هل حقيقة هرب نافع علي نافع إلى تركيا..؟!
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
إذا صحّ أن (نافع علي نافع) قد هرب (بالدرب التحت) إلى تركيا فهذه نقطة فارقة في شرف الرجولة وشرف المواقف باتجاه الانكسارات المريعة التي تحيق بشخص كان قد تطاول على الشعب السوداني بأسوأ ما يمكن أن يتطاول به متطاول..حيث كان يتحدى الأمة السوداني ويتوعدها بأن مطالبها في الحرية والعدالة هي من المستحيلات التي لخّصها بنفسه الشحيحة وتصورات عقليته البدائية (وهو الأستاذ الجامعي الذي أنفقت الدولة على تعليمه ما أنفقت) بعبارة استحالة (لحس الكوع).
هل لحس الكوع أكثر صعوبة من الهرب عياناً بياناً من المشروع الحضاري ومن "معركة الكرامة" والسفر برفقة الأنجال المترهلين من آثار النعمة و"الحرز الدولاري الفخيم" لأستاذ معلوم المرتب في قوائم جامعة الخرطوم وفي سلك موظفي الدولة..! رغم أن وثائق استرداد مال الدولة أثبتت أن نافع علي نافع (مع حفظ الألقاب ومعاني الأسماء) هو ورفيقه "البروف" إبراهيم أحمد عمر كان يتسلمان بانتظام وعلى دائرة المليم مرتبات الأستاذ الجامعي بامتيازاتها وبدلاتها وعلاواتها على مدى 25 عاماً وبعد أن هجرا العمل في الجامعة طوال هذه السنوات...!
كم نأمل أن تكون أخبار هروب نافع كاذبة ..!
حيث أنها لو صدقت فإن سمعة في غاية السوء ستلحق بالمواريث السودانية في الثبات عل المبدأ في مقابل التدنّي الرخيص عن شرفات المروءة..! خاصة لدي المتبجحين (فالتي العيار) في التهديد والوعيد و(إدعاء المرجلة والثبات) ورافعي راية الاستقواء على المدنيين العُزّل؛ ليس بصولجان القانون والسلطة..بل باستخدام أشد آلات التعذيب (خساسة ودناءة) ضد مدنيين محصورين في زنازين وبيوت أشباح بغير جريرة غير الاختلاف في الرأي والمواقف السياسية ..!
كم نأمل أن تكون الأخبار عن هروب نافع كاذبة..!
كيف يهرب الرجل من "مشروع حضاري" لإنقاذ شعب السودان من الضلال..؟! وهو مشروع هجر هذا الرجل من أجله مقعد الأستاذية في الجامعة..وذهب ليتعلم فنون التعذيب في إيران و(ما وراء سيحون وجيحون)..؟
ثم قام هذا الرجل بممارسة التعذيب بيديه تجاه آخرين تحت قبضة العسكر مقيدي الأيدي لا حول لهم ولا قوة..وهو يعلم أنه يقوم بخرق كل نواميس وبديهيات المروءة والدين والإنسانية...!
كم نأمل أن تكون هذه الإخبار عن هروب نافع على نافع (كاذبة..حتى لا تنفصم عرى آخر خيط يرمز للإنسانية بسبب في انتهاك الإنسان لحرمات الآخرين..ومن ذلك على سبيل المثال تهديد الحرائر والرجال بالاغتصاب..وتعيين (مغتصب عمومي) ضمن مهام رجال الأمن..وتهديد الابن باغتصاب أمه أمام عينيه..وتهديد الأب باغتصاب ابنته أمام ناظريه...!
ألم يكن هذا دأب الجهاز الذي ترأسه هذا الرجل..؟! انه الجهاز الذي ادخل قضيباً من خشب في دبر معلم اقتادوه من بيته..ثم أعلنوا أن سبب وفاته (تسمّم بسندوتش فول وجبنة)..!
ليت خبر هروب نافع يكون من الأخبار الكاذبة...! ذلك أن الرجل لو كان ينطلق من موقف سياسي لقلنا إن السياسة (كر وفر)..! ولكن الرجل كان يتحدث عن إقامة شرع الله في ارض السودان.. ويقول (هي لله)..فكيف يجوز هذا مع وعيد التولي يوم الزحف..والاتجاه إلى منتجعات تركيا وشريعة الإنقاذ لم يكتمل قيامها في السودان..؟!
