هل نفقد أشجار الزيتون في منطقة البحر المتوسط بسبب المناخ؟
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
أظهرت نتائج دراسة جديدة في دورية "ساينتفك ريبورتس" أن الأمراض البكتيرية ستشكل -مع استمرار درجات الحرارة العالمية في الارتفاع- تهديدا متزايدا لأشجار الزيتون في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وتوقعت الدراسة أن يتوسع انتشار نوع من البكتيريا قضى إلى الآن على ملايين أشجار الزيتون في إيطاليا وإسبانيا، بسبب التأثيرات المتصاعدة لتغير المناخ، لتصل نسبة أشجار الزيتون المصابة إلى حوالي الثلثين في بعض المناطق.
قبل حوالي قرن من الزمن كتب المفكر والأديب الفرنسي جورج دوهاميل مقولته الشهيرة "ينتهي البحر الأبيض المتوسط حيث لا تنمو شجرة الزيتون" واصفا بدقة الارتباط التاريخي والثقافي والاقتصادي الوثيق بينهما. لكنه لم يكن يعلم أن كائنا بكتيريا صغيرا قد يجعل نمو أشجار الزيتون غير ممكن بنهاية القرن الحالي في هذه المنطقة التي تعتبر موطن زراعتها منذ أكثر من 6 آلاف عام.
وهذا الكائن الصغير هو بكتيريا قاتلة معروفة باسم "زيليلا فاستيديوسا" تنتقل عبر الحشرات الآكلة للخشب وتتسبب فيما يسمى "مرض بيرس" الذي يصيب 600 نوع من النباتات أبرزها أشجار الزيتون والعنب، ويُحدث انسدادا في قنوات التغذية داخل أنسجتها الحية مما يعيق قدرتها على النمو.
وعندما تصل البكتيريا إلى الجذور، تمنع الشجرة من امتصاص العناصر الغذائية وبالتالي تتسبب في موتها. وغالبًا ما تكون الأعراض التي تظهر على الشجرة المصابة مشابهة لتلك الناتجة عن الإجهاد المائي مثل بروز كدمات على الأوراق وجفاف الأغصان. وليس من السهل التعرف عليها من الإصابة الأولى، لأنها تظهر نفسها حتى بعد عام.
وأظهرت دراسة حالات تفشي المرض في البلدان الأوروبية التي تم تحليلها، أن حشرة "بقة المروج ذات البصاق" -المنتشرة في أوروبا وشمال أفريقيا وشمال القارة الأميركية وبعض المناطق الآسيوية- هي الناقل الرئيسي لهذه البكتيريا.
ومع أن أولى إصابات أشجار الزيتون اكتشفت جنوب إيطاليا عام 2013، فإن هذا الداء معروف منذ وقت طويل في القارة الأميركية موطنه الأصلي. ففي كاليفورنيا (الولايات المتحدة) مثلا تسبب هذه البكتيريا مرض بيرس المميت في أشجار الكروم، حيث تنتج النباتات المصابة ثمارا قليلة ورديئة الجودة، قبل أن تقضي على النبتة بكاملها في غضون سنوات قليلة، مما يؤدي إلى خسائر سنوية قدرت بملايين الدولارات.
وقد تسبب الانتشار السريع للمرض في القضاء على ما يقرب من 21 مليون شجرة زيتون في مقاطعة بوليا أقصى الجنوب الإيطالي، حيث اكتشف لأول مرة في القارة الأوروبية، مما أثر على منطقة تبلغ مساحتها 54 ألف هكتار.
في الدراسة الجديدة المنشورة مؤخرا في دورية "ساينس ريبورت" كشف باحثون إسبان من معهد الفيزياء متعددة التخصصات والأنظمة المعقدة (آيفسك) أن الاحترار العالمي يعمل على زيادة وتيرة انتشار هذا المرض بين غابات الزيتون حول البحر المتوسط.
وبحسب بيان صحفي رسمي للمعهد، أظهرت نتائج الدراسة أن زيادة درجة الحرارة إلى أكثر من 3 درجات مئوية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم خطر الإصابة بهذه البكتيريا بشكل خطير في المناطق التي كانت تعتبر آمنة في السابق.
