هجوم حزب الله.. مخاوف إسرائيلية من تكراره ومن تداعياته المحتملة
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
انشغلت الصحف الإسرائيلية اليوم بالتحديثات المستمرة لأخبار الهجوم الذي شنه حزب الله فجر اليوم الأحد بالصواريخ والمسيرات الهجومية، مع تركيزها على التأكيد على الهجوم الاستباقي الذي شنه الجيش الإسرائيلي.
كما انشغل عدد من الكتاب برصد تداعيات الهجوم واحتمالات التصعيد المستقبلي بين الطرفين، وتأثيراته المحتملة على مفاوضات صفقة الأسرى التي تنعقد في القاهرة اليوم، واحتمال اندلاع حرب إقليمية تسعى الولايات المتحدة إلى تجنبها.
قال المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، رون بن يشاي، إنه "لا يوجد حتى الآن تأكيد على أن حزب الله كان ينوي ضرب مدارج مطار بن غوريون، لكن التقارير الأجنبية تشير إلى أنه كان أحد الأهداف، بالإضافة إلى قواعد أخرى للجيش الإسرائيلي في المنطقة الوسطى".
وأشار إلى أن "الضربة الاستباقية التي شنها الجيش الإسرائيلي أحبطت خطط حزب الله لشن هجمات صاروخية وبطائرات مسيرة في يوم أربعينية الإمام الحسين.
وأضاف بن يشاي "بشكل عام، يبدو أن حزب الله خطط للعمل بشكل رئيسي في الشمال من أجل منع حرب إقليمية كانت ستتطور لو أنه هاجم على نطاق واسع في المنطقة الوسطى. ومع ذلك، حاولت المنظمة الحفاظ على المعادلة التي وضعها حسن نصر الله، التي بموجبها كان الهجوم على بيروت، المكان الذي اغتالت فيه إسرائيل فؤاد شكر، من شأنه أن يثير ردا في تل أبيب. ولكن كما لوحظ، ووفقا للتقارير، كان عدد الأهداف المختارة في المنطقة الوسطى محدودا وكانت جميعها أهدافا عسكرية بنية واضحة من حزب الله، على ما يبدو وفقا لطلب الإيرانيين بمنع حرب شاملة".
أولوية إسرائيلوحول التعامل الإسرائيلي مع الهجوم، قال بن يشاي إن "المجلس الوزاري السياسي الأمني سيأخذ بعين الاعتبار أن المفاوضات لإطلاق سراح المختطفين هي الآن الأولوية. وهناك اعتبار آخر هو الطلب الأميركي القاطع بأن تمتنع إسرائيل عن أي عمل يشعل حربا إقليمية. لا تريد إدارة بايدن، عشية الانتخابات، أن تتورط في حرب قد يكون من الضروري فيها مهاجمة إيران أيضا والتورط في حرب طويلة".
ولتجنب المخاوف الأميركية، قال المحلل العسكري أن واشنطن تلقت تحذيرا مسبقا، قبل الساعة 5:00 صباحا، بشأن اعتزام إسرائيل توجيه "ضربة وقائية لإحباط هجوم حزب الله وليس أكثر من ذلك. لذلك، فإن الإعلانات التي خرجت من البيت لأبيض كانت أيضا وفقا لذلك، وكان الإعلان الرئيسي هو التعبير عن الدعم لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها".
وأشار الكاتب إلى أن "إسرائيل تستعد لمحاولة حزب الله التكفير عن فشله هذا الصباح في يوم أو يومين آخرين، ومعضلة إسرائيل هي كيفية منع وضع تدخل فيه مرة أخرى فترة انتظار المرحلة الثانية أو الثالثة من ضربة حزب الله الانتقامية".
وقال إن "أحد الاحتمالات هو أن تقوم إسرائيل بإبلاغ لبنان اليوم بأن محاولة أخرى لضربنا بالانتقام سيتم الرد عليها تلقائيا بحرب شاملة من إسرائيل ضد لبنان. بالطبع، يجب تنسيق مثل هذا الإعلان مع الأميركيين، والأهم من ذلك، يجب أن يكون مدعوما بإعلانات سياسية من قبل الحكومة الإسرائيلية".
وحرص في النهاية على القول إنه "يجب ألا يسمح لحزب الله بإبقائنا في حالة تأهب وعدم يقين، كما فعل في الأسابيع الأخيرة، وعلى المدى البعيد قليلا، يجب أن ننهي الوضع الذي يخوض فيه الشمال حرب استنزاف".
حرب تدريجيةأما الباحث موشيه بوزايلوف في معهد مسغاف للأمن القومي، فقد اعتبر في مقاله بصحيفة معاريف أن الوضع الحالي هو "حرب تدريجية، حيث يختبر كل جانب حدود قدرة الطرف الآخر على التحمل، ولكن إذا استمرت إسرائيل في العمل في نموذج من الضربات الوقائية المستهدفة مع الحفاظ على التنسيق السياسي مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، فهناك فرصة جيدة ألا يتطور الصراع إلى حرب شاملة".