شهادات الناجين من بيوت الأشباح التي سمعها كل الشعب السوداني تروي أن (الطبيب الشهيد علي فضل) كان مُحتضراً في النزع الأخير وعلى رأسه مسمار صدئ..وهو ملقى بلا حراك أمام عتبة مكتب رئيس جهاز الأمن وبداخله نافع ونائبه يحتسيان أقداح الشاي..!
تلك الصورة المروّعة لن تفارق عيون وأفئدة السودانيين إذا ذهب نافع إلى تركيا أو الأكوادور..أو إذا بقى في مخبئه الآمن..!
وحتى إذا لم يهرب نافع إلى تركيا فهو في حُكم الهارب..! أنه يعيش مع أنجاله بعيداً عن الحرب والاستنفار..وهو يجلس في مكان هادئ بجانب (غرة عينه) وكلاهما بملابس وملامح الدعة والطمأنينة بعيدين عن غبار "حرب الكرامة" وهما في انتظار انتقال من مكان مريح إلى راحة أوسع..!
كم نأمل أن يكون الخبر كاذباً حتى تبقى في الإنسانية وصورة الإنسان السوداني مهما تدنّت أفعاله وتسفّلت نفسه..بقية من حياء ..!
الله لا كسّبكم..!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: إلى ترکیا
إقرأ أيضاً:
المرأة في المرايا: حين يكتب الرجل ويحب ويغنّي، عن من يتحدث؟
سعيد ذياب سليم
المقدمة
هل ما زلنا نتذوّق الشعر والموسيقى، بعد أن رأينا على الشاشات جحيم الحرب؟
وهل ما زالت المرأة هي المرأة التي أحببناها في القصائد، تلك العصفورة الخضراء التي داعبت مخالِبُها الشقية قلوبنا؟
يستوقفني صوت كاظم وهو ينشد نزارًا:
“علّمني حبّك أن أحزن، وأنا محتاجٌ منذ عصورٍ لامرأةٍ تجعلني أحزن…”
أيةُ امرأةٍ تلك التي تجعلكَ تحزن؟ أهي امرأةٌ بلحمٍ ودم، أم رمزٌ يتخفّى خلف وجه أفروديت أو ظلّ أثينا؟
مقالات ذات صلة الأمة متغافلة في نصرة الأقصى 2025/05/27ومن يجلب الحزن: ألم الرغبة، أم الشوق، أم فوضى الرجل الشرقي الذي جرّدته الحروب من أظافره؟
هو لا يبحث عن امرأةٍ فقط، بل عن خلاصٍ من الداخل: امرأة تُعلّمه الحُبّ بعد أن اعتاد القسوة، وتكسر له جدار الصقيع. يسافر مثقلًا بالفقد، بعينين زائغتين، يبحث عنها بين المدن والوجوه.
من رحم الفقد كُتبت قصائدنا: درويش فقد وطنًا، ونزار تمرّد على القبيلة، ونحن نبكي بكلماتهم هشاشتنا، خيباتنا، حنيننا لحنانٍ غائب.
في زمنٍ صارت فيه القبلة مشروع مقاومة، هل نكتب عن المرأة، أم نبحث من خلالها عن أنفسنا؟ عن بيت، عن دفء، عن وطنٍ لا يقصف؟
المحور الأول: الكاتب والشاعر – عن أي امرأة يكتب؟
ما يربك القارئ للكلمة والمستمع لها، أنه يبحث عن ذات المؤلف مستقصيًا تجربته. أهو يعاني مثلما تعاني؟ فتصبح المرأة في النص هي الأنثى التي يحبها الرجل، أو بالأحرى، التي يفتقدها. فغالبًا، لا تكون المرأة في الأدب حضورًا حقيقيًا، بل استعارة: أم، وطن، ماضٍ، أو حتى شهوة مقنّعة بالحب. وهكذا تتحوّل الأنثى إلى فكرة، ويغدو الحديث عنها انعكاسًا لقلق الرجولة نفسها، لا لوجودها هي.
