«خيارات ضيقة ومحدودة» أمام قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، هكذا وصف بعض المحليين تأرجح مواقفه بين الرفض والقبول المشروط، بـ«المشاركة في أي محادثات لإنهاء الحرب في البلاد»، وعلى حد قولهم: «يقع تحت ضغط كبير وحصار من الداخل والخارج».

فبعد يومين من إعلان الحكومة السودانية عبر وزارة الخارجية، استعداداها للانخراط في محادثات سويسرا لوقف إطلاق النار، بشرط عقد اجتماع سابق مع الحكومة الأميركية للتشاور بشأن أجندتها والأطراف المشاركة، خرج البرهان بعد نجاته من محاولة اغتيال بمسيّرة مجهولة خلال مشاركته الأربعاء في تخريج ضباط الكلية الحربية بمدينة جبيت شرق البلاد، بشروط جديدة من بينها «الاعتراف بالحكومة»، ودعا الوسطاء لمخاطبة «الدعم السريع» للانسحاب من المدن التي تسيطر عليها.



ويرى محللون أن رفض البرهان محادثات سويسرا «سيفقده المواقف المتوازنة لبعض دول الجوار الساعية لوقف الحرب، ومن ثم سيضع نفسه في مواجهة المجتمع الدولي، الذي سيسعى في المقابل، لزيادة الضغط عليه وعزله دولياً عن الذين يقاتلون إلى جانبه، ويرفضون أي اتجاه لوقف الحرب».

البحث عن الشرعية
وقال المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ: «إن البرهان يريد قبل الذهاب إلى أي محادثات، الاعتراف بشرعية حكومته والتعاطي معه على هذا الأساس»، بيد أنه استبعد أن يجد ذلك المطلب قبولاً من الدول النشطة في الملف السوداني، مرجعاً ذلك إلى«عدم وجود سلطة شرعية بعد انقلاب الجيش على الحكم المدني» في 2021.

ورأى أن ما ذكره قائد الجيش في جبيت بعد فشل استهدافه بالطائرة المسيّرة، «كان إشارات متناقضة حول موقفه الحقيقي من محادثات وقف إطلاق النار» التي دعت لها الولايات المتحدة بسويسرا في 14 من أغسطس (آب) الحالي.

وقال: «إن البرهان أمام خيارين: إما أن يذهب إلى محادثات ويضع تلك الشروط ضمن أجندة التفاوض في سويسرا، أو أن يرفض، ومن ثم يظهر أمام العالم أنه غير جاد في وقف الحرب، وخطورة هذا الموقف قد تدفع للتعامل مع قوات الدعم السريع بوصفه أمراً واقعاً، ونتائجه اشتعال حرب أكثر ضراوة، وربما يؤدي إلى تغير في المواقف الحيادية لبعض الدول، من الجيش السوداني».

وقال أبو الجوخ: «إن البرهان يحاول أن يمارس أكبر ضغط ممكن على الوسطاء والمجتمع الدولي لإضفاء شرعية على حكومته، لكن إعلان جدة عرف الطرفين بأنهما القوات المسلحة وقوات الدعم السريع... وما يعيق الموافقة على طلبه، أن (الدعم السريع) لا تعترف بأي شرعية لحكومة بورتسودان، وقد يدفعها ذلك إلى اتخاذ ردة فعل بالامتناع عن المشاركة في المحادثات».

وضع معقد
وبدوره، قال ضابط «متقاعد» برتبة رفيعة في الجيش: «إن وضع البرهان معقد جداً، من الناحية العسكرية على الأرض، من هذه الزاوية يمكن النظر إلى مواقفه التي تبدو في بعض الأحيان متشددة تجاه مواصلة الحرب حتى القضاء على تمرد ميليشيا الدعم السريع، وأحياناً أخرى يبدي مرونة مع وضع الشروط للحفاظ على تماسك مؤسسة الجيش».

وأضاف الضابط الذي طلب حجب هويته، أن قرار الذهاب إلى المفاوضات يجب ألا يكون حوله خلاف بين قادة الجيش، وأن يتم اتخاذه عبر التراتبية داخل المؤسسة العسكرية، وإلا فسُيحدث شرخاً داخلها... ورأى أن أي خطوة من الجيش للقبول بالمفاوضات مع «الدعم السريع»، يجب أن تسبقها تهيئة داخل المؤسسة العسكرية والرأي العام في الشارع، بيد أن ما يحدث في الواقع حملة مضادة لوقف الحرب.

ووفق المصدر ذاته، فإن للإسلاميين تأثيراً على القرار داخل الجيش، وتزايد بشكل أكبر بعد اندلاع الحرب الحالية وانخراط أعداد كبيرة منهم في القتال في صفوفه في كل المواقع العسكرية بالبلاد، مشيراً إلى أن اتخاذ قرار بالذهاب إلى المفاوضات وتجاوزهم، ستكون له ردة فعل خطيرة على تماسك الجيش.

وقال: «إن تكتيك البرهان حالياً هو: حارب أولاً ثم فاوض، وسيعمل على كسب أكبر وقت ممكن لخلق حالة من التوازن العسكري على الأرض لتقوية موقفه على طاولة المفاوضات، لكن وفقاً للخريطة العسكرية الحالية، فإن ذلك قد يأخذ وقتاً طويلاً».

الشرق الاوسط  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

ما في كيزان!!

أطياف

طيف أول:

المرآة التي تدين الملامح في كل مرة، خرجت زواياها تهمس بالسقوط!!

ولن نسمح للإسلاميين الذين أسقطتهم الثورة ولا للدعم السريع بالعودة إلى المشهد مجددًا)، تصريح أدلى به القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان.

خطاب يعكس حالة ارتباك واضحة، تكشف أن الجنرال ما زال يمارس هواية القفز على حبل التصريحات؛ فتارة يرضي الإسلاميون بقوله (ما في كيزان في الجيش)، وهي العبارة “المريحة” التي تشكّل طوق حماية لهم، وتشتّت الأنظار عن مراقبتهم كفاعل رئيسي في ميدان الخراب، يعيثون فسادًا ودمارًا.

فالبرهان عندما يقول: أين هم الكيزان؟

يجب أن يبدأ بنفسه، أليس هو رئيس المؤتمر الوطني في محلية نيرتتي الذي أخبرنا عنه أمين حسن عندما قال إن البرهان أكثر من عضو في الحزب؟! فالجنرال أصبح يصرّح بخطابات باهتة، مستهلكة، متناقضة، لا تسمن ولا تُغني من جوع، لأنه فقد مصداقية القول الذي يتبعه الفعل.

ولكن لماذا اختار البرهان هذا التوقيت ليضع الإسلاميين في كفة الدعم السريع، أي في مكان القوى المدنية (المليشيا والقحاته)!!

وهو الذي يصمم على مواصلة حربه مع الفلول ضد الدعم السريع، الأمر الذي ظهر في قوله (لا يوجد حل للأزمة السودانية إلا عسكريًا). إذن ما الذي جعله يهدد بإبعاد الإسلاميين في هذا التوقيت؟

فالجنرال يرى الآن أن التنظيم ضُرب في مقتل بقرار تصنيف الإخوان منظمة إرهابية، وهو القرار المتوقع اعتماده من قبل الإدارة الأمريكية، والذي يدفعه قرار الكونغرس بتصنيفهم في جميع أنحاء العالم، بما فيهم إخوان السودان.

القرار يكسر شوكتهم في الخارج والداخل، ويجعل كلمتهم أضعف، ليس على القرار السيادي في السودان، وإنما على الجنرال المقيد في حصونهم. فالقرار يمنح البرهان في البداية أقل حقوقه (حرية التعبير).

وكنا قد تحدثنا أن قائد الجيش في رحلته إلى أمريكا أبلغ مسعد بولس أنه موافق على السلام، لكنه نقل مخاوفه إلى الإدارة الأمريكية بأن الميدان يسيطر عليه الإخوان المسلمون، وأن قرار وقف الحرب بيدهم. وعاد البرهان إلى مطرحه بعد أن برّأ نفسه من مسؤولية استمرار الحرب، وهذا ربما يكون من أهم الأسباب التي جعلت أمريكا تتحدث عن ضرورة تنقية الجيش من الوجود الإخواني، لأن شهادة البرهان بوجودهم في القوات المسلحة ليست فوقها شهادة.

وبالأمس حملت وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية (نوفمبر 2025)، والتي نشرها البيت الأبيض، وفي صفحتها رقم 29، فقرة (أفريقيا الثانية)، موقفًا واضحًا للرئيس الأمريكي من وجود الإخوان المسلمين في القارة الأفريقية. وجاءت الفقرة 29 كالآتي: (هناك فرص للانخراط في التفاوض لإيجاد حلول وتسويات للنزاعات في الكونغو الديمقراطية، رواندا، والسودان، ومنع نزاعات أخرى من الاشتعال في إثيوبيا، الصومال، وإريتريا. كما يجب أن نكون على حذر من النشاط الإرهابي الإسلامي الذي يطل برأسه في أجزاء من أفريقيا، مع تجنب أي التزامات بوجود عسكري أمريكي في القارة).

وتؤكد الاستراتيجية أن دور الولايات المتحدة في أفريقيا سيكون دبلوماسيًا بالدرجة الأولى، عبر دعم المفاوضات والحلول السياسية للنزاعات القائمة.

لكن الوثيقة التي قالت إنها تستبعد وجود جنود أمريكيين على الأرض، لم تقل إن أمريكا لن تدعم وجود جنود من جنسيات أخرى أو وجودها على الأرض عبر آليات مثل المراقبة والمسيرات!! وتزامنًا مع ذلك، قالت الولايات المتحدة الأمريكية إنها تدرس فرض عقوبات أوسع على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مع تعثر جهود وقف إطلاق النار في البلاد!!

وتقديم ترامب للحل السياسي على الحل العسكري يعني أن البرهان موافق على التفاوض، وأن أمريكا ليست بحاجة إلى التدخل العسكري طالما أن طرفي الصراع أبديا رغبة في التفاوض. لذلك فإن خطاب البرهان عن استمرار الحرب وأن الحل سيكون عسكريًا هو خطاب تقتضيه المرحلة الآنية، مرحلة وجود الكيزان وسيطرتهم على الميدان. ولكن عندما تعتمد أمريكا قرار التصنيف الكامل سيعلن البرهان موافقته على الحوار والسلام.

وتصنيف الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا يكشف فشل الدبلوماسية الانقلابية في تسويق مشروعهم، وتسويق الحرب، وقبلها تسويق الانقلاب، وبعدها فشل مطالبتهم بتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية، وفشلهم في الحصول على قرار لمحاسبة دولة الإمارات. كلها مطالب لم تجد أذنًا صاغية عند المجتمع الدولي، مما يعني أن الدبلوماسية الكيزانية بالخارج أصبحت تشكّل عبئًا على الدولة، وأن السفراء بالخارج يجب أن تطالبهم الدولة بتقديم استقالاتهم أو إعفائهم. لأن حصار التصنيف للإخوان، الذي تدق طبوله الآن الولايات المتحدة الأمريكية، لن يكون سببًا في سقوط النظام، ولكنه سيكتب نهايته حقبة سياسية ودبلوماسية مظلمة. وقتها سيكون صدقًا: ما في كيزان.

طيف أخير:

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك: (من “الصادم” أن نرى التاريخ يعيد نفسه في كردفان بعد وقت قصير من الأحداث المروعة في الفاشر.. ويجب ألا نسمح بأن تلقى كردفان نفس مصير الفاشر).

تصريح إنساني، لكنه يكشف حالة الميدان العسكري، وأن الدعم السريع يتمدد!!

الوسومصباح محمد الحسن

مقالات مشابهة

  • معارك محتدمة بين الجيش والدعم السريع وعقار يؤكد أن الدولة لم تخسر
  • ما في كيزان!!
  • السودان.. الجيش يقصف شرياناً حيوياً للمساعدات و«الدعم السريع» يدعو للتحرك فوراً
  • الدعم السريع تتهم الجيش بقصف معبر أدري مع تشاد بطائرات مسيّرة وسلاح الجو السوداني يعلن إستهداف وتدمير شاحنات عتاد عسكري وأسلحة لقوات حميدتي
  • الدعم السريع: استهداف الجيش السوداني لـ «معبر أدري» يعيق تدفق المساعدات الإنسانية
  • محللون وخبراء لـ«الاتحاد»: تغلغل «الإخوان» داخل الجيش يهدد وحدة السودان ويفاقم الحرب الأهلية
  • بعد تعثر جهود وقف إطلاق النار .. أمريكا تدرس فرض عقوبات أوسع على الجيش السوداني و الدعم السريع
  • بعد عثر جهود وقف إطلاق النار .. أمريكا تدرس فرض عقوبات أوسع على الجيش السوداني و الدعم السريع
  • وسط حشود ضخمة من على سيارة مكشوفة..البرهان يحسم التفاوض والهدنة مع الدعم السريع ويتحدث عن علاقة الإسلاميين بالجيش والحكومة
  • نائب البرهان يؤكد رفض أي اتفاق يعيد «الدعم السريع» للمشهد