مصورة تستكشف ممارسة إبداعية أنثوية بالسعودية داخل جدران هذه المنازل
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- "يكمن الجمال الحقيقي لهذه الفنون بأنها ليست مثالية"، هذا ما قالته المصورة الأسترالية نايري كوكس في مقابلة مع موقع CNN بالعربية، عن فن "القط العسيري" في السعودية.
ماذا تعرف عنه؟اختير فن "القط العسيري" ضمن القائمة التمثيلية الخاصة بالتراث العالمي غير المادي لدى منظمة "اليونسكو" في عام 2017.
وأوضحت وكالة الأنباء السعودية "واس" أن "القط" هو فنّ تزيين جدران المنازل في منطقة عسير منذ مئات السنين. ويعتمد على الزخارف الهندسية البديعة التي تستوحي أبعادها ودلالاتها من الثقافة المحيطة، وخاصة ألوان الطبيعة.
وكلمة "قط" في معاجم اللغة العربية تعني "خط" أو "نحت" أو "قطع"، وهو ما فعلته النساء في المنازل، وخاصة منازل الأثرياء ووجهاء المجتمع قديمًا.
وكانت المصورة الأسترالية محظوظة بما فيه الكفاية لرصده بعدسة كاميرتها.
وأضافت: "أحبّ حقيقة أنها ممارسة إبداعية أنثوية.. تقوم النساء بدعوة الأصدقاء وأفراد العائلة لتزيين منازل بعضهن البعض".
اعتمد أهالي المنطقة على المصادر الطبيعية في استخراج الألوان السبعة، حيث يُستخرج اللون الأخضر من نبات البرسيم، بعد دقّه بالمطرقة الخشبية، ومن ثم يتم دعكه مباشرة على الحائط بواسطة اليد.
ويُستخرج اللون الأسود بثلاث طرق، أولها عن طريق جذوع شجر "الغرب" أو "العتم"، وثانيًا عن طريق طحن الفحم. وأخيرًا، تقوم السيدات بدقّ نبات البرسيم وعصره وتصفيته، ثم يُشعلن شمعة أو لمبة "الكيروسين"، ويضعن صحنًا عليها، بحيث تجمع السواد.
أما اللون الأحمر، فيمكن استخراجه من الطين الأحمر أو الحجارة الحمراء الغنية بأكسيد الحديد، بينما يُحضّر اللون الأزرق من مسحوق النيل الأزرق، وهو عبارة عن مُكوّن صخري رسوبي يضاف إليه الماء بنسب محددة.
وبالنسبة إلى البرتقالي، فهو من الألوان المفضلة لدى أهالي منطقة عسير، حيث يمدّهم بالدفء نظراً لبرودة الأجواء. وكان يُستورد من الخارج على شكل بودرة مطحونة، ثم يُضاف إليها الماء والصمغ.
أما اللون الأصفر، فيُستخلص من مسحوق الكبريت الطبيعي، وهو مسحوق أصفر اللون يُسمى "صفرة"، حيث يُجلب من الجبال والتلال. كما كان يُستخلص من قشر الرمان.
وأخيرًا، هناك اللون الأبيض الحيادي، الذي لم يغب عن فنون زخارف عسير المرتبطة بالعمارة التراثية. واستُخدم بكثرة على واجهات المساكن الطينية، والجدران الداخلية، لسهولة الحصول عليه من الجبال.
وواجهت كوكس بعض التحديات أثناء رصد "القط العسيري"، والذي يتواجد عادة داخل المساكن المنزلية، أبرزها ظروف الإضاءة الطبيعية المنخفضة.
لكنّها مع ذلك، حازت صورها على إعجاب العديد من المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما انبهر كثيرون بوجود مثل هذا العمل الفني، الذي يعكس تمكين المرأة في المجتمع السعودي.
السعوديةصورفنوننشر الخميس، 18 يوليو / تموز 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
إقرأ أيضاً:
الأزرق الفرعوني.. علماء يفكون شفرة أقدم لون صناعي في التاريخ
عادة ما تُسلط الأضواء عند الحديث عن براعة المصري القديم على إتقانه لفن التحنيط، الذي حافظ على الأجساد آلاف السنين، لكن هناك إنجازا آخر لا يقل أهمية، وهو "الأزرق المصري"، أقدم مخضب صناعي عرفه الإنسان.
