هبة حضرموت الثانية.. أين تتجه المحافظة النفطية مع التصعيد القبلي؟! (تحليل خاص)
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
يمن مونيتور/ وحدة التحليلات/ خاص:
تشهد محافظة حضرموت شرقي البلاد توترات متزايدة نتيجة المطالبات الشعبية والقبلية بتحقيق حقوق المحافظة، والتي تزامت مع زيارة للرئيس اليمني في وقت سابق هذا الأسبوع والتي استرمت أياماً.
وأفادت مصادر محلية، يوم الجمعة، إن حلف قبائل حضرموت حشد مئات المسلحين وسيطر على آبار النفط في “هضبة حضرموت”، بعد أن بدأت القبائل في اليوم الذي سبقه بالتواجد في مطارح قبلية أقاموها في منطقة “العبر” بعد انتهاء مهلة منحتها للحكومة المعترف بها دوليا لتنفيذ مطالبها الخاصة “بشراكة حقيقية فاعلة” بشأن المخزون النفطي بميناء ضبة وحقل المسيلة.
وقام الحلف بنصب نقاط تفتيش في المحافظة، وتزامنت مع فشل السلطة المحلية والحكومة المعترف بها دولياً من توفير الخدمات الرئيسية بما في ذلك الكهرباء وإضراب المعلمين في مديريات الوادي.
وتعتبر حضرموت أكبر محافظات اليمن وتمتاز بمواردها الطبيعية خصوصاً النفطية ما جعلها نقطة اهتمام كبيرة للحكومة الشرعية، ورغم ذلك تعاني المحافظة من تهميش واضح في الإدارة المحلية، ومن نقص شديد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصحة والتعليم، هذا الوضع دفع حلف قبائل حضرموت إلى تصعيد مطالبها والمطالبة بحقوقها المشروعة تحت نظام الدولة الاتحادية.
وفي 31 يوليو/ـتموز أصدر حلف قبائل حضرموت بياناً يمهل المجلس الرئاسي 48 يوماً لـ” الاعتراف بحق حضرموت وتفعيل دور الشراكة الفاعلة والحقيقية ممثلة في مؤتمر حضرموت الجامع أسوة بالأطراف الأخرى المشاركة في التسوية الشاملة في البلاد”. كما شدد على عدم تصدير النفط من ميناء ضبة وحقل المسيلة إلا بعد تحقيق الشراكة الفاعلة وضمان حقوق حضرموت.
لماذا التصعيد؟!
تأتي هذه التحركات في وقت حساس حيث وصلت الأوضاع في حضرموت إلى طريق مسدود على المستوى الإداري داخل أروقة السلطة المحلية. باتت المشاكل الإدارية وحديث التعيينات والإقالات محور النقاش في المجالس بالمحافظة، بالإضافة إلى الانهيار غير المسبوق في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والتعليم. تصاعدت الخلافات بين أركان السلطة المحلية إلى ذروتها، مما دفع مجلس القيادة الرئاسي إلى التدخل شخصياً لمحاولة حلحلة الوضع المتدهور في المحافظة.
وفي محافظة حضرموت يوجد حلف قبائل حضرموت وهو كيان اجتماعي تأسس في 2013 فيما عُرف “بهبة حضرموت”، وانبثق عنه مؤتمر حضرموت الجامع في 2017 باعتباره مكوناً قبلياً سياسياً يضم معظم الأحزاب السياسية، ويعبر الحلف والمؤتمر عن تطلعات أبناء المحافظة الاستراتيجية. وإلى جانبهما توجد كيانات أخرى مثل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.
وبناءً على بيانات وتحركات الكيانين فهناك عدة ملفات سياسية وخدمية واقتصادية دعت إلى هذا التصعيد.
الأول، فشل المحافظ والإقصاء المتعمد
يشير تقرير نشره مؤتمر حضرموت الجامع يوم 30 يوليو/تموز إلى، “تفرد المحافظ مبخوت بن ماضي بالقرار بشكل شخصي، وفرض تصوراته، وافتقار رؤيته الخدمية والتنموية لما تحتاجه المحافظة”، ويبرر الفشل “بن ماضي” في إقامة المشاريع أنها ليست من مسؤولياته بل من مسؤولية الحكومة.
يكشف هذا التقرير عن مشاريع فساد، وانعدام الشفافية فيما تتحصله المحافظة من إيرادات ومصيرها، إلى جانب الفساد في اعتماد ديزل شركة بترومسيلة، والذي يبدو أن المحافظ والمنتفعين في السلطة المحلية يبيعون 800 ألف لتر من الديزل في السوق السوداء يومياً.
