اتصال البرهان وبن زايد.. هل يمهد لتجسير العلاقات و يصلح ما أفسدته التراقشات؟؟!!
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
بعث الاتصال بين رئيس مجلس السيادة السوداني الإنقلابي عبد الفتاح البرهان، ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد الأسبوع المنصرم، آمال الشعب السوداني بإمكانية إيقاف حرب 15 أبريل المدمرة، والتي تسببت في أكبر عملية نزوح يشهدها العالم وفق الأمم المتحدة.
تقرير _ التغيير
ويأتي هذا التفاؤل للدور الذي ظلت تلعبه الإمارات في الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، رغم نفي الإمارات المستمر دعمها لقوات الدعم السريع إلا أن خبراء من الأمم المتحدة قالوا إن ما ذكر يتسم بالمصداقية.
ووصل الخلاف بين السودان والإمارات أروقة الأمم المتحدة كأكبر تصعيد دبلوماسي بين الدولتين، وظهرت تلك الاتهامات خلال جلسة محتدمة لمجلس الأمن في يونيو الماضي. أول اتصال
ويعتبر الإتصال بين البرهان وبن زايد أول اتصال علني بين الرجلين منذ أن بدأ الجيش السوداني في انتقاد الإمارات صراحة، ولعب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد دوراً مهماً في الإتصال الهاتفي بعد أن وصل بصورة مفاجأه للعاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان الخميس، وعقد لقاءً مع البرهان داخل سيارة قادها الأخير بنفسه دون أن يتم الكشف عن مادار في هذا اللقاء، وتمخض عنه هذا الاتصال”.
إنهاء الحربفيما قالت مصادر دبلوماسية بحسب وكالة “رويترز” إن رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وقائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ناقشا مقترحا من رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد للتوسط من أجل إنهاء الحرب الدائرة في السودان منذ 15 شهرا.
ذكرت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) الخميس الماضي أن الشيخ محمد بن زايد أكد خلال اتصال هاتفي “حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان الشقيق بما يسهم في تعزيز استقراره وأمنه ويحقق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء”.
وبعد ساعات من بيان (وام)، قالت الحكومة السودانية في بيان إن البرهان طلب من رئيس الإمارات وقف دعم بلاده لقوات الدعم السريع”التي تقتل السودانيين وتدمر بلدهم وتشردهم”.
وساطة بين البلدينويرى الخبير الدبلوماسي السفير الصادق مقلي، أن هذه الخطوة لم تأتي من فراغ سيما و إنها جاءت في اعقاب الزيارة الخاطفة التي قام يها أبي أحمد للخرطوم مما يدعو للاعتقاد أنها جاءت في إطار وساطة بين البلدين من قبل أبي أحمد…خاصة وأن الأخير يدرك تماما أن التوتر بين البلدين لا يساهم في إنجاح المبادرات والمساعي المبذولة في أديس أو جدة و التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع في السودان…في ظل اتهام السودان و بعد الدوائر العالمية بتورط الإمارات في الحرب لصالح الدعم السريع”.
وأوضح الصادق المقلي في مقابلة مع «التغيير» أن أبى أحمد يعتقد أن التوصل إلى التسوية السلمية للنزاع تمر بالضرورة بجانب أديس أو جده عبر بوابة أبوظبي..بمعنى أن الإمارات مؤهلة للمساهمة من خلال هذه المبادرات إلى تسوية سلمية و وضع حد لهذه الحرب العبثية المدمرة”.
ووصف الخبير الدبلوماسي، الخطوة بأنها في الاتجاه الصحيح و إيجابية و مفاجئة لأنها حدثت بعد ثمان و أربعين ساعة من خطاب ياسر العطا الذي هاجم فيه بشدة وبطريقة لا تليق برجل الدولة الإمارات و خص بالاساءة رئيس الدولة..و من هنا كانت المفاجاة في اتصال البرهان بمحمد بن زايد ..أي أنها خطوة لم تكن في حسبان المراقبين”.
