جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-23@20:12:26 GMT

إيلان بابيه وما بعد الصهيونية (2- 3)

تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT

إيلان بابيه وما بعد الصهيونية (2- 3)

 

 

د. هيثم مزاحم **

 

يتناول المؤرخ البريطاني من أصل إسرائيلي إيلان بابيه في القسم الثاني من كتابه "فكرة إسرائيل.. تاريخ السلطة والمعرفة"، المعنون بـ"اللحظة ما بعد الصهيونية في إسرائيل"، سِير أبرز مُنتقدي الصهيونية اليهود في إسرائيل، الذين أثّروا بشكل أو بآخر على حركة ما بعد الصهيونية خلال تسعينات القرن العشرين.

يقول بابيه إنَّ النقد في حركة ما بعد الصهيونية في ذلك كان استمرارًا للعمل والتحرّك الذي أقدم عليه بشجاعة بعض الأفراد الذين يستحقّون الاحترام، من أكاديميين وصحافيين وغيرهم، والذين خاضوا في انتقاد المسلّمات الصهيونية كلٌ بمفرده، منطلقين من رؤيتهم الإنسانية الكونية للحياة".

ومن روّاد ما بعد الصهيونية هؤلاء، ماكسيم غيلان وإسرائيل شاحاك وبواز إيفرون ويشيعياهو ليبوفيتش وأكيفا أور ويوري أفنيري وإيلان هاليفي وأوري ديفيس.. وغيرهم.

كما تشكّلت حركات مناهضة للصهيونية من قِبل شخصيات إسرائيلية حزبية في ستينات القرن الماضي، والتي توسّعت بعد عدون عام 1967، مثل حركة "مصبن" (وتعني البوصلة)؛ والتي عرّف عنها مؤسسوها بأنها حركة ملتزمة بالثورة الاجتماعية (الاشتراكية) داخل إسرائيل وفلسطين.

وهي أعلنت في بياناتها الأولى، وبلا مواربة، أنها ترفض الصهيونية وتدعم مطالب الحركة الوطنية الفلسطينية.

ومن الروّاد الأكاديميين المعارضين للصهيونية، يذكر بابيه كلا من أوريل تال، أستاذ التاريخ اليهودي الحديث في جامعة تل أبيب، وسامي سموحة وشلومو سويرسكي، اللذان استخدما منهجية تصنيفية تخالف كلّ ما تمثّله الصهيونية ونتاجها الأكاديمي. فيما تصدّر الواجهة لاحقًا اثنان من علماء الاجتماع الإسرائيليين؛ حيث تركت أفكارهما أثرًا لا يمكن إنكاره على مستقبل تفكيك المشروع التاريخي الصهيوني السائد؛ وهذان المفكّران هما باروخ كيمرلينج ويوناثان شابيرا.

وعلى خطى شابيرا وكيمرلينج سار الباحث الإسرائيلي غيرشون شافير، والذي يتعارض بيانه للسمات الأساسية للصهيونية مع ما يذكره المؤرّخون الصهاينة من أمثال أنيتا شابيرا، وهي من الأسماء المعروفة في مجال علم التاريخ التي تمثّل وجهة نظر المؤسسة الرسمية الإسرائيلية.

ويرى بابيه أن لهؤلاء العلماء الروّاد الثلاثة، شابيرا وكيمرلينج وشافير، أثرًا عميقًا على الموجة الجديدة من حركة المراجعة التاريخية في إسرائيل.

ومن ثمّ يعرض بابيه النتائج التي توصلت إليها مجموعة من "المؤرّخين الجدد"، والذين انبروا لتحدّي السردية الصهيونية المتعلقة بأحداث نكبة عام 1948.

ومن أشهرهم في تلك المرحلة  الصحافي سيمحا فلابان، الذي انضمّ الى حركة صهيونية يسارية تُدعى مابام (حزب العمّال الموحّد) بعد أن وصل إلى فلسطين عام 1930. لكنه انضمّ لاحقًا إلى منظمة "الهاغانا" وشارك في حرب 1948.

وقد حصل التغيّر الجوهري عند فلابان حين تقاعد في بداية ثمانينات القرن العشرين وذهب إلى جامعة هارفرد حيث التقى بوليد الخالدي، أحد أهم المؤرّخين الفلسطينيين وأحد الباحثين الذين كرّسوا حياتهم لتأريخ المأساة الفلسطينية منذ العام 1948. فقد اقتنع فلابان بفضل هذا الرجل بأن الرواية الإسرائيلية الرسمية التي ابتدعها بن غوريُن كانت محض تلفيق وهي تزعم أن العرب الفلسطينيين تركوا بيوتهم في فلسطين بمحض إرادتهم.

ووضع فلابان كتابًا بعنوان "ميلاد إسرائيل: الأساطير والحقائق"؛ وفيه فنّد تلك الأساطير بطريقة مقنعة وناجعة. وإحدى هذه الأساطير هي أن إسرائيل وافقت على قرارالتقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947، ما يعني أنها رضيت بقيام دولة فلسطينية إلى جانب أخرى يهودية وعلى مساحة تزيد عن نصف مساحة فلسطين.

وهناك أسطورة أخرى عرض لها فلابان بالنقد، وتتعلق بأن الدول العربية كانت عازمة عام 1948 على تدمير الدولة اليهودية؛ والتي أكملتها أسطورة أن إسرائيل كانت قد مدّت يدها للسلام بعد الحرب، ولكنّ مبادرتها لقيت الرفض من قِبل الدول العربية والفلسطينيين.

ويتحدث بابيه كذلك المؤلّف عن المؤرّخ الإسرائيلي بيني مورس، الذي ناقش كتابات فلابان وبابيه نفسه وآفي شلايم، حيث وصفها بأنها تشكّل توجهًا جديدًا في التاريخ الإسرائيلي فيما يتعلق بالعام 1948.

 يقول بابيه إن أفكاره التي عرضها في كتبه، وأفكار غيره من الباحثين والمؤرّخين الإسرائيليين، تؤكد على أهمية إعادة قراءة تاريخ عام 1948 أو"التاريخ الجديد" للحرب، والذي ترتّب عليه أثران مهمّان: أعطى شرعية للرواية التاريخية الفلسطينية من جهة؛ وقدّم فرصة لتطبيع الذاكرة الوطنية الجمعية من جهة أخرى.

بعد ذلك يعرض بابيه للنقاشات النظرية العميقة، والتي أطّرها تحت عنوان (ظهور الأكاديميا ما بعد الصهيونية 1990/2000)، وهي التي كانت مصدر إلهام للمفكّرين المعارضين للصهيونية، وخاصة علماء الاجتماع الذين توسعوا في تناولهم الكرونولوجي للمراحل الأولى من نشأة الصهيونية وصولًا إلى خمسينات القرن العشرين، ثم انتقلوا إلى موضوعات تتعلق باليهود المزراحيين و"فلسطينيي إسرائيل" اي فلسطينيو أراضي ١٩٤٨، وبحثوا قضايا تتعلق بالمرأة والنوع الاجتماعي واستغلال ذكرى الهولوكوست في إسرائيل.

وكانت هذه الزمرة من علماء الاجتماع مهتمّة بسبْر أثر السلطة، سواء كانت أيديولوجيا أو موقفًا سياسيًا أو هويّة ما، على إنتاج ما يُزعم أنه معرفة علمية وموضوعية.

حول ذكرى الهولوكوست، يُفرد المؤلّف فصلًا كاملًا للحديث عن كيفية استغلال إسرائيل لهذه المسألة في تبرير ظلمها واضطهادها المستمر للشعب الفلسطيني، وفي التسويق لفكرة إسرائيل نفسها.

ويكشف بابيه عن أنّ القيادة اليهودية قد أبدت تلكؤًا في بذل أقصى ما تستطيع لإنقاذ يهود أوروبا من المذابح التي كانت محدّقة بهم؛ والأدهى من ذلك أن بعض القيادات الصهيونية كانت قد تحالفت مع النازية؛ واستمرّ ذلك حتى انفضحت خطط النازيين لإبادة اليهود.

وقد أثبت مفكّرو حركة ما بعد الصهيونية ، من خلال وصف المعاملة السيّئة التي تلقّاها الناجون من الهولوكوست أنه جرى، وباسم أولئك الضحايا، الترويج لفكرة إسرائيل على أنها الحلّ الأمثل للمصيبة التي حلّت بيهود أوروبا في الحرب العالمية الثانية.

كما أعرب هؤلاء المفكّرون عن فزعهم ممّا ترتّب على عمليات استغلال ذكرى الهولوكوست من نشوء مجتمع عاجز عن فهم العِبرة الكونيّة ممّا جرى، ويعمد عوضًا عن ذلك إلى الانغلاق على نفسه في كيان قوموي توسعي عازم على ترهيب المنطقة بأسرها.

وينقل المؤلّف عن الباحثة إديث زرتال تحليلها لكيفية توظيف إسرائيل لذكرى الهولوكوست في طريقة النظر إلى الفلسطينيين داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي وأسلوب التعامل معهم.

فقد بيّنت زرتال كيف نشأت الحجج المعادية للفلسطينيين من خلال استغلال قصة الحاج أمين الحسيني، ذلك القائد الفلسطيني الذي تعرّض للنفي من فلسطين وارتكب "حماقة" حين امتدح هتلر وموسوليني سعيًا منه لتشكيل تحالف معهما ضد بريطانيا وسياساتها المنحازة للصهاينة.

كذلك استفادت النخبة السياسية والعسكرية في إسرائيل من الإحياء الممنهج لذكرى الهولوكوست في التأثير بالرأي العام لصالحها عند اتخاذ قرارات حسَّاسة تتعلق بالصراع مع العالم العربي أو دفع تهديد حقيقي أو مزعوم.

ولعلّ أهم نقد تعرّضت له فكرة إسرائيل، برأي بابيه، هو ما قدّمه المفكّرون المزراحيون، ومعظمهم كانوا علماء اجتماع أو ناشطين سياسيين. وكان هؤلاء اليهود قد هاجروا إلى إسرائيل من دول عربية وإسلامية في خمسينيات القرن العشرين، وشعروا بالتمييز ضدّهم من قِبل اليهود الأوروبيين، ممّا دفعهم إلى الانطلاق في رحلة إلى الماضي وشدّ عزيمتهم للوصول إلى السلطة.

لقد كانت فكرة إسرائيل في نظرهم فكرة أوروبية غربية وكولونيالية، وأدركوا أنهم ما لم يتحوّلوا هم أنفسهم إلى أوروبيين فلن يحظوا في إسرائيل إلاّ بدور هامشي.

بالمقابل ، رفض المفكّرون المزراحيون وصف حياة اليهود في الدول العربية، قبل مجيئهم إلى إسرائيل، بأنها بدائية كما يُزعم، وبيّنوا أن المدن التي كان يعيش فيها اليهود  كانت تتفوّق كثيرًا من الناحية الثقافية على ما كان موجودًا في القرى اليهودية الصغيرة في أوروبا الشرقية.

 

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«يسار» يائير غولان وقيح الصهيونية المعاصرة

التعريف الموسوعي لحزب «الديمقراطيون» الإسرائيلي، الذي يتزعمه اليوم يائير غولان، الجنرال في الاحتياط ونائب قائد جيش الاحتلال والمنافس القوي الأسبق (المفضّل عند بنيامين نتنياهو!) لرئاسة الأركان أمام غادي آيزنكوت؛ يشير إلى أنه تأسس من اندماج «حزب العمل» وحزب «ميرتس»، في تموز (يوليو) 2024. والحزب يصنّف عادة في خانة «معارضة» فضفاضة العقيدة، غائمة الملامح، تُسند إليها صفة حاضنة «يسار» إسرائيلي مفلس في صناديق الاقتراع، إذا لم يكن قد اندثر فعلياً أو يكاد.

وقبل أيام أطلق غولان سلسلة تصريحات، حول جيش إسرائيلي يقتل الرضّع على سبيل الهواية ويهجّر السكان، وحكومة تحوّل الكيان الصهيوني إلى «دولة منبوذة في العالم، على غرار جنوب أفريقيا التاريخية»، وتزدحم بأناس «لا علاقة لهم باليهودية إلا القليل»، وهم «انتقاميون بلا أخلاق وبلا قدرة على إدارة دولة في زمن الطوارئ»، وفي هذا «خطر على وجودنا». وكان منتظراً أنّ ثقب دمامل مثل هذه وسواها، على الملأ هكذا، سيتكفل برشق الكثير من القيح على وجوه غالبية ساحقة من ساسة الاحتلال، ليس داخل ائتلاف بنيامين نتنياهو الحاكم فقط، بل على امتداد معظم أحزاب «المعارضة» وقواها المختلفة.

صحيح أنّ غولان صاحب سابقتين من عيار ثقيل في مضمار نقد جيش الاحتلال، إذْ عقد في سنة 2019 مقارنة بين صعود النازية في ألمانيا، وحال دولة الاحتلال مع المتطرفين في حكومة نتنياهو: «أذكّر الجميع بأنّ النازيين وصلوا إلى السلطة بطريقة ديمقراطية». قبل هذه السابقة، كان قد أثار غضباً عارماً حين قارن بين بعض المواقف الإسرائيلية الراهنة و«الاتجاهات المقززة» في ألمانيا خلال ثلاثينيات القرن المنصرم: «إذا هناك أمر مثير للفزع في استذكار الهولوكوست، فهو ملاحظة السيرورات الفظيعة التي تنامت في أوروبا، خصوصاً ألمانيا، قبل 70 أو 80 أو 90 سنة، وإدراك أنّ بقاياها قائمة هنا في إسرائيل، بين صفوفنا في هذه السنة 2016».

صحيح أيضاً، بل أوّلاً وقبلئذ، أنّ غولان كان أحد كبار المشاركين في تلك السياسات، العنصرية والاستيطانية والفاشية والمدانية للنازية، خلال سنوات طويلة من مساره المهني في جيش الاحتلال؛ حيث خاض شتى المعارك، في اجتياح لبنان سنة 1982، والانتفاضة الأولى، وجنوب لبنان خلال سنوات 1985 ـ 2000، والانتفاضة الثانية، وعملية «الدرع الواقي» 2002، والعدوان على لبنان 2006، والحروب المتعاقبة على قطاع غزّة حتى سنة 2014. وبين 2008 و2011 كان قائد «الجبهة الداخلية» وتولى قيادة عملية «الرصاص المصبوب»، ثمّ ترأس «قيادة الشمال»، وتولى موقع نائب رئيس الأركان أواخر 2014…

وقد يُمنح غولان فضيلة الشكّ في أنه يخشى، بالفعل، انقلاب الكيان من «دولة راشدة» تجسد حلماً صهيونياً/ يهودياً/ ديمقراطياً، كما يزعم؛ إلى قاتلة رضّع (وأغفل، عن سابق قصد غالباً، أنّ جيشها يقتل أيضاً الجنين في بطن الحامل) وتجوّع الأطفال والنساء والشيوخ على مرأى ومسمع العالم وبأيدي الجنود أحفاد الهولوكوست، وسوف ينبذها العالم تباعاً (وكان في وسعه، لو أراد، اقتباس الممثلة الفرنسية جولييت بينوش خلال افتتاح مهرجان كان السينمائي لهذا العام). الأمر الذي لا يمنحه فضيلة الصدق والنزاهة والاستقامة، ليس لأنه الجنرال الاحتياط في هذا الجيش الهمجي مجرم الحرب، فحسب؛ بل، أساساً ومبدئياً، لأنه أحد «الأبطال» الذين انتفض ساسة الاحتلال للدفاع عنهم في وجه اتهامات غولان.

لا عجب، والحال الراهنة هذه في المشهد السياسي الإسرائيلي، أن تُلصق بالجنرال غولان صفة «الإرهابي» التي كانت حكراً على الفلسطيني، وأنه «يخرّب الجهود لتحقيق أهداف الحرب، ويخرّب سلامة مقاتلي جيش الدفاع، ويخرّب الديمقراطية الإسرائيلية»، حسب شلومو قرعي وزير الاتصالات في حكومة نتنياهو. من جانبه لم يتردد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في التصريح بأنّ غولان «استعار صفحة من الناطق باسم حماس»، وهوايته كانت دائماً «نشر فريات الدم المعادية للسامية ضدّ دولة إسرائيل». وزير المال بتسلئيل سموتيرتش اتهم غولان بمنح أعداء الاتحاد «سيفاً لقتلنا»، داعياً «كلّ صهيوني شريف وأخلاقي إلى إدانة الجنرال الاحتياط، لأنه «ثمة خطوط حمراء ممنوع تجاوزها». وأمّا أقطاب المعارضة، أمثال يائير لبيد وبني غانتس، فقد خاضوا الغمار وأبلوا في قدح غولان البلاء الأقصى.

غير أنّ زاوية نظر أخرى إلى تصريحات غولان يمكن أن تفضي، على نحو مشروع يندرج ضمن منطق صحيح، إلى حال التأزّم الشاملة التي يعيشها ما تبقى اليوم من «يسار» إسرائيلي؛ إزاء ما تصاعد ويتصاعد من يمين ليكودي، متحالف مع يمين متطرف قوموي أو ديني أو عنصري أو فاشي، يختصره ائتلاف نتنياهو الحاكم، وصاحب أغلبية الحدّ الأدنى في الكنيست. وإذا لم يكن غولان قد قصد لفت الانتباه العامّ عن طريق ثقب الدمامل طافحة القيح، وهذه نيّة ليس من الجائز استبعادها تماماً، فإنّ التصريحات بلغت فعلياً مستوى متقدماً من لفت الانتباه إلى «يسار» إسرائيلي بائس، بأذيال صهيونية مترنحة أو كسيحة؛ أمام زحف يواصله نتنياهو طوال 17 سنة ونيف، أطول حتى من دافيد بن غوريون.
لافتة، في هذا الصدد، سلسلة سجالات انخرط فيها عدد من ديناصورات ذلك «اليسار» الإسرائيلي، من قادة سابقين أو حاليين في «العمل» و«ميرتس» بصفة خاصة؛ ليس اشتباك غابة التفاسير حول ألعاب نتنياهو في استدراج الناخب الإسرائيلي، تسع مرّات وكان الحبل على الجرار كما يُقال؛ وليس، كذلك، نجاحه في استمالة الحشود، وتعطيل عواقب السجلّ المشين أمام القضاء خصوصاً، وبراعته في حيازة لقب «الساحر» تارة و«ملك إسرائيل» تارة أخرى… بل، في المقام الأوّل، على صعيد تمكّنه من تفكيك جبهات خصومه تباعاً، أياً كانت هوية المهندسين فيها، وسواء تألفت من الجنرالات الاحتياط، في «أزرق ــ أبيض» مثلاً أو غولان نفسه، أم ضمّت كبار متقاعدي أحزاب تصدّرت طويلاً هرم السياسة والحكم في دولة الاحتلال.

وكان مزيج عجيب من رثاء الحاضر ونوستالجيا الماضي قد طبع تصريحات يوسي بيلين، أحد كبار مخضرمي «العمل» وصاحب مشروع التسوية الشهير الذي كان إحدى النُسخ الأولى المبكرة عن «صفقة القرن» الشهيرة، على جولة انتخابات الكنيست الثالثة تحت قبضة نتنياهو: «النتيجة المتواضعة التي حققتها القائمة المشتركة للعمل وغيشر وميرتس محزنة»، ولكنّ «الفكرة حيّة ترزق عندنا وفي العالم أيضاً». ذلك لأنها، عنده، «الأفكار التي وضعها العمل وميرتس وقبلها الجمهور الغفير كأمور مسلّم بها»، في المجال الاقتصادي الاجتماعي؛ وكذلك ــ يا للعجب! ــ لأنّ «حلّ الدولتين أصبح حجر الزاوية» في الخطط الأمريكية.

وتكفي إطلالة عابرة على حاضر السياسات الإسرائيلية كما يواصل ائتلاف نتنياهو صياغتها، ويتابع تنفيذها في خضمّ حروب إبادة جماعية وتهجير وتجويع باتت تحرج أقرب حلفاء دولة الاحتلال واصدقائها؛ كي يتكشف مقدار القيح الذي دفع غولان إلى النطق بما هو مسكوت عنه أقرب إلى محرّم تسيّجه عشرات الخطوط الحمر. وليس بعيداً ذلك الزمن الذي شهد انشقاق إيهود باراك عن حزب «العمل»، وتشكيل حزب «عتسمؤوت»، بذريعة أنّ الحزب الأمّ «انزلق إلى أقصى اليسار»، وأخذ يعتنق «آراء ما بعد حداثية وما بعد صهيونية»!

فهل ثمة إفراط في مقاربة ترى أنّ القيح الناجم عن دمامل غولان أقرب إلى مزيج من مراجعات «ما بعد صهيونية»، وشطط إرهابي مستعار من «حماس»، في آن معاً، وعلى ألسنة ساسة إسرائيل على الضفاف كافة؛ يمينية كانت أم يسارية أم في منزلة تائهة بين بين؟

نقلا عن صحيفة القدس العربي

مقالات مشابهة

  • أبرز الهجمات التي نفذتها جماعة الحوثيين على إسرائيل عام 2025
  • «يسار» يائير غولان وقيح الصهيونية المعاصرة
  • قطر عن مقتل اثنين من موظفي سفارة إسرائيل بواشنطن: نرفض الإرهاب مهما كانت الدوافع
  • فينيسيوس يودع لوكا مودريتش: كانت كرة القدم التي تقدمها فنا
  • شارك في حركة حياة السود مهمة.. من هو منفذ الهجوم على موظفي سفارة إسرائيل؟
  • أمين سر حركة فتح بهولندا: إسرائيل تسعى لتجديد «دور الضحية» عبر أحداث مفتعلة
  • علاقة ما فعله ترامب مع رئيس جنوب أفريقيا بالقضية التي رفعتها الأخيرة ضد إسرائيل حول غزة تثير تفاعلا
  • أبرز مضامين اتفاقية الشراكة التي يهدد الاتحاد الأوروبي بمراجعتها مع إسرائيل
  • ميناء حيفا بوابة إسرائيل التي يتوعدها الحوثيون
  • أطباء بلا حدود: المساعدات القليلة التي سمحت “إسرائيل” بدخولها غزة مجرد ستار لتجنب اتهامها بالتجويع