وفي دراسة حديثة نُشرت بدورية " إن بي جيه هيرتيج ساينس"، نجح فريق من جامعة ولاية واشنطن، بالتعاون مع متحف كارنيغي للتاريخ الطبيعي ومؤسسة سميثسونيان، في إعادة تصنيع هذا المخضب لأول مرة باستخدام أدوات وتقنيات علمية حديثة.
يقول الدكتور خالد صلاح، أستاذ الكيمياء غير العضوية بمعهد بحوث تكنولوجيا المواد المتقدمة بالمركز القومي للبحوث لـ"الجزيرة نت": "حظي الأزرق المصري بتقدير كبير في مصر القديمة، لكن أسرار تصنيعه ضاعت مع مرور الزمن، فالأدلة الأثرية المتوفرة لم تقدم وصفات دقيقة، وبعضها كان يحمل أسماء لم نتمكن من تفسيرها، هذا ما يجعل إنجاز الفريق الأميركي بالغ الأهمية".
يكمن السر في معدن نادر يُعرف باسم "الكوبروريفايت"، وهو المسؤول عن اللون الأزرق المائل للفيروزي في المخضب، ويتكون هذا المعدن عند تفاعل مزيج من السيليكا وأكاسيد النحاس وكربونات الكالسيوم عند درجات حرارة تصل إلى ألف درجة مئوية، وهي ظروف تتطلب دقة شديدة كي تتشكل البلورات اللازمة للون.
ويضيف الدكتور صلاح "هذا المعدن لا يتكون إلا في ظروف دقيقة للغاية، وهو ما يفسر صعوبة إعادة إنتاجه عبر العصور، ومع ذلك، نجح الباحثون أخيرا في تحقيق ذلك، مما أعاد إحياء وصفة كانت قد ضاعت أسرارها".
وأنتج الفريق 12 وصفة مختلفة من المخضب باستخدام تركيبات دقيقة من ثاني أكسيد السيليكون (رمل نقي)، كربونات الصوديوم (النطرون)، كربونات الكالسيوم، وأكاسيد النحاس. وتم تسخين العينات في أفران عند درجات حرارة بين 950 و1050 درجة مئوية، لفترات تتراوح من ساعة إلى 11 ساعة، مع تبريد فوري أو تدريجي لدراسة تأثير كل متغير.
إعلانوبعد التبريد، أُخضعت العينات لتحليلات دقيقة باستخدام تقنيات مثل حيود الأشعة السينية والمجهر الإلكتروني، ووجد الفريق أن بلورات الكوبروريفايت لم تكن موزعة بشكل منتظم في كل العينة، بل أحيانا تكفي نسبة 50% فقط من هذا المعدن لإنتاج اللون الأزرق القوي.
لاحظ الباحثون أن اللون الناتج يمكن أن يتفاوت بين الأزرق العميق والأخضر الرمادي، حسب ظروف التصنيع. ويقول الدكتور جون ماكلوي، المؤلف الرئيسي للدراسة ومدير كلية الهندسة الميكانيكية وعلوم المواد بجامعة واشنطن في بيان أصدرته الجامعة: "حتى تغييرات طفيفة في التوقيت أو التبريد أو نسب المواد تعطي نتائج مختلفة تماما، فالصانع المصري القديم كان يتقبل هذا التباين ما دام هذا اللون مميزا بصريا".
ويوضح في تصريحات للجزيرة نت "اكتشفنا أن اللون الناتج يتأثر بعوامل عديدة، منها نسب المكونات وسرعة التبريد، فالتبريد البطيء مثلًا أعطى لونا أزرق نقيا، بينما أنتج التبريد السريع درجات خضراء رمادية، حتى استخدام مصادر نحاسية مختلفة، مثل المالاكيت، أثر بشكل واضح في النتيجة".
وأشار أيضا إلى أن زيادة كمية الصوديوم في التركيبة قد تؤدي إلى إنتاج لون أخضر، إلا أنه يمكن أن يتحول لصالح الكوبروريفايت إذا تم تبريده ببطء.
كما وجد الفريق أن فصل مواقع الإنتاج عن الاستخدام، كما كان شائعا في مصر القديمة، أدى إلى تباين في جودة الصبغة عند نقلها، لكنها ظلت فعاله.
ولم يقتصر عمل الفريق البحثي على العينات المعملية فقط، بل امتد إلى مقارنة دقيقة مع عينات أثرية حقيقية مأخوذة من تمثالين مصريين قديمين محفوظين في متحف كارنيغي للتاريخ الطبيعي، حيث تعود إحدى القطع إلى عهد الملك إخناتون (القرن الرابع عشر قبل الميلاد)، بينما تنتمي الأخرى إلى العصر البطلمي.
واستعان الباحثون بتقنيات تحليل متطورة، مثل التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء، والمجهر الإلكتروني، وأشعة إكس ثلاثية الأبعاد، لدراسة طبقات اللون على سطح هذه التماثيل، ومقارنتها بالعينات المُصنعة في المختبر.
وأظهرت النتائج تشابها ملحوظا في توزيع بلورات معدن الكوبروريفايت، بل وتطابقا في الطريقة التي يتفاعل بها الضوء مع جزيئات المخضب، مما وفر دليلا ماديا قويا على صحة النماذج التجريبية التي أعاد الفريق إنتاجها.
ويقول ماكلوي "أدواتنا التحليلية دقيقة للغاية، ونتائجنا موثوقة علميا، لكنْ هناك فروق يجب التنبه لها عند مقارنة الأثر القديم بالعينة الحديثة، لأن الفنان المصري القديم كان يضع المخضب الأزرق غالبا في طبقات رقيقة فوق أسطح غير بيضاء، وهو ما يؤثر على إدراكنا للون النهائي".
وبدأت هذه الدراسة كتجربة بسيطة لإنتاج عينات تُعرض في المتحف، لكنها تحولت سريعا إلى مشروع علمي متعدد التخصصات، شارك فيه علماء من مجالات المعادن والكيمياء والأنثروبولوجيا، إلى جانب خبير في علم المصريات.
إعلانويوضح الدكتور صلاح: "هذا التكامل هو ما نفتقر إليه في عالمنا العربي، إذ غالبا ما يعمل كل تخصص في عزلة، لكن هذا النوع من التعاون هو المفتاح لكشف أسرار مثل تلك المدفونة في البرديات المصرية القديمة".
ويضيف أن " أحد الأسباب التي شجعت على هذا التكامل، هو أن المنتج النهائي للمشروع سيكون اختراقا مهما، فالباحثون كانوا يدرسون مخضبا لا ينتمي فقط للماضي، بل له خصائص ضوئية ومغناطيسية وبيولوجية تفتح أبوابا لتطبيقات حديثة".
ويشير ماكلوي إلى هذه القيمة الحديثة، قائلا "الناس منبهرون بإمكانية إعادة اكتشاف أسرار الهندسة القديمة، لكن القيمة الحقيقية تكمن في الخصائص البصرية لمعدن الكوبروريفايت، فهو يصدر ضوءا في نطاق الأشعة تحت الحمراء، وهي ميزة يمكن توظيفها في مجالات مثل كشف البصمات، الأحبار الأمنية، وحتى في تصنيع مواد مقاومة للتزوير، بل إن هناك أبحاثا طبية تقترح استخدامه كمؤشر جزيئي في الأدوية والتصوير الحيوي".
ويضيف أنه "يمكن تطوير هذا المخضب القديم ليكون أكثر فاعلية في التطبيقات الحديثة. وقد رأينا بالفعل كيف أن تقليص حجم جزيئاته إلى مقياس النانو يعزز من خصائصه، كما أن كونه من السيليكات يجعله مستقرا جدا، وهو أمر مشجع لأي تطبيق صناعي أو طبي مستقبلي".
ويختم صلاح بأحد أبسط التطبيقات التي لم يشر لها ماكلوي، وهي أن هذا المخضب القديم يمكن أن يدخل في إنتاج منسوجات فاخرة، ويقول "يكفي لتسويق تلك المنسوجات القول إنها تحمل لونا من مصر القديمة، يعيش مئات السنين دون أن يتغير".
وتعرض العينات التي أعاد الفريق تصنيعها حاليا في متحف كارنيغي للتاريخ الطبيعي بمدينة بيتسبرغ الأميركية، ضمن قاعة جديدة مخصصة للحضارة المصرية، ويقف الأزرق المصري هناك كدليل على أن العلم قادر على إعادة اكتشاف أسرار اندثرت من زمن بعيد.