الانتخابات الرئاسية القادمة بتونس.. هل أصبحت التزكيات شرطا تعجيزيا؟
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
تونس- تزداد الأمور قتامة أمام بعض المترشحين للانتخابات الرئاسية التونسية المعارضين للرئيس قيس سعيد، لا سيما المسجونين منهم، فقد بات حصولهم على ورقة جمع التزكيات من هيئة الانتخابات أمرا مستحيلا، وهو ما يقلل فرص استمرارهم في سباق الانتخابات المقرر تنظيمها بعد 3 أشهر.
فقد أعلن الحزب الجمهوري المعارض، الخميس، عن سحب ترشح أمينه العام عصام الشابي، وهو المسجون منذ نحو عام ونصف بتهمة التآمر على أمن الدولة، رفضا لما اعتبره تضييقا خانقا على منافسي الرئيس سعيد، بعد رفض هيئة الانتخابات منحه وثيقة جمع التزكيات.
كما لم يتمكن الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الذي أعلن ترشحه من داخل السجن، من الحصول على ورقة جمع التزكيات من هيئة الانتخابات، رغم أنه أوكل إلى أحد أبنائه قبل سجنه لتمثيله أمام جميع الإدارات والهيئات، لكن الهيئة رفضت منحه الوثيقة بحجة أنه لم يقدم توكيلا خاصا ينص بصريح العبارة على أنه يوكل ابنه بالحصول عليها.
وتشابه الحال أيضا مع رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، التي سبق أن أعلنت ترشحها أيضا من داخل السجن، لكنها لم تتمكن من الحصول على الوثيقة ذاتها من مقر هيئة الانتخابات بواسطة محاميها الذي ينوب عنها للسبب نفسه، أي لأنها لم توقّع توكيلا خاصا يوكله بالحصول على الوثيقة، وهو ما سيزيحها بلا شك من السباق الانتخابي.
شرط تعجيزييقول الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي نبيل حجي للجزيرة نت إن هيئة الانتخابات وتحت غطاء حرصها على ضمان عدم تزوير تزكيات الناخبين، أجبرت المرشحين على الحضور شخصيا لمقرها للحصول على نموذج التزكيات، أو تقديم توكيل خاص لمن ينوب عن المرشح.
ويضيف أن اشتراط هيئة الانتخابات تقديم توكيل خاص من قبل المرشحين، لاسيما ممن هم داخل السجن، هو بمثابة "شرط تعجيزي" لأن إدارة السجن لن تسمح بدخول عدل إشهاد للسجين لتحرير توكيل خاص، لذلك فإن "غاية هذا الشرط هي إقصاء خصوم الرئيس" كما يقول.
ويعتبر حجي أن المناخ العام وشروط الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل تدل على أن الانتخابات ستكون بمثابة مبايعة للرئيس قيس سعيد لولاية ثانية، خارج قواعد التنافس الانتخابي النزيه وتكافؤ الفرص، والوقوف على قدم المساواة مع الجميع.
ويرى حجي أن الضمانات القضائية أيضا غير متوفرة لحماية حقوق المرشحين في الترشح، إذ يعتقد أن الشكاوى التي تقدم بها بعض المرشحين من داخل السجن للطعن في شرط التوكيل الخاص لن تبت فيها المحكمة الإدارية إلا بعد انتهاء وغلق باب تقديم الترشحات للرئاسة.
من جهته استغرب المحامي نافع العريبي عضو هيئة الدفاع عن رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي من رفض هيئة الانتخابات منح موكلته وثيقة جمع التزكيات، مع أن القانون المنظم للمحاماة التونسية يخول للمحامي أن ينوب عن موكله.
وقال إن الحزب قرر الطعن لدى المحكمة الإدارية بقرار هيئة الانتخابات إلزام المرشح تقديم توكيل خاص للحصول على نموذج التزكيات، مؤكدا أن هيئة الانتخابات لم تنصص في قرارها الأخير المتعلق بشروط الترشح للرئاسية على هذا الشرط.
ولم يستبعد العريبي أن يصدر في حق رئيسة الحزب الدستوري الحر حكما بالسجن لمدة عشر سنوات، على خلفية إحدى القضايا التي رفعتها ضدها هيئة الانتخابات، بتهمة نسب أمور غير صحيحة لها، بحسب المرسوم 54 الذي تعتبره المعارضة سيفا مسلطا على كل معارض للنظام.