ولفت إلى أنه في العلاقات بين الدول ليس هناك صداقة دائمة و لا عداء أو خصومة دائمة.. ففي اعتقادي أن المكالمة من شأنها أن تمهد لتجسير العلاقات بين البلدين و تصلح ما افسدته التراقشات الرسمية والإعلامية”.
واستدرك قائلاً: “لكن ما يثير حب الاستطلاع أن هذه الخطوة حتى هذه اللحظة لم نري لها يوم تالي، و لم يصدر عنها بعد أي رد فعل رسمي من كلا الطرفين، بيد أن بعض الأقلام في كلا البلدين منهم من وصفها بأنها خطوة ايجابية و منهم من نكأ الجراح”.
مردود ايجابيوفي السياق يرى الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” بكرى الجاك، أن الاتصال البرهان وبن زايد أمر إيجابي ومؤشر لأن تحل مشاكل البلدين في إطار الحوار.
ولفت الجاك في مقابلة مع «التغيير» إلى أنه قد يكون لذلك تأثير إيجابي على التفاوض والحل السلمي و لكن ليس بالضرورة أن مجرد اتصال هاتفي سيكون له حتما مردود ايجابي”.
وحول إمكانية عرقلة الإسلاميون لهذه الخطوة يقول بكرى الجاك، لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يقوم به الإسلاميون أو أن يكون لهم دور كل هذا الأمر يرتبط بالطريقة التى ستنتهي بها الحرب ما إذا كانت تفاوض أم لا”.
وظهرت أصوات من الإسلاميين رافضه لجهود الوساطة ولديهم مخاوف إزاء دور الإمارات.
وقال المؤتمر الوطني المحلول في بيان، إن كل من دعم التمرد بالتخطيط و المال و السلاح و المرتزقة و شاركه في التنفيذ، وفَّرَ له المأوى و الغطاء الدبلوماسي و السياسي و الإعلامي و كل شريك في الجرائم ضد السودان و شعبه لا يصلح أن يكون وسيطا لوقف الحرب في السودان و أياديه لا تزال ملطخة بدماء و شرف أبناء و بنات السودان”.
وأوضح الوطني، أن كل من لا يعترف بمؤسسات الدولة القائمة بالسودان و بشرعيتها و سيادتها على كل الأرض السودانية و يتنكر لها فهو غير مؤهل للمساعدة في حل المشكلة السودانية”
وذكر، أن لبعض الدول أجندة و مصالح تتعارض و المصالح الوطنية للسودان ظلت تسعى لتحقيقها بشتى الوسائل بما في ذلك حرب 13 أبريل 2023 و بعد أن خسروها ، عادوا ليبحثوا عن مداخل جديدة ظاهرها الخير وباطنها الشر المستطير”.
وشدد الحزب المحلول، على أن من ارتكب كل هذه الفظائع بالسودان و أهله لن يثق أهل السودان فيه لمساعدتهم”.
وقال ننصح قيادة البلاد و هي تصارع أمواجا من التحديات بأن لا نكوص و لا رجوع عن عهدكم مع الشعب بأن لا سلام أو تفاوض قبل تنفيذ مقررات جدة”.
فيما يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية نبيل أديب أن الاتصال بين البرهان وبن زايد يمكن أن يؤدي لإيقاف الحرب من حيث كون أنه لا مصلحة لأي طرف فيهما في استمرار الحرب”.
وقال أديب في مقابلة مع «التغيير» رغم أن هذا لا ينفي وجود جهات اخرى لها مصلحة في استمرار الحرب قد تتدخل لعرقلة ذلك اللقاء او افشاله لكنه بالتأكيد يجعل فرص تلك الجهات في النجاح في مسعاها هي فرص محدودة.
وبدوره يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية د. إبراهيم كباشي إن الاتصال بين بن زايد والبرهان قد يكون بداية لتحول جديد في مسارات الحرب والسلام في السودان لكن هذا التحول مرتبط وبدرجة كبيرة بجدية الطرفين حول دعم خطوات إيقاف الحرب سلميا”.
