طهران- بخلاف عناوين الأخبار المتصدرة، مرّر المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي تصريحات رسم من خلالها ملامح العقيدة الدفاعية لبلاده في هذه المرحلة التي يسيطر عليها ترقب الرد الإيراني على إسرائيل بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في العاصمة طهران.

ورأى المرشد في كلمته، بحضور العديد من عائلات الشهداء، أن "العدو" يسعى بالحرب النفسية إلى خلق حالة من الخوف والتراجع.

وقال إنه وفقا لتفسير القرآن الكريم فإن "التراجع غير التكتيكي" في أي مجال سواء كان عسكريا أو سياسيا أو دعائيا أو في المجال الاقتصادي "يؤدي إلى غضب الله". وفي الوقت نفسه، أكد أن التراجع أحيانا يكون تكتيكيا، وفي بعض الأحيان يكون تطويرا لتكتيك ما، "ولا حرج في ذلك".

ولم يأتِ هذا التصريح خفيف الوطأة على أرض سياسية وإعلامية ملغومة؛ فقد فسّره بعضهم بأنه إجازة للتراجع من أجل مصالح البلاد ومنفعة الشعب، بمعنى أن إيران قد لا ترد، أو ربما هو تبرير لسيناريو الرد الذي قررته طهران إن لم يأت بحجم التوقعات. ويجيء هذا التفسير في وقت تتوعد فيه إيران وحلفاؤها إسرائيل برد قاسٍ.

وداخليا، تصدّرت أقوال المرشد عناوين الإعلام المقرب من التيار الإصلاحي، بينما لم يتعامل معها الإعلام المحافظ بالأهمية ذاتها، بل حاول تهميش التفسير الإصلاحي الذي عدّه "تهدئة للأوضاع وتهيئة للرد المحدود".

الحرب خارج الحدود

وكان كبير مستشاري المرشد للشؤون العسكرية يحيى رحيم صفوي قد صرح سابقا بأن "علينا زيادة عمق دفاعنا الإستراتيجي.. والدفاع عن بلادنا خارج حدودنا..". وبيّن أن "عمق دفاعنا الإستراتيجي هو البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وعلينا أن نزيده بمقدار ٥ آلاف كيلومتر".

وتعدّ العقيدة الدفاعية الإيرانية مكوّنا أساسيا في إستراتيجيات الأمن القومي الإيراني، وتعكس مجموعة من المبادئ والتوجهات التي تتبعها إيران في تطوير سياساتها العسكرية والدفاعية. وتتشكل هذه العقيدة في ظل بيئة إقليمية ودولية متغيرة، وتستند إلى مجموعة من العوامل التاريخية، والجغرافية، والدينية التي تؤثر على إدراك إيران للتهديدات والفرص.

وبدراسة هذه العقيدة، يمكن فهم كيفية استعداد إيران للدفاع عن سيادتها وأمنها القومي، وذلك من خلال التركيز على:

تطوير قدرات الردع العسكري. وتبنّي إستراتيجيات دفاعية متعددة الجوانب تشمل الحرب غير التقليدية. والاكتفاء الذاتي في الصناعات الدفاعية مثل الصواريخ والمسيّرات. وكذلك تعزيز نفوذها الإقليمي، ورسم خط حليف لها ممتد من حدودها إلى "حدود العدو".

ومن ثم، يعدّ فهم هذه العقيدة أمرا حيويا لتحليل السياسات الإيرانية وتقييم استقرار المنطقة وتأثيرات هذه السياسات على الأمن الإقليمي والدولي.

"المرونة التكتيكية"

ويرى أستاذ العلاقات الدولية مصطفى نجفي أن تصريحات المرشد بشأن التراجع التكتيكي جزء من إستراتيجية إيران العسكرية والأمنية الوطنية في العقود الأربعة الماضية، أي منذ الثورة الإسلامية. والمعنى الذي كشفت عنه تصريحات المرشد -حسب نجفي- هو المرونة التكتيكية دون التراجع الإستراتيجي في أساسيات الصراع.

وبيّن نجفي -في حديثه للجزيرة نت- أن العقيدة الدفاعية العسكرية الإيرانية تتضمن المبادئ الآتية:

تجنب التدخل المباشر في الصراعات وإشعال الحروب. أولوية الدفاع بدلا من الهجوم. تعزيز الردع الدفاعي.

وأوضح المحلل أن إيران حاولت في العقود الأربعة الماضية جعل هذه المبادئ أساسا لعملية صنع القرار ونموذجا لسلوكها. وقال إن إيران تُعدّ "جهة مرنة تكتيكيا"، وهي بذلك "تتمتع بمهارة خاصة في القدرة على التكيّف مع أي موقف وأي صراع".

وخلص نجفي إلى أن هذه المرونة تنعكس في بعض الصراعات في إعطاء الأولوية للدفاع، وفي أخرى للهجوم بأشكال مختلفة.

