سوريا بين رسائل الدم ومشروع الإفراغ الصامت
تاريخ النشر: 24th, June 2025 GMT
في بلد أنهكته حرب شاملة لسنوات طويلة، لا تزال التهديدات تتجدّد وإن بأشكال أكثر خفوتاً وأدوات أقلّ صخباً. فمع كل محاولة للانتقال نحو الاستقرار، يظهر من يعيد التذكير بأن مشروع استنزاف سوريا لم ينتهِ، بل تبدّلت وجوهه ووسائله.
تفجير كنيسة "مار إلياس" في حيّ الدويلعة الدمشقي، الذي أوقع عشرين قتيلاً وأكثر من خمسين جريحاً، لم يكن مجرد اعتداء إرهابي تبنّاه تنظيم متطرّف، بل جزء من مشهد أكثر تعقيداً يُراد له أن يرسّخ هشاشة اللحظة السورية الانتقالية، ويعيد خلط أوراق التوازن المجتمعي.
وإن كانت هوية المنفّذ معلَنة، لكنّ التوقيت والمكان اللذين تمّ اختيارهما، يكشفان بلا شكّ عن رسائل مركّبة. إذ وفق مصادر أمنية مطّلعة، فإن هذا النوع من الاستهداف لا يُقاس فقط بعدد الضحايا، بل بحجم الضرر الرمزي والمعنوي الذي يصيب المكوّنات المجتمعية التي تشعر أنها تُركت من دون حماية، أو من دون أفق سياسي يُعيد الاعتبار لدورها في مستقبل البلاد.
تُظهر نماذج السنوات الأخيرة أن استهداف المسيحيين العرب في المشرق، ليس فعلاً طارئاً أو محدوداً، بل يجري ضمن نمط مدروس من الضغط المتراكم. إذ لا يقتصر التهديد على التفجيرات، بل يشمل الإقصاء البطيء وتآكل الضمانات وتراجع الاهتمام الدولي، ما يجعل البقاء مسألة مقاومة يومية. ومن هذا المنظور، يُقرأ الهجوم على كنيسة "مار إلياس" كرسالة منظّمة، تضع السلطة الجديدة أمام امتحان فعلي، وتضع المجتمع أمام خيارين؛ إمّا التكيّف مع الخوف، أو النزوح تحت وطأة اللاجدوى.
وفي الوقت الذي تتابع فيه الجماعات المتطرّفة دورها كمنفّذ مباشر، تبقى الجهات المستفيدة من هذا المسار أوسع من دائرة التنفيذ. فكلّ ضربة تصيب عمق التنوّع، تعزّز سرديات التقسيم والانغلاق، وتُفرغ المدن من روحها، وتحوّل الرموز الدينية إلى أهداف مباحة. وما يزيد المشهد خطورة، غياب الموقف الإعلامي والسياسي على المستوى الدولي، إذ تجاهلت كبرى وسائل الإعلام العالمية مواكبة الحدث، أو اكتفت بتقارير مقتضبة لا ترتقي إلى مستوى الجريمة، ما يعكس تقصيراً فادحاً أو ربما قبولاً ضمنياً بمنطق التعوّد على هذا النوع من النزيف، حين لا يصيب مصالح مباشرة.
في هذا الإطار، تتقاطع مصالح أكثر من جهة. لكنّ إسرائيل، التي لطالما عبّرت عن خشيتها من أي شكل من أشكال الوحدة الوطنية في محيطها، تُعدّ من أبرز المستفيدين من تفكّك المجتمعات المتنوعة وانحسار التوازن السكاني الديني في المنطقة. وهو ما يفسّر، وفق مصادر دبلوماسية، غياب أي ردّ فعل دولي جدّي تجاه الاعتداء الأخير في دمشق، كما يفسّر التهميش الإعلامي الغربي المريب، إذ بدا أن الانفجار لم يُعامل كجريمة تستهدف نسيجاً مجتمعياً هشّاً، بل كخبر عابر لا يحرّك سياقاً ولا يستحقّ التوقف عنده.
لكن أهمية التنوع، ووجود المسيحيين في قلب المجتمعات العربية، لا تكمن فقط في الرمزية أو التاريخ. فالمكوّن المسيحي العربي لم يكن يوماً على هامش المشهد، بل شريكاً في تأسيس الفكرة العربية ذاتها وفي بناء الدولة وصياغة الوعي الجماعي الحديث، إذ شكّل المسيحيون في الشرق جزءاً أساسياً من نهضته وثقافته ومشروعه التحرري في وجه الاستعمار والتقسيم. وبالتالي، فإن تهديد هذا الحضور ليس مسألة دينية أو ثقافية فحسب، بل هو ضرب للاستقرار، وتقويض لإمكانية بناء مجتمعات قادرة على مقاومة مشاريع العزل والتفتيت. وبالتالي، فإنّ الدولة التي تفقد تنوّعها، تفقد بالضرورة توازنها الداخلي وتُفتح أمامها أبواب التبعية والانقسام.
