الوعي بـ المقامات فنًّا عربيًّا أصيلًا!
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
(1)
تعرضنا في حلقةٍ سابقة من حلقات (مرفأ قراءة) إلى كتاب "حديث عيسى بن هشام" الذي كتبه المويلحي أحد كتاب عصر النهضة العربية الحديثة، وصدر في أواخر القرن التاسع عشر. شغل هذا الكتابُ الناس والنقاد وما زال يحتل مكانة تأسيسية في تاريخ نشأة الأنواع الأدبية، خاصة أنه مثَّل محاولة أصيلة لاستلهام شكل المقامة التراثي مع تطعيمه بعناصر من السرد الروائي والقصصي الحديث.
ولهذا لم يكن مستغربًا أن يحظى كتاب "حديث عيسى بن هشام" للمويلحي، بكل ما حظي به من اهتمام نقدي، للدرجة التي خصصت فيها الكتب والدراسات والأطروحات لتحليله وفحصه بطرائق نقدية شتى.
وكان بديهيا أن يلتفت الأدباء ودارسو الأدب والنقاد إلى شكل "المقامة" العربية الأصيل الذي وضعه بديع الزمان الهمذاني، لأول مرة، بشكله الذي نعرفه والذي ذاع وانتشر في أرجاء العالم العربي والإسلامي منذ القرن الرابع الهجري وحتى القرون المتأخرة، ومنها إلى استلهامه في الأدب العربي الحديث.
وأتصور أنه مع الدراسات الأولى والباكرة في الجامعة المصرية بدأ الالتفات إلى (فن المقامة) كما وضعه وكتبه بديع الزمان الهمذاني، في إطار دراسة فنون النثر العربي، وأشكاله التقليدية، وقد أوقف زكي مبارك بعض فصول كتابه الضخم "النثر العربي في القرن الرابع الهجري" لرسائل الهمذاني ومقاماته، وإن لم يكن شديد الوعي بتميز المقامات النوعي ولا بما حملته في جعبتها من ممكنات سردية هائلة تجعلنا نتحدث عن نوع أدبي قائم بذاته!
وأظن أن الأمر استمر على ذلك لعقدين أو يزيد حتى بدأت تتبلور مدرسة عربية في تدوين تاريخ الأدب العربي والنظر إلى فنونه وأنواعه في ضوء تطور العلوم الإنسانية الحديثة، ومنهجيات دراسة الآداب التي بدأت تؤتي ثمارها في الرعيل الأول والثاني ممن تخرجوا في الجامعة المصرية على يد كل من طه حسين، وأحمد أمين، وأمين الخولي..
(2)
كان من أبرز تلاميذ طه حسين الذين أولوا تاريخ الأدب العربي والكتابة عن فنونه وأنواعه المرحوم شوقي ضيف الذي كتب عمله الموسوعي الأضخم والأكبر في تاريخ الثقافة العربية عن (تاريخ الأدب العربي) في عشرة أجزاء ضخام، وهي تستحق حديثا مفصلا في حلقات تالية من "مرفأ قراءة..".
مثلت موسوعة تاريخ الأدب العربي الإطار الضخم لمشروع شوقي ضيف "التأريخي" الأدبي لدراسة واستقصاء تفاصيل الأدب العربي كله، منذ ظهوره قبل الإسلام، ومرورًا بعصر صدر الإسلام والدولة الأموية، ثم الأدب في العصر العباسي، الأول والثاني، وما تلا ذلك إلى العصور الحديثة.
تفرع عن هذا المشروع الضخم استقصاءات مدهشة ودقيقة عن الشعر والنثر، عبرت عن نفسها في كتب ومشروعات تأليفية بارزة. وقد حاز "فن المقامة" العربية على مساحة وافرة من جهد شوقي ضيف الاستقصائي "الوصفي" الذي عبر عن نفسه باقتدار في: المجلد الذي خصصه للأدب في العصر العباسي الثاني وقد حبر فيه صفحات طوال عن بديع الزمان الهمذاني ومقاماته ورسائله، وفي الفصول التحليلية التي خصصها لنثر بديع الزمان الهمذاني في كتابه عن "الفن ومذاهبه في النثر العربي"، وأخيرًا في كتابه التعليمي الممتاز الذي خصصه بأكمله عن فن المقامة، وصدر في سلسلة (فنون الأدب العربي) منتصف خمسينيات القرن الماضي.
