عبد الله علي إبراهيم

يتعاطى بعض صفوة الرأي مع موضوع البيوت التي يحتلها الدعم السريع للبيوت كإفراز للحرب لا خطر منه. وهذا التعاطي في أحسن أحواله جهل مطبق بما ينطوي عليه هذا الاحتلال في مفهوم الإرهاب. وهو المفهوم الذي جئنا به في حلقة الأمس واستخلصه علم السياسة الاجتماعي من الحروب الأاهلية في كل من مدغشقر وليبريا وساحل العاجل.

فيقول المفهوم بصدد نزع المدني عن بيته هو تفكيك لجوهر النواة الإنسانية. فتحويل البيت إلى ميدان معركة، مما يسهم في عملية التجريد من الإنسانية لأنك "لن تعود إنساناً إن لم تملك مأوى". وليس من موضع يؤتى منه أمان الناس اليومي الأساسي مثل التجريد من المنزل ضمن أشياء أخرى. فالغرض من الإرهاب هو الفصل بين الناس وإنسانيتهم، وتهديد الأمن الوجودي لكل المجتمع. فمتى ما تحقق نزع الإنسانية عن جماعة عن طريق الإرهاب، فبالوسع الآن "تدجين" الإنسان مثل أي حيوان آخر.ولم يزد هذا المفهوم كثيراً عن قول سيدنا علي كرم الله وجهه: ما غُزي قوم في عقر دارهم حتى ذُلوا
ولا أدري كيف غابت هذه الإهانة لمكنون آدمية من جردتهم "الدعم السريع" من بيوتهم من نقد بعض أهل الرأي لتمنع الدولة عن مواصلة التفاوض مع "الدعم السريع" في منبر جدة إلا بعد تنفيذ اتفاق سبقه في مايو 2023 الذي أمن على إخلاء "الدعم السريع" لمنازل المدنيين. فرأى الصحافي محمد لطيف في موقف الفلول هذا مجرد مزايدة تتذرع بإخلاء البيوت لأنهم رافضون في الواقع لأي اتفاق سلام لأن الحرب بغيتهم. وتلك منهم حيلة لا تنطلي لأن كل مواطن عاقل يعرف أن هذا المطلب مما صح بحثه في المفاوضات، لا قبلها، مشدداً على الحاجة إلى التفكير العاقل فيه تفكيراً "تتملك فيه أعصابك" بلا ردود فعل.
أما المفكر والباحث النور حمد، فرأى مثل لطيف في مطلب خروج "الدعم السريع" من بيوت الناس شططاً في التفكير، بل الاستحالة. فقال إن احتلال الجنجويد بيوت الناس أخرج الناس عن طورهم، فركبتهم العاطفة في حين صح أن يركبهم العقل. فمثل ذلك الاحتلال مما يتوقعه المرء في حرب لأن "الحرب لا تُدار بأخلاق. لذا يعمل أهل الحكمة ألا تندلع حرب. ومتى اندلعت اندلقت شرورها، "فلما يطلعوك من بيتك وينهبوه ويغتصبون أختك تفقد القدرة على الرؤية المتوازنة". فالكوارث تحدث "والزول ما يخلي عاطفته تملي عليه خياراته، لكن النضج في ألا تصادر العاطفة خياراتك، وتكون عاوز (راغب في أن) تقاتل، مما يؤدي إلى أن تفقد كل شيء".
وسخر النور من القائلين بوجوب خروج "الدعم السريع" من بيوت المدنيين بقوله "يقولون لك (الدعم السريع) تطلع من البيوت. هي احتلتها فكيف يطلع لك؟ ما يطلع إلا بتفاوض. يطلع لما أنت تكون عندك قوة تطلعه. تخليه يطلع. وعملياً أنت ما عندك هذه القوة". كما شمتت رشا عوض، رئيسة تحرير جريدة التغيير الإلكترونية أخيراً من دولة عبدالفتاح البرهان لأن "الدعم السريع" طردتها "شر طردة" من الخرطوم إلى بورتسودان. ولم يطرأ لها أن شر هذه "الطردة" لم يقتصر على حكومة البرهان، بل عم سودانيين ينشغل العالم بإحصاء تشردهم في وطنهم نازحين، وإلى غير وطنهم لاجئين، ويجعلنا في أول قائمة الدول التي تعاني مثل هذا النزيف البشري. وهكذا صارت جريمة حرب في وقاحة طرد المدنيين من بيوتهم كرة في ملعب صفوة خلت من أي مفهوم عن حرب الإرهاب.
انقطاع نخبة كتّابنا عن مغزى عبارة سيدنا علي، إذا أحسنّا التأويل، عائد لعزلتهم عن الثقافة الأفريقية التي ساقتها الحروب الأهلية في غربها وجنوبها الشرقي إلى مباحث الإرهاب. ومما يستغرب له أن تقع هذه العزلة وقد خرج جيل من صفوة الرأي وغيرهم منذ الثمانينيات يشدد على انتماء السودان لأفريقيا دون العالم العربي. فخلعوا العرب منهم عروبتهم التي نشأوا عليها حتى كان مطلب الخروج من الجامعة العربية نفسها مقدماً في أجندتهم، بل أشاعوا أن هناك من العرب من اعترض على انتماء السودان للعرب أول ما قدّم إلى العضوية. ولم يصدقوا. وبدا أخيراً أن هذا الخلع كان صورة من صور معارضة نظم في السودان غلبت العلاقات مع العربية والإسلامية بإهمال لأفريقيا. وهو زعم كذّبه كتاب حاذق للدبلوماسي عبدالهادي الصديق "السودان والأفريقانية" عرض فيه لعلاقات السودان مع أفريقيا منذ الاستقلال من وثائق أرشيف وزارة الخارجية، فأفحم. فانقطاع صفوتنا عن خبرة أفريقيا العملية والنظرية في الإرهاب وقد حل بالدار تنبئ أن نسبتهم كأفارقة لا عرباً في القارة كانت محض أضغاث معارضة. فلم ترَ هذه الصفوة من فرط دورانها حول نفسها أفريقيا المصطرعة بالحرب، بل رأتها أحسنت عن بكرة أبيها في حين كبونا. وصدرت عنهم وهم في هذا الدوران الضال حول النفس وتبخيسها عبارات في غاية العرقية، فقالوا إنه كان مقدراً للسودان أن يكون أحسن الأفارقة لو اختار أفريقيا دون العرب ولكنه اختار، باجتماعه العرب، أن يكون في ذيلهم.
حوّلت "الدعم السريع "البيت في السودان إلى ميدان معركة، فزلزلت نواة الإنسانية فينا تماماً كما قال سيدنا علي قبل 15 قرناً لتوقعه أفريقيا المعاصرة بما قاله سيدنا عن هوان من غزوه في داره.
وذاعت أغنية سودانية على أيامنا تقول:
نحلم بو المهم نرجع
تغطي سما الخرطوم غيمة
لو بيتنا وقع
نقعد إن شاء الله في خيمة
وقال دعامي يوماً: والله الخرطوم دي تاني إلا تغنوا ليها غناء.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يتهم قوات خليفة حفتر بمهاجمة مواقع حدودية