في هذا السياق، يمكن قراءة بياتريتشي، التي وُلدت عام 1266 والتقاها دانتي حين كان في التاسعة من عمره، بوصفها تجسيدًا لهذه الفكرة الأنثوية المثالية. فبينما لم تدم لقاءاتهما، تحوّلت في كتاباته إلى رمز معقّد: امرأة حقيقية تركت أثرًا عميقًا، وشخصية متخيلة تجسد الجمال السماوي، ومرشدة روحية تقوده إلى النور والخلاص. كتب عنها في «الحياة الجديدة»، وخلّدها في «الكوميديا الإلهية»، ليس كحبيبة، بل كبوابة خلاص. هي ليست ذاتًا لها صوت أو رغبة، بل استعارة للرقي والنجاة. لكن ما عاشه دانتي معها، ربما لم يكن سوى حلم. صورة مثالية لا تعكس الواقع، بل تكشف عن ما يفتقده هو، لا ما كانت عليه هي.
لكن بين بياتريتشي التي تُحلّق في سماء الرمز والخلاص، والمرأة التي تمشي على الأرض بجسد من جراح، يتّضح لنا كيف يتذبذب الأدب بين صورتين متناقضتين للأنثى: واحدة مُطهّرة من الألم تُلهم وتُقدّس، وأخرى مثقلة بالعار تُدان وتُهمّش. في «دعاء الكروان»، يجعل طه حسين من آمنة شاهدة على ألم المرأة الواقعية، التي لا تحميها الملائكة ولا تُمهَّد لها دروب النجاة. تُغتصب أختها هنادي، ثم تُدان وتُقتل، فيتحوّل جسدها إلى ساحة تُلقى فيها خطايا الآخرين. وكأنها الأرض التي تُزرع فيها ذنوب المجتمع، ثم تُزهر من صبر آمنة بذور الغفران. ومن بين الركام، تنبعث قوتها، وتنهض بثأرٍ يشبه الغفران، لا لأنه يُصلح الماضي، بل لأنه يُعلّم التمرد عليه.
في مواجهة هذه الثنائية، تظهر امرأة نزار قباني كتحول جوهري في تمثيل الأنثى داخل النص. ليست صورة مقدسة ولا ضحية اجتماعية، بل ذات فاعلة تُربك التوازن التقليدي بين الرجل والمرأة. في قصيدة «علّمني حبك»، لا يكون الحب انفعالًا من الرجل تجاه امرأة صامتة، بل درسًا تتولّاه الأنثى. تُمسك بزمام اللغة، وتُعيد من خلالها صياغة الذكورة ذاتها. الجسد هنا لا يُراقب، بل يعرف ويتمرد. بهذا، تنتقل المرأة من موقع الرمز إلى موقع المُبدعة، ومن الهامش إلى قلب الخطاب، لا كمصدر للطمأنينة، بل كقوة تُقلق وتُحرّر.
فالمرأة التي يكتبها الرجل ليست دائمًا ما يشتهي، بل ما يفتقد؛ لا تُكتب لتمثلها، بل ليطمئن هو – وإن لم يفهمها.
المحور الثاني: القارئ والمستمع – عمّن يبحث في النصوص؟
سواء كنا نقرأ قصيدة أو نصغي لأغنية، فنحن لا نبحث دومًا عمّن كُتب النص من أجله، بل عمّن يسكننا نحن.
في سكون الليل، حين تغلّف العتمة الأضواء ويختفي القمر، تنبعث موسيقى تحرّك الروح وتخطفها إلى عالمٍ غريب، تراك فيه طفلًا أو فارسًا مقدامًا أو خوارًا جبانًا. أصوات تثير فينا السرور بجمالها أو الرعب بغرابتها، كما لو أنها تلامس وترًا دفينًا في أعماقنا. وفي يقظتنا أيضًا، يقفز إلى ذاكرتنا وجه الطفلة التي جلست يومًا في المقعد المجاور، تثيره موسيقى تنبعث من نافذة الجيران، أو نغمة عربة بوظة، أو همس ملاك مرّ مسرعًا في مهمّة. ثمّة أصوات تُفرض علينا فنسمع، وأخرى نبحث عنها في حالات النشوة أو الحنين أو الحزن. وكذلك حين نقرأ، لا نقرأ الكلمات كما كُتبت، بل كما وجدت صدى داخل نفوسنا.
