جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-13@01:26:19 GMT

الآباء الهليكوبتر

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

الآباء الهليكوبتر

 

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

 

في مجتمعاتنا العربية كلنا يتذكر الأيام الخوالي بحسرة، حيث كان الطفل يتلقى التربية داخل المنزل وخارجه، في الشارع وفي الحارة وفي السبلة العامة، وكان الأب يغدو شاكرًا لكل من قوم خلقًا لابنه، كما أن اصطحاب الأب لولده إلى المعلم وبيده العصا قائلاً بكل حزم وثقة: "سلم العيون" أي أنَّه يعطيه الرخصة أن يضربه إن لزم الأمر لتعليمه على أن لا يضربه على الوجه، كان ديدن السواد الأعظم من الآباء قديمًا، لمكانة المعلم العظيمة لدى أولياء الأمور، ولثقتهم به بأنَّه سيعلم ويُربي، وكان الصاحب لا يخرج عن زميل الدراسة أو ابن الجيران أو ابن أحد معارف الوالدين، لذا كان الوالدان على اطلاع جيِّد بأقران أبنائهم.

كانت البيوت سابقًا كبيرة تتسع للأسرة من ثلاثة أجيال وأكثر، وكانت التكنولوجيا حتى البسيطة منها بعيدةً كل البعد عن الحياة اليومية قديمًا، لذا كان الأب والأم منشغليْن عن التركيز على تربية كل طفل على حدةٍ، لأنَّ الأسرة الواحدة لا يقل عدد الأطفال بها عن خمسة أطفال في المتوسط، ومع عمل المنزل المضني وعدم وجود الكهرباء كان الجميع يغفو بعد صلاة العشاء مباشرة، وكان الإخوة الأكبر سنا يقومون بالاهتمام بإخوتهم الأصغر سنًا، فالأم مشغولة بالأعمال المنزلية، والأب في عمله باحثاً عن الرزق، ثم ظهر الجيل (X) وهم مواليد منتصف ستينيات إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، الذين أحاطوا أبناءهم بالرعاية المفرطة وبخاصة في التعليم، فهم من ناحية يريدون تعويض الأبناء عما فقدوه هم في نشأتهم، ومن ناحية أخرى أصبحوا يتنافسون مع غيرهم من الآباء في نوعية التعليم وأنشطة ما بعد المدرسة التي يقدمونها لأبنائهم، وبالتالي عزلوا أبناءهم عن التواصل الاجتماعي الواقعي.

ظهر مصطلح (الآباء الهليكوبتر) لأول مرة في عام 1969 في كتاب "بين الآباء والأبناء" لعالم النفس الأمريكي "حاييم جينوت"، ليصف بذلك بعض الآباء الذين يحاصرون أبناءهم في كل شيء، ويظلون يحومون حولهم مُراقبين جميع تصرفاتهم، وحذر من هذه النوعية من الآباء، وعلى الرغم من أنَّ هذا الكاتب قصد بذلك المصطلح الآباء من مواليد أربعينيات إلى ستينيات القرن الماضي، إلا أن المصطلح انتشر انتشارا واسعا وتم ضمه إلى معاجم اللغة الإنجليزية؛ حيث ازداد عدد الآباء الهليكوبتر مع مرور الوقت ليشمل الأجيال (X) و(Y).

عالم النفس الاجتماعي "جوردن بيترسون" تحدث عن الإهمال المُفيد (usefully neglectful) وأهمية المساحات الصحية بين الآباء والأبناء، الحماية الزائدة خطيرة جداً على الأبناء، فعزل الطفل عن الواقع الحقيقي يحرم الطفل من الآليات النفسية التي تجعله يتعامل مع ما/من حوله، لذلك فالجيل (X) أصبحوا آباءً للجيل المعروف اليوم بالجيل (Z)، وأن عامل ارتفاع سن الوالدين أثر على صناعة هذا الجيل اليوم؛ حيث إن الفتيات والشباب لا يتزوجون في سن مبكرة كما كان يحدث في الماضي، ومع ارتفاع المعرفة ومستويات التعليم لهما أصبح عاملًا إضافيًا لأسلوب التربية التي ينتهجونها، لذا فإن إنجابهم لطفل أو طفلين جعلهم يغدقونهم بالاهتمام والرعاية المفرطين، ومع التكنولوجيا واتساع رقعة الأصدقاء كميًا ومكانيًا أصبح للطفل موارد خارجية للتربية، وهذا ما جعل الوالدين يحاولان ملء وقت الطفل بأنشطة خارجية بدنية وذهنية، ليعود الطفل منهكًا إلى فراشه مساء، وأفرطوا في حماية أبنائهم من كل شيء، ويتصدرون المواقف ويقومون باتخاذ القرارات نيابة عن أبنائهم، ليخرج جيل اليوم اتكالياً على والديه أحدهما أو كلاهما، وهذا ما حدث من الجيل (Z) الذي تخرجت الأفواج الأولى منه ودخلت سوق العمل، وصدموا بالعالم الواقعي، فوصفوا بالهشاسة النفسية (رقائق الثلج) لدرجة أن أحد علماء النفس الأمريكيين اعتبر هذا الجيل أزمة قومية (National Crisis)، لهشاشته وضعفه أمام المواقف الواقعية، لذا يجب أن ننتبه إلى هذا الجيل ونحاول دمجه في الواقع، وأن نعطيه مساحات معقولة من المسؤولية الواقعية، وأن نكف أن نكون يديه ورجليه وعقله.

