صدر حديثا في مراكش، بداية هذا الأسبوع، كتابَ "الصّاحب الشاهد؛ سيرة أحمد الملّاخ (1941 ـ 2011) للأستاذ نور الدّين الملاخ. أهداه إلى والده أحمد، وإلى مرشده عبد السلام ياسين، وإلى أسرته.

وقد عبّر المؤلّف ـ منذ البداية ـ عن تهيّبه من الكتابة في الموضوع، لأنّ "حديث الولد عن الوالد ـ كما قال ـ أمر صعب بحكم العاطفة التي قد تحيد بصاحبها عن التزام الموضوعية"، وقد وعَدَنا بأنّه "سوف يحاول جاهدا أن يبقى على طول صفحات الكتاب ذلك المؤرّخ الموضوعي"، وهذا ـ كما يدرك القارئ المتخصّص ـ أمر دونه خَرْطُ القتاد، فهو صعب بل مستحيل، أو كالمستحيل!

الكتاب يقع في 182 صفحة، مقسّم إلى قسمين كبيرين: ضمّ الأوّل التّأريخ للرّجل، وهو عمدة الكتاب ولبّه، ويقع في 100 صفحة، واحتوى الثاني على شهادات وكلمات وقصائد ومراثي في حقّه.



ومنذ البداية إلى آخر سطر في الكتاب ينكشف التأثر الكبير للأستاذ نور الدّين بأسلوب شيخه الأستاذ ياسين؛ في العناوين والجمل والتركيب... والاختيارات وزوايا النظر، مما لا يترك مجالا لذرّة شكّ بأنه فرحٌ مهتبل بتلمذته ومريديّته لرجل عالِم مربّ.

الكتاب يقدّم لنا سيرة رجل ـ يوم كان شابا ـ كانت له اختيارات شخصية عالية على المستوى الفكري والأكاديمي؛ فهو مثلا كان قد سجّل أطروحته للدّكتوراه بالفرنسية في جامعة السوربون تحت إشراف محمد أركون في موضوع: "تاريخ الزوايا بالمغرب". نقول هذا الكلام حتى لا يُفهم بأنّه كان من "العوام" يوم اختار أن يستجيب لدعوة الأستاذ ياسين في زيارة الشيخ العبّاس والالتحاق بالزاوية البوتشيشية، ثم مغادرتها بعد ذلك، وتشكيل فريق صغير كتب "رسالة الإسلام أو الطوفان" الخطيرة، ودفع ثلاثتهم ثمنا باهظا بسبب ذلك.

عنوان الكتاب معبّر عن مضمونه، وملخّص له؛ فالكاتب / الابن أراد أن يكشف لكلّ مَن غابت عنه الوقائع التي يتحدّث عنها ـ وهم غالبية النّاس ــ أنّ والدَه كان صاحبا مقربا، وتلميذا نجيبا، للأستاذ ياسين، وأنّه كان شاهدا، رفقة صديقه الأستاذ محمد العلوي السليماني، على ولادة مسار اجتهاديّ تجديديّ في حركيّة الإسلام نحو العودة إلى التّاريخ من جديد.

هو صاحب وشاهد... ومن جملة الآباء المؤسّسين لمدرسة من مدارس التجديد الإسلامي.

وكان أحمد الملاخ إلى جانب مؤسس جماعة العدل والإحسان المغربية عبد السلام ياسين في جميع مراحل مساره التربوي والدعوي والجهادي، رفقة الأستاذ محمد العلوي السليماني رحمه الله تعالى، حيث أسهم رحمه الله إلى جانب آخرين في مشروع التأسيس الأوّلي لعمل إسلامي راشد حملت لواءه بعد ذلك جماعة العدل والإحسان.

ففي سنة 1974 كتب عبد السلام ياسين رسالة "الإسلام أو الطوفان" الشهيرة، التي وجهها إلى الملك الراحل الحسن الثاني، ينصحه فيها ويدعوه إلى التوبة وتحكيم شرع الله، وكان صاحباه سيدي أحمد الملاخ وسيدي محمد العلوي السليماني هما من طبع الرسالة بوسائل تقليدية في مدرسة الإمام الجزولي بمنطقة دوار العسكر تعرف اليوم بـ"مدرسة السي العلوي"، وبعد ذلك قاما بتوزيع أكثر من ألف نسخة على الأعيان والعلماء والوجهاء في المُدن ثم بعدها أرسلوا نسخة للملك.

فكان مصير الرجلين رحمهما الله الاعتقال بالمعتقل السري درب مولاي الشريف بالدار البيضاء لمدة ثلاثة عشر شهرا بدون محاكمة.. كما أسهم الفقيد رحمه الله في تأسيس "مجلة الجماعة" التي أقبرت مبكرا، وفي تأسيس مؤسسات الجماعة والدعوة إلى رسالتها في كثير من مدن المغرب وبين العديد من شبابها.