إن ما جرى في كنيسة "مار إلياس" لا يُختزل بخسائر بشرية أو حدث أمني، بل يُفهم في سياقه كمؤشّر على معركة أعمق تُخاض في الخفاء، معركة ضد الذاكرة والحق في البقاء على الأرض كشركاء متساوين. فكل تفجير هو أيضاً محاولة لتمزيق ما بقي من صيغة العيش المشترك، وتفريغ المشرق من عناصر توازنه. وهذه المعركة، إن لم تُقابل بسياسات واضحة ومواقف حاسمة، ستتقدّم بلا عوائق وبلا حاجة لصخب. المصدر: خاص "لبنان 24" مواضيع ذات صلة "القاتل الصامت"... 5 علامات تحذيرية لارتفاع ضغط الدم يجب عدم تجاهلها! Lebanon 24 "القاتل الصامت"... 5 علامات تحذيرية لارتفاع ضغط الدم يجب عدم تجاهلها!
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: Lebanon 24 فی فی دمشق
إقرأ أيضاً:
منتخب سوريا بكرة القدم للشابات يخسر أمام لبنان بتصفيات كأس آسيا
بكين-سانا
خسر منتخب سوريا بكرة القدم للشابات أمام نظيره اللبناني 1-2، في مباراته الثانية ضمن تصفيات كأس آسيا لتحت 20 عاماً، المقامة في الصين، والمؤهلة لبطولة كأس آسيا في تايلاند 2026.
وكان منتخبنا خسر أمام نظيره الصيني بستة أهداف دون رد، في المباراة الأولى له في التصفيات.
ويختتم المنتخب السوري مبارياته في التصفيات بمواجهة منتخب كمبوديا بعد غدٍ.
وتم توزيع المنتخبات المشاركة بالتصفيات إلى 8 مجموعات، يتأهل أبطالها مباشرة إلى النهائيات، إضافة إلى أفضل ثلاثة منتخبات احتلت المركز الثاني.
تصفيات كأس آسيا منتخب سوريا بكرة القدم 2025-08-08nedalسابق المؤتمر العلمي التخصصي لطب الأسنان يبدأ فعالياته في حلب بالتزامن مع المعرض السوري لطب الأسنان والمخابر ٢٠٢٥ انظر ايضاًمنتخب سوريا الأولمبي لكرة القدم يشارك ببطولة ودية في قيرغيزستاندمشق-سانا يشارك منتخب سوريا الأولمبي لكرة القدم لفئة تحت 23 عاماً في بطولة ودية في …
آخر الأخبار 2025-08-08التأمينات الاجتماعية: 423 مليار ليرة رواتب المتقاعدين بعد الزيادة على المعاشات في سوريا 2025-08-08مصرع 6 أشخاص جراء تحطم طائرة إسعاف في كينيا 2025-08-0810 حافلات برفقة سيارات إسعاف تدخل إلى السويداء لإجلاء دفعة من المدنيين 2025-08-08الخارجية التركية تدين بأشد العبارات خطط إسرائيل لاحتلال غزة بالكامل 2025-08-08أجواء حارة في أغلب المناطق السورية ورطوبة مرتفعة في الغربية والجنوبية 2025-08-08وصول قافلة مساعدات جديدة تضم 28 شاحنة إلى ممر بصرى الشام لإدخالها إلى السويداء-فيديو 2025-08-08الحكومة الأردنية: استقرار سوريا ووحدتها مصلحة أردنية وإقليمية 2025-08-08انطلاق مؤتمر “SYNC’25 II” السوري الأمريكي لتعزيز صناعة التكنولوجيا في دمشق 2025-08-08نسبة النجاح 49 بالمئة… وزارة التربية والتعليم السورية تُصدر نتائج امتحانات شهادة التعليم الأساسي دورة 2025 2025-08-08ملتقى آلة البزق يفتتح أيامه في مسرح القباني بدمشق
صور من سورية منوعات الصين تنجح باختبار هبوط وإقلاع مركبة فضائية مأهولة على سطح القمر 2025-08-08 مرصد كوبرنيكوس للتغير المناخي: العالم يسجل ثالث أكثر شهور تموز حرارة على الأرض 2025-08-07
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |