صحيفة التغيير السودانية:
2025-11-16@08:28:32 GMT

ألغام ما بعد الألغام

تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT

ألغام ما بعد الألغام

ألغام ما بعد الألغام

وجدي كامل

التحذير الذي أطلقته محلية مدينة الخرطوم بحري لسكان ريفها من الألغام المزروعة بمناطقهم أثناء الحرب بكشف الأمطار الغزيرة الحالية عنها تحذير يستوجب الإنتباه ليس فقط على السكان المستهدفين منه بقدر ما يصبح تحذيراً يقبل، ويحتمل النشر على النطاق الأوسع، والتوليد لتحذيرات أخرى مماثلة وممتدة عن مخاطر أشمل ستنهض أمام المواطنين المقيمين بالمناطق المتأثرة بالحرب، كما بانتظار النازحين بداخل السودان وخارجه حال عودتهم إلى ديارهم ومساكنهم.

فإذا ما تمكن موسم الخريف الحالي من الكشف عن تلك الألغام القابلة للانفجار في مناطق ريفي بحري فإن المخلفات العسكرية الحربية، وارتباطاتها بالخراب البيئي من إفساد للنسق والنظام البيئي فستعد أشد خطورة لما ستنتجه من نتائج كارثية على معاش، وتعايش، وصحة الإنسان.

وتعد الآثار المترتبة على التسليح، والعنف، والدمار الذين لازموا الحرب، بما في ذلك المخلفات البشرية، والحيوانية ونفوق الطيور وهجرتها له ما له من متاعب أوضح ما يتصدرها من الصور هو واقع ما بعد الحرب بأكمله.

أما السلاح الذي بات في أيادٍ كثيرة لا تحصى ولا تعد فمن البائن أنه سيمثل مصدراً متقدماً لمخاوف ومخاطر لاحقة. فالسلاح الذي عم القرى والحضر وتم تمليكه للمواطنين ممن يصنفون كمستنفرين أو كتائب مقاتلة يشكل عبئاً إضافياً للسلام الاجتماعي ويرجح حدوث الانتهاكات الجسيمة بواسطته حتى في أفضل نجاح مساعي التجميع له، مما يؤشر لاتساع رقعة الحرب بأشكال صريحة مباشرة، وأشكال خفية رمزية ترقى من الناحية الأولى إلى مستوى ممارسة التصفيات الجسدية والقتل خارج القانون، إلى إشاعة الحروب الثقافية المدمرة المسلحة بالكراهية والعنصرية والتمييز.

فالحرب التي أفصحت عن عدم المسؤولية الوطنية للمؤسسة السياسية وللجهات والأفراد ممن تورطوا في معاركها ستواجه أعتى عقباتها بانتشار ظواهر خرق القانون والتفلتات الأمنية التي لن يستمر في ارتكابها الخارجون عن القانون ممن تم إطلاق سراحهم أثناء، وعشية اندلاعها، بل من المتأثرين بعدم عدالتها ونتائج ذلك عليهم على المستويين الشخصي والعام بما لحق بهم من أذى وضرر.

فكل ما يرشح من معلومات وتتبدى من ظواهر تشير إلى أن السودانيين المتأثرين بالحرب لن يعودوا طيبين، مسامحين، مسالمين كما كانوا من قبل رغم التسليم بالقضاء والقدر حسب المعتقدات، أو المستودع في الأخلاق من مخزون ثقافي.

ففكرة الانتقام هنا واردة كسيناريو من السيناريوهات كرد فعل للضحايا الذين سيكتشفون بعد قليل أن الذين جردوهم وسرقوهم مملوكاتهم سينفردون بلعب أدوار البطولة المطلقة في اقتصاد ما بعد الحرب الذي ينتظر إلا يقل قذارة في أساليبه وعملياته مما سبقه من اقتصاد أثناء الحرب.

فالمتغيرات النفسية ستولد المزيد من السلوكيات العدائية والعدوانية الناشزة وغير المتقيدة بالقانون وروحه باحترام أسس التعايش المتعارف عليها كما كان بينهم في السابق على التقدير الأقل.

حقائق مؤلمة جمة وكثيفة ستواجه فكرة العيش والتعايش من جديد بسبب الانتهاكات، وتجفيف مصادر الدورة المالية الاقتصادية بنظامها المتعارف عليه والقائم على مبدأ الإسهام والمشاركة الإنتاجية كل حسب نطاق عمله وإنتاجه عندما يعود النازحون إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم فيكتشفون تبخر أولويات وسائل الحياة، بالإضافة لما أصاب بيوتهم ومساكنهم من تجفيف ونهب لكل شيء، وشوارع خلت من مظاهر المدنية والسلام والطمأنينة، والسلامة.

أما جسور التواصل فمن الطبيعي أن تتأثر بتحطم الطرق و(الجسور)، وما سيتبع ذلك من صعوبات وعقبات تحول دون التواصل الفيزيائي بتكاليف اعتيادية ونمطية سابقة.

فالمواصلات والتواصل الفيزيائي سيكونان من ضحايا الواقع القادم بالعاصمة المثلثة بسبب السرقات التي طالت كل شيء بما فيها، وسائل المواصلات وما يتركه ذلك من تجميد لمهن وأنشطة اقتصادية ذات ارتباط بالتنقل والحركة.

وغالباً ما ستصبح الخرطوم في وسطها مكاناً طارداً للتجمعات والوزارات والمصالح الحكومية الخدمية التي ستتحول إلى أماكن موحشة تفتقد للعاملين والمهن ذات الارتباط بالتجمعات بسبب التخريب الذي طال المباني والمؤسسات ونظم الإنتاج. سيختل نتيجة ذلك ميكانيزم العمل الذي تم سلب أدواته ونظمه.

وإذا كان من المؤكد أن تتوفر أسواق للخضار والفاكهة واللحوم (رغم فشل الموسم الزراعي وشبح المجاعة المخيم أو القائم حالياً) إلا أنه سيتعثر توفير الأسواق الأخرى– أسواق العمل ذات الارتباط بالمعاش القديم للناس وما تأتي به من عوائد مالية بعد أن تم تجفيف (شفشفة) الوسائل والأدوات المشغلة لها.

إنه، وبتكبير صورة الكارثة المحدقة لما بعد كارثة الحرب واقع أشد بؤساً وصعوبة لتفكيك معضلاته مما يتصور وينظر له، وبحيث ستنتظر الناس ألغام رمزية تفوق في خطورتها ومخاطرها ما يتم التحذير منه حالياً من محلية الخرطوم بحري عن الألغام المدفونة تحت الأرض.

على الحرب أن تتوقف اليوم قبل الغد للحد من خسارات أشد قادمة في حالة استمرارها.

الوسومالألغام الحرب الحروب الثقافية الخرطوم بحري السلم الاجتماعي السودان القتل خارج نطاق القانون المسؤولية الوطنية وجدي كامل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الألغام الحرب الحروب الثقافية الخرطوم بحري السلم الاجتماعي السودان المسؤولية الوطنية ما بعد

إقرأ أيضاً:

هل ترمم عودة توت قلواك الثقة وتوازن السلطة بجنوب السودان؟

أجرى رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت الأسبوع الماضي تعديلات واسعة في حكومته شملت مواقع قيادية حساسة، أبرزها إعادة تعيين مستشاره السابق للشؤون الأمنية الجنرال توت قلواك بعد نحو عامين من إقالته.

وتأتي هذه الخطوة في توقيت داخلي وإقليمي دقيق، إذ خلّف غياب قلواك فراغا انعكس على أداء الحكومة وعلاقاتها الخارجية، مما جعل عودته تُقرأ كمحاولة لترميم الثقة وإعادة التوازن داخل هرم السلطة.

إقالة قلواك آنذاك جاءت نتيجة ضغوط سياسية من دوائر سعت لتوسيع نفوذها داخل الحكومة، لكنها عجزت عن سد الفراغ أو متابعة الملفات الحرجة التي كان يشرف عليها الرجل.

وخلال فترة عمله السابقة تولى ملفات بالغة الحساسية، أبرزها تنفيذ اتفاق السلام الموقع عام 2018 بين الحكومة والمعارضة المسلحة في الخرطوم، وهو ملف شهد تراجعا ملحوظا خلال غيابه، بما في ذلك اعتقال النائب الأول للرئيس رياك مشار وعدد من قياداته، ما أعاد التوتر وهدد بانهيار اتفاق أُبرم بوساطة إقليمية ودعم دولي واسع.

توت قلواك ونائب رئيس مجلس السيادة آنذاك محمد حمدان دقلو (الجزيرة)

ويُعد قلواك أحد مهندسي اتفاق سلام جوبا بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح عام 2020، وهو إنجاز منح جنوب السودان مكانة إقليمية بارزة كوسيط فاعل في قضايا الاستقرار.

وتستند خبرته الطويلة في الخرطوم قبيل الانفصال، حين كان من القيادات السياسية والأمنية في حزب المؤتمر الوطني، إلى قدرته على إدارة الملفات المشتركة بين البلدين، خصوصا العلاقات الثنائية المعقدة والمتشابكة أمنيا واقتصاديا.

وقد تزامن غيابه مع تدهور في العلاقات بين جوبا والخرطوم، بلغ ذروته بتوقف صادرات النفط وتبادل الاتهامات، ما يجعل عودته اليوم محاولة لإعادة فتح خطوط الحوار وإحياء دوره كقناة تواصل رئيسية بين العاصمتين.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي جنوب لام أن عودة قلواك تتجاوز كونها قرارا إداريا، فهي خطوة سياسية ذات أبعاد إقليمية واضحة، خاصة في ظل الحرب الدائرة في السودان واشتداد التنافس بين القوى الإقليمية، وعلى رأسها دول الخليج المهتمة بالنفط الجنوبي.

