لا يثق المسؤولون الصينيون بالقيادة الدينية الإيرانية، وينظرون إليها على أنها "انتهازية ومبالغة في ردود أفعالها، وغير مستقرة في تحالفاتها الخارجية". اعلان

رغم ما قد يبدو تحالفًا متماسكًا بين إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية، إلا أن الأيام العصيبة التي عاشتها طهران مؤخرًا تحت وقع الضربات الجوية الإسرائيلية والأمريكية، كشفت عن هشاشة هذا المحور.

فإيران التي مدت موسكو بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية في حربها ضد أوكرانيا، وصدّرت نفطها إلى بكين بأسعار تفضيلية، وجدت نفسها وحيدة في لحظات حاسمة، دون دعم فعلي من "حلفائها" المفترضين.

عندما توسلت روسيا دعم حلفائها الثلاثة—الصين، كوريا الشمالية، وإيران—في غزوها لأوكرانيا، علت أصوات التحذير في الغرب من تشكّل محور جديد مناهض للولايات المتحدة. لكن الوقائع الميدانية أكدت أن هذا المحور يفتقر إلى الروابط الحقيقية التي تجمع بين الحلفاء التقليديين.

المواجهة مع إسرائيل

فخلال تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، وقيام القوات الأمريكية باستهداف مواقع إيرانية حساسة، اكتفت موسكو وبكين ببيانات تنديد لفظي، دون أن تقدّما أي دعم مادي أو عسكري.

وكما أوضح ألكسندر غابوييف، مدير مركز كارنيغي للشؤون الروسية والأوراسية ليورونيوز، فإن "كل واحدة من هذه الدول تتجنب الانخراط في حروب الأخرى"، مؤكداً أن ما يجمعها ليس مؤسسات أو قيم مشتركة، كما هو حال التحالفات الغربية، بل فقط معارضة مشتركة للهيمنة الأمريكية.

Relatedمن "البيجر" إلى الاغتيالات.. كيف مهّد يوسي كوهين الطريق لاختراق حزب الله وإيران؟80 ألف شركة مهددة بالإغلاق.. كيف أثقلت المواجهة مع إيران كاهل الشركات الصغيرة في إسرائيل؟

صحيح أن هذه الدول الأربعة تشترك في عداء تاريخي للولايات المتحدة، وتسعى لخرق العقوبات الغربية من خلال التعاون الاقتصادي وتبادل التقنيات العسكرية، إلا أن تنسيقها السياسي والعسكري لا يزال هشًا، إن لم يكن غائبًا.

رأى مايكل كيمج، أستاذ التاريخ والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، أن هذه الدول تشارك فقط في "حوار المعادين لواشنطن"، دون أن تتوصل إلى تنسيق عملي عميق، مشيرًا إلى أن التحالف، كما يُفهم تقليديًا، لا ينطبق عليها.

ومن بين هذه الدول، وحدها روسيا وكوريا الشمالية تجمعهما اتفاقية دفاع مشترك. إذ أرسلت بيونغ يانغ أسلحة وألوف الجنود لدعم موسكو في أوكرانيا، في استعادة لتحالف قديم تعود جذوره للحرب الكورية (1950-1953)، التي شهدت كذلك مشاركة الصين.

تحالفات ظرفية

أما العلاقات الصينية الروسية، فهي الأمتن من بين هذا "المحور"، وتعززت قبل الغزو الروسي لأوكرانيا بإعلان "شراكة بلا حدود". ومع ذلك، فإن بكين لا تزال حذرة، ملتزمة بعدم إرسال مساعدات عسكرية مباشرة لموسكو، في وقت تستمر فيه بشراء النفط الروسي وتزويد الصناعات الدفاعية الروسية بمواد حيوية.

في المقابل، لا يجمع بين طهران وموسكو سوى التحالفات الظرفية. العامل الديني يبقى حاضراً بقوة في توتير العلاقة، حيث تنظر الأنظمة العلمانية في روسيا والصين وكوريا الشمالية بعين الشك إلى الثيوقراطية الإيرانية.

تعبير عن ذلك جاء على لسان المؤرخ سيرجي رادتشينكو، الذي قال: "لا يجمعهم شيء سوى الخطاب عن نظام عالمي متعدد الأقطاب"، مضيفًا أن بوتين نفسه قلل من أهمية الشراكة مع طهران حين أشار إلى أن علاقاته مع إسرائيل والدول العربية أكثر أهمية.

من جهتها، كانت الصين مراقبًا صامتًا خلال التوترات الإيرانية الإسرائيلية. فبينما دعا الرئيس شي جين بينغ إلى "خفض التصعيد"، لم تذهب بكين أبعد من ذلك، مفضّلة الحياد حفاظًا على علاقاتها المتنامية مع خصوم إيران في الخليج العربي.

Relatedأول ظهور علني للمرشد الإيراني علي خامنئي منذ انتهاء الحرب مع إسرائيلرسائل "تلغرام" وعروض مالية.. وثائق تكشف كيف جنّدت إيران جواسيس داخل إسرائيل

فالصين، التي رعت اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران في مارس 2023، تحرص على لعب دور الوسيط لا المنخرط. وهي توازن بدقة بين تحالفها الاقتصادي مع إيران وعلاقاتها الحيوية مع السعودية والإمارات. فالمنطقة مصدر رئيسي لوارداتها النفطية، وأي حرب واسعة قد تضر بمصالحها الاستراتيجية.

في هذا السياق، رأى الباحث إنريكو فارديلا أن الصين تتعامل بحذر مع صراعات الشرق الأوسط، منتظرة لحظة الحسم لتعرف من الطرف القوي في المعادلة، سواء كان دولة أو ميليشيا.

أما الباحثة يون سون، من معهد ستيمسون، فرأت أن مصطلح "المحور" لا يزال قائمًا من منظور فكري وأيديولوجي، حتى لو غاب التنسيق العسكري. فالصين زودت إيران بالتكنولوجيا النووية والصاروخية، وموّلت روسيا، وأبقت كوريا الشمالية على قيد الحياة اقتصاديًا.

لكنها في الوقت ذاته، تُبقي إيران في دائرة الحذر. إذ لا يثق المسؤولون الصينيون بالقيادة الدينية الإيرانية، وينظرون إليها على أنها "انتهازية ومبالغة في ردود أفعالها، وغير مستقرة في تحالفاتها الخارجية".

هكذا، تتضح حدود "محور الممانعة"، ليس فقط في غياب الدفاع المشترك، بل في تضارب المصالح، وتباين الأيديولوجيات، وغياب الثقة. تحالف قائم على معاداة الغرب، لا أكثر.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل غزة حركة حماس دونالد ترامب فلسطين تغير المناخ إسرائيل غزة حركة حماس دونالد ترامب فلسطين تغير المناخ إيران روسيا حروب الصين النزاع الإيراني الإسرائيلي هجوم إسرائيل غزة حركة حماس دونالد ترامب فلسطين تغير المناخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عاشوراء سوريا الصحة إيران بشار الأسد هذه الدول

إقرأ أيضاً:

د. منال إمام تكتب: رموز غابت عن سمائنا لكنها خالدة في وجدان الزمان

في لفتة وفاء غير مسبوقة في تاريخ وزارة الخارجية، وبمبادرة كريمة من معالي الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية، نظّمت الوزارة يوم 10 ديسمبر 2025 احتفالية وطنية بقصر التحرير لتكريم نخبة رفيعة من رموز الدبلوماسية المصرية الذين كرّسوا حياتهم لخدمة الوطن وأسهموا بعلمهم وخبرتهم في ترسيخ مكانة مصر الإقليمية والدولية وتعزيز دورها المحوري في محيطها العربي والأفريقي والدولي.
جاء التكريم تقديرًا لمسيرة طويلة من العطاء الدبلوماسي، شملت وزراء وقامات بارزة شكّلوا أعمدة السياسة الخارجية المصرية للدولة المصرية، وفي مقدمتهم:
محمود فوزي
يُعد محمود فوزي مؤسس الدبلوماسية المصرية الحديثة وأول وزير خارجية في العهد الناصري، وقد تميّز بحنكة سياسية فائقة وحضور دولي مؤثر، أسهم من خلاله في ترسيخ شخصية مصر الدبلوماسية وبناء تقاليد مهنية راسخة ما زالت تشكّل مرجعًا للعمل الخارجي حتى اليوم.
محمود رياض
مثّل محمود رياض أحد أعمدة الدبلوماسية المصرية وصانعًا رئيسيًا للعمل العربي المشترك، حيث اضطلع بدور محوري في تعزيز التضامن العربي وترسيخ العمل المؤسسي في مرحلة بالغة الدقة من التاريخ العربي.
محمد مراد غالب
كان الدكتور محمد مراد غالب مهندس العلاقات المصرية–السوفيتية وقناة الاتصال الأساسية بين الرئيس جمال عبد الناصر والقيادة السوفيتية، وأدار بمهارة واحدة من أكثر العلاقات الدولية تعقيدًا وحساسية خلال حقبة الحرب الباردة.
محمد حسن الزيات
اضطلع الدكتور محمد حسن الزيات بدور محوري في الإعداد الدبلوماسي والسياسي لنصر أكتوبر، حيث أسهم في تأمين الغطاء الدولي للقرار العسكري المصري والحفاظ على سرية الخطط الاستراتيجية في مواجهة القوى الكبرى.
إسماعيل فهمي
جسّد إسماعيل فهمي نموذج الدبلوماسي المتزن الذي قدّم المصلحة الوطنية على أي اعتبار، مفاوض قوي وعُرف بصلابته المهنية وحكمته السياسية خلال حرب أكتوبر.
محمد إبراهيم كامل
عُرف محمد إبراهيم كامل بالنزاهة والتمسك الصارم بالمبادئ، ورغم قصر فترة توليه وزارة الخارجية، ترك أثرًا سياسيًا عميقًا بموقفه الرافض لاتفاقية كامب ديفيد، إلى جانب تاريخه النضالي ضد الاحتلال البريطاني.
مصطفى خليل
يُعد الدكتور مصطفى خليل رجل دولة بارزًا شغل منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية لفترة وجيزة، وكان أحد مهندسي المفاوضات التي أفضت إلى توقيع اتفاقية السلام المصرية–الإسرائيلية، مؤديًا دورًا مهمًا في مرحلة مفصلية من تاريخ مصر.
كمال حسن علي
جمع كمال حسن علي بين الخبرة العسكرية الرفيعة والعمل الدبلوماسي، وبرز كنموذج فريد للتكامل بين الشجاعة العسكرية ورجاحة الفكر السياسي، وتميّز أداؤه بالانضباط والقدرة على بناء الثقة مع القوى الدولية.
عصمت عبد المجيد
تميّز الدكتور عصمت عبد المجيد بنهجه الهادئ والمتزن في إدارة الملفات العربية والدولية، حيث شغل منصب وزير الخارجية ثم الأمين العام لجامعة الدول العربية، وأسهم بحكمته في التعامل مع قضايا إقليمية بالغة التعقيد.
بطرس بطرس غالي
ترك الدكتور بطرس بطرس غالي بصمة مصرية خالدة على الساحة الدولية، حيث مثّل نموذجًا للدبلوماسي العالمي، وأسهم في تعزيز الحضور المصري داخل المنظمات الدولية من خلال فكره العميق وخبرته الواسعة.
أحمد ماهر
كان أحمد ماهر من أبرز الدبلوماسيين المصريين المعاصرين، وتولى وزارة الخارجية بين عامي 2001 و2004، بعد مسيرة طويلة شغل خلالها مناصب رفيعة، وأسهم بخبرته في إدارة علاقات مصر الدولية في مرحلة دقيقة.
نبيل العربي
جسّد الدكتور نبيل العربي صوت القانون الدولي والدبلوماسية الهادئة، حيث شغل منصب وزير الخارجية والأمين العام لجامعة الدول العربية، وعُرف بدفاعه الصلب عن الحقوق العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
أسامة الباز
يُعد الدكتور أسامة الباز أحد العقول الاستراتيجية البارزة في الدبلوماسية المصرية، وأسهم بفكره العميق وخبرته الطويلة في دعم عملية صنع القرار السياسي وخدمة المصلحة الوطنية العليا.
وشهدت الاحتفالية حضورًا رفيع المستوى من كبار المسؤولين ووزراء الخارجية السابقين والشخصيات العامة، إلى جانب أسر المكرّمين، في مشهد عكس عمق التقدير والعرفان لعطائهم الوطني. وأكد وزير الخارجية في كلمته أن هذا التكريم يجسّد اعتزاز الدولة بإرث هؤلاء الرواد، ويشكّل مدرسة مهنية وإنسانية تهتدي بها الأجيال المقبلة، مشددًا على التزام الوزارة بمواصلة البناء على هذا الإرث الراسخ في خدمة الأمن القومي والمصالح العليا للدولة.
واختُتمت الفعالية بعروض توثيقية لمسيرات المكرّمين، وتكريم أسرهم، وافتتاح متحف يضم مقتنياتهم، تأكيدًا على أن هذا الاحتفاء ليس استذكارًا للماضي فحسب، بل تجديدٌ للعهد على مواصلة المسيرة بذات الإخلاص والانضباط والوفاء لمصر.

طباعة شارك وزارة الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية

مقالات مشابهة

  • عمرو أديب: المجتمع لن ينجو بالحصافة وحدها.. نحتاج رحمة في المرتبات
  • د. منال إمام تكتب: رموز غابت عن سمائنا لكنها خالدة في وجدان الزمان
  • لماذا عدّلت طهران أجندة اجتماع أفغانستان؟ ولماذا غابت حكومة كابُل؟
  • واشنطن تعترض شحنة عسكرية صينية لتسليح صواريخ إيران
  • اعتراف نادر.. كيم جونج أون يكشف المهمة السرية لقوات كوريا الشمالية في روسيا
  • القوات الأميركية تصادر شحنة عسكرية متجهة إلى إيران من الصين
  • أمريكا تصادر سفينة مغادرة من الصين تحمل معدات عسكرية إلى إيران
  • محددات العلاقة بين إيران والمقاومة: قراءة في خطاب ظريف حول الهوية الوطنية للفصائل
  • بزشكيان: عازمون على تنفيذ الاتفاقية الشاملة بين إيران وروسيا
  • إيران تطلق 3 أقمار اصطناعية جديدة من قاعدة روسية وسط توتر مع الغرب