من جانبه، يقول بسام معطر رئيس منظمة عتيد الناشطة في مراقبة الانتخابات، إنه كان على هيئة الانتخابات أن تعمل على توفير كل التسهيلات اللازمة لضمان حق المرشحين، مؤكدا للجزيرة نت أن الإجراءات المنظمة للانتخابات الرئاسية المقبلة أصعب بكثير من سابقتها.
ويرى أن الشروط الحالية للحصول على نموذج التزكيات تصعب الأمر على بعض المرشحين، وهو عكس ما كان عليه الأمر في الانتخابات السابقة، حيث كان المرشحون يجمعون عشرات التزكيات من الناخبين على أوراق عادية، بينما تفرض هيئة الانتخابات حاليا على المرشحين تقديم طلب للحصول على نموذج التزكيات لطباعته بالألوان، وتقديم تزكية وحيدة لكل ناخب في النموذج.
كما يشترط على المرشحين جمع 10 تزكيات من البرلمان، أو مثلها من مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة الثانية)، أو 40 تزكية من رؤساء المجالس المحلية أو الجهوية أو البلدية، أو 10 آلاف تزكية في 10 دوائر انتخابية، على أن لا يقل عددهم عن 500 ناخب بكل دائرة.
وبما أنه تم الترفيع في عدد الدوائر الانتخابية من 27 دائرة إلى 161 دائرة ذات رقعة جغرافية وكثافة سكانية أقل بكثير، فإن تجميع العدد اللازم من التزكيات في 10 دوائر انتخابية مع شرط تزكية 500 ناخب بكل دائرة تصبح مهمة شاقة وصعبة للمرشحين، حسب معطر.
ويزيد ضيق الوقت أمام المرشحين في صعوبة تجميع العدد المطلوب من التزكيات، نتيجة تأخر الرئيس قيس سعيد في إعلان موعد الانتخابات قبل 3 أشهر فقط من الاقتراع، إضافة إلى المصاعب التي تواجهها الأحزاب، بعدما كانت تلعب دورا هاما في دعم المرشحين.
شروط قديمةوحول جدل التزكيات، قال عضو هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصوري إن اشتراط الحصول على ورقة التزكيات من مقر هيئة الانتخابات واعتماد نموذج خاص بجمع التزكيات من قبل الناخبين هدفه منع تزوير تزكيات الناخبين، وهو ما تم اكتشافه في الانتخابات الرئاسية السابقة.
وأكد أن الهيئة تعمل لتوفير كل الضمانات الضرورية لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، موضحا أن القانون الانتخابي يتضمن شروطا وقواعد قانونية عامة تتجه لعموم المواطنين، ولا يخصص شروطا خاصة لفئات معينة على غرار الموقوفين في السجون، وفق ما أفاد به.
وأضاف أن الهيئة قامت بتعديل 3 شروط فقط في قواعد الترشح حتى تتلاءم مع ما جاء به الدستور الذي صاغه الرئيس سعيد عام 2022، وتتعلق برفع سن الترشح إلى 40 عاما، ومنع حاملي الجنسية المزدوجة من الترشح، وشرط التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، مؤكدا أن ما عدا هذه الشروط الثلاثة تعد شروطا قديمة لم يقع تعديل عليها، وهي موجودة في القانون الانتخابي لسنة 2014.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات هیئة الانتخابات داخل السجن
إقرأ أيضاً:
تعديل القوانين الانتخابية في المغرب.. هل تعزز النزاهة أم تقيّد حق الترشح؟
بدأت الحزمة الجديدة من القوانين الانتخابية، التي صادق عليها مجلس النواب المغربي في جلسة 1 كانون الأول/ ديسمبر 2025، تلقي بظلالها مبكّرا على المشهد السياسي، محدثة بذلك جملة تغييرات قد تعيد رسم خريطة الأحزاب، وتعيد تعريف قواعد التمثيل البرلماني، كما قد تفتح المجال أمام مشاركة أوسع للشباب والنساء، وذلك بحسب عدد من المحللين السياسيين والمتابعين للمشهد الحزبي في المغرب.
وصادق المجلس على ثلاثة مشاريع قوانين تنظيمية، يتعلّق الأول بتعديل القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، بموافقة 164 نائبا، ومعارضة 9 نواب وامتناع 41 نائبا عن التصويت.
وتمت المصادقة أيضا على مشروع القانون التنظيمي رقم 54.25 المتعلق بالأحزاب السياسية، وعلى مشروع القانون رقم 55.25 الخاص باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية وذلك بموافقة 164 نائبا وامتناع 50 نائبا عن التصويت.
