الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: التشكيك في السيرة النبوية (3)
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
بدأ تدوين السيرة منذ عهد الصحابة الكرام، وقد ذكرنا شيئاً من أدلة ذلك، ونقلنا فى هذا الصدد قول سيدنا عبدالله بن عباس رضى الله عنهما: كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار فأسألهم عن مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رضى الله عنه يأتى الصحابى الجليل أبا رافعٍ رضى الله عنه فيقول: ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ ومعه ألواح يكتب فيها.
وهذا تدوين خاص بسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان لسيدنا ابن عباس رضى الله عنه تلاميذ من بلدان وأقطار مختلفة نقلوا كُتبه عنه، وقرأوها عليه، وانتشرت عنهم فى الأمصار.
ولم يكن هو وحده القائم بهذا الأمر، فقد رَوى أصحابُ السِّير ما يدل على أن الصحابى الأنصارى سيدنا سَهْلَ بن أبى حَثْمَة رضى الله عنه كان له كتاب يفيدون منه، فقد كان حفيده محمد بن يحيى بن سهل يروى قائلاً: «وجدت فى كتب آبائى»، وهذا دليل على أن جده الصحابى ووالده التابعى كان لهما مصنفات يرجعُ إليها العلماء بالسيرة النبوية.
بل اهتم الصحابة الكرام بجمع ما كتبه صلى الله عليه وسلم من وثائق للجهات المختلفة وهى تُمثّل تأريخاً لبعض الكتابات النبوية الكريمة، حتى إن أول مجموع للوثائق النبوية -كما قال الدكتور محمد حُميد الله- قد جمعه الصحابى الجليل سيدنا عمرو بن حزم رضى الله عنه، حيث جمع من هذه الوثائق بضعة وعشرين كتاباً كتبَها النبى صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى كتابٍ أرسلَه به صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن، فكان هذا أول مجموعة لبعض الوثائق النبوية، وقد نُقِلَ مجموع هذه الوثائق جِيلاً فجيلاً حتى وصلَ إلينا، أليس يُعدُّ هذا ضرباً دقيقاً من ضروبِ توثيق السيرة العطرة؟!
هذا بخلاف ما كتبه الصحابة الكرام لأنفسهم من صحف تضمنت سُنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى بهذا تضمنت قدراً ما من سيرته العطرة، وذلك كصُحُف وكُتب سيدنا عبدالله بن عمرو بن العاص، وسيدنا سعد بن عُبادة، وسيدنا جابر بن عبدالله، وسيدنا عبدالله بن أبى أَوْفَى، وسيدنا سَمُرة بن جُندب، وسيدنا أبى رافع، وسيدنا أبى موسى الأشعرى.. وغيرهم من الصحابة الكرام رضى الله عنهم، فكل هذه الكتب -وغيرها كثير- تُعدُّ مصادر مبكرة وموثقة للسنة والسيرة معاً.
ثم قام بالتأليف فى خصوص السيرة النبوية جيل التابعين، وهو الجيل الذى أدرك جيل الصحابة وأخذ عنهم، ومن هذا الجيل أبناء الصحابة أنفسهم، فمِمن ألف كتاباً فى السيرة النبوية عروةُ بن الزبير (ت 93هـ)، وجدير بالذكر أن كتابه فى السيرة قد دخل مصر عن طريق تلميذه أبى الأسود محمد بن عبدالرحمن.
كما ألَّف فيها أبان بن عثمان بن عفان (ت 105هـ)، وكذلك كان للشَّعْبى (ت 103هـ) كتاب فى المغازى كان يقرأ منه ومرّ بمجلسه وهو يقرأ سيدُنا عبدالله بن عمر رضى الله عنهما فقال: كأنه كان شاهداً معنا.
وهذا القول من سيدنا ابن عمر رضى الله عنهما يُعدُّ توثيقاً لهذا الكتاب فى السيرة العطرة؛ فقد سمع روايته الدقيقة للأحداث وكأنه كان حاضراً معهم فيها وليس مجرد ناقل لها عنهم. وممن كان لهم كتب فى السيرة النبوية أيضاً شرحبيل بن سعد (ت 123هـ).
وهؤلاء أخذوا عن الصحابة الكرام وعن مصنفاتهم؛ وقد تميزت مصنفات هذا الجيل بالوثاقة لأمور:
أولها: أنهم رووا عن الصحابة الذين عاشوا هذه السيرة المباركة وكانوا جزءاً منها.
ثانيها: أنهم أخذوا عن أكثر من صحابى، ومن شأن تعدد هذه الروايات أن يُعضّد [أى: يقوى] بعضها بعضاً، كما أن هذا من شأنه أن يجعل روايتهم أكثر شمولاً لأن كل صحابى سيحدثهم بما رآه وحضره من أحداث ووقائع وغزوات.
ثالثها: أن بعض كتبهم هذه نُسخ وعُرف وكان يُقرأ فى مجالس العلم تحت سمع وبصر الصحابة الكرام وبمحضر منهم كما رأينا فلم ينكروا منه شيئاً، وهذا شهادة ضمنية بصحة ما فى هذه الكتب.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مجالس العلم الصحابة الكرام رسول الله صلى الله علیه وسلم السیرة النبویة الصحابة الکرام رضى الله عنه عبدالله بن
إقرأ أيضاً:
د.حماد عبدالله يكتب: مصر والمصريون !!
هذا البلد الأمين ،الجميل، المتفرد فى مزاياه، وأيضًا المتفرد فى عيوبه، هذا البلد العظيم لا يمكن أن يختلف عليه أحد من المحللين بأنه رسخت فيه الأصول الطيبة وإلتصقت بأهله صفات الشعوب اللصيقة بأرضها، والمحبة والعاشقة لتراثها وترابها !!
هذا البلد (مصر) الإيمان فيه بالعقائد راسخ، ولم يتغير هذا البلد ولم يستطع غازى أن يغزوه بثقافته أو بتقاليده، أو ينزع عن أهله خواصهم وتميزهم !!.
هذا البلد حينما جائه "الإسكندر الأكبر" غازيًا، تدين بدين أهله!!، وذهب إلى معبد أمون فى واحة سيوة لكى يعلن نفسه خادمًا "للإله أمون" !
و حينما جائه "داريوس" ومساعده "قمبيز" غُزَاهْ" من "بلاد الفرس" قبل ألف عام قبل الميلاد، ذهبا إلى "الخارجة" عاصمة الوادى الجديد لكى ينشئا معبد (هيبس) ويتعبدوا فيه لألهة المصريين!!.
و حينما جائه "نابليون" غازيًا، ناداه المصريون بعد كفاحهم ضد الإحتلال الفرنسى بأنه مسلم، وحتى قائده (كليبر) والذى قتله سليمان الحلبى فى القاهرة كان يَدّعَى الإسلام.
و عندما إقترب "روميل" قائد قوات "هتلر" من صحراء العلمين من "القاهرة" إستعد المصريون بتسمية (هتلر) الشيخ (محمد هتلر)، نكاية فى الإستعمار الإنجليزى المحتل للبلاد !!
و لعل المصريون الذين رزقوا بأطفال فى هذه الفترة قد أطلقوا عليهم إسم "هتلر"، وأشهر من سمى فى هذه الحقبة الزمنية هو المرحوم اللواء / هتلر طنطاوى رئيس الرقابة الإدارية الأسبق!!.
هكذا هذا البلد يذيب كل من يغزوه ويُلْبِسه ثقافته وتقاليده.
و لعل مجئ "عمرو بن العاص" على رأس الحملة التى فتحت "مصر"، وإنقاذ المصريون من إضطهاد الرومان، وأعطى "أقباط مصر" حقوقهم وأعاد لهم حق الحياه فوق الأرض، بعد أن كانوا هاربين فى صحراوات "مصر" كلها حتى وصلوا إلى واحة (الخارجة) وأنشأوا مدينة (القبوات) وهى ما تعرف اليوم بأثار (البجوات) القبطية الشهيرة على يد "الأنبا أثناسيوس الأول "
جاء "عمرو بن العاص" إلى مصر بتكليف واضح وشديد الصراحة من أمير المؤمـنين "عمر بن الخطاب"، أهل "مصر" هم خير أجناد أهل الأرض،كما قال عنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، "ومصر" هى البلد الوحيد المذكور فى القراّن الكريم أكثر من ثلاثة عشر مرة، وأهل "مصر"، أهدى رسول الله "زوجته" أم ولده الوحيد "إبراهيم" السيدة "ماريا القبطية"، "ومصر" هى بلد السيدة " هاجر" زوجة رسول الله "إبراهيم "هكذا جاء "عمرو بن العاص" بتوصية "بسأهل مصر" من خليفة رسول الله ووصايا الرسول قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى هذا البلد العظيم محروس بإرادة الله عز وجل !! ولن يضار أبدًا !!
[email protected]