لو بيتنا وقع نقعد أن شا الله في خيمة: عن نقل الدعم السريع الحرب إلى البيوت (2-2)
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
يتعاطى بعض صفوة الرأي مع موضوع البيوت التي يحتلها الدعم السريع للبيوت كإفراز للحرب لا خطر منه. وهذا التعاطي في أحسن أحواله جهل مطبق بما ينطوي عليه هذا الاحتلال في مفهوم الإرهاب. وهو المفهوم الذي جئنا به في حلقة الأمس واستخلصه علم السياسة الاجتماعي من الحروب الأاهلية في كل من مدغشقر وليبريا وساحل العاجل.
ولا أدري كيف غابت هذه الإهانة لمكنون آدمية من جردتهم "الدعم السريع" من بيوتهم من نقد بعض أهل الرأي لتمنع الدولة عن مواصلة التفاوض مع "الدعم السريع" في منبر جدة إلا بعد تنفيذ اتفاق سبقه في مايو 2023 الذي أمن على إخلاء "الدعم السريع" لمنازل المدنيين. فرأى الصحافي محمد لطيف في موقف الفلول هذا مجرد مزايدة تتذرع بإخلاء البيوت لأنهم رافضون في الواقع لأي اتفاق سلام لأن الحرب بغيتهم. وتلك منهم حيلة لا تنطلي لأن كل مواطن عاقل يعرف أن هذا المطلب مما صح بحثه في المفاوضات، لا قبلها، مشدداً على الحاجة إلى التفكير العاقل فيه تفكيراً "تتملك فيه أعصابك" بلا ردود فعل.
أما المفكر والباحث النور حمد، فرأى مثل لطيف في مطلب خروج "الدعم السريع" من بيوت الناس شططاً في التفكير، بل الاستحالة. فقال إن احتلال الجنجويد بيوت الناس أخرج الناس عن طورهم، فركبتهم العاطفة في حين صح أن يركبهم العقل. فمثل ذلك الاحتلال مما يتوقعه المرء في حرب لأن "الحرب لا تُدار بأخلاق. لذا يعمل أهل الحكمة ألا تندلع حرب. ومتى اندلعت اندلقت شرورها، "فلما يطلعوك من بيتك وينهبوه ويغتصبون أختك تفقد القدرة على الرؤية المتوازنة". فالكوارث تحدث "والزول ما يخلي عاطفته تملي عليه خياراته، لكن النضج في ألا تصادر العاطفة خياراتك، وتكون عاوز (راغب في أن) تقاتل، مما يؤدي إلى أن تفقد كل شيء".
وسخر النور من القائلين بوجوب خروج "الدعم السريع" من بيوت المدنيين بقوله "يقولون لك (الدعم السريع) تطلع من البيوت. هي احتلتها فكيف يطلع لك؟ ما يطلع إلا بتفاوض. يطلع لما أنت تكون عندك قوة تطلعه. تخليه يطلع. وعملياً أنت ما عندك هذه القوة". كما شمتت رشا عوض، رئيسة تحرير جريدة التغيير الإلكترونية أخيراً من دولة عبدالفتاح البرهان لأن "الدعم السريع" طردتها "شر طردة" من الخرطوم إلى بورتسودان. ولم يطرأ لها أن شر هذه "الطردة" لم يقتصر على حكومة البرهان، بل عم سودانيين ينشغل العالم بإحصاء تشردهم في وطنهم نازحين، وإلى غير وطنهم لاجئين، ويجعلنا في أول قائمة الدول التي تعاني مثل هذا النزيف البشري. وهكذا صارت جريمة حرب في وقاحة طرد المدنيين من بيوتهم كرة في ملعب صفوة خلت من أي مفهوم عن حرب الإرهاب.