أي تخليق للحياة السياسية؟
وارتبط التغيير الأبرز أساسا بالمادة السادسة المتعلقة بموانع أهلية الترشح، والتي تمنع الأشخاص الذين قد صدرت في حقهم أحكام ابتدائية أو خضعوا لمتابعات قضائية من الترشّح، إضافة إلى من تم ضبطه في حالة تلبس بارتكاب جرائم.
وفي السياق نفسه، كان وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، قد قال بمجلس المستشارين -الغرفة الثانية للبرلمان- إنّ: "الهدف من هذه المادة هو حماية المجلس وضمان نزاهة العملية الانتخابية"، مبرزا أنّ: "التعديلات تشمل كذلك مراقبة التمويل ومنع استعمال المال السياسي المشبوه" وفقا لتعبيره.
وأكد الوزير في الجلسة التي انعقدت بتاريخ 2 كانون الأول/ ديسمبر 2025، أنّ: "إنجاح المحطة الانتخابية المقبلة يقتضي العمل على ضمان نزاهة العملية الانتخابية وتخليق الحياة السياسية"؛ فيما وصف المادة المتعلقة بمنع المتابعين قضائيا من الترشّح للانتخابات بكونها "تُشكل قلب مشروع القانون"؛ لأن هدفها هو: "حماية المجلس والعملية الانتخابية".
ودعمت المعارضة، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، أهداف هذا التخليق، غير أنّها قد أثارت عدّة مخاوف دستورية، تتعلّق بقرينة البراءة وحق الترشح، مشيرة إلى أنّ: "العقوبة الانتخابية المسبقة قد تنتهك حقوق المواطنين قبل الفصل القضائي النهائي".
ومن حيث ما وصف بـ"كثافة المشاركة والتخليق وإبعادها عن الفاسدين"، أوضح رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، عبد الله بوانو، دعم حزبه للأهداف المعلنة للانتخابات المقبلة. مشيرا في الوقت ذاته، إلى أنّ: "الانتخابات البرلمانية السابقة المجراة بتاريخ 8 أيلول/ سبتمبر 2021، شوّهت صورة المغرب أمام العالم، في ظل وجود عشرات المتابعين والمجرّدين من صفتهم البرلمانية في السجون بتهم الفساد".
وتابع بوانو بالقول: "طبيعي أن يكون هناك رد فعل أمام هذا الوضع، ورد الفعل الذي بين أيدينا يقضي بمنع ترشح كل من كان في وضعية تلبس أو صدر عليه حكم ابتدائي أو يخضع لمتابعة قضائية". مشيرا إلى أنّ: "هناك قواعد دستورية تتعلق بحرية الترشح وقرينة البراءة يجب احترامها، وكذلك قرارات المجلس الدستوري في هذا الباب".
وأضاف "بدل الانطلاق من المنع القانوني لمن يتابع قضائيا، وهو منع غير دستوري، يمكن التوجه نحو ميثاق أخلاقي ملزم توقّع عليه الأحزاب السياسية بأن لا ترشح المفسدين أو كل من له أحكام ابتدائية جنائية".
من جهته، رئيس فريق "التقدم والاشتراكية" بمجلس النواب، رشيد الحموني، أبرز أنّ: "المشكل الأساسي لنزاهة الانتخابات لا يكمن بالدرجة الأولى في النصوص القانونية بل في الممارسات"، مشيرا خلال الجلسة البرلمانية نفسها، بالقول: "علما أن المفسدين يبحثون دائما عن وسيلة ما للتحايل على القوانين".
وأعرب المتحدث عن أمله في أن يكون للسلطات المختصة دور وصفه بـ"الإيجابي في تنقية الفضاء الانتخابي والمؤسساتي"، دون إغفال عن مسؤولية الأحزاب في حسن اختيار المرشحين، ودور الإعلام، والمجتمع المدني، ناهيك عن دور المواطنين في المشاركة الواعية.
أي انعكاسات محتملة؟
مصادر خاصّة لـ"عربي21" أوضحت أنّ: "بعض المسؤولين، بمن فيهم رؤساء جماعات، قد بدأوا فعليا بالانسحاب من السباق الانتخابي المُرتقب بسبب قيود القوانين الجديدة". من بينهم: رئيس جماعة مير اللفت، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، حيث قرّر عدم الترشح لأنه موظف بوزارة الداخلية، وهو ما يتعارض مع المادة الجديدة التي تمنع موظفي الإدارة من الترشح.
ولفهم فحوى هذه القوانين الانتخابية الجديدة، قال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، رشيد لزرق، إنّ: "الحزمة الجديدة من القوانين الانتخابية، كما صادق عليها مجلس النواب، تشكّل لحظة مفصلية في إعادة ضبط شروط التنافس السياسي، لأنها تمس مباشرة بحق الترشح باعتباره حقا دستوريا أصيلا لا يجوز تقييده إلا بضوابط الضرورة والتناسب".
وتابع لزرق، في حديثه لـ"عربي21": "غير أنّ توسيع حالات المنع أو الربط بين الترشح ووضعيات قضائية غير نهائية يطرح إشكالا دقيقا على مستوى قرينة البراءة، التي تظل مضمونة دستوريا إلى غاية صدور حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به. أي مساس غير مباشر بهذا المبدأ، عبر آليات إقصاء مبنية على الشبهة أو المتابعة الجارية، يفتح باب الانحراف التشريعي ويحوّل القانون الانتخابي من أداة لتنظيم التنافس إلى أداة لتصفية الخصوم خارج منطق القضاء".
أمّا فيما يتعلق بالضمانات، ذكر الأستاذ الجامعي بأنّ: "صلابة هذه القوانين تظل رهينة بإدراج آليات دقيقة لحماية الحقوق، في مقدمتها حق الطعن القضائي الاستعجالي، وضمان تعليل قرارات المنع، وربط كل جزاء انتخابي برقابة قضائية فعالة ومستقلة". مضيفا: "على مستوى حماية نزاهة العملية الانتخابية، تبرز أهمية تشديد الرقابة على التمويل، تتبع مصادره، وتفعيل آليات الزجر الفوري ضد الاستعمال غير المشروع للمال أو وسائل الاتصال العمومي".
الحياة السياسية.. من يُشارك؟
حملت القوانين الجديدة، أيضا، الموافقة على تعديل تقدمت به فرق الأغلبية بشأن المادة 23 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، يقضي بخفض العتبة المطلوبة لدعم لوائح الشباب المستقلة من 5 في المائة إلى 2 في المائة من الأصوات المسجلة.
وتم تخصيص لوائح جهوية للنساء فقط، إضافة إلى دعم مالي بنسبة 75 في المئة من مصاريف الحملات لضمان مشاركة فعالة. وتعتبر هذه الخطوة محاولة لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وتحفيز نخب جديدة، بما يعزز تمثيلية الشباب والنساء في البرلمان.
وفي السياق نفسه، أكّد أستاذ العلوم السياسية في حديثه لـ"عربي21" أنّ: "الأثر سيظل محدودا إذا لم تقترن النصوص بحوافز إيجابية فعلية، كالتخفيض المادي لشروط الترشح، وتوسيع آليات الدعم العمومي، وضمان ولوج عادل للإعلام، لأن الهندسة القانونية وحدها لا تكفي لخلق تمثيلية حقيقية دون إرادة سياسية وسياسات عمومية مرافقة".
وأوضح "إذا كانت التعديلات قد عززت الشفافية، ونظمت تمويل الحملات، ورفعت من مستوى الرقابة على الإنفاق، فإن ذلك يُضعف آليات الإقصاء التقليدية التي كانت تحدّ من وصول الفئات الأقل موارد من الشباب والنساء إلى المنافسة" وفقا لأستاذ العلوم السياسية نفسه، مردفا بأنّ: "أي توسع في الدعم العمومي المخصص للترشيحات النسائية والشبابية، أو تبسيط لمساطر التسجيل والترشيح، من شأنه أن يحول الحق الدستوري في المشاركة إلى إمكانية فعلية".
وختم بالقول: "أما إذا بقيت النصوص في حدود الإعلانات المعيارية دون ضمانات تنفيذية أو جزاءات رادعة، فإن أثرها سيظل محدودا، لأن تمكين هذه الفئات يتطلب إزالة العوائق المادية والتنظيمية التي تعيق ولوجها إلى المجال الانتخابي".
إلى ذلك، بين تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد الانتخابي، وبين مخاوف دستورية حول قرينة البراءة وحق الترشح، يبدو أن انتخابات 2026 في المغرب ستكون محطة اختبار حقيقية للمشهد السياسي، ليظل السؤال متجددا: هل ستنجح الحكومة والأحزاب والمجتمع المدني في توفير شروط النزاهة والشفافية والمشاركة الواسعة؟