وتبدو العلاقة بين المناخ وحدوث الأمراض النباتية وطيدة، حيث تلعب درجات الحرارة المواتية دورا حاسما في إثارة تفشي الأوبئة. وقد أكد الباحث مانويل ماتياس، الذي أشرف على إنجاز الدراسة، أن تغير المناخ محرك رئيس في التوزيع العالمي للأمراض البكتيرية النباتية وكثافتها.
وللوصول إلى هذه النتائج، طور الباحثون نموذجا شاملا للتنبؤ بالانتشار المحتمل للمرض في ظل سيناريوهات الاحترار المختلفة، مما أظهر أن الزيادات المستمرة في درجات الحرارة على فترات يمكن أن تؤثر على انتشار هذا النوع من البكتيريا، حيث يُظهر كل سيناريو نمطا من مخاطر المرض المتزايدة.
وتشير النتائج إلى أن دولا مثل البرتغال واليونان وفرنسا وإيطاليا ستواجه زيادة كبيرة في مخاطر الإصابة بالعدوى، مع ارتفاع درجات الحرارة المتوقعة. وتوقعت ارتفاع المخاطر إلى 47% و63% في كل من البرتغال واليونان على التوالي، إذا فاق الاحترار العالمي 3 درجات مئوية، في وقت ستظل فيه مستويات المخاطر دون تغيير نسبيًا في إسبانيا رغم ارتفاع درجات الحرارة.
وبحسب الباحثين، فإن هذا الاكتشاف المهم يسلط الضوء على نقطة تحول محتملة في إدارة المرض وانتشاره، كما يشكل أهمية بالغة للسياسة الزراعية لدول المتوسط والبلدان الأوروبية، لأنه يساعد في وضع إستراتيجيات أفضل لجهود المراقبة والتخفيف ضد الأمراض البكتيرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات درجات الحرارة أشجار الزیتون
إقرأ أيضاً:
نقطة تحول حرجة.. العلماء يحذرون من موجات الحرارة في أعماق المحيطات
حذر العلماء من أن موجات الحرارة البحرية الطويلة والمكثفة التي شهدتها المحيطات في 2023 قد تدفعها إلى نقطة تحول حرجة. وأكدوا أن هذه الظاهرة قد تؤدي إلى تغيرات بيئية خطيرة تؤثر على النظم البحرية والحياة على الأرض. اعلان
شهدت محيطات الأرض في عام 2023 موجات حرارة بحرية غير مسبوقة من حيث الشدة والمدة والمدى الجغرافي، حيث تأثرت 96% من سطح المحيط العالمي بهذه الظاهرة. واستمرت العديد من هذه الموجات لأكثر من عام، مما دفع العلماء إلى التحذير من احتمال حدوث نقطة تحول جوهرية في حالة محيطات العالم.
أشار عالم أبحاث المناخ أليكس سين غوبتا من جامعة نيو ساوث ويلز إلى أن "موجات الحرارة البحرية أصبحت أكثر شيوعًا وشدة مع مرور الوقت بسبب الاحتباس الحراري. ونعلم أيضًا أن ظاهرة النينيو التي بدأت في عام 2023 سمحت بدخول المزيد من الحرارة إلى المحيط"، لكنه أوضح أن هذه العوامل وحدها "لا يمكن أن تفسر الحجم المذهل للقفزة التي بدأت في عام 2023".
نتائج البحث وأسباب ارتفاع حرارة المحيطاتقام فريق من العلماء من الصين والولايات المتحدة وتايلاند بإجراء بحث حول الأسباب الكامنة وراء هذه الحرارة الشديدة وتداعياتها المستقبلية. وجد البحث أن انخفاض الغطاء السحابي، الذي يسمح بوصول المزيد من الإشعاع الشمسي إلى المياه، كان أحد المحركات الرئيسة، بالإضافة إلى ضعف الرياح التي تقلل التبريد الناتج عن التبخر وتغير تيارات المحيطات.
وأوضح الباحث تشينزونغ زينغ زينغ من الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا في الصين أن "الأرقام تشير إلى أن الحرارة في محيطات العالم تتراكم بشكل كبير"، مضيفًا أن "هذا الاتجاه يتعارض مع ما توقعته النماذج المناخية الحالية".
