ترامب يوقف حرب غزّة.. خطة سلام أم فخّ لإعادة رسم الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 12th, October 2025 GMT
مقدمة: بين هدنةٍ إنسانية ومشروعٍ سياسيٍّ مموّه
بعدَ عامين من انطلاقِ طوفانِ الأقصى، وعام كاملٍ من الحربِ المدمِّرة في قطاعِ غزّة، خرجت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لتطرح ما وُصف بأنه خطة شاملة لوقف الحرب.
الخطة التي كشفت عنها قناة الجزيرة تتضمّن بنودا تنفيذية دقيقة تبدأ بوقف إطلاق النار خلال 72ساعة، وتنتهي بتسليم الأسرى وفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية، لكنها في الجوهر تتجاوز البعد الإغاثي لتلامس قلب المعادلة السياسية في المنطقة.
فهذه الخطة ليست مجرّد مبادرة إنسانية عابرة، بل مشروع لإعادة ترتيب البيت الشرق أوسطي وفق الرؤية الأمريكية الجديدة التي يسعى ترامب إلى ترسيخها كإرثٍ سياسيٍّ في ولايته الثانية والأخيرة.
أولا: ملامح الخطة ومضامينها العميقة
تقوم "خطة ترامب لوقف الحرب في غزة" على ثلاث ركائز رئيسة:
1- هدنة قصيرة الأمد تستمرّ 72 ساعة لتهيئة الانسحاب الإسرائيلي من محيط القطاع.
2- تبادل متزامن للأسرى والمعلومات بين حماس وإسرائيل، بإشراف الصليب الأحمر ووساطة مصرية وقطرية.
3- فتح شامل للمعابر وإدخال المساعدات بما لا يقلّ عن 600 شاحنة يوميا، وإطلاق مشاريع عاجلة لإزالة الركام وإعادة تشغيل محطات الكهرباء والمياه.
ظاهريا، يبدو الأمر إنسانيا بحتا؛ غير أنّ المتعمق في نصوص الوثيقة يلحظ أنّها تمهّد لمرحلة جديدة من إدارة الصراع لا إنهائه، عبر تدويلٍ مدروس للقطاع، يُمكّن واشنطن من إعادة الإمساك بخيوط اللعبة الإقليمية بعد سنواتٍ من الارتباك في عهدَي أوباما وبايدن.
ثانيا: خلفيات القرار الأمريكي ودلالاته
يُدرك ترامب أنّ استمرار الحرب أضعف صورة الولايات المتحدة عالميا، وعمّق الفجوة بين واشنطن وحلفائها العرب، كما زاد من نفوذ محور موسكو-بكين-طهران في الشرق الأوسط، لذلك سعى إلى تثبيت حضور أمريكا كقوة ضابطة، ليس عبر السلاح بل عبر إدارة ما بعد الحرب.
فهو لا يسعى إلى "سلامٍ دائم" بالمعنى الكلاسيكي، بل إلى هدوءٍ قابلٍ للتحكم، يسمح له بإعادة بناء التحالفات العربية على قاعدة المصالح الأمنية والاقتصادية المشتركة، مع إبقاء السيطرة الأمريكية على مفاتيح التمويل والإعمار.
بهذا، تحاول واشنطن أن تُظهر نفسها كمنقذٍ من الأزمة، بينما تُبقي جذور الصراع حيّة لتظلّ المنطقة بحاجةٍ دائمةٍ إلى إشرافها السياسي والعسكري.
ثالثا: إسرائيل بين انسحابٍ ميدانيٍّ وفشلٍ استراتيجيٍّ
من الجانب الإسرائيلي، تمثل الخطة اعترافا غير معلنٍ بالعجز عن تحقيق الحسم العسكري.
فبعد عامين من طوفان الأقصى، لم تتمكّن تل أبيب من القضاء على البنية العسكرية للمقاومة، رغم الدمار الهائل الذي خلّفته في القطاع.
الانسحاب التدريجي من محيط غزة ليس نصرا تكتيكيا، بل إعادة تموضعٍ اضطرارية تحت غطاء الاتفاق الأمريكي.
إسرائيل خرجت من الحرب مثقلة بالخسائر البشرية والاقتصادية وبانقسامٍ داخليٍّ متفاقم، وهي اليوم تبحث عن مخرجٍ يحفظ ماء وجهها دون أن تعترف بالهزيمة صراحة.
رابعا: الدور العربي والإقليمي في إدارة ما بعد الهدنة
الخطة أعادت رسم الأدوار الإقليمية بوضوح:
- مصر استعادت موقعها المحوري كوسيطٍ رئيسيٍّ، مع ضماناتٍ أمريكية بإدارة مشتركة لمعبر رفح وتشغيله في الاتجاهين.
- قطر عادت إلى واجهة التمويل الإنساني والسياسي للقطاع.
- تركيا تترقّب مساحة المشاركة في الإعمار وفي ترتيبات الأمن البحري والجوي، خصوصا في ظلّ تزايد ثقة واشنطن بقدراتها في ضبط التوازنات.