إعلان

وأضاف أن قلواك يمتلك شبكة علاقات تمتد بين الخرطوم وجوبا وبين قيادات متصارعة في السودان، ما يجعله "رجل التوازنات الصعبة وصانع الجسور بين الدولتين".

ويشير لام إلى أن الرئيس سلفاكير يعتمد على خبرة قلواك لإعادة فتح القنوات المغلقة مع الخرطوم وضمان استمرار تدفق النفط الذي تعتمد عليه البلاد اقتصاديا، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع الخليج.

لكنه حذر من أن "تشابك علاقات قلواك قد يثير حساسيات في الخرطوم إذا فُسرت تحركاته على أنها ميل نحو أحد أطراف الصراع"، معتبرا أن عودته "عودة لنهج التوازن الدقيق الذي ميز سياسة جوبا منذ تأسيس الدولة".

الهادي إدريس أحد قادة الحركات المسلحة يكرم المستشار توت قلواك لدوره في اتفاق سلام جوبا (الجزيرة)

ويؤكد مراقبون في جوبا أن إقالة قلواك قبل عامين لم تكن معزولة عن صراع التيارات داخل الحكومة والحزب الحاكم، حيث برزت دعوات لإبعاد الشخصيات المرتبطة بالإسلاميين أو بحزب المؤتمر الوطني.

كما ساهمت ملفات متشابكة داخل مؤسسة الرئاسة والأجهزة الأمنية في تعزيز هذا الصراع، ما أدى إلى إقصائه رغم علاقته الوثيقة بالرئيس سلفاكير.

بيد أن فشل من خلفوه في إدارة الملفات الحساسة دفع القيادة إلى إعادة النظر في القرار، لتجد في عودته الخيار العملي لاستعادة التوازن وإنعاش الملفات المتعثرة.

وقال ستيفن لوال نقور، عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان القومي الانتقالي للجزيرة نت إن "إعادة تعيين توت قلواك مستشارا للشؤون الأمنية قرار إستراتيجي يعزز قدرة الدولة على توحيد القرار في هذا التوقيت الحرج".

وأضاف أن "كفاءته في إدارة الملفات التفاوضية وصناعة مسارات التهدئة ظهرت بوضوح في اتفاق سلام جوبا، ما يجعل عودته تجديدا لثقة القيادة السياسية في أدواتها الوطنية".

ورغم خبرته الطويلة، يواجه قلواك تحديات كبيرة في ظل تصاعد الحرب في السودان، إذ تعتبر بعض الدوائر أن علاقاته السابقة مع الإسلاميين قد تؤثر على حياده، كما تتزامن هذه المخاوف مع اتهامات متصاعدة حول دعم جوبا السري لقوات الدعم السريع، ما يزيد الضغط عليه.

نجاح مهمة الرجل يتطلب إدارة دقيقة لهذه المخاوف، والحفاظ على ثقة الرئيس سلفاكير، واستثمار شبكة علاقاته مع الخرطوم لتفادي أي تصعيد يضر بالاستقرار السياسي والاقتصادي.

الرئيس كير يتوسط حمدوك والبرهان خلال انطلاق جولات التفاوض بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح بجوبا (الجزيرة)

وعليه، تأتي عودة توت قلواك في توقيت مفصلي كمحاولة لإعادة التوازن الداخلي والخارجي لجوبا، وتعزيز قدرة جنوب السودان على إدارة ملفات حساسة تتقاطع فيها المصالح الوطنية والإقليمية، بما في ذلك الأمن والاقتصاد وعلاقات النفط مع الخرطوم والدول الخليجية.

وبينما تترقب الأوساط السياسية والإقليمية خطواته المقبلة، يبقى الملف الأمني والسياسي في جنوب السودان مرتبطا بقدرته على التوفيق بين الضغوط المحلية والتحديات الإقليمية، بما يضمن استمرار الاستقرار النسبي وتحقيق أهداف السلام.

مقالات مشابهة

  • لماذا منشآت النفط ؟.. عقلية الربح والخراب التي تدير الحرب بالوكالة
  • مع انهيار جهود السلام في اليمن… يعود السؤال الأكبر: ما الذي أنجزته الحرب؟
  • إيكونوميست: غزة تحوي أكبر عدد من القنابل غير المنفجرة بالعالم
  • برنامج الأغذية العالمي يحذر من كارثة إنسانية في السودان
  • الحداد يشارك باختتام دورة لـ«إزالة الألغام» في طرابلس
  • المهديّة.. صوفية السودان الذين هزموا جيش الخديوي
  • هل ترمم عودة توت قلواك الثقة وتوازن السلطة بجنوب السودان؟
  • تورك: ندعو لاتخاذ إجراءات ضد الأفراد والشركات التي تؤجج وتستفيد من الحرب بالسودان
  • أمبري: تعرض ناقلة نفط متجهة نحو المياه الإقليمية الإيرانية لهجوم بحري
  • الباب الذي يِدخل الجيش في الهدنة لا يسع الحركة الإسلامية