الحروب السيبرانية هى صراعات، وهجمات إلكترونية تستهدف أنظمة الكمبيوتر، والبنية التحتية الرقمية لدولة أو مؤسسة أو شركة ما. وتشمل هذه الهجمات محاولات اختراق أو تعطيل الأنظمة الإلكترونية، وتدمير البيانات أو سرقتها، وتعطيل الخدمات الحيوية. وقد أصبحت أشكال الحروب السيبرانية مختلفة فى السنوات الأخيرة، وتزايدت حدتها مع تطور التكنولوجيا والاعتماد المتزايد على البنية التحتية الرقمية.

ويعد هذا النوع من الحروب تهديداً كبيراً للأمن القومى والاستقرار الاقتصادى للدول المتطورة.

ونجد أن الفاعلين الرئيسيين فى الحروب السيبرانية هم الجماعات الإرهابية، والمجرمون الإلكترونيون، وبعض الأشخاص أو الجماعات التى يتم استخدامها من قبل بعض الحكومات للقيام بعمليات الاختراق والتجسس الإلكترونى ونشر البرمجيات الخبيثة، أو تدمير النظم والتطبيقات وغيرها باستخدام تقنيات متطورة ومهارات فنية مرتفعة. ومن المتوقع أن تشهد الحروب السيبرانية تطورات مستقبلية كبيرة، خاصة مع ظهور تقنيات متطورة مثل الذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء. مما يتطلب جهوداً دولية مكثفة للتصدى لهذه التهديدات. فعلى سبيل المثال ومع دخول الذكاء الاصطناعى فى حياتنا بدأنا نرى أشكالاً وأنماطاً مختلفة وجديدة من صور الحروب السيبرانية، ففى البداية كنا نرى ذلك من خلال استخدام البيانات الشخصية الخاصة بالمستخدمين، من خلال معرفتهم بالميول والآراء والاتجاهات المختلفة للمجتمعات ومختلف الدول، ثم يقومون بتوجيه وتحريك المستخدمين فى تلك الدول، عبر استخدام بعض الخوارزميات فى مواقع التواصل الاجتماعى وعلى التطبيقات المختلفة لتوجيه الناس نحو أمور معينة، وقد رأينا ذلك أكثر من مرة خلال الفترة الماضية، منها وقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأولى لترامب عندما فاز مع حدوث فضيحة «كامبريدج أناليتيكا»، عندما تم استخدام «الفيس بوك» لتوجيه رسائل انتخابية بطريقة غير مباشرة لتوجيه الجمهور والناخبين الأمريكيين بشكل معين، بناءً على تحليل البيانات الخاص بهم، وذلك ضمن أساليب التأثير على الناس وتوجيههم، كما رأينا ذلك يستخدم بوضوح أيضاً فيما سمى بثورات الربيع العربى.

لذا يجب على الدول والمنظمات الدولية إنشاء أطر قانونية وتنظيمية للتعامل مع الحروب السيبرانية، وتطوير آليات الدفاع والرد عليها، بالإضافة إلى تطوير وتعزيز القدرات الفنية والبشرية لديها. ولكن هناك تحديات كبيرة فى هذا المجال، ومنها التطور التكنولوجى السريع، حيث تتطور تقنيات الهجمات السيبرانية بسرعة كبيرة، مما يصعب مواكبتها والتصدى لها بشكل فعال. بالإضافة إلى صعوبة تحديد الجهات الفاعلة، وغالباً ما يصعب تحديد الدول أو الجماعات المسئولة عن الهجمات السيبرانية، مما يعقد عملية الرد والمساءلة.

ويعتبر التداخل بين الأمن السيبرانى والأمن القومى أحد الأمور المهمة، حيث نجد ارتباط البنية التحتية الحيوية للدول بالأنظمة الرقمية لها، مما يجعلها عرضة للهجمات السيبرانية التى تؤثر على الأمن القومى، وهو أحد الأساليب الجديدة للحروب السيبرانية للهجوم على المؤسسات والدول وإصابتها بالشلل فى جميع قطاعاتها الحيوية، كما حدث مع أوكرانيا وإسرائيل عندما تم استهداف محطات الكهرباء بهجوم سيبرانى أدى لخروجها من الخدمة.