-------------------------------------------------------------

توقيع:

"من عيرك شيئًا ففيه مثله، ومن ظلمك وجد من يظلمه، وإذا نهيت عن الشيء فابدأ بنفسك، ولا تشاور مشغولا وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فاهما، ولا مذعورا وإن كان ناصحا". قس بن ساعدة الإيادي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ملتقى ريادة الأعمال في زراعة الجيل الخامس يوصي بإنشاء مركز عربي للبيانات الزراعية

العُمانية: أوصى ملتقى ريادة الأعمال في زراعة الجيل الخامس اليوم في ختام أعماله بإصدار حزمة من التوصيات الهادفة إلى دعم التحول الرقمي في القطاع الزراعي، أبرزها إنشاء مركز عربي للبيانات الزراعية ومنصة رقمية للإرشاد الزراعي.

كما أوصى بإضافة تعزيز بنية ريادة الأعمال الزراعية عبر مبادرات مبتكرة، وتمكين روّاد الأعمال من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة في تطوير المشروعات الزراعية.

ودعا المشاركون إلى توسيع الاستثمار في التقنيات الزراعية الذكية، وإطلاق مشروعات تعتمد على الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار، إلى جانب تطوير منصات عربية لاستقطاب التمويل المغامر، وإنشاء سوق رقمية عربية للحلول والتطبيقات الزراعية. كما أوصى الملتقى بتنظيم برامج تدريبية عربية مشتركة، وتأسيس خلية عربية لتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا الزراعية، وبدء أعمال بحثية متخصصة في توصيف البصمة الطيفية لآفات النخيل والمحاصيل الاستراتيجية.

وأكد الملتقى على أهمية تبنّي مبادرات جديدة لدعم روّاد الأعمال، من بينها مبادرة "غرس" لريادة الأعمال الزراعية، ومبادرة "لينة" الموجهة لريادة أعمال النساء، مع الاستفادة من الشبكة العربية لريادة الأعمال والابتكار الزراعي.

وقال الدكتور سيف بن علي الخميسي مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي: إن الملتقى جمع خبراء دوليين وممثلين من مؤسسات حكومية، وأسهم في توفير بيئة ثرية للحوار وبناء الشراكات وتبادل المعرفة.

وتضمّنت فعاليات الملتقى سلسلة من الجلسات الحوارية وحلقات العمل التي تناولت مفاهيم ريادة الأعمال الزراعية، وخصائص المشروعات في البيئات الجافة، ومهارات الإرشاد والتحليل وبناء نماذج العمل التجاري، إلى جانب آليات التمويل وإعداد الملفات الاستثمارية والشراكات الداعمة، مستعرضين أحدث التقنيات الرقمية في مجالات التسويق الزراعي والتحول الرقمي والزراعة الدقيقة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تحليل بيانات المحاصيل وإدارة المياه والتربة باستخدام المستشعرات الذكية والتتبع الرقمي لسلاسل الإمداد الغذائي.

وفي الجانب التقني، ركزت الأوراق وحلقات العمل على استخدام الطائرات المسيرة والروبوتات الزراعية في المسح الزراعي وتحليل الصور الجوية وتقييم صحة النباتات والإرشاد الذكي للبذور وعمليات الزراعة والتسميد، إضافة إلى تقنيات مراقبة الري والإجهاد المائي وتتبع التنوع الحيوي وحماية الغابات ورصد الحرائق.

وأشار المشاركون إلى أهمية تطوير بيئة التشريعات والسياسات المتعلقة بريادة الأعمال الزراعية، وتعزيز دور الجامعات في تبنّي التقنيات الحديثة، وتوسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، داعين في ختام الملتقى وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الزراعية، إلى اعتماد ملتقى ريادة أعمال الجيل الخامس كحدث سنوي يجمع الخبراء والمؤسسات الإقليمية والدولية.

مقالات مشابهة

  • سوخوي 57 | أول دولة عربية وإفريقية تحلّق إلى عصر المقاتلات الشبحية من الجيل الخامس: خطوة تاريخية
  • كيا تقدم الجيل الثاني من سيلتوس 2026 الرياضية
  • إسكان الجيل : يجب تنظيم مهنة الوساطة العقارية لمنع التضليل التسويقي
  • ملتقى ريادة الأعمال في زراعة الجيل الخامس يوصي بإنشاء مركز عربي للبيانات الزراعية
  • الجيل المستهدف .. حين يتحول الترفيه إلى سلاح
  • الجيل: حقوق الإنسان منظومة شاملة تبدأ بتحسين معيشة المواطن وتعزيز الخدمات
  • رابطة محترفي التنس ATP تعلن قائمة المشاركين في نهائيات بطولة الجيل القادم في جدة
  • أسقف إيبارشية حلوان والمعصرة يصلي القداس الإلهي الخاص بأسره الأنبا ابرآم
  • وإريكسون تطلقان شراكة جديدة لبناء الجيل المقبل من الاتصال في الأردن
  • سويلم يلتقي ممثلي بنك الاستثمار الأوروبي لبحث التعاون وتنفيذ مشروعات الجيل الثاني