الجديد برس|

مع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، باتت الولايات المتحدة، التي لطالما اعتُبرت قوة عظمى لا تقهر، تظهر وكأنها الحلقة الأضعف في المواجهة الإقليمية الحالية. فبعد بدء عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر، تجلت حقيقة نفوذها الضعيف وتفوق المقاومة على دعاية القوة الأمريكية التي سُوِّق لها لعقود.

كشف الهجوم عن ضعف كبير في الاستراتيجيات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية، حيث فشلت واشنطن في مواجهة الهجوم المفاجئ وأظهرت قصر نظرها في أهم مناطق نفوذها. تصاعدت الضغوطات بعد “طوفان الأقصى”، وكشفت الأسابيع التي تلتها عن مزيد من نقاط الضعف الأمريكية، مما جعلها تبدو كما لو كانت قوة تذوب بسرعة.

لم تكن هذه الأحداث مجرد دعاية أو تضليل، بل كانت انعكاسًا للواقع الذي فرضته المقاومة على الساحة العربية والإسلامية. في الوقت الذي كانت فيه الأساطيل الأمريكية تستهدف بالصواريخ والطائرات المسيرة، كانت قواعدها في سوريا والعراق تتعرض لقصف مستمر، مما أدى إلى انهيار استراتيجية “العصا والجزرة” التي استخدمتها واشنطن سابقًا.

بدأت دول مثل السعودية، التي كانت تعتمد على الحماية الأمريكية، في تجاهل عروض التسليح والتهديدات الأمريكية. في المقابل، بدأت دول أخرى، كانت عاجزة عن مواجهة النفوذ الأمريكي، تستخدم ورقة اليمن وقوى المقاومة كوسيلة للضغط على واشنطن، مما أدى إلى تآكل النفوذ الأمريكي في المنطقة.

تُظهِر التطورات الأخيرة أن حلفاء واشنطن، بما في ذلك الدول الغربية التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، أصبحوا يعيدون تقييم استراتيجياتهم. سحب بعض الدول الغربية لبوارجها من البحر الأحمر وتزايد التوتر الإقليمي يوضح كيف أصبحت الولايات المتحدة وحيدة في مواجهتها، تتخبط في محاولة معرفة توقيت الهجمات المقبلة.

في النهاية، تواجه الولايات المتحدة احتمال فقدان نفوذها بشكل كامل إذا استمرت المواجهة وتوسعت أكثر، حيث تبرز التحديات العسكرية والدبلوماسية في الشرق الأوسط كعقبات خطيرة لمكانتها العالمية.

المصدر: الجديد برس

إقرأ أيضاً:

الضربة الأمريكية لإيران: شريعة الغاب بإحداثيات جديدة!

 

 

 

د. أحمد يوسف **

 

في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، ساد اعتقاد واسع- تبنّاه المنظّر الأمريكي فرانسيس فوكوياما- بأن العالم قد دخل مرحلة "نهاية التاريخ"؛ حيث تتفرد الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي سياسيًا وعسكريًا، وتكرّس الليبرالية الغربية بوصفها النموذج المنتصر والأوحد للبشرية.

هذا التفرد الأمريكي لم يكن مُجرّد لحظة قوة عابرة؛ بل مشروع هيمنة ممتد، قام على مزيج من العسكرة، وتصدير القيم الغربية، والضغط الاقتصادي، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط. غير أن الضربة الأمريكية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية إيرانية- في ذروة التصعيد الإقليمي عقب السابع من أكتوبر 2023- تعكس ليس فقط توجهًا عدوانيًا في السياسة الخارجية الأمريكية، بل أيضًا ارتباكًا في بوصلة الهيمنة التقليدية، ومحاولة يائسة لاستعادة هيبة تتهاوى في زمن التحولات الجيوسياسية الكبرى.

الضربة العسكرية الأمريكية لا يمكن قراءتها في معزل عن البيئة الاستراتيجية المتغيرة؛ فبعيدًا عن الادعاءات المتعلقة بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، تكشف الضربة عن منطق "الردع الفوضوي" الذي تلجأ إليه واشنطن حين تشعر أن زمام السيطرة بدأ يفلت من يدها، في ظل صعود قوى مناوئة، وتنامي محور المقاومة الذي تتصدره طهران.

وشكَّل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحظة فاصلة في السياسة الأمريكية؛ فقد كان أول رئيس يرسم قطيعة حقيقية بين واشنطن والعالم؛ سواء عبر انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، أو تمزيقه لتحالفات عابرة للقارات، أو انحيازه الكامل لأقصى يمين المؤسسة الصهيونية. لقد بدأ ترامب كتابة الفصل الأول من نهاية التفرد الأمريكي، لا فقط عبر سلوك سياسي انعزالي، بل حين ربط شعاره "أمريكا أولًا" بشعار "إسرائيل أولًا"، في ازدواجٍ أضرّ بمصالح واشنطن وفتح أبواب المغامرة دون حساب.