ومع ذلك، أشار إلى "احتمال أن تختار الإدارة الأميركية، تحت الضغط الإسرائيلي، توجيه ضربة لإيران من أجل إعطائها درسا مهما لعدم استخدام حزب الله وكيلا لها، معتبرا أن هذا التصميم الأميركي يمكن أن يؤدي إلى تصعيد متعمد من أجل ردع إيران وإرسال رسالة واضحة إلى الشرق الأوسط بأسره: لن تتسامح الولايات المتحدة مع الإضرار بمصالحها ومصالح حلفائها".
ولكنه أكد في المقابل أن الإدارة الأميركية ستفعل في الشهر المقبل كل ما في وسعها لمنع مثل هذا التصعيد، وستعمل على لجم أي محاولة إسرائيلية للتصعيد.
مغادرة الوفد الإسرائيلي المفاوضومن جهة أخرى، أكد المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، جوناثان ليس، أنه رغم التصعيد في الشمال، فإن الوفد الإسرائيلي المفاوض سيغادر إلى مصر اليوم كما هو مخطط له.
وقال "يشير قرار إرسال رئيسي الموساد والشاباك إلى أن هناك تقييما متزايدا في إسرائيل بأن الجولة الحالية مع حزب الله قد انتهت".
وأضاف "لكن كبار المسؤولين الإسرائيليين يجدون صعوبة في رؤية انفراجة في الاتصالات مع حماس في هذه المرحلة في ضوء الخلاف حول محور فيلادلفيا"، مشيرا إلى أن "حركة حماس قالت إنها ترفض الموقف الإسرائيلي بعدم الانسحاب الكامل منه".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات إلى أن
إقرأ أيضاً:
«حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
«حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
محمد الحسن محمد نور
حين ننظر إلى المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط من منظور القرار الأمريكي في واشنطن، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا لا يدور حول أخلاقية دعم هذا الطرف أو ذاك، بل حول حساب الربح والخسارة في معادلة معقدة. لماذا تظل الولايات المتحدة متمسكة بدعم إسرائيل دعمًا مطلقًا، حتى عندما تتجاوز تصرفاتها حدود القانون الدولي وتسبب إحراجًا دبلوماسيا لواشنطن؟
الجواب لا يكمن في نقطة واحدة، بل في شبكة من المصالح المتشابكة التي تشكل عقيدة استراتيجية راسخة. فإسرائيل، برغم مساحتها الصغيرة، هي أكثر من مجرد دولة حليفة؛ إنها حاملة طائرات غير قابلة للغرق، ومختبر ميداني للتكنولوجيا العسكرية المتطورة، ووكيل موثوق لتنفيذ عمليات تحفظ واشنطن لنفسها تبعاتها المباشرة. هذا الدور التشغيلي الفريد يعطي لإسرائيل قيمة لا تُقدَّر بثمن في منطقة يعتبر الاستقرار فيها شحيحًا والولاءات متقلبة. ولكن تبقى هذه العلاقة محكومة بحسابات البراغماتية الصرفة، فالدعم الأمريكي لا ينبع من عاطفة أبدية، بل من تقاطع مصالح يُعاد تقييمه باستمرار تحت ضوء المتغيرات الإقليمية.
وفي الجهة المقابلة من هذه المعادلة، تقف المملكة العربية السعودية كعملاق جيوسياسي يطرح نفسه بديلاً استراتيجيا جذابًا لأمريكا. وربما مرعبًا لإسرائيل. فبرغم أن مساحة إسرائيل لا تقارن بمساحة السعودية الشاسعة، وبرغم أن ثروة الأخيرة الهائلة تجعلها شريكًا اقتصاديًا لا يُستهان به كما أشار ترمب، إلا أن المقارنة الحقيقية ليست في الجغرافيا أو الثروة وحدهما.
فالسعودية تمتلك ما هو أثمن: نسبة عالية من الاستقرار الداخلي والإقليمي، وغياب الأعداء المباشرين الذين يحيطون بإسرائيل من كل حدب وصوب، ونفوذ ديني وثقافي يمتد لقلب العالم الإسلامي. والأهم من وجهة النظر الأمريكية، أن شراكة السعودية لا ترهق أمريكا بالحروب العديمة الجدوى، ولا تفرض عليها الدخول في صراعات مباشرة؛ بل تقدم نفسها كقوة مستقرة قادرة على إدارة ملفاتها الأمنية بنفسها، وتكون ركيزةً للاستقرار الإقليمي بدلاً من أن تكون بؤرة للصراع الدائم. هذا الواقع يطرح سؤالاً وجوديًا في أروقة تل أبيب: هل تخشى إسرائيل أن تكون السعودية بديلاً لها في يوم ما؟ الخشية حاضرة وبقوة، ولكنها ليست خشية من زوال، بل خشية من إعادة ترتيب للأولويات.