وإلى جانب مساره الدعوي والجهادي الحافل فقد كان الفقيد رحمه الله تعالى أحد رجالات الفكر والتربية والتعليم الأوائل في مغرب ما بعد الاستقلال، والمميزين بكفاءتهم العلمية والمعرفية، حيث تبوّأ مسؤوليات متعددة في أسلاك نظام التربية والتعليم في المغرب.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتابة المغربية المغرب كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رحمه الله

إقرأ أيضاً:

بين العدل الإلهي ومآسي غزة.. ردٌّ على شُبهات المشككين

 

 

محمد حسين الواسطي **

يقول الله تعالى: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" (الشورى: 30).

في خضم المآسي الإنسانية التي تشهدها غزة، ترتفع أصوات التشكيك والتساؤل عن العدل الإلهي ودور الله سبحانه وتعالى فيما يجري. هذه التساؤلات ليست جديدة في تاريخ البشرية، بل هي امتداد لسؤال وجودي واجهه الأنبياء والصالحون عبر العصور. لكنها تزداد حدة مع كل مأساة إنسانية، وخاصة عندما يكون المستهدفون هم الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ.

إن قضية «أين الله من غزة؟» ليست مجرد تساؤل عابر؛ بل تعكس أزمة فهم عميقة لطبيعة الحياة الدنيا وسنن الله في الكون. هذه الشبهة، بالرغم من خطورتها على إيمان البعض، تُمثل فرصة للمؤمن الواعي ليزداد إيمانه ويتعمق في فهم دينه، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾.

ومفتاح الفهم الصحيح للحياة هو إدراك طبيعتها كدار ابتلاء، لا دار جزاء نهائي. يقول الله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾. لو كانت الدنيا دار عدل مطلق لانتفت حكمة الآخرة، ولاختفت معها فلسفة الابتلاء بأكملها. فالحياة في جوهرها اختبار، والاختبار يتطلب تركيبًا معقدًا من الخير والشر، من الألم والفرح، من النصر والهزيمة.

المؤمن العميق الإيمان يتأمل حكمة الله في قوله: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾، فالمصائب تخضع لنظام إلهي دقيق يفوق إدراك البشر. ولهذا فإنَّ من ظنَّ أن غياب النصر الفوري دليل على غياب العناية الإلهية، فقد خالف صريح القرآن الذي يؤكد: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾. هذه الآية الكريمة تلخص جوهر القضية: الله ليس غافلًا، بل محيط بكل شيء، يرى كل دمعة، ويسمع كل أنه، ويُحصي كل جريمة، لكن لحكمته سبحانه، قد يؤخر العقاب دون أن يلغيه.

ومن هنا يأتي المفهوم الأعمق للنصر الإلهي، فالنتائج الحقيقية تُحسب في الآخرة، لا في الدنيا وحدها، والانتصارات الدنيوية ليست المقياس النهائي للحق. يؤكد الله هذه الحقيقة بقوله: ﴿إِنَّا لَننصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾. ولعل في قصة أصحاب الأخدود عبرة بالغة؛ فقد أُحرق المؤمنون ظاهرًا وانتصر الظالمون مؤقتًا، لكن الله خلد ذكر المؤمنين وتوعد الظالمين بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ... فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾.

ولا يقتصر الأمر على وعود الآخرة، بل إن التاريخ الإسلامي نفسه يشهد أن النصر الإلهي يأتي غالبًا بعد اشتداد المحنة، كسنة كونية ثابتة. قال الله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾. وكذلك النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم الذي صُدَّ وعُذب هو وأصحابه ثلاثة عشر عامًا قبل أن يأتي النصر، فالتمكين يأتي دائمًا بعد الابتلاء، والنور بعد الظلام، والراحة بعد التعب. وفي سيرة الصحابة تجسيد حي لهذه الحقيقة؛ فقد ثبت سمية وبلال وعمار وغيرهم على الحق رغم البلاء، لتكون لهم العاقبة في الدنيا قبل الآخرة.

** كاتب عراقي

مقالات مشابهة

  • الأمير عبدالعزيز بن سعود يتفقد قوات الأمن الخاصة برئاسة أمن الدولة المشاركة ضمن قوات أمن الحج
  • محمد العدل يوجه رسالة لمسئولي نادي الزمالك
  • محمد العدل: الشركة المنتجة لإعلان بن رمضان أخطأت قانونيًا
  • الأمين العام لـ «الكتاب العرب» يهنئ الرئيس السيسي بحلول عيد الأضحى المبارك
  • رفع أكبر علم سوري بحديقة تشرين في دمشق، بحضور وزيري الثقافة السيد محمد ياسين صالح والسياحة السيد مازن الصالحاني ‏ومحافظ دمشق السيد ماهر مروان
  • بريطانيا تعد بتسليم 100 ألف مُسيرة لأوكرانيا
  • بين العدل الإلهي ومآسي غزة.. ردٌّ على شُبهات المشككين
  • العثور على مقبرتين بسينما الزمالك بمدني لطلاب ومعلمين
  • الدكتوراه بامتياز من جامعة صنعاء للباحث يحيى محمد حشيدان
  • وزير خارجية ايران في بيروت اليوم :زيارة أبعد من مناسبة توقيع كتاب