وتشكو معظم الكيانات في محافظة حضرموت (سياسية وقبلية) من سياسة الإقصاء المتعمدة في المناصب الإدارية والإقالات غير المبررة لأعضاء مؤتمر حضرموت الجامع من مناصبهم في المؤسسات الخدمية بدلاً من التعاطي مع مطالب. يُتهم المحافظ بن ماضي بتعيين أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام وإقصاء بقية المكونات من مناصبهم. وهو الحزب الذي ينتمي له”بن ماضي” ووكيل المحافظة لشؤون مديريات الوادي وصحراء عامر العامري.
وغادر العليمي المكلا حاملا خيارات عدة للرياض بقائمة ترشيح لمنصب محافظ حضرموت وبموجب مصادر مطلعة بأن القائمة تحمل أسماء كلًا من:، جمال سالم عبدون (وكيل وزارة التربية والتعليم)، خالد سلمان العكبري (مدير شركة النفط ساحل حضرموت الأسبق)، سالم عبد الله الخنبشي (مدير كلية الشرطة حضرموت الأسبق)، منير كرامة التميمي (مدير الأمن والشرطة بساحل حضرموت الأسبق)، أكرم نصيب العامري (أمين عام مؤتمر حضرموت الجامع الحالي)، ناصر أحمد القرزي (مدير مكتب عضو مجلس القيادة الرئاسي)، سعيد عثمان العمودي (وكيل محافظة حضرموت الهضبة)، مبارك بن عبودان الجابري، (مدير عام مديرية ساة وعضو الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي).
ثانياً، رواتب المعلمين والكهرباء
تتردى الخدمات في محافظة حضرموت ما يجعل السكان في وضع سيء للغاية، خاصة مع استمرار انقطاع الكهرباء أكثر من 14 ساعة يومياً في ظل صيف حارق حيث تصل درجة الحرارة إلى 40 درجة مئوية. وباتت التظاهرات وقطع الشوار في مدينة المكلا خلال الأسابيع الماضية وغضب المواطنين مألوفاً فلم يسبق أن تردت الخدمات إلى هذه الدرجة.
كما أن ملف التعليم يمثل عقبة جديدة أمام السلطة المحلية ومثار غضب السكان والمكونات خلال الأشهر الماضية.
ولم يضرب المعلمون في محافظة حضرموت في التاريخ المنظور، لكن في الأشهر الأخيرة وحتى اليوم استمر اضرابهم عن التدريس، مطالبين بإعادة هيكلة الأجور وتثبيت المتعاقدين، والتأمين الصحي والعلاوات السنوية، والتي فشلت السلطة المحلية في الوصول إلى حلول وسط لتنفيذ مطالبهم.
وما أثار غضب المعلمين وسكان حضرموت أن السلطات المحلية بدلاً من تحمل مسؤولياتها أقرت الأسبوع الماضي فرض رسوم شهرية “2000 ريال” على أولياء الأمور في مديريات الوادي والصحراء للوصول إلى مطالب المعلمين برفع رواتبهم 50 ألفاً لإنهاء الإضراب. وهي جبايات مخالفة للقانون والدستور اليمني.
وكان مؤتمر حضرموت الجامع قد أمهل في اجتماع منتصف يوليو/تموز الماضي السلطات المحلية 30 يوماً لمعالجة توقف العملية التعليمية بالمحافظة والتي تنتهي في 13 الشهر الجاري.
ثالثاً، الشراكة في السلطة والثروةنتيجة هذا التردي في الخدمات والفساد المتفشي في رأس السلطة. تضمنت مطالب الحلف ومؤتمر حضرموت الجامع تشكيل لجنة مشتركة مع السلطة يشارك فيها المجتمع في إدارة الموارد المالية وأولويات الإنفاق، وتحقيق احتياجات السكان الأساسية بدلاً من انعدام الرؤى والخطط للمحافظ والفساد فيها.
ويطالب باستخدام عائدات النفط كاملةً لشراء طاقة كهربائية للمحافظة و تنفيذ قرارات مؤتمر حضرموت الجامع الصادرة في 13 يوليو/تموز 2024، والتي تهدف إلى تحسين الأوضاع في المحافظة وتثبيت مكانتها ضمن التسوية الشاملة في البلاد. وأعلن العليمي في اليوم الأخير لزيارته عن شراء محطتي كهرباء للمحافظة لكن ذلك لم يكن كافاً.
