار عبر السبل الدبلوماسية "نفاقا" يهدف إلى شراء الوقت ومنح الجانب المعتدي فرصة لإعادة ترتيب أوراقه واستعادة قواه بعد تلقيه ردا صاعقا لم يكن في الحسبان، متسائلة عن سبب تقاعس القوى الغربية عن التحرك لوقف إطلاق النار في قطاع غزة طالما امتلكت إسرائيل اليد العليا في تلك المعركة.
وفضلا عن "الدوافع العقائدية التي تحول الصراع مع الكيان المحتل -الذي طالما تمادى في عدوانه ضد فصائل محور المقاومة- من نزاع سياسي إلى واجب ديني" تهدف طهران عبر ضرباتها الصاروخية إلى تكريس نظرية "الردع المتقابل" وتدمير صورة أسطورة "إسرائيل التي لا تُقهر" في وعي الرأي العام العالمي.
أسعار البترولوقد لا يكون هناك مبرر لذهاب إيران إلى مفاوضات من أجل وقف إطلاق النار طالما تمكنت من إحداث تحول مفاجئ في موازين القوة العسكرية، وذلك في ظل تراجع أسهم شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية بعد إسقاط الدفاعات الجوية الإيرانية 4 من مقاتلات الشبح "إف-35".
وفي الشأن نفسه، كتبت صحيفة "سياست روز" في تقرير تحت عنوان "بيدق ملك المعركة الجوية في قبضة النمور الإيرانية" أن التصعيد الأخير كشف عن نقلة نوعية في منظومات الدفاع الجوي إيرانية الصنع، ومنها منظومة "باور-373" التي حولت سماء الجمهورية الإسلامية إلى "ساحة صيد" للمقاتلات المتقدمة، متحدية عقودا من الهيمنة التكنولوجية الغربية.
وتشهد أسواق الذهب العالمية تراجعا ملحوظا في ظل التصعيد الإيراني الإسرائيلي، في حركة يفسرها مراقبون إيرانيون على أنها مؤشر على تحويل كبار المستثمرين أصولهم من الذهب نحو شراء النفط الخام، في استباق لموجة ارتفاع متوقعة جراء التصعيد العسكري بالشرق الأوسط قد يدفع الخام إلى مستوى 100 دولار للبرميل.
إعلانويعتبر الناشط الاقتصادي آرش إيراني -في تحليل نشره علی قناته بمنصة تليغرام- أن بلاده تمتلك ورقة ضغط حاسمة عبر قدرتها على تعطيل إمدادات النفط العالمية جراء إطالة أمد المواجهة مع إسرائيل، مما قد يُحدث صدمة مشابهة لأزمة 2008 حين قفز الخام من 70 إلى 147 دولارا تحث بدورها القوى العالمية الكبرى على الضغط على تل أبيب من أجل منع اقتصاداتها من الإفلاس.