حين يقرأ القارئ قصيدة عن امرأة، قد لا يبحث عنها، بل عن ذاته المتعبة. الأغنية التي تصف امرأة جميلة لا تُثير في المستمع صورة محددة، بل إحساسًا غامضًا بالفقد، أو حنينًا لأمان ضائع. في أغنيته Lady، يقول ليونيل ريتشي:
“Lady, for so many years I thought I’d never find you / You have come into my life and made me whole”
(سيدتي، لسنواتٍ طويلة ظننت أني لن أجدك، ثم دخلتِ حياتي وجعلتِني كاملًا).
إنه لا ينادي امرأة بعينها، بل يستدعي ملاذًا نفسيًا، صورةً مريحة لحضورٍ أنثوي يداوي الوحدة ويمنح الطمأنينة.
وفي الأغاني العربية الكلاسيكية، تذوب الحدود بين العاشقة والأم والراحلة، لأن المرأة لم تكن فقط جسدًا، بل رمزًا جامعًا للحب والرثاء والذاكرة. في قارئة الفنجان لعبد الحليم حافظ، لا يصف الشاعر امرأة يحبها فحسب، بل قدرًا محتومًا يسكنه الأسى، كما تقول قارئة الفنجان:
“مقدورك أن تمضي أبدًا في بحر الحبّ بغير قلوع،
وتكون حياتك طول العمر كتاب دموع…”
الحبيبة هنا ليست حضورًا جسديًا، بل نبوءة، وصوتًا داخليًا يُجسّد الضعف الإنساني أمام الحب والحنين.
“وستعرف بعد رحيل العمر
بأنك كنت تطارد خيط دخان
فحبيبة قلبك ليس لها أرضٌ أو وطنٌ أو عنوان…”
إننا لا نسمع فقط قصة رجل خائب في الحب، بل قصة إنسان يبحث عن ذاته في امرأة لا عنوان لها، لا يمكن الوصول إليها، لأنها تعيش داخله أكثر مما تعيش خارجه.
وإن كان الغناء يحرك عاطفتنا بشكل مباشر، فالقراءة تثير فينا ارتدادات أعمق، لأنها تطلب منا أن نملأ فراغ المعنى بخيالنا. ما الذي تثيره مثلًا هذه الأبيات من شعر أدونيس في ذهن القارئ؟
“حينما أُغرقُ في عينيكِ عيني،
ألمحُ الفجرَ العميقَا
وأرى الأمسَ العتيقَا
وأرى ما لستُ أدري،
وأحسّ الكونَ يجري
بين عينيكِ وبيني.”
هل يقرؤها القارئ بحياديةٍ باردة؟ أم تُشعل في قلبه نارَ التوق لرؤية عيني محبوبته؟
لن يرى ما رآه غاليليو أو كوبرنيكوس من أجرام وسُدم، بل سكينةً داخلية، وطمأنينةً وسلامًا.
ففي اللحظة التي يخاطب فيها الشاعر امرأة بعينها، ينفتح النص على تأويلاتٍ لا حصر لها، لأن القارئ لا يقرأ الكلمات كما كُتبت، بل كما وُجدت داخله — في حنينه، في خياله، في جرحه الذي لم يندمل. فالنص ليس سوى مرآة، نبحث فيها عن امرأةٍ داخلية، رمزية، شخصية، أو مستحيلة.
كل قارئ يعيد كتابة المرأة التي قرأها، على مقاس نقصه.
المحور الثالث: المرأة كيوتوبيا/خلاص/خراب في زمن الحرب
لا توجد بطولة نقية في الحرب. مهما حملت من شعارات، تظل الحروب غادرة، تسحق الضعفاء وتفرغ الإنسان من إنسانيته. وفي قلب هذا الخراب، تقف المرأة كأضعف الكائنات لا لأنها عاجزة، بل لأنها تُسحق مرتين: في المعركة، وبجسدها الذي يُحوَّل إلى ميدان للذلّ والعنف. من غزة إلى أوكرانيا، ومن البلقان إلى فيتنام، تتكرر الصورة: امرأة بلا ملجأ، بلا صوت، يُمحى جسدها من السرد، أو يُستغل كرمز لا يملك حق الحكاية.
في The Unwomanly Face of War “وجه الحرب غير الأنثوي”، تنبش سفيتلانا أليكسيفيتش في ذاكرة النساء السوفييتيات اللواتي حاربن في الحرب العالمية الثانية، لا لتؤرخ للبطولة، بل لتكشف عن الندوب: تخلّت النساء عن الأنوثة من أجل الوطن، فاستقبلتهنّ مجتمعاتهن بالخجل والنسيان. أما كريستين هانا، فترصد في The Women حكاية “فرانسيس” التي شاركت في التمريض بحرب فيتنام، لكنها حين عادت، لم تُعامل كبطلة، بل كغريبة شوهت “الأنوثة الأميركية” بخوضها في مستنقع الرجال.