انقطاع نخبة كتّابنا عن مغزى عبارة سيدنا علي، إذا أحسنّا التأويل، عائد لعزلتهم عن الثقافة الأفريقية التي ساقتها الحروب الأهلية في غربها وجنوبها الشرقي إلى مباحث الإرهاب. ومما يستغرب له أن تقع هذه العزلة وقد خرج جيل من صفوة الرأي وغيرهم منذ الثمانينيات يشدد على انتماء السودان لأفريقيا دون العالم العربي. فخلعوا العرب منهم عروبتهم التي نشأوا عليها حتى كان مطلب الخروج من الجامعة العربية نفسها مقدماً في أجندتهم، بل أشاعوا أن هناك من العرب من اعترض على انتماء السودان للعرب أول ما قدّم إلى العضوية. ولم يصدقوا. وبدا أخيراً أن هذا الخلع كان صورة من صور معارضة نظم في السودان غلبت العلاقات مع العربية والإسلامية بإهمال لأفريقيا. وهو زعم كذّبه كتاب حاذق للدبلوماسي عبدالهادي الصديق "السودان والأفريقانية" عرض فيه لعلاقات السودان مع أفريقيا منذ الاستقلال من وثائق أرشيف وزارة الخارجية، فأفحم. فانقطاع صفوتنا عن خبرة أفريقيا العملية والنظرية في الإرهاب وقد حل بالدار تنبئ أن نسبتهم كأفارقة لا عرباً في القارة كانت محض أضغاث معارضة. فلم ترَ هذه الصفوة من فرط دورانها حول نفسها أفريقيا المصطرعة بالحرب، بل رأتها أحسنت عن بكرة أبيها في حين كبونا. وصدرت عنهم وهم في هذا الدوران الضال حول النفس وتبخيسها عبارات في غاية العرقية، فقالوا إنه كان مقدراً للسودان أن يكون أحسن الأفارقة لو اختار أفريقيا دون العرب ولكنه اختار، باجتماعه العرب، أن يكون في ذيلهم.
حوّلت "الدعم السريع "البيت في السودان إلى ميدان معركة، فزلزلت نواة الإنسانية فينا تماماً كما قال سيدنا علي قبل 15 قرناً لتوقعه أفريقيا المعاصرة بما قاله سيدنا عن هوان من غزوه في داره.
وذاعت أغنية سودانية على أيامنا تقول:
نحلم بو المهم نرجع
تغطي سما الخرطوم غيمة
لو بيتنا وقع
نقعد إن شاء الله في خيمة
وقال دعامي يوماً: والله الخرطوم دي تاني إلا تغنوا ليها غناء.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
سفير السودان: القرار البريطاني ضد الدعم السريع خطوة سياسية مهمة
قال السفير الصديق الأمين، سفير السودان لدى بريطانيا، إن القرار الذي أصدرته الحكومة البريطانية بفرض عقوبات على عدد من قيادات ميليشيا الدعم السريع يمثل "خطوة في الاتجاه الصحيح"، ويعكس – بحسب تعبيره – إدراكاً دولياً متزايداً لخطورة الجرائم التي ترتكبها هذه الميليشيا في إقليم دارفور ومناطق أخرى من السودان، وعلى رأسها مدينة الفاشر التي شهدت، خلال الأشهر الماضية، انتهاكات ووقائع دامية أثارت قلق المجتمع الدولي.
وأوضح السفير الأمين، خلال مداخله هاتفيه على شاشة القاهرة الإخبارية ، مع الإعلامية رغدة منير ، أن أهمية القرار البريطاني تكمن في قيمته السياسية لا الاقتصادية، موضحاً أن عناصر ميليشيا الدعم السريع "لا يملكون في الغالب أرصدة كبيرة داخل بريطانيا"، إلا أن صدور العقوبات عن دولة عضو في مجلس الأمن الدولي وتحمل القلم في ملف السودان يعطيها وزناً خاصاً، ويرسل رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي بات أكثر وعياً بما يجري على الأرض.
وأكد سفير السودان لدى بريطانيا أن الميليشيا استغلت في السابق غياب الردع الدولي لتصعيد عملياتها، معتبراً أن عدم اتخاذ إجراءات حقيقية ضدها فُسّر من جانبها كأنه "موافقة ضمنية" على جرائمها، وهو ما شجّعها – بحسب قوله – على ارتكاب مجزرة جديدة الأسبوع الماضي في روضة للأطفال، أسفرت عن مقتل أكثر من خمسين طفلاً واستهداف الروضة مرتين، ثم استهداف المستشفى الذي نُقل إليه المصابون.
وبشأن التواصل مع الجانب البريطاني، أشار السفير الأمين إلى وجود تنسيق مستمر بين الجانبين، لكنه شدّد على أن القرار الأخير استند أساساً إلى معلومات وتقييمات جمعتها الحكومة البريطانية بنفسها.
وأضاف أن العالم بأسره يشاهد الآن بشاعة الجرائم المرتكبة، مؤكداً أن "جميع عناصر الميليشيا وقياداتها، من أكبر قائد إلى أصغر جندي، أيديهم ملطخة بدماء السودانيين".