ثم تلا ذلك اهتمام واسع جدًّا بترجمة وسيرة بديع الزمان الهمذاني نفسه (كتاب مارون عبود مثالا)، باعتباره أحد سادات الكتابة والنثر العربي في القرن الرابع الهجري، وأحد كبار ممثلي مدرسة "التصنع في الكتابة العربية" وفقا للإطار المنهجي والنظري الذي وضعه العلامة الجليل شوقي ضيف في كتابه "الفن ومذاهبه في النثر العربي" والذي قسم فيه مراحل تطور النثر العربي منذ ما قبل الإسلام وحتى القرون الهجرية المتأخرة (من القرن الثامن إلى الثاني عشر) تقسيما فنيا موضوعيا (الصنعة، والتصنيع، والتصنع).
(3)
وقد توقف المرحوم شوقي ضيف وقفات طويلة ومتأنية أمام "مقامات" بديع الزمان الهمذاني، وتأملها ودرسها من أكثر من منظور واتجاه بحثي: فقد درسها في إطار تطور فنون النثر العربي، وصنفها تحت تيار "التصنع" في الكتابة العربية، وعن ذلك يقول:
ونحن نعرض لضربٍ جديد من الكتابة ابتكره بديع الزمان الهمذاني، لنرى ما فيه من تصنع، وهو ما اشتهر به مقاماته، وهي نوع من القصص القصيرة تحفل بالحركة التمثيلية، وفيها تدور المحاورة بين شخصين سمَّى أحدهما عيسى بن هشام، والآخر أبا الفتح الإسكندري، وهو من الأدباء السيَّارين أو المكدين السائلين، يطوف من مكان إلى مكان يستجدي الناس بفصاحته وبيانه، يتقابل دائمًا هذا الشخص المسمى بأبي الفتح الإسكندري، مع راوٍ له يحكي أخباره، وهو عيسى بن هشام.. إلخ
ويؤطر شوقي ضيف لتناوله التحليلي للمقامة باعتبارها نموذجًا لمدرسة التصنع في الكتابة العربية، بتقديم وصفٍ دقيق لماهية "المقامات" الشكلية، ويبرز هذه الدقائق والتفصيلات كما تحدث عنها صاحبها بديع الزمان الهمذاني الذي صرح بأنه وضع أربعمائة قصة "مقامة" من هذا النوع، أو كما يسميها "مقامة"، غير أنه لم يصلنا منها إلا نيف وخمسون فقط، وأكبر الظن أن بديع الزمان كان بصدد الافتخار، والتزيد في عمله، ولذلك ينبغي أن لا نفهم العدد الذي ذكره بمعناه الحرفي.
ولا يترك شوقي ضيف أصل الكلمة ولا استخداماتها اللغوية و"الثقافية" من دون أن يستقصيها ويورد شواهدها، فهو ينطلق من أصل الكلمة "مقامات" التي أطلقها بديع الزمان على نصوصه تلك، ويشير إلى اهتمام الباحثين بأصلها اللغوي، ويتساءلون عن المعاني التي جاءت فيها قبله، وهناك من يرجع إلى الشعر الجاهلي فيجدها تستعمل فيه بمعنى "المجالس"، ثم يورد قول زهير بن أبي سلمى في بعض شعره:
وفيهم مقامات حسان وجوهها وأندية ينتابها القول والفعل
ثم توسع العرب في معنى الكلمة، فأصبحوا يطلقونها على خطبهم وأحاديثهم التي يقولونها في مجالسهم، وقد يفهم بيت زهير على هذا المعنى، واستمرت الكلمة تدل على المعنيين، حتى عصر بديع الزمان نفسه، إذ نجده يستخدمها في رسائله بمعنى "المجالس"، كما استخدمها الثعالبي بنفس المعنى، وفي أخبار بديع الزمان أنه كان يختم مقامه، أو مجلسه في نيسابور بقصة من هذه القصص، ولعله من أجل ذلك اختار لهم اسم المقامات.