لكنّ الأهم هو أنّ الشعوب العربية والإسلامية لم تعد متلقية صامتة؛ فالمزاج الشعبي الرافض للاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين قد يشكّل ضغطا متزايدا على الأنظمة الرسمية، وربما يمهّد لمرحلة جديدة من الصحوة السياسية والإيمانية تعيد ترتيب أولويات المنطقة.
خامسا: المقاومة الفلسطينية.. الرقم الصعب في كل المعادلات
رغم الحصار والدمار، أثبتت المقاومة أنّها الرقم الذي لا يمكن تجاوزه. فهي لم تنهزم عسكريا، بل نجحت في استنزاف الجيش الإسرائيلي وفرض معادلة "الردّ بالردّ" حتى اللحظة الأخيرة. كما أنّها اليوم أمام اختبارٍ جديد: كيف تُحافظ على تماسكها العسكري والسياسي داخل هدنةٍ قد تُستغلّ لإعادة هندسة القطاع؟
ومهما كان حجم الضغوط، يبقى أنّ أيّ اتفاقٍ لا يضمن سيادة الشعب الفلسطيني على أرضه ومقدّراته سيكون هشّا ومؤقتا، ذلك لأن المقاومة لا تستمدّ شرعيتها من رعاية الخارج، بل من نبض الشارع ودماء الصمود الممتدّة منذ عقود.
سادسا: الاحتمالات المستقبلية
1- تهدئة قابلة للتمديد: إذا نجح تنفيذ الاتفاق الإنساني، قد تتحوّل الهدنة إلى مسارٍ سياسيٍّ جديد يعيد ترتيب العلاقة بين الفصائل الفلسطينية والمجتمع الدولي.
2- عودة التصعيد: أيّ خرقٍ إسرائيلي أو محاولةٍ لتقويض المقاومة قد تُعيد إشعال الميدان بسرعة أكبر.
3- إدارة دولية للقطاع: احتمال تشكيل قوّة رقابية أو عربية- دولية لإدارة غزّة مؤقتا، وهو خيارٌ يحمل في طيّاته الكثير من الحساسية.
4- صحوة شعبية عربية وإسلامية: الاحتمال الأكثر تفاؤلا، حيث تُعيد الجماهير فرض القضية الفلسطينية على جدول السياسات الإقليمية، وتكسر احتكار القوى الكبرى لرسم مستقبل المنطقة.
خاتمة: الهدنة ليست قدرا مقدورا
إنّ خطة ترامب لوقف حرب غزة لا ينبغي أن تُقرأ كقَدَرٍ محتومٍ لا يُمكن دفعه، بل كاختبارٍ جديدٍ لإرادة الشعوب وقدرة المنطقة على صياغة مستقبلها بيدها. فما يجري في فلسطين ليس مسألةَ "سلامٍ عادل" ولا "تسويةٍ مقبولة"، بل نضالٌ طويلٌ من أجل التحرير الشامل للأراضي الفلسطينية المحتلة.
الشعب الفلسطيني لا يقبلُ بأقلّ من استعادةِ كامل حقوقه الوطنية والسيادية، ويؤمنُ أنَّ الكيانَ المحتلَّ مصيره إلى زوالٍ لا محالة. والهدنةُ، إن وُفِّقَت، يجب أن تكون بوابة لإطلاقِ مسارٍ يضمنُ الكرامةَ والعودةَ والحريةَ، لا حصارا سياسيا يمهّد لإدارةٍ مؤقتةٍ تُبقي الاحتلال في صورٍ أخرى. فالتاريخ لا يُكتَب باتفاقياتِ الورق، بل بإرادة الشعوب وصمودِها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء ترامب خطة الحرب غزة غزة حرب خطة ترامب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ملك البحرين: اتفاق غزة يوم للسلام في الشرق الأوسط والعالم
أكد العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه لإنهاء الحرب في غزة هو يوم للسلام في الشرق الأوسط والعالم، إذ يفتح آفاقا جديدة أمام شعوب المنطقة للعيش بأمن واستقرار.
وأعرب العاهل البحريني عن عميق شكره وامتنانه لدونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، على جهوده الدؤوبة ومبادراته الداعمة لمسار السلام في الشرق الأوسط، ورعايته المباشرة لهذا الاتفاق التاريخي الذي يعكس حرص الولايات المتحدة على إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء البحرينية.
وشدد حمد بن عيسى آل خليفة، على موقف مملكة البحرين الثابت والداعم لاتفاق إنهاء الحرب في غزة، إيمانًا منها بأن السلام هو الخيار الاستراتيجي والسبيل الأمثل لتحقيق التنمية والازدهار لشعوب المنطقة.
وأكد التزام أطراف النزاع بهذا الاتفاق وتحملهم مسؤولية تنفيذه، منوهاً بالجهود الكبيرة التي بذلها الوسطاء ودورهم الحيوي في تهيئة الأجواء وإيجاد أرضية مشتركة قادت إلى هذا الإنجاز التاريخي الذي من شأنه أن يرسخ ثقافة الحوار ويعزز التعاون الدولي.