هذا ويعتبر نقص الخبرات والكوادر المتخصصة فى مجال الأمن السيبرانى فى العديد من الدول أحد أهم التحديات، خاصة فى ضوء التكاليف المرتفعة للدفاع والحماية من الهجمات السيبرانية، حيث تحتاج لاستثمارات كبيرة فى البنية التحتية والتكنولوجيا والموارد البشرية. بالإضافة إلى ضعف التنسيق والتعاون الدولى الفعال لمكافحة الحروب السيبرانية.

وعلى الرغم من وجود تحديات دولية كبيرة فى هذا المجال فإنه يوجد عدة استراتيجيات رئيسية يمكن للدول اتباعها لتطوير قدراتها فى مجال الأمن السيبرانى، ومنها بناء القدرات الوطنية، وتطوير إطار قانونى وتنظيمى قوى للأمن السيبرانى، وصياغة معايير وطنية ملزمة لكافة الجهات لحماية الأمن السيبرانى، والاستثمار فى البنية التحتية التكنولوجية والفنية. كما يجب العمل على التعاون والتنسيق والمشاركة فى المنظمات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وتبادل المعلومات والخبرات مع الدول الأخرى، والمشاركة فى المسابقات والمناورات والتدريبات السيبرانية الدولية المشتركة، وتنسيق الجهود لمواجهة التهديدات السيبرانية المشتركة. بالإضافة إلى ذلك يجب تعزيز الوعى والثقافة السيبرانية، وتشجيع البحث العلمى والتطوير التكنولوجى فى مجال الأمن السيبرانى، وبناء القدرات الردعية والهجومية بشكل متكامل، بما يعزز قدرة الدول على مواجهة التهديدات السيبرانية وحماية أمنها القومى.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأمن السيبرانى

إقرأ أيضاً:

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأُمَّ مؤسسة تربوية عظيمة

عطاء الأم نهر جارٍ، لا ينضب، بل، لا يتأثر بمتقلبات، ومتغيرات، وتحديات، وصعوبات الحياة؛ فلديها وجدان صافٍ، ومحبة تغمر محيطيها، وتفانٍ من أجل الغير، وثبات على مبادئ، وقيم نبيلة، تستلهم منها مقدرتها على الوصال، وتتجاوز بها شتى العقبات، وتذهب بها إلى نهاية المسار؛ فتكون قد أدت رسالتها، وتركت الأثر الباقي، وحفرت في الأذهان، والوجدان معان عميقة، يتبادلها جيل تلو الآخر؛ فرغم أن غريزة الأمومة تفيض حنانًا؛ إلا أنها محاطة بسياج من معايير التربية، التي تستهدف تعديل السلوك في الاتجاه المرغوب فيه.

عظمة التربية التي تقوم بها الأم، تتمثل في خلق نشء، يمتلك البنيان، الذي يعينه على أداء مهامه، التي توكل له، في خضم حياة مفعمة بالحيوية، وغرس معان لمفاهيم، من شأنها أن تبني فكرًا إيجابيًا، يساعد فلذات الأكباد على تخطيط مستقبلهم القريب، والبعيد على السواء، كما يهيئهم للتكيف مع صور الأحداث الجارية منها والمستقبلية، ناهيك عن تقويم مستدام، لا يصيبه الملل، أو الكلل، أو الفتور، بل، يمتد طيلة مسيرة الحياة، التي يكتبها الله – تعالى – للأم عظيمة القدر، والمقدار.
مؤسسة الأم التربوية، تمد الأبناء بطاقات متجددة، وتنمي الوعي بكل أنماطه لديهم؛ كي يصبحوا قادرين على تحقيق ماهية الاستخلاف؛ فيتفهمون أدوارهم، وينغمسون في مهام، قد تبدو من قبيل التكليف، أو التشريف، وهنا نرى ملامح البناء، والإعمار، والإضافة؛ فتتعالى الهمة، والإرادة، تجاه رقي، وازدهار، مستل من ثقافة، تم غرس مفرداتها في الوجدان؛ فصارت العمل على تسخير موارد الحياة؛ من أجل رفاهية الإنسان من الأولويات، وقد أضحى الخلاف، والنزاع، والتناحر، والصراع، بعيدًا عن فكر، يستهدف غايات تحمل الخير في خضم مجالات الحياة المختلفة.
المؤسسة التربوية العظيمة خاصة الأم، تؤكد على فلسفة التضحية، التي يرصدها، ويعيش مفرداتها الأبناء؛ فدومًا ما نتعلم منها ماهية الإيثار؛ حيث إن بنك عطاء الأمومة، يحوي في داخله مقومات سعة الصدر، وقوة للتحمل، وصبر من نفس مطمئنة، تدرك أن التربية تعتمد على استراتيجيات طويلة المدى؛ ومن ثم ترى طريقها بوضوح، وتعمل بكل جد، واجتهاد؛ كونها قدوة لفلذات الأكباد على الدوام.
تربية الأبناء على التحمل في مؤسسة الأمومة تجعل النفوس تتحمل، والأبدان تقوى، فما يتلقاه الأبناء من رعاية مكسوة برأفة، وحب، وقضاء للحوائج وتحمل للضغوط، ولين في التعامل، وروية في تناول القضايا الخاصة بالأبناء، وهدوء في النقاش، كل ذلك يجعل فلذات الأكباد يتقبلون النصح، والإرشاد، ويقدرون الجهود التي تبذل من أجل تعزيزهم نحو مسيرة الكفاح؛ بغية الوصول إلى النجاح؛ فقد بدت المكافأة في رضا الأم غاية لا نظير لها.
تحمل ذكرياتنا مقدرة أمهاتنا على صقل أذهاننا بمتلون الثقافة النقية الخالية من تضمينات لا تتسق مع قيمنا النبيلة، بل، المعرفية التي تحتويها صحيحة، تهذب وجدانياتنا رغم كونها بسيطة في تراكيبها، وبارعة في تعبيراتها، وتؤدي بواسطة مشاعر راقية، بكلمات رقراقة؛ فنحن بصدق نحب تاريخ تربيتنا، وتأمل أن يدرك فلذات الأكباد أن أصولنا لها جذور راسخة، تستمد قوتها من حفاظ مؤسسة الأمومة على قيم، تعضد حب الوطن، وتعلى من قدره، وتبجل رموزه.

التربية في مدرسة الأمومة متكاملة؛ حيث تشمل ترقية الوجدان، وتنمية المعارف، وصقل المهارات، خاصة الحياتية منها، والاجتماعية؛ ومن ثم يصبح الإنسان منا متحملًا لمسئولية محددة، تكمن في بذل أقصى ما في الجهد من أجل أن يحقق النجاح الذي يتمناه في مجاله، وهذا يجعل الجميع في حالة تأهب؛ كي يستكمل مسيرته، ولا يتقبل في طريقه مسميات الفشل، أو التراجع؛ فالإنجاز تلو الآخر يعد شعار كل مرحلة من مراحل عمرنا.
مدرسة الأمومة تبذل أقصى ما في الجهد، بل، تتحمل ما لا يطيقه الجبال، ونهمس في آذان الأبناء، ونقول لهم برفق، إن الأمومة نعمة منح الله - عزوجل-البشرية إياها، وبدونها لا تستطيع البقاء، فندعو لأمهاتنا الذين هم على قيد الحياة بالصحة، والعافية، والعمر المديد، وبالرحمة والمغفرة، وجنات النعيم لمن رحل إلى دار البقاء، ونأمل أن نكون لهن واصلين، بارين ما حيينا.. ودي ومحبتي للجميع.

طباعة شارك عطاء الأم معايير التربية تعديل السلوك مدرسة الأمومة

مقالات مشابهة

  • يوسف عبد المنان يكتب: شطحات الحكيم
  • ثروت إمبابي يكتب: الزراعة دون تربة.. مستقبل الأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية
  • الدكتور محمد احمد سالم يعلق على فرض رسوم من قبل النيابة العامة
  • عاجل|إحباط عمليات تخريب واسعة ضد البنية التحتية الروسية.. الأمن الفيدرالي يكشف التفاصيل الكاملة
  • قبل إجراء الحكومة الأخير.. تعرف على الجهة المسئولة عن تحديد مكونات الرقم القومي للعقارات
  • بعد مقتل محمد السنوار.. إسرائيل تضع 4 شخصيات كبيرة في حماس على قوائم الاغتيالات
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأُمَّ مؤسسة تربوية عظيمة
  • بكري ردا على «الإيكونوميست»: موقف مصر تحكمه ثوابت «الأمن القومي العربي» وفي مقدمتها القضية الفلسطينية
  • التنمية المحلية: تسهيل ربط قواعد البيانات مع منظومة الرقم القومي العقاري
  • ضبط كمية كبيرة من الحشيش المخدر في ريف حلب معدة للتهريب إلى إحدى الدول الأوروبية