(4)
أما في أصل تأليف المقامات ووضعها فقد استند شوقي ضيف إلى ما ذكره الحصري القيرواني من أن بديع الزمان الهمذاني ألف هذه "المقامات" معارضة لابن دريد المتوفي سنة 321 هـ، إذ يقول:
"إن البديع لما رأى أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي أغْرَب بأربعين حديثًا، وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره، وانتخابها من معادة من فكره، وأبداها للأبصار والبصائر، وأهداها إلى الأفكار والضمائر، في معارض حوشية، وألفاظ عنجهية، فجاء أكثرها ينبو عن قبول الطابع، ولا ترفع له حجب الأسماع.. عارضه بأربعمائة مقامة في الكُدية تذوب ظرفًا، وتقطر حسنًا".
لكن شوقي ضيف لا يقبل هذه الرواية على علاتها كما هي، ويرى أن هناك فرقا كبيرا بين مقامات الهمذاني وأحاديث ابن دريد، يقول شوقي ضيف:
"على أنه ينبغي أن نلاحظ أحاديث ابن دريد تخالف مقامات الهمذاني في موضوعها، إذ إن ما رواه له القالي في كتابه «الأمالي»، منها يدور غالبًا حول حكايات عربية قديمة، للتاريخ والحب فيها نصيب، بينما أقاصيص بديع الزمان تدور على التسول، والكدية ومع ذلك فالعلاقة بين العملين واضحة أولًا من حيث الاسم، فإن من معاني كلمة مقامة التي اختارها بديع الزمان لقصصه "حديثًا"، وتجمع على أحاديث، وهو نفس الاسم الذي اقترحه ابن دريد لأقاصيصه، وثانيًا من حيث الغاية، فأحاديث ابن دريد، ومقامات بديع الزمان ألفتا لغاية واحدة، هي تعليم الناشئة اللغة.. (وللحديث بقية)
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تاریخ الأدب العربی النثر العربی فی کتابه
إقرأ أيضاً:
غليان عربي في أفق غائم
تضعنا الأخبار في كل القنوات المتخصصة والهاوية في قلب حراك عربي مضطرب، فنخلط بين رغبتنا في التغيير وبين استشراف تغير يجهل الأعماق التي تموُّر هذا الغليان. هل هو غليان حقيقي أم حشجرة مقهورين عاجزين عن الفعل يغرقون في الأماني وينتظرون المعجزات؟ نكتب في ما نتوقع أنها إرهاصات مستقبل عربي مختلف عما مضى، ونضع في مقدمة المفاعيل طوفان الأقصى فما حصل في غزة وما يزال لا يمكن أن يقف أثره في المربع الغزاوي. كما نتوقع أن التحول العميق في المشهد السوري لا يمكن أن يقف عند الحدود السورية. العناصر كثيرة ومتداخلة، ولكننا سنركز على موقع تيار الإسلام السياسي بتعبيراته القُطرية المختلفة في هذا الحراك الكامن والظاهر، ونحاول الإجابة عن سؤال يتعلق بمستقبل هذا التيار الذي نراه الأقوى والأرسخ في الأرض رغم الفشل الذي أصابه في الربيع العربي.
سبب التركيز على التيار الإسلامي
قام الربيع العربي بفرز عميق بين مختلف التيارات السياسية العربية يسارها ويمينها وخرج منها التيار الإسلامي موصوما بالفشل في إدارة الدول، ولكنه خرج بوسام الحفاظ على الحريات والصبر على التحول السلمي الطويل النفس. نتجاوز هنا الوصم لأننا نعرف ونعاين أن مصدره الأنظمة الأفشل من التيار الإسلامي، ويروج للوصم ويرسخه في الأذهان اليسار الذي لم يعد له من مهمة إلا مطاردة الإسلاميين فوق الأرض وتحتها. لكن أبعد من الوصم ومن تعليق الأوسمة نرى التيار الإسلامي وعمقه الإخواني مشتتا تنظيميا وفاقدا للقيادة، وبه وهن من تعرض لتفكيك عميق. وقد كشف بيان التضامن مع إيران في حربها مع الكيان عن تمزق تنظميي بين التنظيم الدولي وبين إخوان سوريا، وهو تمزق منذر بفُرقة عميقة.