وفي The Nightingale “العندليب”، تظهر المرأة كفاعل في المقاومة الفرنسية، لا تحمل سلاحًا، بل تُخفي الأطفال وتواجه الاحتلال بالتهريب والصمت، تتلقى الإذلال وتقاوم لتبقي الحياة ممكنة. لكنها تظل في الهامش حين يُكتب التاريخ، ويُغفل ما حدث في دير ياسين أو غزة، حيث كانت أجساد النساء ساحة للاستباحة، وكرامتهن تمتهن بأيدي الأعداء — لا لأن الألم لم يقع، بل لأن التأريخ السياسي كثيرًا ما يُقصي المرأة، ويطمر جراحها في صمتٍ لا يُوثَّق.
حتى في الذاكرة الشعرية، تتجلى المرأة كخلاص وخسارة معًا. في شعر محمود درويش، تبدأ “ريتا” كحب مستحيل، وتتحول المرأة في “على هذه الأرض” إلى الوطن نفسه: الأم، الذاكرة، الخبز، والحياة التي تستحق الدفاع.
أما في باب الشمس، فيُعيد إلياس خوري للمرأة الفلسطينية صوتها. “شمس” ليست ظلًا للرجل، بل قلب السرد، وملاذ الحكاية في المنفى. المرأة هنا لا تجسّد العشق فحسب، بل تصير الأرض التي تُنبت الحياة في وجه الموت. في الحرب، المرأة ليست فقط من نعود إليها، بل من تمنحنا سببًا لنواصل الطريق، ودليلًا على أننا ما زلنا بشرًا.
الخاتمة
قد تكون القصائد قد أخفت جانبًا من حقيقة المرأة، أو اختزلتها في صور رومانسية أو رمزية، لكن نيكيتا جيل، الشاعرة البريطانية المعاصرة، واجهت هذا الاختزال بجرأة في قصيدتها “الذئبة والمرأة”، حين كتبت:
«في بعض الأيام،
أكون ذئبة وامرأة معًا،
وما زلتُ أتعلم
كيف أتوقف عن الاعتذار
عن توحشي.»
في هذه الأبيات القصيرة، تفتح نيكيتا نافذة على تعقيد المرأة المعاصرة، التي لا يمكن اختزالها في الرقة أو الجمال وحدهما، ففي خلفية هذا اللين يسكن ذئب مفترس، واعٍ بقوته، لا يعتذر عنها ولا يخجل من فطرته. إنها تكتب عن امرأة مزدوجة الوجود: حساسة وجامحة، حانية ومتمردة، تبحث عن الاتزان لا في الامتثال، بل في الاعتراف بهذا التناقض.
لكننا، حين نقرأ عن النساء، لا نبحث عنهن فحسب، بل نبحث عن أنفسنا عبر صورهن. المرأة في النص ليست مخلوقًا فنيًا فقط، بل مرآة عميقة، ووطن مفقود، وذاكرة غامضة، ومشروع خلاص أو اعتراف خفي. هي الحكاية التي نعيد كتابتها لنفهم هشاشتنا، ونقطة النور التي نعود إليها لنعيد ترميم ما تهدّم فينا.
في الحب كما في الحرب، في القصيدة كما في الأغنية، يكتب الرجل عن المرأة، لكنه في الحقيقة يكتب عن هشاشته. ينسج حولها الكلمات، بينما يبحث عن صدى جراحه، عن حضن يصغي ويفهم، عن وعد لم يُكسر بعد.
وربما، المرأة التي نبحث عنها ليست في النص، بل في السؤال الذي لا نكف عن طرحه:
هل لا زال بإمكاننا أن نحب؟
أن نثق؟
أن نؤمن بالنعومة وسط هذا الخراب؟
بهذا المعنى، تتحول القصيدة من وصف امرأة إلى محاولة لفهم الإنسان فينا جميعًا: الكائن الحالم، الممزق، الذي يخاف من ذئبه، ويشتاق إلى لمسة حنان لا تُطلب ولا تُفسَّر.
سعيد ذياب سليم