وأوضح أن البرهان الذي ظل متمسكا بخيار الحرب كخيار استراتيجي تواجهه الكثير من التحديات في حالة الاتجاه نحو التفاوض كمدخل لنزع فتيل النزاع”.
وتابع: “حالة التعبئة التي ظل يقوم بها داخل المعسكرات والتي طالت العديد مكونات المجتمع وبلغت مداها تظل أكبر عقبة تواجه البرهان، بالتراجع عنها وفي إطار التقارب مع الامارات (الد الأعداء) بحسب خطابات بعض القيادات العسكرية والشعبية وتصورات بعض القوى المجتمعية والسياسية وعلى رأسها الاسلاميين ربما تؤدي إلى حدوث انقسامات داخل تلك المعسكرات والقوى الداعمة للبرهان وقد تطال تلك الانقسامات الجيش وحتى بعض الحركات المسلحة المتحالفة معه”.
وأردف: “بالإضافة إلى تحدي التعبئة والذي يشكل العقبة الكؤد والطوق الإسلامي الذي يحيط بالبرهان يبرز تحدي آخر مرتبط باستحقاقات ومستقبل الحركات المسلحة المتحالفة مع البرهان إذا قرر المضي في اتجاه السلام في ظل سيطرة الدعم السريع على أغلب مناطق تلك الحركات”.
وأشار إلى أن تدهور الأوضاع الإنسانية و المصحوب بفشل الحكومة في إدارة ملف الاقتصاد والذي أدى بدوره إلى تزايد موجات الغلاء وربما تفشي المجاعة في أقرب الأوقات إذا ظلت حالة انفلات أسعار العملة الصعبة تسير بنفس المنوال هذه الوضعية تشكل ضغطا اخرا على البرهان”.
واستطرد: “في المقابل فإن الإمارات مواجهة بتحدي إعادة بناء الثقة مع حكومة البرهان من ناحية واطر تعاملها مع قوات الدعم السريع من ناحية أخرى هذه المقاربة قد تبدو في غاية التعقيد في ظل الأوضاع التي أفرزتها الحرب”.
وزاد: “عموما يمكن القول أن ما بين رغبة البرهان في تحقيق الانتصار والتحديات والمخاطر التي تحيط في حالة تحول بندود علاقات حكومته نحو الإمارات فإن استمرارية التواصل بين الطرفين بما يفضي إلى سلام قد يبدو أمرا صعبا في المدى القريب”.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أبي احمد الإمارات البرهان السودان محمد بن زايد
إقرأ أيضاً:
تمدد المتشددين بالجيش السوداني بين النفي والواقع
في خضمّ الحرب المشتعلة في السودان وتزايد تعقيدات المشهدين السياسي والعسكري، يبرز ملف تغلغل التنظيمات المتشددة داخل الجيش السوداني كأحد أكثر الملفات إثارة للجدل، خصوصا بعد تصريحات قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، التي نفى فيها "أي وجود للإخوان المسلمين داخل المؤسسة العسكرية".
غير أنّ مؤشرات ميدانية، وشهادات قوى سياسية وشخصيات بحثية، تكشف رواية مغايرة تماما.
بين خطاب البرهان.. وحقائق الميدان
ظهر البرهان في مقابلة أخيرة نافيا أي حضور للإخوان في الجيش، ومؤكدا أن "كل من يثبت انتماؤه يتم استبعاده". لكنه، وفق مراقبين، قدّم روايتين متناقضتين: الأولى تؤكّد أن الشعب أسقط الإخوان في ثورة 2019، والثانية تنفي وجودهم التام في الحكومة والجيش رغم عودة رموز كثيرة عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021.
هذه المفارقة كانت محور النقاش في برنامج "الظهيرة" على سكاي نيوز عربية، بين الباحث في مركز الأهرام صلاح خليل، والكاتب والباحث السياسي شوقي عبد العظيم.
