وسط تدهور الاقتصاد العالمي.. كيف تستمر روسيا في تحقيق النمو رغم العقوبات؟
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
- تقرير نشرته مجلة "ذا إيكونوميست" وترجمته "الاقتصاد نيوز"
تتصاعد، في جميع أنحاء العالم، المخاوف بشأن الاقتصاد، ففي أمريكا وكندا، معدل البطالة على ارتفاع، بينما تظل معنويات المستهلكين منخفضة. أمّا أوروبا فلا تزال على شفا ركود. بينما الوضع الاقتصادي في الصين يسوء. ومع ذلك، هناك مكان واحد حيث الأمر مختلف تماماً.
هذا العام، من المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي الروسي بأكثر من 3% بالأسعار الحقيقية، أسرع من 95% من البلدان الغنية.
وفقاً للبنك المركزي الروسي، فقد "زاد النشاط الاقتصادي بشكل كبير" في شهري مايو ويونيو. وتشير قياسات النشاط "المحدثة آنياً"، بما في ذلك واحدة نشرتها "جولدمان ساكس المصرفية"، إلى أن الاقتصاد يتسارع.
وتقترب البطالة قريبة من أدنى مستوياتها على الإطلاق. أمّا الروبل فهو في حالة جيدة.
على الرغم من أن التضخم مرتفع جداً، في يونيو ارتفعت الأسعار بنسبة 8.6% مقارنة بالعام السابق وهو أعلى بكثير من هدف البنك المركزي البالغ 4%، ولكن مع نمو الدخل النقدي بنسبة 14% مقارنة بالعام السابق، إلا أن القوة الشرائية للروس ترتفع بسرعة. ويشعر الروس، بالمقارنة مع معظم الآخرين، بالرضا عن الاقتصاد.
ومنذ أن تولى فلاديمير بوتين السلطة في عام 2000، ارتفعت "ثقة المستهلك"، كما تقيسها وكالة الإحصاء الروسية، إلى ما هو أعلى بكثير من متوسط معدلها الطبيعي.
قد يشك البعض أن بوتين قد قام بتضخيم الأرقام، إلا أن مركز "ليفادا"، وهو مؤسسة استطلاعات مستقلة، وجد الأرقام مطابقة بشكل مذهل. وبالنظر إلى التأريخ القريب، فقط مرة واحدة في الثلاثين عاماً الماضية كانت معنويات المستهلكين أعلى. وفقاً للبيانات الرسمية، فقد قفزت ثقة الروس في وضعهم المالي الخاص إلى أعلى مستوى على الإطلاق مؤخراً. إنهم الآن أكثر ميلاً للقيام بمشتريات كبيرة، مثل سيارة أو أريكة، بينما المطاعم ممتلئة.
ووفقاً لتقديرات "ذا إيكونوميست" في العام الماضي، استورد الروس 18% أكثر من الكونياك(وهو مشروب كحولي) مقارنةً بعام 2019، بينما أنفقوا 80% أكثر على واردات النبيذ الفوار.
بينما تلاحظ "سبيربانك"، أكبر مؤسسة مالية في روسيا، أن الإنفاق الاستهلاكي الإجمالي قد ارتفع بنسبة 20% مقارنة بالعام السابق بالأسعار الاسمية في يونيو.
البيانات الأخيرة تتناقض بشكل حاد مع بيانات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في ذلك الوقت، كانت الإنتاجية والدخول تتأرجح بين النمو ببطء أو عدم النمو على الإطلاق. وبحلول عام 2018، لم تكن الأجور الحقيقية أعلى من عام 2012. شعر الناس بالإحباط. لتأتي بعدها،في عام 2014، جولة من العقوبات، التي أطلقتها دول الغرب ضد روسيا بعد أن ضم بوتين شبه جزيرة القرم، لتضيف المزيد من الإحباط. ولم يقفِ الأمر على هذا فحسب، إذ ساهمت، سياسة مالية تقشفية غير اعتيادية شملت زيادةً في الضرائب وتقليصاً للإنفاق، وجائحة كوفيد-19، وجولة أخرى جديدة من العقوبات الغربية المفروضة في عام 2022 رداً على غزو بوتين الشامل لأوكرانيا، في زيادة مصاعب الروس المالية.