Related ارتفاع شديد في درجات الحرارة في اليونان بدءًا من الأحد وحتى الأربعاء تهديد لاستقرار كوكب الأرض.. درجات الحرارة ترتفع إلى مستويات غير مسبوقة في آيسلندا وغرينلاندمدن أوروبا في خطر: الحرارة تطول والإجراءات لا تكفي آثار التحول في حرارة المحيطات على الأرض والبحرحذرت الدراسة من أن تحول المحيطات إلى حالة أكثر دفئًا بشكل دائم قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على النظم البيئية البحرية والحياة على اليابسة. وأكدت أن المحيطات تلعب دورًا محورياً في تنظيم درجات الحرارة العالمية من خلال تخزين كميات كبيرة من الحرارة وإطلاقها ببطء، مما يعني أن تأثير موجات الحرارة قد يكون متأخرًا ومأساويًا في آنٍ واحد.
وقالت الدراسة إن ارتفاع درجات حرارة المحيط لفترات طويلة يمكن أن يعرقل التنبؤ بالظواهر الجوية المتطرفة، مثل الأعاصير، ويؤثر على التغيرات المناخية على المدى الطويل. كما أن ارتفاع الحرارة قد يؤدي إلى نفوق جماعي أو هجرة واسعة للأنواع البحرية، مع زيادة خطر انهيار الشعاب المرجانية التي تساهم في امتصاص الكربون، مما يفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
على الصعيد البري، أوضحت الدراسة أن ارتفاع حرارة المحيطات يؤدي إلى تسارع الاحتباس الحراري، حيث تحمل نسائم البحر الهواء الساخن إلى الداخل، مما يزيد من حدوث موجات الجفاف والحرائق والعواصف الشديدة. وقد تجلت هذه التأثيرات بالفعل في عاصفة دانيال عام 2023، التي أودت بحياة نحو 6000 شخص، ووجدت دراسات إسناد أن احتمال حدوثها ازداد 50 مرة بسبب ارتفاع درجات حرارة سطح البحر في البحر الأبيض المتوسط.
هل أصبح الاحترار البحري هو الوضع الطبيعي الجديد؟تواجه محيطات العالم موجات حرارية بحرية متكررة في 2024 و2025، وصلت درجات حرارة سطح البحر في البحر الأبيض المتوسط إلى مستويات قياسية بلغت 26.01 درجة مئوية في يونيو، أعلى من المتوسط بما يصل إلى 3-4 درجات مئوية، مما أثار تحذيرات من تأثيرات مدمرة على التنوع البيولوجي ومصايد الأسماك وأنماط الطقس في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا.
وفي مايو، ضربت موجة حارة بحرية المملكة المتحدة، حيث شهدت مناطق مثل بحر الشمال والقناة الإنجليزية ارتفاعًا في درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية فوق المتوسط. وأوضح العلماء أن الربيع الدافئ والجاف وضعف الرياح سمحا بتراكم الحرارة على سطح المحيط، محذرين من أن هذا قد يعطل النظم البيئية البحرية ويغير دورات التكاثر ويؤدي إلى ازدهار الطحالب الضارة وقناديل البحر.
وأكد العلماء أهمية استمرار قياس ومراقبة ونمذجة التغيرات في درجات حرارة المحيطات. وقال جاسي براون، رئيس قسم المناخ في منظمة الكومنولث الأسترالية للبحوث العلمية والصناعية (CSIRO): "بينما نحن بحاجة ماسة إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، من المهم أيضًا أن نواصل قياس ومراقبة ونمذجة ما ستكون عليه الأرض في المستقبل. إذا لم نفعل ذلك، فلن نتمكن من الاستعداد، وسنسير إلى المجهول مع عواقب وخيمة على غذائنا وصحتنا وأمننا في المستقبل".
من جانب آخر، أشار نيل هولبروك، عالم المناخ في جامعة تسمانيا في أستراليا، إلى أن "لا نعرف ما الذي سيحدث في العام المقبل، وقد تعود [درجات حرارة المحيطات] إلى شيء أكثر من ذلك بكثير، دعنا نقول، طبيعي"، مضيفًا أن الأبحاث الحالية تستند إلى سنوات قليلة فقط من البيانات.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة