قد يتبادر للذهن من عنوان المقال بأنني سأتحدث عن أحد السلف الذين استمتعوا بالقرآن وتلذذوا به، وكان نبراساً لهم ودليلاً ونوراً في حياتهم. إنها حقًا حياة جميلة أن تعيش مع القرآن، فأنت تعيش مع الله في مناسبة مبهجة ولطيفة، أقول هذا الحديث، وكنت قد التقيت برجل من القصيم في مزرعته الجميلة، كان سهل الحديث بلا تكلف فما يكون في قلبه يتحدث به لسانه حديثاً يلامس القلب، وفي أثناء حديثي معه أخبرني أن الله تعالى قد وفقه لختم القرآن الكريم 1400 مرة، وهو مسرور بذلك، وقال إنَّ كتاب الله كان رفيقه في مجلسه ومسجده وحياته، فمنذ أن يصبح حتى يمسي يقرأ القرآن، ويتدبّر آياته، ويتفكر في معانيه، فما أجملها من همة ونشاط، وما أجمل إخلاصه وقربه من الله، فمن تشبه بالسلف لم يخطئ!
عندما تتأمل القرآن عزيزي القارئ تدرك أن الله أنزله لحكمة بالغة، فهو نور يهدي للحياة وموعظة للقلوب.
وحينما تقرأ القرآن إما أن تقرأ آياته سردًا احتساباً للثواب، أو تقرؤه بقلب واعٍ تتدبر معانيه ،ففيه جمال يتسع القلب لتأمله، ومما يجدر ذكره أن القران منذ أن نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجدت البشرية عزاء في تلاوته، وحفظه الله من التحريف، وتناقلته الأجيال، مكتوبًا ومحفوظًا، ومن عاش مع القرآن كان خيراً له في حياته، فهو مصدر الحياة، به تطمئن القلوب، وتطرد الشياطين، وبه يشفي المرضى، وبه تذهب الهموم، وتأثيره يكون مباشراً بأمر الله، ولا يضاهي قوته شيئاً.
ومن عرف القرآن تلهف إليه تلهف الضمآن ، فهو مفتاح العلوم والمعارف، وينير البصيرة، ويهذب الأخلاق، و دستور الأمم، ويتحاكم الناس إليه ، فإذا فتح الله لك ذلك الباب فالزمه، فإنك على خير عظيم ،قال رسول الله صلى الله عليه، وسلم: “يقال لقارئ القرآن : اقرأ ورتل وارتق كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها ” وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه، وسلم قال: “أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان، قلنا: نعم، قال فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان » وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل”، وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول” يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهلَه الذين كانوا يعملون به في الدنيا تَقدُمُهُ سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما”.
ومما يجب إدراكه أن للحياة مقاصد يجب أن نعيها، ومن تلك المقاصد عبادة الله وذكره، ومن أعظم الأذكار تلاوة القرآن، وكم سيكون جميلاً لك عزيزي القارئ في أن يكون لك ورد من القرآن تتلوه كل يوم وليلة، فهناك من يختم القرآن كل شهرين، وبعضهم كل شهر، وهناك من يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام ،وعندما تتأمل عزيزي القارئ مقدار الوقت الذي تقضيه يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي وبحد أدنى ساعتين فما أجمل أن نقضي وقتا مع القرآن في كل يوم وخاصة بين الأذان والإقامة فهو وقت ثمين، فإننا ومن حيث ندري أو لا ندري قد ننشغل بالأمور الحياتية، ونغفل عما يرفع درجاتنا في الآخرة، ويقربنا من الله عز وجل فما الذي يضيرنا في أن نجعل لأنفسنا يومياً وقتاً نتلو فيها آيات من الذكر الحكيم تملأ صحيفة أعمالنا وترجح كفة ميزاننا يوم القيامة، بدلاً من الانغماس تماما في مشاغل الحياة الدنيا الزائلة!! وأخيراً فلنحمد الله الذي أنعم علينا بالإسلام وكتابه، ونسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن، ويرزقنا حسن الخاتمة.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه صلى الله علیه وسلم مثل ما
إقرأ أيضاً:
حكم الدعاء بقول: «اللهم بحق نبيك» .. يسري جبر يوضح
أكد الدكتور يسري جبر، من علماء الأزهر الشريف، أن الدعاء بقول الإنسان: «اللهم بحق نبيك محمد صلى الله عليه وسلم» دعاءٌ جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، موضحًا أن الاعتراض على هذه الصيغة نابع من فهمٍ قاصر لمقامات الأنبياء، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمعنى “الحق” عند الله سبحانه وتعالى.
وأوضح الدكتور يسري جبر، خلال لقاء تلفزيوني اليوم، أن النبي صلى الله عليه وسلم له حقٌّ عند مولاه، وهو حق الشفاعة، وحق القبول، وحق الجاه العظيم الذي أكرمه الله به، مشددًا على أن هذا الحق ليس من باب الوجوب العقلي على الله تعالى، فالله سبحانه لا يجب عليه شيء عقلًا، وإنما هو حق تفضلٍ وإحسانٍ أوجبه الله على نفسه كرامةً لنبيه، كما أوجب على نفسه إجابة دعاء المؤمنين بقوله: «ادعوني أستجب لكم»، فإذا كان هذا الوعد عامًا للمؤمنين، فما بالك بالصالحين، ثم الأولياء، ثم العلماء، ثم الأنبياء، ثم الرسل، ثم برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خصه الله بالشفاعة العظمى يوم القيامة حين يقول جميع الأنبياء: «نفسي نفسي»، ويقول هو وحده: «أنا لها».
وأشار عالم الأزهر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه علّم الأمة هذا المعنى، مستشهدًا بما رواه ابن ماجه في دعاء الذهاب إلى المسجد، حيث قال النبي: «اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق محمد عليك»، موضحًا أن النبي سأل الله بحقه على الله، وهو دليل صريح على جواز هذا الأسلوب في الدعاء، وأن له حق الشفاعة والقبول والنصرة والرعاية والعناية.
وبيّن الدكتور يسري جبر أن من الأدعية النبوية الثابتة قوله صلى الله عليه وسلم: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين»، موضحًا أن الاستغاثة هنا بالرحمة، والرحمة التي أرسلها الله إلى العالمين هي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين»، فالنبي هو الرحمة المتعينة في الأكوان، وهو المظهر الأعظم لرحمة الله في الخلق، ولذلك كان من المشروع استحضار هذا المعنى عند الدعاء.
وأضاف أن رحمة الله التي وسعت كل شيء قد جعل الله لها تجليات في الخلق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أعظم هذه التجليات، وهو الرحمة المهداة، مشيرًا إلى أن أهل العلم والذوق تكلموا عن هذا المعنى عبر القرون، ومنهم الإمام الجزولي في «دلائل الخيرات» حين عبّر عن النبي بأنه رحمة الله المتعينة في العالمين.
وأكد الدكتور يسري جبر أن القول بأن النبي ليس له حق عند الله قولٌ باطل، بدليل ما ثبت في الصحيح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال: «هل تدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟»، فبيّن أن للعباد حقًا على الله إذا وفوا بما أمرهم به، فإذا كان هذا حقًّا لعامة المؤمنين، فكيف يُنكر أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو إمام المرسلين وسيد ولد آدم – حقٌّ أعظم وأجل عند ربه.
وأكد على أن على المسلم ألا يلتفت إلى اعتراضات الجهلة، وأن يرجع في دينه إلى النصوص الشرعية وفهم أهل العلم، وأن يعرف مقام النبي صلى الله عليه وسلم حق المعرفة، فتعظيمه وتعظيم جاهه ومكانته من تعظيم الله، والنصوص الصحيحة دالة على جواز التوسل والدعاء بحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والله تعالى أعلم.