يرى خليل أن ما يوصف بعودة نفوذ الإسلاميين داخل الجيش هو في الغالب "فوبيا من سنوات حكم الإسلاميين السابقة"، مؤكدا أن المقاربة الواقعية تُظهر أمرا مختلفا.
وقال خليل: "إذا كان الجيش السوداني واقعا تحت هيمنة تيار الإسلام السياسي كما يقال، لما لجأت السلطة السابقة إلى تكوين ميليشيات الدعم السريع وانتزاع قانون لها عام 2017. تكوين هذه الميليشيات كان خوفا من أن يقوم الجيش بانقلاب ضد النظام".
ويضيف أن الإسلاميين، لو كانوا بهذه القوة، لكانوا استخدموا أدواتهم لقمع اعتصام القيادة عام 2019 والحفاظ على نظام البشير، مؤكدا: "الإسلاميون امتلكوا السلطة والجيش والميليشيات، ولو أرادوا البقاء لفعلوا ذلك بالقوة".
كما اتهم خليل بعض الأصوات السياسية والإعلامية بـ"شيطنة الجيش السوداني"، قائلا إن انتساب بعض الضباط السابقين للتيار الإسلامي لا يعني بالضرورة وجود سيطرة فعلية اليوم.
يقاتلون اليوم داخل الجيش باسم جديد
على الضفة الأخرى، قدّم شوقي عبد العظيم وجهة نظر أخرى، قائلا إن نفوذ الإسلاميين لم يغادر مؤسسات الدولة أصلا، بل عاد بقوة بعد أحداث أكتوبر 2021.
وأكد قائلا: "هناك وزراء إسلاميون حاليون، وشخصيات معروفة للجميع عادت للخدمة عقب انقلاب 25 أكتوبر. إعادة المفصولين الإسلاميين ثم مشاركتهم المباشرة في الحرب دليل واضح على أن نفوذهم مؤثر وحقيقي".
وفيما يتعلق بالميليشيات، قال إن الدعم السريع نفسها: "كانت جزءا من مشروع الحركة الإسلامية لحماية سلطتها بجيش مواز".
وأضاف: "كتائب البنيان المرصوص والبراء بن مالك والمجاهدين.. كلها تقاتل اليوم ضمن ما يسمى المقاومة الشعبية، وهم أنفسهم عناصر الإسلاميين القديمة".
وكشف عبد العظيم عن اعترافات لقيادات عسكرية سابقة حول تلقي توجيهات من رموز إسلامية شهيرة خلال الفترة الانتقالية، مؤكدا: "الإسلاميون يقاتلون الآن داخل الجيش ليس دفاعا عنه، بل سعيا للعودة إلى السلطة عبر الحرب".
لماذا ينفي البرهان؟
يعتقد محللون أن البرهان يوجّه رسائل متعددة: للداخل السوداني: بأنه لا يسمح بعودة الإسلاميين وأن الجيش "حائط صد" ضد التطرف.
للعواصم الغربية والعربية: بأن المؤسسة العسكرية "غير أيديولوجية" ويمكن التعامل معها.
للوسطاء الدوليين: بأن أي مفاوضات سياسية يجب أن تُسبق بحسم عسكري.
لكن الوقائع على الأرض، بحسب مراقبين، تجعل من هذه السردية أقل تماسكا، خصوصا مع عودة ضباط معروفين بانتمائهم للحركة الإسلامية، وسط توسع قوات الاستنفار الشعبي ذات الخلفيات الجهادية.
الخطورة.. بين الحرب والتمكين
يختم عبد العظيم بأن أخطر ما يواجه السودان اليوم هو عودة التنظيمات المتشددة إلى الواجهة عبر بوابة الجيش، مؤكدا: "الحرب أصبحت منصة الإسلاميين للعودة إلى الحكم، وكل يوم تطول فيه الحرب يزداد نفوذهم".
أما خليل فيرى أن الحديث عن تغلغل الإسلاميين داخل الجيش هو جزء من "سردية سياسية تهدف إلى شيطنة المؤسسة العسكرية في لحظة مصيرية".