كما وصف البروفيسور جيفري ساكس بدقة، فإن سياسة ترامب "تدور في فلك أجندة نتنياهو"، ما جعل من أمريكا لاعبًا تابعًا للرؤية الأمنية الصهيونية، لا صانعًا لمعادلات الاستقرار في المنطقة.

وفي العقود التي تلت سقوط الاتحاد السوفيتي، زرعت أمريكا قواعدها في الخليج، وفرضت نماذج حكم تابعة، واحتكرت أدوات الردع الإقليمي. غير أن انسحابها الفوضوي من العراق وأفغانستان كان كفيلًا بتقويض صورة "القوة التي لا تُهزم"، وأدى إلى حالة انكشاف أخلاقي واستراتيجي لمشروع الهيمنة.

وفي هذا الفراغ، برزت إيران كقوة صاعدة، تقود تحالفًا يضم فواعل من لبنان إلى اليمن، وتشكل حالة "تمرد سيادي" على التبعية الأمريكية، ما جعلها العدو الطبيعي لإسرائيل ومن يقف خلفها.

وقد شكَّل هجوم 7 أكتوبر 2023 لحظةً فاصلة في تاريخ الصراع، فقد ضربت المقاومة الفلسطينية العمق الإسرائيلي بطريقة لم تشهدها المؤسسة الأمنية الصهيونية منذ عقود.  لقد أصيبت أسطورة الردع بانهيار مُدَوٍ، وبدأت التساؤلات في الداخل الإسرائيلي: من نحن حقًا؟ وما مستقبلنا في هذه المنطقة؟ هنا، تدخلت أمريكا لإعادة التوازن، وأكدت مرة أخرى أن إسرائيل دون الدعم الأمريكي لا تساوي شيئًا.

لكن هذا التدخل، لم يضف إلى هيبة أمريكا، بل كشف اعتماد "الكيان الصهيوني" على حماية أجنبية، بما يقوّض أي أمل في قبوله كجزء طبيعي من المنطقة.

في المقابل، يُفاقِمُ صعود اليمين الديني المتطرف في إسرائيل الأزمة، إذ إن هذه الحكومة الإسرائيلية لم تعد تمارس احتلالًا عسكريًا فحسب، بل تمضي في مشروع إحلالي يستند إلى سرديات دينية متطرفة، ترسم للمنطقة مصيرًا كارثيًا إذا تُرك لها الحبل على الغارب.

للأسف، فبدلًا من كبح واشنطن جماح هذا التطرف، أصبحت شريكة فيه، وداعمة له عسكريًا وسياسيًا.

وعلى الرغم من التهديدات والضربات، تبدو إيران -بما تملكه من صلابة داخلية وحلفاء إقليميين- أقرب إلى البعث كقوة إقليمية فاعلة، من إسرائيل التي تستنزفها الحروب، وتخسر معركة القبول الشعبي، رغم كل اتفاقيات التطبيع التي تُفرض بالعصا الأمريكية.

فحتى لو تمَّ التطبيع مع بعض الأنظمة، تبقى الشعوب في المنطقة رافضة لهذا الكيان، وترى فيه كيانًا غريبًا قائمًا على النكبة والدمار، ولا مستقبل له في أي مشروع تعايش حقيقي بالمنطقة.

الضربة الأمريكية لإيران، وكل ما يرافقها من تبريرات، ليست سوى تأكيد أن منطق "شريعة الغاب" لا يزال يحكم النظام الدولي، ولكن بإحداثيات جديدة؛ لم تعد أمريكا اللاعب الأوحد، ولا العالم متفرجًا صامتًا؛ فالمعادلات تتغير، والأقطاب تتعدد، وما من ضربة تُشَن إلا وتفتح احتمالات جديدة للصراع... واليقين الذي يترسخ اليوم أكثر من أي وقت مضى، هو أن الهيمنة الأمريكية لم تعد قدرًا لا يُرد، ولا التفوق الإسرائيلي أمرًا لا يُمَس.

الأيام دول تتقلب في فلك يدور.. "وتلك الأيام نداولها بين الناس".

 

** مستشار سابق لرئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية

مقالات مشابهة

  • واشنطن تراقب تهديدات إيرانية.. ماذا يجري داخل الولايات المتحدة؟
  • عاجل| أردوغان: التوتر العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل عرض منطقتنا لمخاطر جدية
  • كم كلفت الضربة الأمريكية التي أنهت الحرب بين إيران والاحتلال؟ (أرقام)
  • دبلوماسى لبنانى سابق: إيران حاولت توجيه رسالة دون جر الولايات المتحدة إلى معركة شاملة
  • سيناريوهات رد الولايات المتحدة على إيران بعد استهداف القواعد الأمريكية
  • الضربة الأمريكية لإيران: شريعة الغاب بإحداثيات جديدة!
  • الضربة الأمريكية لإيران.. فشل الردع وعودة مُحتملة للدبلوماسية
  • تحذير مرعب من واشنطن بعد قصف النووي: "ابقوا في منازلكم".. والأنظار تتجه إلى قطر
  • هل ترد إيران على الولايات المتحدة؟
  • الولايات المتحدة تكشف عن تكتيك جديد في ضرب المنشآت النووية الإيرانية