ما الذي يفسر التحول؟ من المغري أن ننسب الفضل إلى الصادرات الروسية. إذ تمكن بوتين من تحويل المواد الهيدروكربونية التي كانت مخصصة لأوروبا إلى أجزاء أخرى من العالم. الأثرياء الروس، والشركات التي يديرونها، يحققون الآن نتائج أفضل مما كان يخشى في بداية الحرب. إلا أنه في الواقع، فإن أداء روسيا الأخير في الصادرات ليس شيئاً يستحق الكتابة عنه. فأسعار النفط أقل من بضع سنوات مضت. ففي الربع الأول من عام 2024، كان إجمالي قيمة الصادرات الروسية الفعلية أقل بنسبة 4% بالدولار مقارنة بنفس الفترة في عام 2023 - وأقل بمقدار الثلث عن عام 2022.
لفهم تسارع الاقتصاد الروسي، ينبغي النظر إلى جانبين من السياسة الاقتصادية الكلية:
الأول هو السياسة المالية، إذ تخلى بوتين عن التقشف. ففي هذا العام، ستسجل روسيا عجزاً في الميزانية بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مبلغ كبير بمعاييرها، وتمول ذلك إلى حد كبير من خلال سحب جزء كبير من احتياطياتها المالية الضخمة، التي تراكمت خلال عقد 2010.
في الواقع، إن روسيا كانت تضم القرش الأبيض تحسباً لليوم الأسود. فقد ارتفعت النفقات الحكومية الإجمالية بمعدل متوسط قدره 15% في عامي 2022 و2023، ومن المتوقع تحقيق زيادة أقل قليلاً هذا العام.
يكرس الوزراء جزءاً كبيراً من هذه النفقات الإضافية للحرب في أوكرانيا، حيث تشير البيانات الصادرة عن "بنك فنلندا" إلى أن الإنفاق العسكري سيرتفع بنحو 60% هذا العام، مما يعزز إنتاج الأسلحة والذخائر، ويضع أيضاً المال في جيوب الناس.
في يوليو، ضاعف بوتين المكافأة الفيدرالية لأولئك الذين يتطوعون للقتال من 195,000 روبل (2,200 دولار) إلى 400,000 روبل، والتي يُفترض أن تضيفها السلطات الإقليمية. كما تلتزم الحكومة بمبالغ ضخمة كتعويضات لعائلات الذين قُتلوا في المعارك.
وتجاوزت صرفيات روسيا ما يتعلق بالحرب. إذ يقوم بوتين بصرف الأموال على المدفوعات الاجتماعية: ففي يونيو، رفع معاشات التقاعد لبعض المستفيدين بنسبة تقارب 10%. كما تنفق الحكومة مبالغ كبيرة على البنية التحتية، بما في ذلك طريق سريع من قازان إلى يكاترينبرج، وهما مدينتان تبعدان 450 ميلاً (729 كم) عن بعضهما البعض. وفي الواقع، تنفق الحكومة على كل ما يخطر ببالها. إذ تفاخر ميخائيل ميشوستين، رئيس الوزراء، مؤخراً بمشروع حكومي لدفع تكاليف عطلات الأطفال في شبه جزيرة القرم.
أمَّا السبب الثاني للأداء الاقتصادي القوي لروسيا فهو يتعلق بالسياسة النقدية غير العادية التي تنتهجها. إذ رفع البنك المركزي، من أجل مواجهة التضخم المرتفع، أسعار الفائدة من 7.5% إلى 18%، وقد تكون هناك زيادات أخرى في الطريق. أدى هذا إلى تقوية الروبل من خلال جذب الاستثمار الأجنبي من دول "صديقة" مثل الصين والهند، مما يقلل من تكلفة الواردات وبالتالي التضخم.
كما أدى إلى تشجيع الناس على الادخار، مما يقلل من الإنفاق الاستهلاكي. ففي ظروف الاقتصاد الطبيعي، كانت أسعار الفائدة المرتفعة ستؤذي الأسر والشركات المثقلة بالديون، حيث ترتفع تكلفة سداد الديون، إلا أن الحكومة قامت تقريباً بحماية الاقتصاد الحقيقي من السياسة النقدية الشديدة.
توجد هناك مجموعة محيرة من المخططات. في وقت سابق من هذا العام، سهلت الحكومة على المستهلكين تعليق سداد القروض، طالما أنهم يمكنهم إثبات أن دخلهم قد انخفض أو أنهم "تأثروا بحالة طارئة". بينما قدمت البنوك قروضَ عطلات للجنود في أوكرانيا. وحافظ برنامج الرهن العقاري، الذي تم إغلاقه مؤخراً، على أسعار الفائدة ثابتة عند 8%، أقل من نصف سعر الفائدة الحالي. ووجه برنامج "الرهن الصناعي" القروض إلى الشركات بأسعار تصل إلى 3% سنوياً. هناك أيضاً ضغط على البنوك لعدم رفع الأسعار كثيراً. وعندما يخسر القطاع المالي الدخل نتيجة لذلك، غالباً ما تعوض الدولة الفرق.
تؤدي هذه التدخلات إلى آثار واضحة. وفقاً للبيانات الرسمية، في الربع الأول من عام 2024، أنفقت الأسر 11% من دخلها القابل للتصرف على سداد الديون - تقريباً نفس النسبة كما في عام 2021، عندما كانت أسعار الفائدة أقل بكثير. في العام الماضي، ارتفعت أسعار الفائدة التي تواجهها الأسر والشركات، لكن بمقدار نصف الزيادة في سعر الفائدة الأساسي. الاقتراض الجديد في صحة جيدة، حيث إن قروض الشركات تنمو بأكثر من 20% سنوياً. بينما نما الاقتراض الاستهلاكي غير المضمون، منذ غزو روسيا لأوكرانيا، بمعدل سريع جداً، تقريباً بقدر نمو الأجور الاسمية.
كم من الوقت يمكن أن يستمر هذا الاقتصاد المتسارع؟ محاولات بوتين لتخفيف زيادات أسعار الفائدة ستؤدي إلى ارتفاع التضخم أكثر، واستمراره لفترة أطول مما كان سيكون عليه خلاف ذلك. قد يبدأ الناس في الغضب من ارتفاع تكلفة المعيشة. كما لا يمكنه الاستمرار بإبقاء العجز في الميزانية إلى الأبد. بالأسعار الحالية، ستُستنفد احتياطيات روسيا المالية في غضون خمس سنوات تقريباً؛ وفي الوقت نفسه، تواجه الحكومة تكاليف اقتراض مرتفعة. ولكن في الوقت الحالي، لدى بوتين حرب ليفوز بها. وهكذا يستمر التصاعد.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار أسعار الفائدة هذا العام إلا أن فی عام
إقرأ أيضاً:
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
عمر سيد أحمد
العقوبات من واشنطن إلى الخرطوم… ما بين الحساب والعقابفي 24 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عزمها فرض عقوبات صارمة على السودان بموجب “قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991”، وذلك بعد تأكيد استخدام الحكومة السودانية لأسلحة كيميائية في عام 2024، في خرق صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تُعد السودان طرفًا فيها.
القرار، الذي سُلِّم إلى الكونغرس الأميركي مرفقًا بتقرير يؤكد “عدم امتثال السودان”، يُمهّد لتطبيق حزمة من التدابير العقابية، تشمل حظر الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية، وتقييد الصادرات، وتجميد الأصول. ومن المتوقع أن تدخل هذه العقوبات حيّز التنفيذ في أو حوالي 6 يونيو 2025، عقب نشرها في السجل الفيدرالي الأميركي.
ورغم أن هذه العقوبات تأتي ردًا على خروقات خطيرة للقانون الدولي، فإن توقيتها في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي شامل، وتوسع المجاعة والنزوح، يطرح تساؤلات أخلاقية واستراتيجية حول فاعليتها وجدواها، ومدى تأثيرها الفعلي على النخبة الحاكمة مقارنة بما تلحقه من أضرار مباشرة بحياة المواطنين واقتصاد الدولة.
تجربة السودان السابقة مع العقوبات (1997–2020)بين عامي 1997 و2020، خضع السودان لعقوبات أميركية شاملة فرضت عليه عزلة اقتصادية ومصرفية خانقة، بتهم دعم الإرهاب واحتضان تنظيمات متطرفة. طالت العقوبات المؤسسات الحكومية والمالية، وحرمت السودان من:
استخدام النظام المصرفي العالمي المرتبط بالدولار. استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر أو التمويلات الإنمائية. التحديث التكنولوجي والاتصال بأسواق المال.أدت هذه العقوبات إلى تدهور البنية الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، وهروب الكفاءات ورؤوس الأموال. ورغم الرفع التدريجي للعقوبات في 2017، إلا أن استمرار وضع السودان على قائمة الإرهاب حتى أواخر 2020 أعاق أي تعافٍ جاد، خصوصًا مع تعاقب الأزمات السياسية والانقلابات والحرب الأخيرة.
العقوبات الجديدة – البنود والتوقيتالعقوبات الأميركية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، جاءت كرد مباشر على ما وصفته واشنطن بـ”استخدام موثّق للأسلحة الكيميائية من قبل حكومة السودان”. وتشمل:
حظر التعاملات بالدولار الأميركي. تجميد أصول الحكومة والشخصيات المتورطة. منع الشركات الأميركية من تصدير تقنيات أو منتجات للسودان. حرمان السودان من الوصول إلى التمويل الأميركي أو الدولي المدعوم أميركيًا، خصوصًا عبر خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية.ما يضاعف من أثر هذه العقوبات هو هشاشة الوضع الداخلي، حيث يخوض السودان واحدة من أسوأ حروبه الأهلية، وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة المدنية.
ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية المباشرة خروج فعلي من النظام المالي العالميالسودان اليوم شبه معزول عن النظام المالي العالمي، ومع تنفيذ هذه العقوبات، ستفقد البنوك السودانية القدرة على:
فتح الاعتمادات المستندية لشراء السلع. تنفيذ التحويلات البنكية الرسمية. التعامل مع المؤسسات الوسيطة في التجارة الخارجية.هذا يعني عمليًا إغلاق باب التجارة القانونية، وتوجيه كل النشاطات نحو السوق السوداء أو التهريب.
تهديد الأمن الغذائي والدوائيمع صعوبة الاستيراد الرسمي، تتراجع واردات القمح، الدواء، الوقود، والأدوية المنقذة للحياة. ويؤدي ذلك إلى:
نقص حاد في الإمدادات الأساسية. تضاعف الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة التأمين والنقل. توسّع الفجوة في الخدمات الصحية. ضياع موارد الدولة من الذهبفي ظل غياب الرقابة وازدهار اقتصاد الظل، يُقدّر حجم الذهب السوداني المُهرّب بأنه يفوق 50 إلى 80% من الإنتاج السنوي. وقدرت الخسائر من التهريب خلال العقد الماضي بما بين 23 و36 مليار دولار. العقوبات الحالية تدفع بهذا المورد نحو مزيد من التهريب، وتُفقد الدولة فرصة استثمار أكبر كنز نقدي تملكه.
تعميق أزمة سعر الصرفكل هذه التطورات تؤدي إلى:
تسارع تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار. تزايد التضخم المفرط. انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. رابعًا: من يدفع الثمن؟رغم أن العقوبات تستهدف النظام السياسي والعسكري، إلا أن من يدفع الثمن فعليًا هو المواطن العادي:
العامل الذي فقد وظيفته بسبب توقف المصنع عن الاستيراد. المزارع الذي لا يجد سمادًا ولا وقودًا. المريض الذي لا يحصل على دواء. التاجر الذي يُجبر على التعامل عبر السوق السوداء. خامسًا: العقوبات كأداة سياسية – فعالة أم عقوبة جماعية؟تاريخيًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات الأنظمة القمعية. بل كثيرًا ما زادت من تماسكها عبر:
خطاب “الحصار الخارجي”. عسكرة الاقتصاد. قمع المعارضة بحجة الطوارئ.وفي السودان، حيث الاقتصاد منهار أصلًا، ستدفع العقوبات الناس نحو مزيد من الفقر واليأس، دون ضمان أن تؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام.
سادسًا: أهمية وقف الحرب فورًاالعقوبات في حد ذاتها خطيرة، لكن الحرب تجعلها كارثية. فكل يوم يستمر فيه القتال:
يُفقد السودان مزيدًا من موارده. ينهار الأمن الغذائي. يتوسع النزوح والدمار.وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا للخروج من هذه الدوامة. فبدون وقف إطلاق النار، لا يمكن التفاوض، ولا يمكن الإصلاح، ولا يمكن للعالم أن يستجيب لدعوات تخفيف العقوبات.
الآثار المتوقعة على إعادة الإعمار بعد الحربمن أبرز التداعيات الخطيرة للعقوبات الأميركية المرتقبة أنها ستُقوّض بشدة فرص إعادة الإعمار بعد الحرب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية. إذ أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة – من طرق ومرافق وخدمات عامة – تتطلب تمويلات ضخمة، لا يمكن تغطيتها من الموارد المحلية وحدها، خصوصًا في ظل الانهيار الكامل للإيرادات العامة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. وبما أن العقوبات تشمل حظر الوصول إلى التمويل الأميركي وخطوط الائتمان، فإنها تحرم السودان من أي فرص واقعية للحصول على قروض ميسّرة، أو دعم من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى من شركات مقاولات عالمية. كما أن استمرار العقوبات يُعزّز مناخ عدم الثقة في السودان كبيئة استثمارية، ما يدفع المستثمرين للابتعاد عنه، ويطيل أمد العزلة الاقتصادية، وبالتالي يُجمّد أي مسار حقيقي نحو التعافي والتنمية بعد الحرب.
خاتمة: بين المحاسبة والإنقاذالعقوبات الأميركية على السودان تُعبّر عن موقف دولي حازم ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنها في سياق حرب داخلية وانهيار اقتصادي، تتحول إلى عقوبة جماعية تهدد بقاء الدولة ذاتها. المطلوب اليوم ليس فقط التعامل مع العقوبات، بل تغيير المسار السياسي والاقتصادي كاملاً.
وذلك يتطلب:
وقف الحرب فورًا. تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية. إصلاح شامل للقطاع المالي والمؤسسي. الشروع في مفاوضات مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات تدريجيًا مقابل التزامات واضحة بالسلام والشفافية.فالعالم لن يستثمر في بلد يحكمه الرصاص والتهريب، ولن يخفف عقوبات ما لم يرَ إرادة حقيقية للتغيير. والسودان، برغم الجراح، لا يزال يملك فرصة – لكنها تضيق كل يوم.
* خبير مصرفي ومالي وتمويل
مايو 2025
الوسومالإنقاذ الحرب الخرطوم السودان العقوبات الأمريكية على السودان القطاع المالي والمؤسسي النظام المالي العالمي سعر الصرف عمر سيد أحمد واشنطن