صورة تجمع الرئيس الإيراني مسعود بزكشيان والشهيد إسماعيل هنية في شوارع طهران (الأناضول) مبدأ الردع

ومن جانب آخر، رأى الباحث السياسي كيان عبد اللهي أن العقيدة الدفاعية للمرشد تستند إلى الآية (60) من سورة الأنفال بالقرآن الكريم، والمكتوبة أيضا على شعار الحرس الثوري، وهي" وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرينَ مِن دونِهِم لا تَعلَمونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم ۚ وَما تُنفِقوا مِن شَيءٍ في سَبيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمونَ".

وعلى أساس هذه الآية، يعتقد الباحث -في حديثه للجزيرة نت- أن عقيدة المرشد الدفاعية تقوم على مبدأ "الردع". و"الردع، بطبيعة الحال، لا يعني الحرب الاستباقية التي يستخدمها الغربيون، وخاصة الأميركيين، مبررا لعدوانهم على البلدان الأخرى، بل عقيدة الردع التي تنفي العدوان على أي دولة أخرى" كما يقول.

ويقول عبد اللهي إن تجربة الجمهورية الإسلامية تظهر أن إيران لم تقم بغزو أي دولة عسكريا، ومع ذلك تحافظ على قوتها العسكرية عالية بما فيه الكفاية وتلتزم بمبادئها الأساسية "إلى حد أنه لا يوجد بلد لديه الشجاعة لشن عدوان عسكري على إيران".

واستنادا إلى عقيدة المرشد الدفاعية، فإن الدفاع لا يقتصر على المجال العسكري فحسب، "بل يجب سدّ كل ثغرة ومجال يتيح إمكانية سيطرة العدو على شعب إيران وأرضها"، برأي عبد اللهي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

طهران وحدها في الأزمات: لماذا غابت روسيا والصين عن نصرة إيران؟

لا يثق المسؤولون الصينيون بالقيادة الدينية الإيرانية، وينظرون إليها على أنها "انتهازية ومبالغة في ردود أفعالها، وغير مستقرة في تحالفاتها الخارجية". اعلان

رغم ما قد يبدو تحالفًا متماسكًا بين إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية، إلا أن الأيام العصيبة التي عاشتها طهران مؤخرًا تحت وقع الضربات الجوية الإسرائيلية والأمريكية، كشفت عن هشاشة هذا المحور.

فإيران التي مدت موسكو بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية في حربها ضد أوكرانيا، وصدّرت نفطها إلى بكين بأسعار تفضيلية، وجدت نفسها وحيدة في لحظات حاسمة، دون دعم فعلي من "حلفائها" المفترضين.

عندما توسلت روسيا دعم حلفائها الثلاثة—الصين، كوريا الشمالية، وإيران—في غزوها لأوكرانيا، علت أصوات التحذير في الغرب من تشكّل محور جديد مناهض للولايات المتحدة. لكن الوقائع الميدانية أكدت أن هذا المحور يفتقر إلى الروابط الحقيقية التي تجمع بين الحلفاء التقليديين.

المواجهة مع إسرائيل

فخلال تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، وقيام القوات الأمريكية باستهداف مواقع إيرانية حساسة، اكتفت موسكو وبكين ببيانات تنديد لفظي، دون أن تقدّما أي دعم مادي أو عسكري.

وكما أوضح ألكسندر غابوييف، مدير مركز كارنيغي للشؤون الروسية والأوراسية ليورونيوز، فإن "كل واحدة من هذه الدول تتجنب الانخراط في حروب الأخرى"، مؤكداً أن ما يجمعها ليس مؤسسات أو قيم مشتركة، كما هو حال التحالفات الغربية، بل فقط معارضة مشتركة للهيمنة الأمريكية.

Relatedمن "البيجر" إلى الاغتيالات.. كيف مهّد يوسي كوهين الطريق لاختراق حزب الله وإيران؟80 ألف شركة مهددة بالإغلاق.. كيف أثقلت المواجهة مع إيران كاهل الشركات الصغيرة في إسرائيل؟

صحيح أن هذه الدول الأربعة تشترك في عداء تاريخي للولايات المتحدة، وتسعى لخرق العقوبات الغربية من خلال التعاون الاقتصادي وتبادل التقنيات العسكرية، إلا أن تنسيقها السياسي والعسكري لا يزال هشًا، إن لم يكن غائبًا.

رأى مايكل كيمج، أستاذ التاريخ والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، أن هذه الدول تشارك فقط في "حوار المعادين لواشنطن"، دون أن تتوصل إلى تنسيق عملي عميق، مشيرًا إلى أن التحالف، كما يُفهم تقليديًا، لا ينطبق عليها.

ومن بين هذه الدول، وحدها روسيا وكوريا الشمالية تجمعهما اتفاقية دفاع مشترك. إذ أرسلت بيونغ يانغ أسلحة وألوف الجنود لدعم موسكو في أوكرانيا، في استعادة لتحالف قديم تعود جذوره للحرب الكورية (1950-1953)، التي شهدت كذلك مشاركة الصين.

تحالفات ظرفية

أما العلاقات الصينية الروسية، فهي الأمتن من بين هذا "المحور"، وتعززت قبل الغزو الروسي لأوكرانيا بإعلان "شراكة بلا حدود". ومع ذلك، فإن بكين لا تزال حذرة، ملتزمة بعدم إرسال مساعدات عسكرية مباشرة لموسكو، في وقت تستمر فيه بشراء النفط الروسي وتزويد الصناعات الدفاعية الروسية بمواد حيوية.

في المقابل، لا يجمع بين طهران وموسكو سوى التحالفات الظرفية. العامل الديني يبقى حاضراً بقوة في توتير العلاقة، حيث تنظر الأنظمة العلمانية في روسيا والصين وكوريا الشمالية بعين الشك إلى الثيوقراطية الإيرانية.

تعبير عن ذلك جاء على لسان المؤرخ سيرجي رادتشينكو، الذي قال: "لا يجمعهم شيء سوى الخطاب عن نظام عالمي متعدد الأقطاب"، مضيفًا أن بوتين نفسه قلل من أهمية الشراكة مع طهران حين أشار إلى أن علاقاته مع إسرائيل والدول العربية أكثر أهمية.

من جهتها، كانت الصين مراقبًا صامتًا خلال التوترات الإيرانية الإسرائيلية. فبينما دعا الرئيس شي جين بينغ إلى "خفض التصعيد"، لم تذهب بكين أبعد من ذلك، مفضّلة الحياد حفاظًا على علاقاتها المتنامية مع خصوم إيران في الخليج العربي.

Relatedأول ظهور علني للمرشد الإيراني علي خامنئي منذ انتهاء الحرب مع إسرائيلرسائل "تلغرام" وعروض مالية.. وثائق تكشف كيف جنّدت إيران جواسيس داخل إسرائيل

فالصين، التي رعت اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران في مارس 2023، تحرص على لعب دور الوسيط لا المنخرط. وهي توازن بدقة بين تحالفها الاقتصادي مع إيران وعلاقاتها الحيوية مع السعودية والإمارات. فالمنطقة مصدر رئيسي لوارداتها النفطية، وأي حرب واسعة قد تضر بمصالحها الاستراتيجية.

في هذا السياق، رأى الباحث إنريكو فارديلا أن الصين تتعامل بحذر مع صراعات الشرق الأوسط، منتظرة لحظة الحسم لتعرف من الطرف القوي في المعادلة، سواء كان دولة أو ميليشيا.

أما الباحثة يون سون، من معهد ستيمسون، فرأت أن مصطلح "المحور" لا يزال قائمًا من منظور فكري وأيديولوجي، حتى لو غاب التنسيق العسكري. فالصين زودت إيران بالتكنولوجيا النووية والصاروخية، وموّلت روسيا، وأبقت كوريا الشمالية على قيد الحياة اقتصاديًا.

لكنها في الوقت ذاته، تُبقي إيران في دائرة الحذر. إذ لا يثق المسؤولون الصينيون بالقيادة الدينية الإيرانية، وينظرون إليها على أنها "انتهازية ومبالغة في ردود أفعالها، وغير مستقرة في تحالفاتها الخارجية".

هكذا، تتضح حدود "محور الممانعة"، ليس فقط في غياب الدفاع المشترك، بل في تضارب المصالح، وتباين الأيديولوجيات، وغياب الثقة. تحالف قائم على معاداة الغرب، لا أكثر.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • المرشد الإيراني يدعو ترامب للاستثمار في طهران
  • مستشار المرشد الإيراني: "آلاف الصواريخ والمسيّرات جاهزة والعدو لم يرَ كل قوتنا بعد"
  • طهران وحدها في الأزمات: لماذا غابت روسيا والصين عن نصرة إيران؟
  • سويسرا تمثل مجددا المصالح الأميركية في إيران
  • سويسرا تعيد فتح سفارتها في إيران
  • إيران: لا مفاوضات مع أميركا حالياً .. وترمب: سأبحث الملف مع نتنياهو بواشنطن
  • حرب الـ12 يوما.. ما التغييرات التي طرأت على إيران بعد الهجوم الإسرائيلي؟
  • إيران تحذر: أي عدوان إسرائيلي جديد سيقابل برد "عقابي يشل إسرائيل"
  • ترامب: إيران لم توافق على التفتيش والتخلي عن تخصيب اليورانيوم
  • ما الذي سيغري إيران بالعودة للمفاوضات مع واشنطن؟