كما نضيف أن سبب التركيز وطرح الأسئلة عن مستقبل التيار ودوره المستقبلي هو الفرز نفسه الذي حصل في الربيع ثم الردة عليه. فقد خلصنا وبشكل نهائي إلى أن تيارات اليسار والقوميين العرب أو من تبقى منهم هم أبعد القوى عن الديمقراطية وعن الإيمان بالحرية ودورها في بناء الدول القوية، وأن أي محاولة لبعث الروح في هذه التيارات بالتعاون معها هو جهد مخسور. لقد اصطفت إلى جانب الأنظمة وهي تشارك في القمع المنهجي الذي يبقي الأنظمة قائمة ويرفع درجة الغليان في النفوس. لقد انتقلت هذه التيارات إلى صف الأنظمة وهي في وارد السقوط معها مهما تأخر هذا السقوط، بما يفسح مجالا لتيارات أخرى ومنها التيار الإسلامي الذي عودنا بأنه كلما سقط تحت ضربات الأنظمة أفلح في إعادة ترميم صفوفه والعودة إلى لعب أدوار مؤثرة.
الحالة السورية تشوش التحليل
دخلت سوريا تحت حكم اسلاميين مختلفين عن التيار الإخواني، ويبدو أن الكهرباء لا تمر بين الجسد الإخواني والحاكمين في سوريا، ونلتقط تعبيرات مليئة بالتخوين والضغائن ولا نتبين للأسف الأسباب الكامنة. وقد صار العطف الأمريكي أو الإعجاب بالحكومة السورية ورئيسها خاصة بعد شطب العقوبات سببا لريبة لدى كل من تربى على عدم الثقة بالأمريكي. ونحن لا نبني هنا على الوصم الصادر عن فلول البعث في لبنان وفي مواقع أخرى.
بعد سبعة أشهر في السلطة نعاين نجاحات؛ أولها وأهمها بدايات استقرار سياسي، فقد نجا الشرع وحكومته من كمائن كثيرة وبدأت أخبار النجاح الاقتصادي في الظهور. ولا نستعبد حصول مفاجآت تسعد الشعب السوري المشرد، وهو ما يرفع من مكانة الحاكمين بما يسقط عن بعضهم تهم الفشل رغم الوصم بالإسلامية.
نحن هنا إزاء وضع إشكالي؛ إسلاميون مرضي عنهم أمريكيا يحكمون ويحققون نجاحات، في مقابل اسلاميين آخرين مغضوب عليهم أمريكيا وصهيونيا لا يرون "إخوانهم" بعين راضية بل يشككون في مصداقيتهم. والنتيجة المتوقعة هي توسع الخلاف بين مكونات التيار غير المتجانسة.
هل يصطف الإسلاميون من خارج سوريا وراء إسلاميي سوريا ويتخذونهم نموذجا أو قدوة أو وسيلة لتهدئة الصراع بين الغرب (عموما) والإسلاميين، فيكون انتقالا جذريا من الصراع مع الغرب إلى الصراع عليه؟ بمنطق تبسيطي: "أيها الغرب ارضَ عنا، فنحن مثل إسلاميي سوريا فعاملنا مثلهم".
هذا ينقل قيادة العمل الإسلامي في عمومه إلى سوريا ونظامها الجديد، ولا نعني هنا انتقالا تنظيميا (عبر اجتهادات فقهية) بل نسجا على منوال السوريين الجدد، لنقلْ البراغماتية عوض العداء أو المهادنة عوض المواجهة (دون غلق احتمالات التطبيع المعلق فوق رؤوس السوريين).
إن بيان التنظيم الدولي المساند لإيران ضد رغبة السوريين (والإخوان منهم بالذات) والالتزام المطلق للتيار الإخواني مع حماس المقاومة وتبني موقفها بلا جدال، يجعل هذا الاحتمال ضربا من الخيال. وما فعله النظام الأردني بجماعة الإخوان مؤشر مهم يجعل اصطفاف التيار الإسلامي (الإخواني) وراء التجربة السورية مستبعد فعلا. نقف هنا على انقسام حقيقي يجعل توقعاتنا عن صحة التيار الإسلامي ودوره المستقبلي لا تصمد طويلا.
التركي يطل برأسه
هذا الغليان في الشارع العربي سينتج مفاعيله، فالفشل الظاهر في مصر وتونس وليبيا لا يملك أسباب الاستمرار، وليست هناك قوى شعبية يمكن أن تتلقف ما بعد الفشل وتقوده نحو حلول مستدامة. أي أن احتمالات الفوضى واردة، وهنا يظهر الإسلاميون رغم شتاتهم الآني قوة شعبية، فإن لم يكونوا القوة الأولى فإنهم سيكونون قوة ثابتة في مشهد مضطرب؛ يمكنهم تصعيد الفوضى كما يمكنهم تهدئتها، وأي سلطة قد تحل محل الفشل الحالي تحتاج الحديث معهم على الأقل في مرحلة انتقالية تنتج عنها مكاسب لهم.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما نسمعه وما نعاين بعضه من عطف تركي على التجربة السورية، وصل عند البعض حد القول بأن تركيا تبنت سوريا وترعاها وبعض رعايتها تهدئة العداء الأمريكي (الغربي عامة) لإسلاميي سوريا، فإن الدور التركي مؤهل للتوسع في أقطار الربيع العربي حيث يوجد تيار إخواني (إسلامي).
نتذكر هنا الحماس التركي للربيع العربي وإسنادها الإسلاميين الذين قدمتهم الانتخابات للحكم في أقطارهم، لكن نتذكر أيضا نفض يدها منهم عندما تبين ضعفهم وعودتها إلى سياسة صفر مشاكل مع الأنظمة العائدة بالانقلابات (وقد حققت مكاسب مع السيسي أفضل من مكاسبها مع مرسي)، بما يجعل توقعاتنا لدور تركي يعتمد على قوى إسلامية وتسويقها طبقا لتمشّيها في سوريا غير يقينية. لكن براغماتية الأتراك فعالة ودورهم في سوريا مفيد لهم أولا، وقد يرون الفائدة في إعادة بناء حلف تركي إسلامي يتمتع فيه الإسلاميون بحماية تركية من خصومهم في الداخل العربي وفي الغرب.
هنا تدخل عناصر كثيرة في المشهد لا تساعدنا على الاستشراف؛ أولها علاقة الإسلاميين بغزة والطوفان وحماس/ المقاومة (أي نقطة ارتكاز عداء الغرب للإسلاميين)، وعلاقتهم بايران (الأخ اللدود لتركيا). ولا يبدو الإسلاميون في وارد التخلي عن المقاومة، كما يدخل في المشهد اضطراب المشهد التركي نفسه فالداخل التركي ليس مستقرا لصالح أردوغان بما يطلق يده في المنطقة على هواه.
الصورة مشوشة ولكن هناك ثوابت؛ أهمها أن المنطقة على أبواب تغيير عميق، لكن اتجاهه لا يتضح لنا بسهولة إنما نعاين أن فعل السياسة يخرج من الخطط الكبرى (المناويل الكليانية) إلى نوع من الحركة في مربعات صغيرة تتحول فيها التحالفات والأفكار بسرعة؛ نشببها بشيء من مجاز بضربات المقاوم الغزاوي، يخرج فجأة يضرب ضربته يحقق مكاسب موضعية مبقيا على معركة التحرير في خلفية الفعل.
ستضع المنطقة الحرية والديمقرايطة في خلفية الصورة وتوجه ضربات موضعية. هل يفلح الإسلاميون في توجيه هذه الضربات الموضعية باعتماد رصيدهم في حماية الحريات زمن الربيع العربي؟ شيء ما يؤهلهم لهذا الدور رغم شتاتهم الآني وربما عليهم تهدئة الضرب مع التجربة السورية، فلا يسلّمون برأي فلول الأسد في التجربة قبل ترسيخ قدمها في الأرض السورية. وليتذكر الإسلاميون أن الطعن في الثورة السورية وحكومة سوريا القائمة صادر بالدرجة الأولى وحصريا عن فلول جزاري حماة.