في عام 2016 كانت الحكومة اليمنية قد أقرت منح 20% من إيرادات النفط للسلطة المحلية في المحافظة، ومنذ 2022 أوقفت هجمات الحوثيين على ميناء الضبة تصدير النفط.
وقال وكيل أول محافظة حضرموت عمرو بن حبريش، وهو أيضاً رئيس “مؤتمر حضرموت الجامع” إن الحلف “لن يسمح بتصدير لتر واحد إلا بعد تخصيص الشحنة الحالية في الخزانات لمعالجة ملف الكهرباء ثم الاتفاق على نسبة محددة للمحافظة في الشحنات المستقبلية”.
رابعاً، خارطة الطريق
مع التوصل لخارطة طريق برعاية الأمم المتحدة والتي تشير إلى منح الحوثيين نسبة كبيرة من إيرادات النفط لتسليم رواتب الموظفين العموميين بما في ذلك مقاتليهم فإن القبائل صعدت الخطاب في الأسابيع الأخيرة لضمان حقوق المحافظة.
ولم يفصح رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي عن تفاصيل التفاوض بشأن حصة المحافظة من الثروة النفطية التي تطالب بها السلطة المحلية و كذلك حلف قبائل حضرموت و مؤتمر حضرموت الجامع.
ويرى محللون أن ضغوط سعودية تمارس على المكونات السياسية الموالية للحكومة اليمنية بعدم الحديث عن نسبة الحوثيين من إيرادات النفط مقابل ما تتحصله المحافظات النفطية والحكومة اليمنية، خشية أن يؤثر ذلك على خارطة الطريق التي توصلت لها مع الحوثيين.
من جانبهم يسعى الحوثيون إلى ممارسة الابتزاز المعتاد لضمان حصولهم على حصة أكبر . ونفت الجماعة الأنباء التي تحدثت عن اتفاق مع الجانب الحكومي لاستئناف تصدير النفط وأكدوا أن الملف مرتبط بتسليم رواتب الموظفين.
مستقبل محفوف بالمخاطر
مضت المهلة المحددة التي وضعها حلف قبائل حضرموت و لم تستجب الحكومة اليمنية للمطالب ما يضع عدة تساؤلات عن مصير هذه المطالبات فهل يتجه الوضع إلى مزيد من التصعيد الذي قد يؤدي إلى تعقيد الوضع الأمني في حضرموت وربما يؤثر سلباً على الاقتصاد اليمني ككل نظراً لأهمية الموارد النفطية في المحافظة أم أن السلطات العليا لها رأي آخر.
ويبدو مجلس القيادة الرئاسي أمام عدة خيارات سيئة:
الأول، الاستجابة لمطالب حلف قبائل حضرموت والمؤتمر الجامع: مع ذلك لا توجد ضمانات كافية في ظل خارطة الطريق والتي يطلب الحوثيون فيها أكثر من 75% من عائدات تصدير النفط والغاز. ولن تتمكن الحكومة من تنفيذ التزاماتها ب5% المتبقية إذا ما افترضنا موافقة القبائل على بقاء نسبة 20%.
كما أن الذهاب في هذا الخيار سيدفع بقية المحافظات للذهاب نحو نفس المسار، وهو أمر يفوق قدرة الحكومة.
ثانياً، الاستجابة عن بعض المطالب: يمكن لمجلس القيادة الرئاسي الموافقة على بعض المطالب مثل الشراكة في السلطة من كل المكونات السياسية والقبلية، والتي تبدأ بإقالة المحافظ أو وكيل المحافظة، والموافقة على الشراكة المجتمعية، وتنفيذ المطالب المتعلقة بالخدمات مثل الكهرباء ورواتب المعلمين. ويبدو أن العليمي بالإعلان عن محطتي كهرباء حاول الذهاب بهذا الخيار لكن لم تتغير موقف القبائل.
والمضي في هذا الخيار سيؤجل الحديث عن نسبة المحافظة من عائدات النفط. ولا يعرف معها ردة فعل القبائل التي بدأت بالفعل بالتواجد في مناطق آبار النفط في هضبة حضرموت.
ثالثاً، الرفض والصدام مع حلف قبائل حضرموت: الذهاب في هذا الاتجاه محفوف بالمخاطر الأمنية والسياسية. حيث يتجه الحلف لمنع تصدير النفط إذا استمر مجلس القيادة الرئاسي في تنفيذ مطالبه، وإذا لجأت السلطة إلى العنف لضمان تدفق تصدير النفط فسيؤدي إلى تدهور أمني ينعكس سلباً على المحافظة واقتصاد البلاد.
**ساهم في هذا التقرير “أحمد بارجاء” من سيئون..
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الأزمة اليمنية التوتر الحوثيون الشرعية العليمي النفط حضرموت مجلس القیادة الرئاسی مؤتمر حضرموت الجامع حلف قبائل حضرموت فی محافظة حضرموت السلطة المحلیة تصدیر النفط المحافظة من فی المحافظة من إیرادات بن ماضی فی هذا
إقرأ أيضاً:
تحليل الوضع الاقتصادي والمالي للدولة
الفترة من 1 يناير 2025 حتى 31 مايو 2025
يستند هذا التحليل إلى الأرقام والمؤشرات المنشورة إعلامياً عن بيان البنك المركزي للفترة المذكورة. وتشير هذه البيانات إلى وضع اقتصادي ومالي حرج يتطلب معالجات فورية وشاملة لتجنب تفاقم الأزمات.
أولاً: المالية العامة (الإيرادات والنفقات)أظهر بيان المركزي للفترة المذكورة المؤشرات التالية بخصوص المالية العامة:
إجمالي الإيرادات العامة (نفطية وغير نفطية) | 49,500 | لا تتضمن الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي |
إجمالي الإنفاق العام | 43,500 | يتضمن فاتورة المحروقات (3,884 مليار دينار) |
فاتورة المحروقات (بالدولار) | 635 مليون دولار | شهرياً 625 مليون دولار بعد إلغاء آلية المبادلة |
فائض المالية العامة الظاهري | 5,500 | زيادة الإيرادات عن المصروفات |
إيرادات ضريبة مبيعات النقد الأجنبي | 10,100 | يجب إيداعها في حساب مخصص |
الزيادة التقديرية في الإيرادات بسبب التخفيض (أبريل ومايو): 2,100 مليون دولار/شهر × 2 شهر × 0.600 دينار/دولار (فرق السعر) = 2,520 مليار دينار. توقف آلية مبادلة (النفط بالوقود): أدى إلى تقليص فاتورة المحروقات الشهرية من 750 مليون دولار إلى 625 مليون دولار، مما وفر حوالي 125 مليون دولار شهرياً.
الوفر الشهري بالدينار: (750 – 625) مليون دولار × 5.43 دينار/دولار (السعر بعد التخفيض) = 125 مليون × 5.43 = 678.75 مليون دينار شهرياً. فاتورة دعم الوقود: لا تزال مرتفعة (625 مليون دولار شهرياً)، وتلتهم قرابة 37% من الإيرادات النفطية (بافتراض أن معظم الإيرادات النفطية تأتي بالدولار وأن هذه النسبة مبنية على تقديرات شهرية للإيراد النفطي). هذا يستدعي ضبط التقديرات ومكافحة التهريب وإصلاح منظومة الدعم. فاتورة المرتبات: تقدر بـ 6 مليار دينار شهرياً (أي 30 مليار دينار في 5 أشهر، ما يعادل 69% من إجمالي الإنفاق العام للفترة). وهي مرشحة للزيادة مع تزايد أعداد الخريجين وعدم وجود خطط لاستيعابهم في قطاعات منتجة. هذا يمثل ضغطاً هائلاً على الميزانية ويشير إلى تضخم الجهاز الإداري. ضريبة مبيعات النقد الأجنبي (10,100 مليار دينار): يجب التأكيد على أن هذه الإيرادات، وفقاً للأسس المالية السليمة، يجب أن تودع في حساب خاص ولا تستخدم لتمويل الإنفاق العام الجاري، بل لمعالجة التشوهات في سوق الصرف أو دعم احتياطيات النقد الأجنبي. اعتبارها مصدر تمويل للإنفاق يزيد من هشاشة المالية العامة. ثانياً: وضع النقد الأجنبي وميزان المدفوعات
أظهر بيان المركزي ما يلي بخصوص النقد الأجنبي:
إجمالي استخدامات النقد الأجنبي | 14.2 | (14,200 مليون دولار) |
إجمالي إيرادات النقد الأجنبي (مبيعات نفطية وإتاوات) | 9.5 | (9,500 مليون دولار) |
العجز في ميزان المدفوعات | 4.7 | (9.5 – 14.2 = -4.7 مليار دولار) |
هذا العجز يعني أن الدولة تنفق من النقد الأجنبي أكثر مما تكسب، مما يؤدي إلى تآكل الاحتياطيات الأجنبية أو زيادة الدين الخارجي. أسباب تراجع العجز (النسبي): تخفيض قيمة الدينار (جعل الواردات أكثر تكلفة). خفض سقف بطاقات الأغراض الشخصية. الطلب المرتفع على النقد الأجنبي: استمرار العجز يشير إلى أن الطلب على النقد الأجنبي لا يزال مرتفعاً. هذا يعرض سعر صرف الدينار لمزيد من الضغوط الانخفاضية. النظرية الاقتصادية ذات الصلة: نظرية تحديد سعر الصرف (العرض والطلب): عندما يتجاوز الطلب على عملة أجنبية (الدولار) عرضها، يرتفع سعر تلك العملة الأجنبية مقابل العملة المحلية (الدينار ينخفض). أثر تخفيض قيمة العملة (Devaluation): يهدف نظرياً إلى جعل الصادرات أرخص والواردات أغلى، مما يحسن الميزان التجاري. لكن في اقتصاد ريعي يعتمد على تصدير سلعة واحدة (النفط المقوم بالدولار) ويستورد معظم احتياجاته، قد يكون الأثر الأساسي هو زيادة التضخم (Inflation) وزيادة تكلفة المعيشة، دون تحسن كبير في هيكل الإنتاج المحلي على المدى القصير. الحاجة لتدابير ضبط الاستيراد: ضرورة التركيز على السلع الأساسية واستخدام الرسوم الجمركية لترشيد استيراد السلع غير الضرورية والكمالية. رسم بياني لمؤشرات رئيسية
يوضح الرسم البياني التالي مقارنة بين الإيرادات العامة والنفقات العامة، بالإضافة إلى العجز في ميزان المدفوعات (بالمليار).
ثالثاً: مخطط انسيابي مبسط للوضع المالي والنقدي رابعاً: تحديات التمويل والمستقبل الاقتصادييثير الوضع المالي والاقتصادي الحالي تساؤلات جوهرية حول قدرة الدولة على تمويل مشاريع إعادة الإعمار والتنمية، سواء في غرب البلاد أو شرقها. الخيارات المطروحة تبدو محفوفة بالمخاطر:
زيادة الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي: قد توفر إيرادات إضافية على المدى القصير، لكنها تزيد من تكلفة الاستيراد وتغذي التضخم، مما يؤثر سلباً على القوة الشرائية للمواطنين. مزيد من تخفيض قيمة الدينار: سيؤدي إلى تدهور أكبر في قيمة العملة المحلية، وارتفاع مستويات التضخم بشكل حاد، وزيادة الأعباء المعيشية. هذا الحل يعتبر بمثابة ضريبة تضخمية يتحملها الجميع. الاقتراض من المركزي (التمويل بالعجز): يعتبر من أخطر الخيارات، حيث يؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية دون غطاء إنتاجي حقيقي، مما يسبب تضخماً جامحاً (Hyperinflation) ويفقد الثقة في العملة والاقتصاد ككل. النظرية النقدية الكمية (Quantity Theory of Money: MV=PY) تشير إلى أن زيادة المعروض النقدي (M) دون زيادة مماثلة في الناتج الحقيقي (Y)، مع ثبات سرعة دوران النقود (V)، ستؤدي حتماً لارتفاع مستوى الأسعار (P).قدرة البنك المركزي على الإيفاء بالتزامات تمويلية ضخمة إضافية دون تبعات وخيمة على الاستقرار النقدي والاقتصادي هي محل شك كبير.
خامساً: توصيات ومقترحات (في ضوء التحليل)يتطلب الوضع الحالي حزمة متكاملة من الإصلاحات الهيكلية والسياسات المالية والنقدية الرشيدة. بناءً على التحديات المذكورة، يمكن اقتراح التوجهات التالية:
إصلاح المالية العامة: تنويع مصادر الإيرادات غير النفطية بشكل حقيقي ومستدام. ترشيد الإنفاق العام، خاصة في بند المرتبات ودعم المحروقات. الالتزام بمبدأ تخصيص إيرادات ضريبة مبيعات النقد الأجنبي. إدارة النقد الأجنبي: وضع سياسات واضحة لترشيد الاستيراد. تعزيز الشفافية في استخدامات النقد الأجنبي ومكافحة تهريبه. تشجيع الصادرات غير النفطية. إصلاحات هيكلية: تحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمار. وضع خطة متكاملة لإصلاح دعم الطاقة. ربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل. الاستقرار السياسي والأمني: توحيد المؤسسات وإنهاء الانقسام.إن تجاهل هذه المؤشرات الخطيرة وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة سيعقد المشاكل بشكل أكبر. الحلول تتطلب إرادة سياسية قوية ورؤية اقتصادية شاملة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.