تحليل: التصعيد يهدد اتفاق جنيف ويشعل الاضطرابات في ليبيا
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
أثارت عودة إراقة الدماء والصراعات على السلطة في ليبيا مخاوف من تصعيد يهدد بتوجيه ضربة قاتلة للانتقال السياسي الذي تتوسط فيه الأمم المتحدة ويدفع البلد الذي مزقته الحرب إلى مزيد من الاضطرابات.
وتكافح الدولة الشاسعة الواقعة في شمال أفريقيا والتي يبلغ عدد سكانها 6.8 مليون نسمة للتعافي من سنوات من الصراع بعد انتفاضة 2011 المدعومة من حلف شمال الأطلسي التي أطاحت بمعمر القذافي الذي حكم البلاد لفترة طويلة، وفق صحيفة "لومند" الفرنسية.
وتعاني ليبيا من انقسامات منذ سقوط نظام القذافي عام 2011. وتدير شؤونها حكومتان: الأولى معترف بها دوليا مقرها العاصمة، طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد وتحظى بدعم البرلمان والمشير خليفة حفتر.
وعلى الرغم من عودة الهدوء النسبي في السنوات الأخيرة، لا تزال الاشتباكات تندلع بشكل دوري بين الجماعات المسلحة التي لا تعد ولا تحصى في ليبيا.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قتل تسعة أشخاص وأصيب العشرات في قتال شرق طرابلس بين مجموعتين، كلتاهما تابعتان لحكومة عبد الحميد دبيبة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
والأحد (11 أغسطس)، حاصرت مجموعة من الرجال، بعضهم مسلح، لفترة وجيزة مقر مصرف ليبيا المركزي في العاصمة، حسبما أفادت وسائل إعلام محلية، فيما قالوا إنها محاولة لإجبار محافظه، صديق الكبير، على الاستقالة.
وقال السفير الأميركي، ريتشارد نورلاند، إن محاولات الإطاحة بالكبير "غير مقبولة"، محذرا من أن استبداله "بالقوة يمكن أن يؤدي إلى فقدان ليبيا إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية الدولية".
وقال نورلاند، في منشور على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، إن المواجهة في طرابلس "تسلط الضوء على المخاطر المستمرة التي يشكلها الجمود السياسي في ليبيا".
وقد أشارت التحركات الأخيرة التي اتخذها برلمان الشرق إلى أن "بعض الأطراف تهدف إلى الضغط على المجتمع الدولي للتوصل إلى اتفاق جديد" بشأن حكم البلاد، كما قال خالد المنتصر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طرابلس للومند.
وقال البرلمان في مدينة طبرق الشرقية، الثلاثاء، إن الحكومة في طرابلس "غير شرعية" ، كما تحركت لتجريد المجلس الرئاسي، الذي تم تشكيله بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الانتقالية لعام 2021، من دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة الليبية.
وبالمثل، شكك حفتر وأبناؤه الذين يشغلون مناصب رئيسية في الإدارة الشرقية في شرعية الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وبين أبريل عام 2019 ويونيو عام 2020، حاولت القوات المتحالفة مع حفتر الاستيلاء على طرابلس لكنها فشلت بعد معارك دامية. وفي أعقاب وقف إطلاق النار، سعى الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة والموقَّع في جنيف إلى إنشاء مؤسسات مؤقتة مع التخطيط لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. كان من المقرر في البداية إجراء التصويت، في ديسمبر عام 2021 ، وتم تأجيله إلى أجل غير مسمى بسبب خلافات حول إطاره القانوني.
وتفاقمت التوترات في الآونة الأخيرة بسبب المخاوف من تجدد القتال بعد أن ذكرت تقارير إعلامية ومحللون أن قوات من الشرق تتحرك نحو جنوب غرب ليبيا وهي منطقة خاضعة لسيطرة حكومة طرابلس مما أثار قلقا دوليا.
وشهد غرب ليبيا تحركات عسكرية بعد إعلان مفاجئ لقوات حفتر إجراء تحركات عسكرية جنوب غرب طرابلس قرب مناطق تحت سيطرة حكومة غرب ليبيا. قابلتها حالة "استنفار وتأهب عسكري" من طرف حكومة طرابلس.
وقوبلت هذه التحركات برفض دولي وأممي واسع، لتسارع قوات حفتر نفي نيتها شن هجوم عسكري، مؤكدة أنها فقط تستهدف "تأمين الحدود الجنوبية للبلاد".
وقال الجيش بقيادة صدام حفتر، الابن الأصغر للمشير، إنه يهدف فقط إلى "تأمين الحدود الجنوبية للبلاد وتعزيز الاستقرار" في المناطق التي يسيطر عليها بالفعل.
وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إنها تتابع "بقلق" التحركات التي "تزيد التوتر وتقوض الثقة وتزيد من ترسيخ الانقسامات المؤسسية والخلاف بين الليبيين".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الأمم المتحدة فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
تحليل يتناول تصاعد القمع ضد الإصلاح في الإمارات العربية المتحدة
نشر موقع Arab Digest، تحليلا بعنوان "تصاعد القمع ضد الإصلاح في الإمارات العربية المتحدة"، ويشير إلى أن حركة الإصلاح التي تأسست في الإمارات في عقد الستينيات من القرن الماضي، ساهمت بشكل كبير في التنمية الوطنية، وشاركت في الحوار السياسي السلمي، قبل أن تواجه قمعا متزايدا على أيدي السلطات الإماراتية.
ولفت التحليل إلى أن السلطات في الإمارات أعلنت في شهر يناير (كانون الثاني) عن قرار صادر عن الحكومة بشكل أحادي، يقضي بإضافة أسماء أحد عشر شخصاً وثمان شركات إلى قائمة الإرهاب لديها بسبب ارتباطاتهم المزعومة بجماعة الإخوان المسلمين وبما يزعمون أنه الفرع الإماراتي للجماعة "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي"، أو ما يعرف اختصاراً باسم "الإصلاح".
وتاليا نص التحليل كاملا
أعلنت السلطات في الإمارات العربية المتحدة في شهر يناير (كانون الثاني) عن قرار صادر عن الحكومة بشكل أحادي يقضي بإضافة أسماء أحد عشر شخصاً وثمان شركات إلى قائمة الإرهاب لديها بسبب ارتباطاتهم المزعومة بجماعة الإخوان المسلمين وبما يزعمون أنه الفرع الإماراتي للجماعة "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي"، أو ما يعرف اختصاراً باسم "الإصلاح". يعتبر هذا الإجراء، الذي نددت به منظمات حقوق الإنسان الدولية باعتباره استهزاء بالعدالة، تصعيداً أخيراً في الحرب التي تشنها السلطات الإماراتية منذ مدة ضد ما يعرف بالإسلام السياسي. وذلك على الرغم من أن الإصلاح ظل لسنوات عديدة ركناً من أركان المجتمع الإماراتي، يشارك في الحوار السياسي السلمي، ويقدم مساهمة لا يمكن إنكارها في مجال التنمية الوطنية.
تعود جذور الإصلاح في الإمارات العربية المتحدة إلى ستينيات القرن الماضي، قبل أن يتأسس البلد بشكل رسمي. في تلك الأيام، كانت إمارات الساحل المتصالحة (والتي شكلت فيما بعد دولة الإمارات العربية المتحدة) توشك أن تنعطف نحو تحول اقتصادي هائل. بدأ إنتاج النفط يتزايد (انطلقت صادرات أبو ظبي للنفط في 1962، ودبي في 1969)، ولكن كان استخراج اللؤلؤ ما يزال هو العمود الفقري للاقتصاد البحري، إلى جانب الشحن في الإقليم وعبر العالم لمختلف البضائع مثل التمور والخيول والمسكوكات مثل المسكوكة الفضية التي تعرف باسم ماريا تيريزا.
كانت تلك الحقبة هي ذروة الحرب الباردة حينما كانت التيارات القومية والاشتراكية تهيمن على الحركات السياسية العربية، والتي كان الكثيرون يعارضونها بسبب حكمها السلطوي وبسبب توجهاتها الثقافية، فراحوا يبحثون عن أنظمة سياسية بديلة.
شكلت هزيمة العرب في حرب يونيو / حزيران 1967 "صدمة" كبيرة لملايين العرب، وهذا بدوره فتح الباب على مصراعيه أمام ما كان يعرف باسم "الصحوة الإسلامية"، والتي كانت بمثابة نأي جماعي عن الحركات القومية والعلمانية وتوجه نحو الإسلام. ساعد على ذلك ما كان يمارسه علماء المسلمين والدعاة والجماعات الإسلامية من جهود دعوية مكثفة، بناء على ما كانت تعاني منه الأمة العربية، بما في ذلك احتلال مزيد من الأرض الفلسطينية، والتجزئة، وكذلك الحكم القهري للأنظمة العسكرية، والتي تشكل الانطباع عنها بأنها استبدادية طاغية وخاضعة للقوى الغربية صاغرة أمامها.
كانت الحركات القومية تتمتع في الستينيات من القرن الماضي ببعض النفوذ داخل الإمارات العربية المتحدة، التي خضعت للحكم الاستعماري البريطاني غير الرسمي منذ عام 1820. ولكن وهن هذا النفوذ بعد حرب عام 1967 لينفتح المجال أمام تأسيس متين للقيم الإسلامية والتعليم الإسلامي، بدعم من المدارس والعلماء في ذلك الوقت. ساعد ذلك على بروز جيل ساهم في إنشاء حركة الإصلاح.
أدركت مجموعة من المفكرين والمثقفين الحاجة إلى وجود منظمة تروج لبرنامجهم الإصلاحي. وبمباركة من حاكم دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، بادروا بإنشاء جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي في عام 1974. تضمنت غاياتها نشر القيم الإسلامية، وتشجيع الأعمال الصالحة، وتوحيد المجتمع، ومكافحة الرذيلة، وتوجيه الشباب، وتقديم الحلول للمشاكل الاجتماعية. كان من بين مؤسسيها عدد من الشخصيات المؤثرة ممن درسوا في الكويت وقطر ومصر، واشتملت قيادتها على علماء بارزين ورجال أعمال وقيادات مجتمعية.
شاركت جميعة الإصلاح منذ تأسيسها في سلسلة واسعة من النشاطات الاجتماعية والتعليمية والتنموية، من إنشاء المدارس والمكتبات إلى المساهمة في تأسيس بنك دبي الإسلامي، والذي هو اليوم أكبر مصرف إسلامي في الإمارات العربية المتحدة. وكانت تنظم نشاطات طلابية ومعارض للكتب ومهرجانات وندوات، وتقوم بتنظيم الزيارات المتبادلة مع البلدان الأخرى، ثم أنشأت "اللجنة الوطنية لمقاومة التطبيع مع العدو الإسرائيلي" في الإمارات العربية المتحدة.
كان لغزو العراق للكويت في عام 1990 أثر بعيد المدى على منطقة الخليج بأسرها، بما في ذلك حركة الإصلاح. حينذاك، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة حكومة وشعباً موقفاً مناصراً للشعب الكويتي. وقامت جميعة الإصلاح بتنسيق جهود مختلف الكيانات الحكومية الرسمية وغير الحكومية، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين الكويتيين المنفيين، وضمان حصولهم على الاحتياجات الضرورية، ونظمت رحلات جوية لنقل الكويتيين الذين كانوا في مصر وتركيا وإعادتهم إلى الإمارات العربية المتحدة، وشكلت "لجنة إسكان الكويتيين" لتوفير السكن للمواطنين الكويتيين في فنادق أبو ظبي، وقامت فيما بعد باستئجار مبان وفلل كاملة وأتاحتها لهم ليقيموا فيها. في الشارقة وحدها، استأجرت اللجنة ما يزيد عن 52 من المباني والأبراج الجديدة لإسكان ما يقرب من 41 ألف كويتي وصلوا إلى البلاد.
ولكن رأت السلطات في الإمارات العربية المتحدة في نشاطات حركة الإصلاح تحدياً لأجندتها السياسية والاجتماعية الآخذة في التشكل. فصدر في عام 1994 أمر رسمي بحل مجلس إدارة جمعية الإصلاح زعماً بأن مجلة الإصلاح تسببت في إحراج الحكومة الإماراتية في علاقاتها مع البلدان العربية الأخرى. والحقيقة هي أن حل مجلس إدارة الجمعية كان جزءاً من سياسة أشمل تبنتها السلطات في الإمارات بهدف تقليص نفوذ الحركات الإسلامية. ثم جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتشكل انعطافة كبيرة أخرى نظراً لأن اثنين من المشاركين في الهجمات كانوا إماراتيين. ثم تحت غطاء التوجه العالمي الجديد لمكافحة الإرهاب، استغلت السلطات الإماراتية الفرصة كمبرر لفرض مزيد من السيطرة على النشاطات الإسلامية، التي باتت منذ ذلك الحين تعتبر نشاطات مريبة.
على الرغم من أن تحقيقات الحكومة في نشاطات جمعية الإصلاح لم تعثر على أي دليل يثبت ارتكاب تجاوزات قانونية أو مالية، إلا أن الحركة وجدت نفسها مضطرة لتأسيس كيانات قانونية بديلة تتمكن من خلالها من الاستمرار في ممارسة نشاطاتها الثقافية والاجتماعية والترفيهية، مثل "نادي أجيال" في رأس الخيمة ومنظمة جديدة تسمى "تواصل". تكثفت إجراءات القمع في أنحاء الإمارات، فصار الإسلاميون يستبعدون من مواقعهم في منظمات العمل الخيري، وفي المؤسسات الثقافية، وفي الوزارات الحكومية، وبشكل خاص في وزارات التعليم والعدل والأوقاف والشؤون الإسلامية. وحتى يتسنى لها ضبط الخطاب الديني والحد من الأصوات المستقلة، اتخذت السلطات إجراءات تضمن توحيد خطب الجمعة في جميع الإمارات بالإضافة إلى ضرورة حصول الوعاظ على رخص تجيز لهم ممارسة الوعظ. كما حُظر على العشرات من الصحفيين المنتسبين إلى الإصلاح المشاركة في وسائل الإعلام المملوكة للدولة. وبذلك انطلقت حملة منظمة للقهر والتنكيل. فانتزعت الجنسية الإماراتية من بعض منتسبي الإصلاح، بينما غُيب آخرون في السجون حيث يتعرضون للإكراه والضغط والتعذيب.
واحدة من أكبر القضايا الخلافية بين السلطات الإماراتية وحركة الإصلاح كانت باستمرار تتعلق بمدى التغريب الذي يتعرض له المجتمع الإماراتي. ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كثفت السلطات في الإمارات العربية المتحدة جهودها لجلب المستشارين والمدرسين الأجانب، وخاصة من أوروبا وأمريكا، وفرضت مناهج تعليم أجنبية متجاهلة الخصائص التي تتميز بها العائلات الإماراتية. تضمن ذلك تعديل عطل المدارس حتى تكون منسجمة مع الاحتفالات الغربية بأعياد الميلاد، وتقليص حصص اللغة العربية والدراسات الإسلامية. في هذه الأثناء فُرض على مدراء المدارس، سواء كانوا إماراتيين أم وافدين، الخضوع لرقابة مدراء أجانب مهمتهم إملاء السياسات الحكومية المتعلقة بالمدارس.
اعتبرت حركة الإصلاح هذه السياسات جهداً متعمداً يهدف إلى تقويض الهوية الثقافية الإماراتية واستبدال القيم الإماراتية والعربية الإسلامية بعادات أجنبية. ورأى القائمون على الحركة أن مشاعر وأولويات الإماراتيين يتم تجاهلها، وأن هويتهم الوطنية والدينية باتت في خطر. نتيجة لذلك تعرضت حركة الإصلاح لممارسات قمعية وحشية مازالت مستمرة حتى الآن. وفي عام 2013 صدرت أحكام قضائية على العشرات من أعضاء حركة الإصلاح فيما بات معروفاً الآن باسم محاكمة "الإمارات 94"، حول ما زُعم أنه مخطط للإطاحة بالحكومة، في قضية باتت تعتبر الآن رمزاً لما يمارسه نظام الحكم في الإمارات من قمع بحق المعارضين ولإخفاقه في احترام معايير حقوق الإنسان الدولية. وفي العام الماضي، أصدرت محكمة إماراتية على 43 ناشطاً آخر، جلهم من الإصلاح، أحكاماً بالسجن المؤبد، بتهمة ارتكاب جرائم ذات صلة "بالإرهاب". كما صدرت أحكام على عشرة آخرين بالسجن مدداً تتراوح بين عشر وخمس عشرة سنة بتهم "التعاون مع الإصلاح" وغسيل الأموال.
وبذلك يكون تيار الإسلام السياسي، الذي يرى فيه نظام الحكم في الإمارات أكبر الأخطار المحدقة به، قد أجبر على النزول تحت الأرض، الأمر الذي سهل على الحكومة المضي قدماً في التطبيع مع إسرائيل وفي إجراءات التغريب.