فالقلق الإسرائيلي العميق لا يتعلق باحتمال أن تتخلى واشنطن عن دعمها بين عشية وضحاها، بل بأن يتقلص دورها من حليف استراتيجي لا غنى عنه، إلى مجرد أداة واحدة ضمن عدة أدوات في صندوق أدوات السياسة الأمريكية. إن صعود التحالف الأمريكي-السعودي ليكون المحور المركزي في المنطقة يعني ببساطة أن القيمة التفاوضية لإسرائيل ستهبط، وأن قدرتها على الحصول على دعم غير مشروط لأجندتها الأمنية ستنخفض.
ولهذا، نرى أن إسرائيل تعمل جاهدة على إبقاء ملفات المنطقة ساخنة ومفتوحة، وتقاوم أي محاولة لترتيب الوضع الإقليمي على نحو يقلل من أهميتها العسكرية والاستخباراتية لواشنطن – من مقاومة الاتفاق النووي الإيراني 2015، مرورًا بالضغط لإفشال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وصولاً إلى عرقلة أي تقارب سعودي-إيراني حقيقي. إنها تدرك أن نفوذها مرتبط باستمرار حالة الطوارئ والصراع، فيما تقدم السعودية نفسها كضامن للاستقرار والطاقة والعلاقات الاقتصادية الواسعة، وهي سلع تزداد قيمتها في عالم تتزايد فيه المنافسة مع الصين وروسيا. وإذا حدث هذا التحول وأصبحت الرياض الشريك الأول لواشنطن، فإن المشهد سيتغير جذريًا.
فالسؤال المصيري هو: إذا تحول ميزان القوة لصالح السعودية، هل يزيد هذا من نفوذ أمريكا أم ينقصه؟ الإجابة معقدة وتحتوي على تناقضات.
على المدى القصير، قد يوسع هذا التحول من نفوذ أمريكا، إذ ستمتلك واشنطن بوابة مباشرة إلى قلب العالم العربي والإسلامي عبر شريك قوي ومستقر، قادر على تحقيق استقرار أوسع قد يخفف من حاجة الولايات المتحدة للتدخل المباشر المكلف.
لكن على المدى الطويل، قد تأتي الخسارة من حيث لا تُحتسب. فاستبدال حليف عسكري منضبط مثل إسرائيل، يتحرك كذراع تنفيذي سريع وحاد، بشريك كبير ذي أجندة وطنية مستقلة مثل السعودية، يعني أن واشنطن قد تفقد السيطرة على تفاصيل المشهد. قد تتبع الرياض سياسات اقتصادية أو تقاربًا مع منافسي أمريكا مثل الصين، أو تتبنى مواقف متصلبة في ملفات مثل إيران أو اليمن تتعارض مع الحسابات الأمريكية الدقيقة.
والأخطر من ذلك داخليًا، أن أي تحول في الدعم التاريخي لإسرائيل سيشعل حربًا سياسية ضارية داخل الولايات المتحدة بين المحافظين الإنجيليين والليبراليين وأصحاب المصالح، مما يُضعف قدرة واشنطن على تطبيق سياسة خارجية متسقة وقوية، وهو أكبر هدية يمكن تقديمها لمنافسيها على الساحة العالمية.
في الختام، إن اللعبة الكبرى التي تدور رحاها في الشرق الأوسط اليوم ليست بين السعودية وإسرائيل فحسب، بل هي اختبار حقيقي لذكاء الاستراتيجية الأمريكية نفسها. فالنفوذ الحقيقي لا يكمن في الانحياز الأعمى لحليف واحد، مهما بلغت قوته، بل في الفن الدقيق لإدارة التوازن بين جميع القوى في الساحة، وجعل كل طرف يشعر أنه في حاجة إلى الوسيط الأمريكي بطريقة مختلفة. المصلحة الأمريكية العليا ليست في دعم إسرائيل لأنها الأقوى عسكريًا، ولا في التحول إلى السعودية لأنها الأغنى، بل في منع أي منهما من أن تصبح قويةً لدرجة الاستغناء عن واشنطن، أو أن تشعر بالأمان لدرجة السير في طريق مستقل. الخطر الذي يتهدد النفوذ الأمريكي ليس من منافس خارجي يظهر فجأة، بل من تحول التنافس الخفي بين حلفائه إلى صراع مفتوح، يُجبر واشنطن على الاختيار فتخسر أحد رهاناتها.
وفي النهاية، الولايات المتحدة لا تخسر عندما يتقاتل أعداؤها… بل عندما يتصالح حلفاؤها.
الوسومأمريكا إسرائيل إيران الشرق الأوسط الصين الملف النووي الإيراني دونالد ترامب روسيا سوريا محمد الحسن محمد نور واشنطن