اتهم الجيش السوداني قوات تابعة لخليفة بمهاجمة مواقع حدودية سودانية ومساندة الدعم السريع اليوم الثلاثاء.

وقال الجيش في بيان "هاجمت اليوم مليشيا آل دقلو الإرهابية مسنودة بقوات خليفة حفتر الليبية ( كتيبة السلفية) نقاطنا الحدودية في المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا بغرض الاستيلاء على المنطقة"، والتي تقع إلى الشمال من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إحدى أهم خطوط المواجهة في الحرب.

وأضاف الجيش السوداني في بيانه "سندافع عن بلدنا وسيادتنا الوطنية وسننتصر مهما بلغ حجم التآمر والعدوان المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة ومليشياتها بالمنطقة".

وتعد هذه المرة الأولى التي يتهم فيها الجيش السوداني قوات اللواء خليفة حفتر بالضلوع المباشر في الحرب الدائرة منذ عامين بينه وبين قوات الدعم السريع شبه العسكرية.

ومطلع العام الجاري، قال ياسر العطا، عضو مجلس السيادة ومساعد قائد الجيش السوداني، إن 25 بالمئة من قوات الدعم السريع هم من ليبياتحت قيادة خليفة حفتر، والمرتزقة من التشاد، وبعض الإثيوبيين، وأفراد من كولومبيا وأفريقيا الوسطى، وبقايا فاغنر، ومقاتلين من سوريا، بينما 65 بالمئة من القوة المتبقية من أبناء جنوب السودان، للأسف، في حين أن 5% فقط هم من الجنجويد الأصليين كقادة لبعض المجموعات.

وأشار العطا من مدينة بوط بولاية النيل الأزرق إلى أنهم تحدثوا مع المسؤولين في جنوب السودان خلال سنتين من الحرب حول هذا الموضوع، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء، حتى على مستوى الإعلام، لتجريم مثل هذه الأفعال.

وأضاف أنه كان بالإمكان القول في الإعلام إن جنوب السودان يشن حربا ضدهم.



وفي وقت سابق، أكد رئيس جيش تحرير السودان، مني اركومناوي، أن الدعم الأجنبي يتواصل عبر محور ليبيا، ويدخل تعزيزات جديدة بقوة قوامها 400 آلية عسكرية متنوعة عن طريق ليبيا إلى دارفور الآن، حسب قوله.

وسبق أن تحدثت تقارير أن  كتيبة طارق بن زياد التابعة لصدام حفتر قد توجهت مؤخراً نحو “معطن السارة”؛ لتأمين المنطقة، وحماية الطرق المؤدية إلى السودان، بما في ذلك إمدادات الأسلحة والوقود التي تنطلق من ميناء طبرق وتصل إلى السودان.

وشهدت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي اتهمها الجيش أيضا بالضلوع في الهجوم، تدخل العديد من الدول بينما لم تنجح المحاولات الدولية بعد في إحلال السلام.

وفي بداية الحرب اتهم السودان حفتر بمساندة قوات الدعم السريع عبر مدها بالأسلحة، واتهم الإمارات، حليفة قائد قوات شرق ليبيا، بدعمها أيضا، عبر وسائل منها غارات جوية مباشرة بطائرات مسيرة الشهر الماضي. وتنفي الإمارات تلك المزاعم.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يتهم قوات خليفة حفتر بمهاجمة مواقع حدودية
  • الجيش السوداني يتهم قوات حفتر بدعم هجوم للدعم السريع على موقع حدودي
  • القوات المسلحة: الدعم السريع وقوات حفتر يهاجمون المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا
  • الجيش السوداني يتهم حفتر بمساندة مباشرة للدعم السريع
  • شبكة أطباء السودان: 179 قتيلاً جراء قصف الدعم السريع على الفاشر في مايو
  • حين يصير الموت مزدوجًا.. الكوليرا تُكمل ما بدأته الحرب في السودان
  • احتجاجات حميدتي بصوت خالد عمر!
  • د. حسن محمد صالح: من حول الدعم السريع الي المشروع الغربي العلماني؟
  • حرب المسيّرات تغيّر قواعد اللعبة في السودان… «الدعم السريع» يوسّع سيطرته من الجو
  • السودان بين سيطرة الجيش وتصعيد الدعم السريع.. قصف إغاثي وحصار مستمر